قصة: الحصان والمزراب

مقدمة قصة الحصان والمزراب: في "نوفباد: مكتبة القصص العالمية"، نقدم لكم قصة "الحصان والمزراب"، وهي قصة تأخذنا إلى عالم من الخيال والحيرة، وتظهر كيف يمكن أن تقود الأوهام والعقلية إلى مواقف غريبة.

يحكى أنه عاش في إحدى مدن الشرق رجل ثريّ مولع بالخيول ولعا لا حدود له. كان الناس يعرضون عليه خيولهم، فإذا أعجبه حصان اشتراه وألحقه بما عنده. ذات يوم، جاءه من أخبره بوجود حصان لا مثيل لجماله في إحدى القرى النائية. ذهب الغني وأحد خدمه إلى تلك القرية، وأدهشه جمال الحصان فاشتراه وعاد به.

ربط الحصان في حديقة المنزل إلى شجرة باسقة وجلس الثري إلى مائدة أعدت له قربه، وراح يتأمله. حين لم يبق أحد من الخدم حوله، رأى الحصان يصغر ويصغر ثم رآه يدخل في مزراب صغير تنسكب منه المياه في بركة صافية. كاد صوابه يطير فصاح بأعلى صوته: "الحصان! الحصان!"

أسرع الخدم إليه وسأله أحدهم: "ماذا جرى للحصان يا سيدي؟" قال الغني: "لقد صغر وصغر ثم دخل في المزراب هناك." قال الخادم، وهو يشير إلى الحصان: "المعذرة يا سيدي، الحصان موجود حيث ربطناه."

صاح الثريّ: "لقد رأيته بعينيّ!"

قال الخادم: "وها أنت ذا تراه بعينيك في مكانه. يبدو أنك متعب يا سيدي." صاح الثريّ: "لست متعبا وقد رأيته وأنا بكامل قواي. هيا انصرفوا."

ذهب الخدم إلى أعمالهم وجلس الثري إلى المائدة ونظر إلى الحصان. كانت عينا الحصان واسعتين وجميلتين ثم ها هو ذا يصغر ويصغر ويدخل في المزراب. دلك الغني عينيه ورش بعض الماء على وجهه، وحين لم يتغير شيء حوله، صاح بصوت غريب: "الحصان! الحصان!"

وتكرر المشهد مرارا وتكرر الجدال. خرجت زوجته من القصر ووقفت إلى جانب الخدم محاولة إقناعه بأن ما يقوله مخالف للمنطق. فقالت له: "أعرف أنه مخالف لكل منطق، لكنني رأيته." حين قالت له: "أنت متعب وعليك أن ترتاح"، ضربها وضرب من وصلت يده إليه من الخدم.

كان على زوجته أن تستدعي الأطباء خوفا عليه. قرر الأطباء أنه جنّ، فأخذوه وهو يقاومهم إلى مشفى المجانين. قيدوا قدميه وربطوا يديه وتركوه على أرض غرفة قذرة.

رآه أحد نزلاء المشفى فحمل كوب ماء إليه وسقاه، ثم جلس قربه وواساه وسأله عن سبب إحضارهم له إلى هذا المكان المخيف. فحكى له حكاية الحصان. فضحك المجنون حتى كاد ينقلب على قفاه ثم قال له: "أنا على جنوني لا أفعل ما فعلت."

سأله الثري: "كيف؟"

قال المجنون: "ألم تر ما رأيت بعينيك، ألم يقتنع عقلك بما رأيت؟"

قال الثريّ: "أجل."

قال المجنون: "أتتحمل هذا الأذى كله في سبيل أن تقنع الآخرين بصواب ما رأيت، وهو مخالف لمنطقهم؟ المعذرة، أنت أكثر جنونا مني."

ابتسم المجنون له برفق وابتعد عنه، وظل الثري في مكانه حتى الصباح. دخل كبير أطباء المشفى غرفة الثري وسلم عليه بإشفاق. فسأله الثري مستغربا: "من جاء بي إلى هنا يا كبير الأطباء ولماذا؟"

ارتبك كبير الأطباء وغمغم: "أتوا بك إلى هنا بسبب الحصان."

صاح الثري: "الحصان؟ ماذا أصاب الحصان؟"

قال كبير الأطباء: "البارحة كنت تؤكد أنه دخل في المزراب."

قال الثري: "هل هذا معقول؟ أنا أقول هذا؟ أنت تمزح أيّها الطبيب."

صاح كبير الأطباء مبتهجا: "الحمد لله على سلامتك أيها السيد. هيا أعيدوه إلى البيت على الفور."

عاد الثري إلى المنزل وأعدوا له مائدة في الحديقة قرب الحصان والمزراب. وحين ذهب الآخرون، نظر إليه الحصان ثم صغر وصغر واختفى في المزراب.

نهض الثري واقترب من المزراب على رؤوس أصابع قدميه ثم همس: "أخرج أخرج، لقد رأيتك وأخاف أن أرفع صوتي فيسمعوني."

خاتمة قصة الحصان والمزراب: في "نوفباد: مكتبة القصص العالمية"، تُعَلّمنا قصة "الحصان والمزراب" كيف يمكن أن تتسبب الأوهام في حدوث مواقف غريبة، وكيف يمكن للعقل أن يقودنا إلى الاعتقاد بما يتجاوز المنطق. تذكّر القصة أن الصدق مع النفس ومع الآخرين هو المفتاح لفهم الحقيقة.



إعدادات القراءة


لون الخلفية