زيزي والإوزات العشر: درس من الطبيعة

في قديم الزمان، هبطت عشر إوزات بيضاء في بحيرة ماء صغيرة صافية تقع في قلب غابة جميلة مغطاة بأشجار الأرز والصنوبر والبلوط. كانت الإوزات قد قررت البقاء في هذا المكان حتى نهاية الصيف، حيث كان هادئًا، جميلًا، وموفرًا للطعام في مياه البحيرة وعلى شواطئها وبين الأشجار. ومع ذلك، كانت هناك إوزة تدعى زيزي، مشهورة بكثرة شكواها وتبرمها.


زيزي كانت دائمًا تتذمر بأنها لم تشبع يومًا واحدًا، مع أنها كانت تدّعي أنها تبذل جهدًا في البحث عن الطعام في كل مكان. لكن الحقيقة كانت أنها كانت تمضي معظم ساعات النهار نائمة قرب الشاطئ، مخفية رجلها اليسرى في ريش بطنها، وتحلم بوجبة من القواقع والديدان والضفادع الصغيرة.


في صباح أحد الأيام، استيقظت الإوزات مذعورات على هدير حافلة تخترق الغابة وتتقدم نحو البحيرة متمايلة على الطريق الترابي. أطلّت من النوافذ وجوه صغيرة باسمة. أسرعت الإوزات بالهرب والاختباء، واضطرت إحداهن للعودة بسرعة وجرّ زيزي الكسولة نحو أشجار الغابة.

توقّفت الحافلة قرب الشاطئ، ونزل منها ثلاثون طفلًا انتشروا هنا وهناك يركضون ويصرخون ويقفزون. ثمّ صمتوا حين نزل المعلّم المشرف وأمرهم بالهدوء والاصطفاف أمامه. راح يوزّع عليهم مهام إقامة المعسكر الصغير، وسرعان ما ارتفعت الأعمدة، وانتصبت الخيام، ودقّت الأوتاد، وشدّت الحبال، ثم رفرفت الأعلام.

بعد استراحة قصيرة، عقد الأطفال حلقات الغناء والرقص، ثم تناولوا طعامهم واستراحوا في الخيام وبين ظلال الأشجار. تسلّلت زيزي مستطلعة، وكم كانت فرحتها كبيرة حين لمحت بقايا تفاحة، فانقضّت عليها وابتلعتها دفعة واحدة، ثم أتبعتها بقطعة خبز. عند انتصاف النهار، كان بطن زيزي قد امتلأ تمامًا.

في اليوم التالي، قررت الإوزات مغادرة المكان والبحث عن مكان أكثر هدوءًا وأمانًا، لكنّ زيزي رفضت الفكرة، قائلة: "لقد مللت من الطيران والبحث عن الطعام بمشقة. سأبقى هنا، حيث الطعام متوفر والراحة مضمونة." رفضت بعناد كلّ النصائح التي قدّمتها صديقاتها، وبعد أن يئسن من إقناعها، اندفعن إلى الفضاء بأجنحتهن التي لمعت كالأشرعة الصغيرة في أشعة الشمس، وطفن دورة كاملة حول البحيرة، ثم انطلقن نحو الجنوب، تاركات زيزي وحدها.

شعرت زيزي بالحزن قليلًا، لكن سرعان ما نسيت وراحت تبحث عن بقايا الطعام حول الخيام. وتجرأت مرّة ودخلت خيمة مليئة بالخبز والخضار والفواكه، فأخذت تنقر من هذا الطعام وذاك بنهم وسرعة، ولم تتوقف إلاّ حين سمعت صراخ الأطفال وقد أحاطوا بها من كل جانب وهم يصرخون بفرح: "إوزّة! إوزّة!" حاولت الهرب وزعقت ورفرفت بأجنحتها، لكنها وجدت نفسها قد رُبطت بمرسة إلى جذع شجرة. هدأ ضجيجها حين انهال عليها الطعام اللذيذ من أيدي الأطفال، وقدّموا لها صحنا مليئًا بالماء العذب، فكادت ترقص من الفرح.

أدركت زيزي أنّ الطعام يزداد كلّما قفزت وصفقت بجناحيها ورقصت، فكان الأطفال يضحكون ويزيدون في سخائهم. قالت زيزي في نفسها: "هذه هي الحياة حقًا. نوم وراحة وطعام لذيذ دون جهد أو تعب! اللعنة على الضفادع والديدان والقواقع وطعمها الكريه!"

توالت الأيام السعيدة على زيزي، وقد امتلأت لحمًا وشحمًا. لكن في عصر أحد الأيام، لاحظت زيزي الأطفال وهم يحزمون أمتعتهم ويقوّضون خيامهم. اقترب منها طفل وأطلق سراحها، لكنها لم تفهم ما يجري. حين أنشد الأطفال أغنية الوداع وركبوا الحافلة ولوّحوا لها بأيديهم، أدركت أنهم راحلون.


تحرّكت الحافلة، وركضت زيزي خلفها وهي تصرخ: "كواك! كواك! كواك!" لكن الحافلة واصلت سيرها حتى الطريق المعبّد، ثم اختفت في منعطف جبلي بعيد. وقفت زيزي تنتظر ساعات حتى خيم الظلام، تقول لنفسها: "سيعودون. سيعودون حتماً. إنهم أصدقائي لن يتركوني هكذا بلا طعام."

نامت تلك الليلة قرب الطريق، تحلم بعودة الأطفال حاملين إليها صحونًا مليئة بالبسكويت والفستق والشوكولا. لكنها استيقظت عند الفجر على نسمات باردة أرعشت قلبها، فجرّت جسدها السمين نحو البحيرة. بدا لها المكان موحشًا، وعند الظهيرة قرص الجوع بطنها فأخذت تبحث عما خلّفه الأطفال، فلم تعثر على شيء لأن العصافير والنملات النشيطات قد نظّفت المكان تمامًا.

أخيرًا، دفعها الجوع لمطاردة الضفادع والبحث عن الديدان والقواقع. بعد جهد كبير، عثرت على قوقعة اختبأ فيها حلزون مسكين، فابتلعتها بصعوبة وقرف، وشعرت كأنّ حجراً كبيراً يرقد في بطنها. نامت زيزي تلك الليلة وحيدة جائعة.


في صباح اليوم التالي، أيقظها هدير محرك سيارة قادمة من بعيد. فرحت زيزي وركضت نحو الطريق وهي تصرخ: "كواك! كواك!" لكنها تجمّدت فجأة عندما رأت سيّارة صغيرة تتجه نحوها. توقفت السيارة، وامتدت من نافذتها فوّهة بندقية. أومض برق وأعقبه دويّ مفزع، وشعرت زيزي بريشات تتطاير من جناحها الأيسر وأحسّت بسائل ساخن يقطر منه.

اندفعت زيزي تقفز بكل قوتها نحو الغابة، صرخاتها مذعورة، ورصاص الصيادين يلاحقها. حاولت الطيران، لكنّ جناحها المحطّم فقد القدرة على الحركة. أخيرًا، توقفت يائسة لاهثة خلف إحدى الأشجار، ونظرت بلهفة إلى السماء، فرأت سربًا من الإوز يعبر الفضاء بحرية وشموخ. تمنّت زيزي من أعماق قلبها لو كانت معهم، تعانق بجناحيها أجنحة الرياح.


الدروس المستفادة: تعلمنا قصة زيزي أن الراحة والكسل قد يجلبان السعادة المؤقتة، لكن العمل والجهد هما ما يجعلنا نحقق النجاح والاستقرار في الحياة. الاعتماد على الآخرين قد يكون مغريًا، لكن الاعتماد على النفس والعمل الجاد هو ما يحقق الرضا الحقيقي.



إعدادات القراءة


لون الخلفية