في إحدى الغابات الكثيفة، كانت تعيش عنزة أم مع جدييها الصغيرين، حيث كانا يعيشان حياة مليئة بالسعادة والسرور. كانت الأم تذهب كل صباح إلى المرعى لتجمع العشب الطازج وتخزن الحليب في ثدييها لتعود به إلى صغيريها اللذين ينتظرانها بفارغ الصبر في المنزل. كان الصغيران يقضيان الوقت في اللعب والمرح داخل المنزل، يتسابقان ويضحكان، منتظرين عودة أمهما.
في تلك الغابة، كان يعيش أيضًا ثعلب مكّار، معروف بين الحيوانات بخبثه ودهائه. كان يراقب كل ما يحدث في الغابة بعينيه الحادتين، يبحث دائمًا عن فرصة ليخدع بها أحدًا من الحيوانات.
استمرت حياة العنزة وأطفالها في سعادة حتى جاء يوم جاع فيه الثعلب بشدة، ولم يجد ما يسد به جوعه. بدأ يتجول في أنحاء الغابة الكبيرة، يبحث هنا وهناك عن أي شيء يمكنه أكله. وبينما كان يمر بجوار بيت العنزة، سمع صوتها وهي توصّي جدييها بعدم فتح الباب لأي أحد حتى تسمعا صوتها هي فقط.
فكّر الثعلب بخبث: "هذه فرصتي!" وأخذ يقترب من البيت بحذر شديد، حتى رأى الجديين الصغيرين من خلال النافذة يهزان رأسيهما طوعًا لأمهما. سال لعابه على الفور، وتصور طعم اللحم الشهي الذي ينتظره. قرر الثعلب انتظار رحيل الأم لتنفيذ خطته الشريرة.
بعد أن غادرت العنزة إلى المرعى، وقف الثعلب خلف شجرة كبيرة ينتظر اللحظة المناسبة. عندما تأكد من ابتعاد الأم، دقّ الثعلب الباب بخفة، محاولًا تقليد صوت العنزة.
رد الجدي الصغير بحذر: "من بالباب؟"
قال الثعلب بصوت مقلد: "أنا أمكما. افتحا الباب يا صغاري."
لكن صوت الثعلب كان خشناً وغليظاً، فلم ينطلِ الأمر على الجدي الصغير الذي صاح بغضب: "اذهب أيها الثعلب الماكر! نحن نعرف صوت أمنا، إنه ناعم وجميل، وليس مثل صوتك!"
تراجع الثعلب قليلاً، يفكر في حيلة جديدة. تذكّر فجأة أن لديه صديقًا دبًا يمتلك عسلًا قد يساعده في تليين صوته. انطلق الثعلب نحو بيت الدب، وعندما وصل، دق الباب.
سأل الدب: "من يدقّ بابي؟"
أجاب الثعلب: "أنا صديقك الثعلب، جئت أطلب منك قليلاً من العسل."
استغرب الدب وسأله: "ولماذا تحتاج العسل، أيها الثعلب الماكر؟"
أجاب الثعلب بحيلة جديدة: "أنا مدعو إلى حفلة عرس وسأغني هناك، أريد أن يكون صوتي ناعمًا وجميلًا."
أحضر الدب كأسًا من العسل وطلب من الثعلب أن يلعقه. بعد أن لعق الثعلب العسل وشكر الدب، عاد إلى بيت الجديين الصغيرين وهو واثق أن خطته ستنجح.
عندما عاد الثعلب إلى بيت العنزة، دق الباب مجددًا، هذه المرة بصوت ناعم مقلدًا صوت العنزة الأم: "افتحا الباب يا أحبائي، لقد عدت وأحضرت لكم طعامًا شهيًا."
تردد الجديان للحظة، لكن صوت الثعلب كان مقنعًا هذه المرة. فتحا الباب وإذا بالثعلب ينقض عليهما بسرعة، يمسك بهما ويضعهما في كيس كبير. انطلق الثعلب مسرعًا نحو بيته، فرحًا بما حققه.
بعد قليل، عادت العنزة الأم من المرعى، تحمل العشب الطازج بقرنيها وتختزن الحليب في ثدييها. كانت تغني بفرح، ولكن ما إن وصلت إلى البيت ورأت الباب مفتوحًا حتى توقف قلبها للحظة. دخلت البيت فلم تجد أحدًا. أخذت تنادي بصوت مرتجف: "أين أنتما، يا صغيراي؟" ولكن لم يكن هناك أي رد.
جلست العنزة تبكي وتندب حظها، ولكنها سرعان ما تماسكت وقالت لنفسها: "البكاء لا يجدي نفعًا، لا بد أن أبحث عن صغيريّ." خرجت العنزة تبحث هنا وهناك، حتى اهتدت إلى بيت الثعلب. عندما وصلت إلى الباب، دقته بعنف وصرخت: "افتح الباب أيها الثعلب الماكر، أعطني صغيريّ!"
سمع الثعلب الصوت من الداخل، وعرف أن العنزة الكبيرة جاءت لتستعيد صغارها. فقال بغطرسة: "اذهبي، لن أعيدهما لكِ."
ردت العنزة بشجاعة: "إذن فلنتصارع، والفائز يأخذ الصغار."
ظن الثعلب أنه سيغلب العنزة بسهولة، فوافق على الفور. خرج الثعلب لمواجهة العنزة، وتعالى الصياح وتناثر الغبار. كانت المعركة عنيفة، ولكن في النهاية، استخدمت العنزة قرنيها الحادين وأطاحت بالثعلب الماكر.
بعد أن تخلصت منه، أسرعت إلى صغارها، فكّت رباطهما وضمتهما إلى صدرها قائلة: "لقد أنقذتكم، ولن أترككم أبدًا."