في قديم الزمان، كان هناك ثلاثة رجال ابتلاهم الله بأمراض مختلفة، جعلت الناس ينفرون منهم. الأول كان مصابًا بمرض البرص، الذي ترك جلده مغطى ببقع بيضاء تشوه مظهره. الثاني كان أعمى لا يرى شيئًا، يعيش في ظلام دائم. أما الثالث، فقد كان أقرع، حيث أسقط المرض شعر رأسه تمامًا، مما جعله يشعر بالخجل.
ذات يوم، أراد الله أن يختبر هؤلاء الرجال الثلاثة ليرى إن كانوا سيشكرون النعمة إذا منَّ بها عليهم. فأرسل الله إليهم ملاكًا في هيئة رجل ليختبر إيمانهم وشكرهم. بدأ الملاك بالرجل الأبرص.
اقترب الملاك من الأبرص وقال له: "السلام عليكم يا رجل." رد الأبرص بتحية مماثلة، فسأله الملاك: "ما بالك تبدو بائسًا وحيدًا؟" أجاب الأبرص بحزن: "لقد ابتعد الناس عني بسبب هذا المرض الذي شوه جلدي. لم يجلس أحد بجواري منذ فترة طويلة."
ابتسم الملاك وقال: "لا عليك يا هذا. أخبرني، لو كان بإمكانك طلب أمنية واحدة من الله الآن، فما هي؟" أجاب الأبرص على الفور: "أتمنى من كل قلبي أن يُشفى جلدي وأصبح مثل باقي الناس، حتى يعود الناس إلي ولا ينفرون مني."
مدّ الملاك يده ولمس جلد الأبرص برفق. تفاجأ الرجل عندما رأى البقع البيضاء تتلاشى، وأصبح جلده ناعمًا وصافيًا كباقي الناس. فاضت عينا الأبرص بالدموع وقال: "يا إلهي، لا أدري كيف أشكرك." أجاب الملاك: "أشكر الله، فهو الذي عافاك. الآن، إذا كان بإمكانك أن تصبح غنيًا، فما نوع المال الذي ترغب فيه؟"
فكر الأبرص قليلًا ثم قال: "أحب أن أمتلك قطيعًا من الجمال." أعطاه الملاك ناقة حامل وقال: "خذ هذه الناقة، وسيبارك الله لك فيها." غادر الملاك، تاركًا الأبرص في قمة السعادة.
ثم توجه الملاك إلى الرجل الأقرع. قال له: "السلام عليكم يا رجل، ما بالك تبدو بائسًا وحيدًا؟" أجاب الأقرع بحزن: "لقد فقدت شعري بسبب مرضي، وأصبحت أشعر بالخجل من مظهري، لذلك ابتعد الناس عني."
سأله الملاك: "لو كان بإمكانك طلب أمنية واحدة من الله الآن، فما هي؟" قال الأقرع: "أتمنى أن يعود لي شعري الجميل." لمس الملاك رأس الأقرع برفق، وفجأة بدأ الشعر ينمو مجددًا، كثيفًا وناعمًا. غمر الفرح قلب الأقرع وقال: “لا أصدق ما أراه! لقد عاد لي شعري!”
سأله الملاك: "لو كان بإمكانك أن تصبح غنيًا، فما نوع المال الذي ترغب فيه؟" أجاب الأقرع: "أحب أن أمتلك قطيعًا من البقر." أعطاه الملاك بقرة حامل وقال: "خذ هذه البقرة، وسيبارك الله لك فيها." ثم غادر الملاك، تاركًا الأقرع في فرحة لا توصف.
وأخيرًا، ذهب الملاك إلى الرجل الأعمى. قال له: "السلام عليكم يا رجل، ما بالك تبدو تعيسًا ووحيدًا؟" أجاب الأعمى بحزن: "أنا لا أرى شيئًا، وأعيش في ظلام دائم. أعاني من صعوبة في قضاء حاجاتي."
سأله الملاك: "لو كان بإمكانك طلب أمنية واحدة من الله الآن، فما هي؟" أجاب الأعمى: "أتمنى أن يعيد الله لي بصري حتى أرى الناس وأتمكن من قضاء حاجاتي." لمس الملاك عيني الأعمى، وفجأة عاد إليه بصره. نظر الأعمى حوله بدهشة وقال: "يا إلهي! أستطيع أن أرى!"
سأله الملاك: "لو كان بإمكانك أن تصبح غنيًا، فما نوع المال الذي ترغب فيه؟" أجاب الأعمى: "أحب أن أمتلك قطيعًا من الغنم." أعطاه الملاك شاة حامل وقال: "خذ هذه الشاة، وسيبارك الله لك فيها." غادر الملاك، تاركًا الأعمى في قمة الفرح.
مرت الأيام والسنين، وازدهرت حياة هؤلاء الرجال الثلاثة. أصبح للأبرص قطيع كبير من الجمال، وللأقرع قطيع كبير من البقر، وللأعمى قطيع كبير من الغنم. لكن الله أراد أن يختبرهم مرة أخرى ليرى كيف سيتعاملون مع النعمة التي أنعم بها عليهم.
عاد الملاك إلى الأبرص، لكن هذه المرة في هيئة رجل فقير بائس. طرق باب الأبرص وقال: “السلام عليكم. أنا رجل مسكين لا أملك ما يكفيني، أسألك بالذي أعطاك هذا الجلد الحسن أن تعطيني بعيرًا واحدًا.”
رد الأبرص بتجهم: "من أنت لتطلب مني؟ اذهب من هنا، فلن أعطيك شيئًا!" قال له الملاك: "كنت أظن أن الله سيبارك لك، ولكن يبدو أنك نسيت." ثم دعا عليه الملاك بأن يعود إلى حالته الأولى، وفعلاً عاد الأبرص إلى حالته السابقة وفقد كل ما كان يملكه.
ثم توجه الملاك إلى الأقرع في هيئة رجل أقرع فقير. قال له: “السلام عليكم. أنا رجل مسكين، وقد تقطعت بي السبل. أسألك بالذي أعطاك هذا الشعر الجميل أن تعطيني بقرة واحدة.”
رد الأقرع بغضب: "اذهب من هنا، فلن أعطيك شيئًا!" قال له الملاك: "كنت أظن أنك ستشكر الله، ولكن يبدو أنك نسيت." ثم دعا عليه الملاك بأن يعود إلى حالته الأولى، وفعلاً عاد الأقرع إلى حالته السابقة وفقد كل ما كان يملكه.
وأخيرًا، توجه الملاك إلى الأعمى في هيئة رجل أعمى فقير. قال له: “السلام عليكم. أنا رجل مسكين تقطعت بي السبل، وأسألك بالذي أعطاك نعمة البصر أن تعطيني شاة واحدة.”
رد الأعمى بلطف: "خذ ما تشاء. لقد كنت أعمى، وشفاني الله، وكنت فقيرًا، وأغناني الله. المال مال الله، خذ منه ما تريد."
ابتسم الملاك وقال: “لن آخذ شيئًا. إنما أنا ملك أرسلني الله لأختبرك. لقد رضي الله عنك لأنك شكرت نعمته، أما صاحبَيْك فقد غضب الله عليهما لأنهما جحدا النعمة.”
وهكذا عاد الأعمى إلى حياته سعيدًا، شاكراً لله على نعمه التي لا تُحصى، بينما نال الأبرص والأقرع جزاءهما بسبب نكرانهما للنعم.
الدروس المستفادة:
هذه القصة تعلمنا أهمية شكر الله على نعمه، وأن لا ننسى فضل الله علينا مهما زادت نعم الدنيا. الاختبارات تأتي بأشكال مختلفة، ومن يظل شاكراً ومؤمناً ينال رضا الله وبركاته.