الفصل الثاني



هدأت ليلى قليلا بعدما حاولت سلمى إقناعها أن ما يقوله الطبيب هو الصحيح ويجب عليها إتباع إرشادته لتتحسن حالتها.
أفافت ليلى من شرودها عبر النافذة تراقب الطريق وتتولى سلمى قيادة سيارتها.
قالت ليلى بانكسار :"محتاجين نقف عند صيدليه علشان اجيب الدوا "
قالت سلمى باسمةً: "يا حبيبتي اروحك وأنا هجيبهولك!"
ليلى*بهزيمه وحال المغلوب على أمره*:"ارجوكي انا مش عايزه أتأخر لحظة أنا لازم اتعالج علشان أخف"
أوقفت سلمى السيارة وقالت:"خلاص يا حبيبتي هاتي الروشته وأنا هنزل اجيبهولك"
وبدون تردد مدت ليلى يدها بها وترجلت سلمى بهدوء لأنها خططت لذلك جيدًا.
وعادت بعد قليل وعلى وجهها علامات اليأس وقالت:"للأسف الدوا ناقص بس متشغليش بالك انا هعرف اجيبهولك في واحد معرفتي ليه علاقه بالأدوية هجيبهولك على بليل! "
--------------------------------------------------------------------
مهاب*بأشفاق*:"طيب أيه رأيك لو قولنا لماما تعزمها عادي صاحبتك وتعزميها وخلى ليلى ديه تيجي معاها"
نيرة*بنصف عين*:"اممم ما تاخد رقم سلمى تكلمها أنت وتعزمها"
مهاب*ضيق عينيه وقال*:"بطلى لماضه وكلميها يلا"
تناولت هاتفها وقبل أن تطلب رقمها قالت له وهو يتجه نحو الباب:"مهااااب اقولها انك هتكون موجود يعني علشان تظبط نفسها"
سهل تتوقعون ما حدث لها بعد كلماتها تلك..!
--------------------------------------------------------------------
لم تستطع سلمى أن تتهرب من ذلك اللقاء بعد أن طلبوها وهي بجوار ليلى... ترددت ليلى قليلًا ثم وافقت.
قالت سلمى بترقب:"لو مش عايزه تروحي متروحيش"
ليلى*بثبات*:"لا أتحركي يلا انا عايزه اشوفهم"
سرعان ما وصلوا إليهم ظلت ليلى تتلفت حولها بخوف وتتمسك بسلمى بشدة حتى فُتِح الباب.
استقبلتهم لطيفة بالترحاب وبجانبها نيرة وقدمت سلمى ليلى لهم لكن مهاب كان يقف في المواجهة ،الحقيقه أنه وقف لأستقبالهم .
حركت ليلى عينها في المكان قليلًا بعدما تعرفت على نيرة ثم وقعت على مهاب..!
توتر... هدوء... اخترق عينها بنظرته... الحقيقة انها هي من اخترقت كيانه حتى أنه لم يعد قادرًا على التحدث.
أرتبكت ليلى وسحبت خصلة من شعرها خلف أذنها حين قالت نيرة باسمةً: "ده مهاب اخويا! "
حرك يده بعد تردد نحوها ومدها ليصافحها فمدت يدها له في ارتباك لكنها بمجرد أن لامست أطراف اصابعه تسلل كفها بسهوله بين راحته وكأنها انزلقت بداخله.
وكانت اللمسة الأولى...
طالت اللحظة، نظرت ليلى نحو يدها، فارتبك مهاب وتمتم بكلمات أعتذار بسيطة بعدما حرر كفها.
جاءت لطيفة مرة أخرى مرحبةً بهم مرة أخرى ورددت:"الأكل جاهز...اتفضلوا".
من الممكن أن نقول أن تلك المرة الأولى التي تأكل فيها ليلى بذلك الشكل بعد الحادثة.
لم يحدث أي حوار بين مهاب وبينها مرة أخرى لأنه تركهم يتصرفون على طبيعتهم بحجة والدته أنهم *بنات* لكن شعرت ليلى بالأعراض التالية، برودة الأطراف، اضطراب في نبضات القلب.
فقامت على الفور وقالت لسلمى ونيرة:" مضطرة أستأذن.. تكرر مرة تانيه"
حاولت سلمى أن تقنعها بالبقاء لبعض الوقت الأضافي لكنها رفضت …تخاف أن تأتيها الأعراض وهي بصحبتهم فيصابوا بالذعر أو يتهموها بالجنون..مثلما يفعل البعض.
سلمى *بجديه*:"خلاص يا نيرة هاجيلك وقت تاني"
قاطعتها ليلى بحزم:"انا هروح لوحدي"
سلمى *بتعجب*:"انتي اعصابك خفيفه هتسوقي ازاي يلا بينا"
ليلى*بحزم*:"قولت انا هسوق و أروح لوحدي"
وبعد مشاده بسيطة أقنعوها بضرورة اصطحاب أحد وأستقر رأيهم على مهاب وبمجرد أن أستقر على كرسى القيادة وهي على الكرسي المجاور له قال بمرح:
"اربطي الحزام لاننا ممكن نتقلب عادي"
اتسعت عينها بفزع رغم انه قالها بدعابه، تدارك مهاب ما قاله حين استرسل:" متخافيش انا بهزر، انا بعرف اسوق كويس"
وأخيرًا نطقت ليلى:"اسفه هتعبك معايا بس مش بقدر اسوق"
رمى بطرف بصره عليها وقال بجاذبية: "تعبك راحه"
وأنطلق بالسيارة.
وعند أسفل بيتها قالت:" انت ممكن تروح بالعربيه عادي وسلمى تبقى تجيبها"
مهاب*بأبتسامته الجذّابه*:"انا هاخد تاكسي المهم مش هتشكريني".
كانوا قد ترجلوا من السيارة وتوجه مهاب قربها، نظرت ليلى له بدهشة.
هل تسميها صراحة أم وقاحة..؟!
فقالت*بتعجب*:"اكيد شكرًا استاذ مهاب"
حرك مهاب ياقة قميصه وقال:"بلاش استاذ انا مش بحب الألقاب ممكن تقوليلي دكتور مهاب عادي"
استطاع أن يسرق الأبتسامه من بين شفتيها **
من قال أن الأبتسامه لا تُسرق؟!
خروج بسيط عن النص...
أذا استطعت أن تسرق أبتسامه فتاة فأنت قادر على الإستيلاء على قلبها.
جرّب أن تنظر لفتاة أثناء حديثها نظرة طويلة ستبتسم ثم تعلق على نظرتك لها إذا كانت جريئة.
ومثلما قال عمرو دياب "ضحكت يعني قلبها مال"
عوده للنص...
قال مهاب بهدوء: "أخيرًا ضحكتي..! "
نظرت ليلى إلى الأرض ثم إليه مجددًا فنظر هو إلى البنايه "هو احنا هنفضل واقفين كدا مش هتعزميني اطلع اتفرج على شقتك"
نظرت له مندهشه أكثر من المرة السابقة وقبل أن تسمعه ما لا يّحمد عقباه استدرك هو ذلك وقال:"اووو انتي فهمتيتي غلط بصي تعالي نقعد في كافيه نتكلم بدل وقفتنا في الشارع"
ثم نظر حوله فأشار إلى الجهة المقابلة وقال:"حلو الكافيه ده يلا"
لكنه عندما التفت وجدها قد أجتازت البوابة ودخلت بيتها فضحك سخريةً مما فعله وهو يقول
"كان لازم يعني تقولها الجملتين دول"
————————————————————————
رمت بثقل جسدها على السرير وتابعت:" لا اقعد مع مين ده مجنون و الله بس تعرفي لذيذ أوي وقمور كمان"
*أحمرت وجنتاها وهي تقول تلك الجملة*
سلمى*بضيق*: "بقولك ايه انتي ممكن تريحي اعصابك وسيبك من مهاب خالص".
قالت ليلى بتعجب: "ماشي بس ايه ما قولتيش أنك تعرفي الناس الحلوة ديه"
نظرت سلمى حولها بضيق وقالت:"ما خلاص يا ليلى خدي العلاج ونامي يلا باي"
وأغلقت الخط ،رمت ليلى الهاتف إلى جانبها في دهشة واستدركت أن سلمى لديها بعض المشاعر تجاه مهاب وذلك من غيرتها فضحكت لتخيل صديقتها في دوامة الحب...!
تناولت العقاقير الكثيرة وسرعان ما غطت في سبات عميق... استيقظت بعد قليل على صوت كسر زجاج فقامت مذعورة وخطت ببطئ نحو الخارج وهي تنادي "سلمى... سلمى... بابا...بابا"
قالت جملتها تلك لإقتناعها بأنه ما زال حيًا.
انقطع التيار وتسللت نسمات الهواء البارد وتخللت شعرها فتحركت مضطربه، فما لبست حتى عادت جريًا نحو الغرفة وجلست فوق السرير وأخفت وجهها و رددت :"كل ده مش حقيقي كل ده مش حقيقي"
ابعدت يدها عن وجهها فأتسعت عينها دهشة ثم هدأت.
التيار موجود..!
كل شىء كما كان وأيضًا الدواء بيدها فأخفت وجهها بين الوسادات وسيطرت على رجفتها وخوفها من عدم فهم أي شىء.
—————————————————————————
وفي صباح اليوم التالي أستيقظت على صوت رنين هاتفها فتحركت متعبه ومدت يدها تلتقطه..رقم غير مسجل..
فتحت الخط وقالت بصوت يغلب عليه النعاس:"آللو".
"آللو حاف كدا من غير دكتور..!"
تمللت قليلًا في الفراش وقالت بتفكير:"دكتور مهاب؟!"
مهاب*باسمًا*:"اه مهاب بس من غير دكتور. "
رغماً عنها أبتسمت وقالت بتفكير :"أنت جبت رقمي منين؟ "
مهاب*بفخر*: "ده سؤال ميتسألش لمهاب انا بجيب أي حاجه ومن أي مكان"
قالت بسخرية: "ليه بابا نويل.!"
ضيق عينيه وقال: "جربي تطلبي!" وقبل أن تنطق قال محذرًا: "بس أعملي حسابك لازم بشوف اللي بيطلب مني."
نظر في ساعته وتابع : "الساعه تلاته كويس؟! "
حاولت إستيعاب ما حدث لكنه قال : "خلاص اتفقنا اربعه اربعه علشان خاطرك... وفي الكافيه اللي شهد على فضيحتي المرة اللي فاتت... ادام بيتك..!"
وأغلق الخط، ثم قفزت أخته في مكانها وقالت:
" كدا بقى مش ناقصلك حاجه المهم تجيبلي اللي Yes"
اتفقنا عليه"
قال مهاب بسخرية: "يااااه عليكو أنتو يا بنات بتبيعوا بعض علشان حاجات تافهه"
نيرة*ببراءة*: " كدا بيبعها لما اديهالك وبعدين ده رقمها بس وطالما كدا بقى... أبقى وريني مين هيساعدك..!"
لكن ليلى أمسكت بالهاتف بكلتا يديها بتركيز وشعور ينتابها لأول مرة..!
اعتدلت وتناولت الأقراص فهدأ ضجيج عقلها قليلا، قبل أن تهاتفها سلمى ولم تخبرها بشىء عن المحادثة السابقة.
بعد إنتهاء المكالمة الروتينية اليومية بدأت في التفكير، لماذا أخفت عنها تلك المكالمة بل وتعمدت أيضًا عدم ذكر اسمه أو التمتمه به على شفتيها وقالت لنفسها بصورة واضحة: "ترددك ده وكأنك عامله عامله، عادي يعني ده حاجه مش محتاجه اقولهالها ،هبقى أرميلها في وسط الكلام كدا اللي حصل، آه هبقى أقولها بس دلوقتي، اهااا الهدوم".
وقفزت من مكانها توجهت نحو خزانتها وأخذت تقلب في محتوياتها حتى وجدته..!
—————————————————————————
كان يجلس كعادته بفخر وإبهار ،لا توجد طاولة في المكان لم تنم عليه.
كان جذابًا كعادته بشكل لا يوصف، يرتدي نظارته الداكنة ويدخن سيجارته حتى لمحها فأنزل النظارة قليلًا ليراها بوضوح.
ترتدي الأسود كعادتها، قطعة من بسكويت مغلفة بالشيكولاته، تضع نظارتها لتدارى الهالاات السوداء، يكاد الفستان يصل أسفل ركبتيها ليكشف عن ساقين ناعمتين كقطعة الكريمة.
اقتربت منه في هدوء وقف لتحيتها و كانت اللمسة الثانية ، سحبت ليلى يدها في خجل وجلست أمامه وطلبت القهوة المعتادة بدون سكر ،كان يبدو من طريقة كلامها مع النادل أنها معتادة المجئ لذلك المكان لولا تلك الجملة "متغيبيش علينا تاني يا استاذه! "
تلك الجملة قطعت حبل أفكاره و إستنتاجه فأطفئ سيجارته بضيق لكنها رفعت حاجبيها بدهشة وقالت بسخرية: "ازاي دكتور وبتشرب سجاير؟!"
شبك أصابعه وقال بثبات: "و أيه العلاقه؟! وبعدين أنا دكتور صيدلي مش دكتور بشري"
كان للدهشه طريقها على وجهها فتابعت بهدوء :"خير يا دكتور طلبت تشوفني؟! "
قال بمكر: "أنا مطلبتش وكان ممكن متجيش..!"
تطاير الشرر من عينها لكن لحقته القهوة بين حبات البن.
نظرت له بضيق فسحب نظارته كليًا و وضعها أمامها وقال :"أقلعيها علشان نعرف نتكلم"
لاحظ أضطرابها و توترها فتلاحقت ذلك وقالت بحدة :"عايز أيه يا دكتور طلبت تشوفني ليه"
*أسهل وسيلة للدفاع هى الهجوم..!*
قال بهدوء وهو يحاول السيطرة على الموقف :"أولا أنا مهاب وممكن تقوليلي مهاب عادي وأنا اقولك يا ليلى ولما قولتلك كدا كنت بهزر وطلبت اشوفك ليه وفي المكان ده بالذات علشان ميشمتش فيا علشان أنا مفيش حد عمل معايا الحركة ديه"
قالت بسخرية:"لاا ماهو أنا مش حد"
قال بذكاء :"جميل أنتي مين بقى؟!"
نظرت في ساعة يدها، سوداء داكنة، ماركة عالمية، على الرغم من أنها تشبه الرجال لكنها بها لمسة أنثويه يكفي أنها ملفوفة على ذلك المعصم..!
ليلى*بضيق*:"مهاب أنت فاضي وفايق عليا... لو سمحت أنا مش فاضيه للكلام ده أنا واحده ورايا مليون حاجه...عن أذنك"
قامت وتوجهت نحو الباب، أخرج من جيبه الأوراق النقديه و وضعها سريعًا على الطاولة وركض خلفها ولحقها وهي تعبر الباب الذي يتخلل السور الذي يحيط ببيتها.
مهاب*بهدوء*: "ممكن تسمعيني لحظة، أكيد أنا مش جاي ألعب وبعدين أنا مش عارف أنتي فهمتي أيه بس أنا آسف بجد".
عقدت ذراعيها وقالت: "مش مهم كل ده المهم خير طلبت تشوفني ليه وبعدين أنت دخلت ازاي أصلا؟!"
فرد كتفيه بفخر وقال: "اممم تقصدي من البوابات اللي بره سبق وقولتلك مهاب ميتسألش الأسئلة ديه أنا أدخل من أي مكان..!"
نظرت إليه بدهشه ورغمًا عنها أبتسمت وقالت:"طيب خير كنت جاي ليه؟"
نظر حوله وقال بمرح :"أنتي بخيلة و لا أيه أحنا هنتكلم هنا..! "
نظرت حولها وقالت بنصف عين: "لا و ماله الجنينة موجوده...اتفضل"
خطى خطوتين للأمام وعبر من البوابة الصغيرة وعلى عكس ما توقع لم تكن حديقة كما تخيل..
حالة من الجدب والقحط سيطرت على المكان، حتى الأعشاب التي نبتت بالأرض كانت صفراء جافة، وأوراق الأشجار متساقطة وجافة، حوض السباحة فارغ من المياه وتغطيه أوراق الأشجار.
في تلك الأثناء توجهت ليلى نحو باب البيت وفتحته ثم عادت مرة أخرى له فلاحظت دهشته بل صدمته..!
إلتفتت مهاب لها وقال بصدمة: "ليه يا ليلى الجنينة عامله كدا؟!"
أزاحت خصلات شعرها للخلف وقالت وهي تنظر نحو الحديقة: "بابا الله يرحمه هو اللي كان بيهتم بيها وبالورد"
"الله يرحمه، بس هو اللي حصل ده حصل أزاي؟!"
قالت بأسى:"هيفيدك تعرف..! "
مهاب*بحزن لحزنها*: "أنا اسف أقصد من باب أنك تخرجي اللي جواكي"
لم يستطع أن يسيطر على دعاباته أكثر فقال: "و بعدين هو أنا هفضل واقف كدا كتير..! يعني أنتي تقوميني من الكافيه والكراسي علشان توقفيني في الصحرا ديه"
أشارت له بالتقدم نحو أريكه بالقرب لكنها لاحظت أن الأتربه غطتها بالكامل فقالت:"أسفه بس انا مش بخرج هنا خالص"
أبتسم قائلا:"ولا يهمك فرجيني على المكان "
ابتسمت لتفهمه وتوجهت نحو الباب وأغلقته ثم خرجت من البوابه فأغلقها هو فشكرته بأبتسامة وأتخذت الطريق بجانب البيت وهي تقص عليه ما حدث.


إعدادات القراءة


لون الخلفية