الفصل الرابع



قال مهاب بقلق عليها: "ليلى مالك؟!! ليلى"
كانت قد بدأت في الأرتجاف كالمصعوق كهربيًا ،أمسكها مهاب ليسندها، أتسعت عينها ونظرت خلفه، عُقِدَ لسانها فلم تستطع النطق، بدأت تقع بين يديه واضطربت دقات قلبها، فتحت فمها لتستنشق الهواء لكن لم يساعدها ذلك، أغمضت عينها بغروب لها.
أفاقت على صوت مهاب يضرب وجهها برفق ويهمس لها:"ليلى أنتي كويسة……مفيش حاجه…ليلى كويسة…فتحي عينك"
أبتسمت نصف ابتسامة له وساعدها حتى جلست على الكرسي بالسيارة وأدار السيارة فبدأت في التحرك.
"ليلى حصل أيه احكيلي شوفتي أيه؟! "
لم تحدثه، ظلت تنظر موضع نظرها حتى أبتعد عن المكان، لم تنطق.
"ليلى احكيلي بس حصل أيه؟! "
لكن كما قلت عُقِدَ لسانها فلم تنطق بل رمقته بطرف عينها وعلى فمها ابتسامة ساخرة.
أوقف السيارة أمام منزلها وقبل أن تنزل أستوقفها ممسكًت بيدها و كانت اللمسة الرابعة..❤
وقال برجاء:"ليلى أرجوكي كلميني حصل أيه؟ "
قالت بهدوء:"المجنون مبيتكلمش!! "
رد بغضب:"قولتلك أنتي مش مجنونة"
"ما أنا لازم مصدقش... أنا مجنونة"
وفتحت باب السيارة ونزلت منها نزل خلفها وقال بجديه:"متأكدا أنك هتقدري تباتي لوحدك أنهاردة؟ "
إلتفتت له وقالت" متخافش عليا أنا كويسة"
ودلفت لبيتها ثم لحجرتها، رمت بثقل جسدها على السرير وتناولت أقراصها وسرعان ما هدأت ونامت نومًا عميقًا.
لكن فتحت عينها فجأة، الغرفة غارقة في الظلام ،حركت يدها لتتناول هاتفها لكنها لم تتحرك حاولت النهوض لكن لم تتحرك أنملة في جسدها انتفضت فزعًا عندما بدأت الأصوات بجانبها، أصوات كثيرة، همهمات لا تميز مصدرها لكن كان هناك صوتًا واحدًا بارزًا ويقول "اخترناكي أنتي أحنا دايماً حواليكي، لكن أنتي حكيتي عنا، ولازم يكون ليكي عقاب..!
هنحبسك تلت ليالي علشان تعرفي قيمة غلطك...تلت أيام هتفضلي معانا "
لم تستطع أن تميز مصدر الصوت لكن كل ما تعرفه أنه كان يخيفها.
فتحت عينيها وكان صباحًا، شعرت بالألم يمزق معدتها تمزيقًا كما أنها عطشى بدرجة لا توصف فتوجهت سريعًا نحو الحمام وأغتسلت ثم المطبخ وتجرعت قدرًا كبيرًا من المياه وتناولت الطعام ثم توجهت مرة أخرى لغرفتها وبدلت ملابسها لأنها كانت مازالت ترتدي الملابس التي خرجت بها مع مهاب.
بعدما أرتدت روبًا طويلًا من اللون الأبيض فوق ملابسها أرتخت مرة أخرى على السرير وتناولت الهاتف فأتسعت عينها عندما رأت ذلك.
*20 missed call from الأستاذ الدكتور العجيب الغريب الظريف*
لكن أنتبهت على صوت أخر يقترب *صوت سلمى*
سلمى*بأبتسامة*:"صباح الخير "
اقتربت منها وضمتها ثم جلست بجانبها وقالت:"مالك وشك مخطوف كدا ليه؟! "
ابتسمت أبتسامة لم تصل لأذنها وقالت:"عادي ،كويس أنك جيتي بدري"
سلمى*بضحك*:"هو مش بدري أوي يعنى... في ميعادي على فكرا"
ليلى*بنصف عين*:"ما تقولي أني وحشتك قبل أخر الأسبوع يا بت"
سلمى*بدهشة*:"ما أحنا أخر الأسبوع أهو"
تحولت ملامحها للجدية والترقب وقالت بقلق: "يعني أيه؟!"
سلمى*بعدم فهم*: "ليلى أنا مش فاهمه حاجه مش أحنا اتفقنا أني هجيلك يوم الخميس"
هزت رأسها بالإيجاب فتابعت سلمى: "وأنا جيتلك أهو متأخرتش"
اتسعت عينها بدهشة وقالت:"الخميس؟!!! "
"اه يا روحي أنهاردة الخميس "
دارت الدنيا من حولها وتذكرت ما رأته
*هنحبسك تلت ليالي علشات تعرفي قيمة غلطك *
فألتفتت إلى سلمى وقالت محاولةً الإستيعاب: "أنا عرفت أنا مش مجنونة ده سحرر، سحر يا سلمى"
—————————————————————————
"أنتي فين يا ليلى بقالي تلت أيام بكلمك مش بتردي أنا خوفت ليكون جرالك حاجه"
ردت عليه بدموع حبيسة وصوت مبحوح:"مهاب أنت فين؟!"
مهاب بدهشه:"في الشغل أشمعنا؟! "
"العنوان أيه؟!! "
وبعد القليل من الوقت كانت أمام شركة *سيجما* للأدوية، نظرت للمكان بحزن وتقدمت نحو البوابة وبعد إجراءات الإطلاع على هويتها كان قد وصل مهاب أمامها ولأول مرة تراه بال*بالطو* الأبيض.
قال لها وهو ينظر لحالتها التي لا يرثى لها:"مالك يا ليلى في أيه؟!"
قالت وقد بدأت في الأرتجاف:"مهااب أنا مسحورة، اللي أنا في مش مرض، أنا معمولي سحر، مهاب أنا لازم اروح لشيخ، أنا اللي بشوفهم مش عفاريت ده سحر"
نظر إليها لثواني محاولًا الإستيعاب ثم قال:"ليلى، أنتي بتهزري؟!!
سحر أيه اللي بتتكلمي فيه، والعلاج اللي بتاخديه ده علشان سحر بردو"
ردت عليه بحزن: "مهاب، ارجوك صدقني، العرّافه قالتهالي، قالتلي مش أنتي اللي هتعملي هو اللي هيعمل، كانت تقصد السحر، بس أنا اللي مفهمتش، الست ديه بتعرف كل حاجه، قالتلي على قتل بابا من قبل ما يحصل!
بتعرف كل حاجه، و قالتلي أني مسحورة..."
قاطعها بحدة: "فوقي بقى، كذب المنجمون ولو صدفوا"
قالت بصدمة من حدته:" يعني أيه؟! "
"يعني تروحي دلوقتي وتاخدي علاجك وترتاحي لحد ما اجيلك أنا ونيرة". قالت بنحيب: "مهاب، أنا عايزاك تصدقني"
مهاب بجديه: "ارجوكي، روحي دلوقتي، وأنا هجيلك بليل"
وأشار لها نحو سيارتها بمعنى أن تذهب، فأستدارت عنه وخطت نحو سيارتها ودخلتها ثم تنهدت بحزن وبدأت في البكاء و رددت "مين هيصدقني؟! أنا مش عارفة بيحصل أيه؟ تلت أيام كاملين معرفش جرالي فيهم أيه؟"
سرعان ما تماسكت وأدارت سيارتها حتى وصلت لمسجد عتيق يقع بالقرب من حي شعبي، شىء ما بداخلها قادها نحو ذلك المكان، وقفت بالقرب من المسجد، وسحبت وشاحها و وضعته على رأسها بعشوائية فأخفى غرتها(*) وخطت نحو المسجد بخطى مرتبكة فتلك هي المرة الأولى التي تخطو فيها بداخل مسجد، كانت تتذكر والدها منذ نعومة أظافرها لم يخبرها شيئًا عن الإسلام وكل ما يربطها به هو ديانتها في بطاقتها الشخصية!
*الغرة*: بياض في جبهة الفرس تستخدم للتعبير عن مقدمة الرأس.
كان ذلك وقت *درس الدين* السيدات في الخلف والرجال في الأمام، ذلك ما رأته منذ أن دخلت، انتبه المحاضر لدخولها وأكمل كلامه وكان ذلك ما يُقال: "الجن والإنس مسخرين لطاعة الله، مفيش مخلوق بينفذ حاجه غير بأراده الله، و زي ما اتكلمنا في الحلقة السابقة... إن الجن في منهم المسلم وغير المسلم، غير المسلم هو اللي بيأذي والأذية ديه بتكون بردو بأرادة ربنا... إن شاء الله المرة الجايه هنتكلم عن الرضا بالقضاء والقدر... أشوفكم المرة الجايه"
خرج من خرج وبقى من بقى أما هي فسارت بخطوات مرتبكة نحو الداخل وقالت بصوت ضعيف:"ممكن بعد أذنك اتكلم معاك شوية"
نظر لها باسمًا وكأنه فهم المخزى من الزيارة، قام من كان يجلس بجانبه، فجلست هي مكانه وعدلت الوشاح على رأسها وقالت بصوت ضعيف:"أنا مسحوورة!! ،بشوف حاجات مش موجودة، بغيب أيام ومعرفش عنها حاجه"
"قومي يا بنتي أنتي مفيكيش حاجه"
ردت بصدمة:"ارجوك صدقني، أنا تلت أيام كاملين ضاعوا مني معرفش عنهم حاجه، أنا بردو معرفش أيه اللي جابني هنا"
رد عليها بهدوء: "الأنسان لو آمن أن في حاجة هي الداء، عمره ما هيقتنع أنه غلط."
"يعني أيه؟!! "
"يعني روحي يا بنتي علاجك مش عندي"
قامت وتوجهت نحو الخارج بعدم فهم والدنيا تنقلب بها رأسًا على عقب توجهت نحو منزلها بعد تردد قليل لأنه ليس لديها خيار آخر.
جلست في شرفتها وقد بدأت عيناها في الجحوظ، أمسكت بكوب قهوة بخوف وبين الحين والأخر تلقي النظر على كل ما حولها خوفًا من أن تكون قد غابت عن الحياة قليلًا، أما عن إمساكها بكوب القهوة ؛ لأنها قرأت في أحدى الكتب أنه..
إذا أردت أن تتحقق من واقعك فأربط بينهم بشئ مادي لتتأكد من الواقع إذا كان واقعًا و الخيال إن كان خيالًا.
وأخيرًا سمعت صوت الجرس فبصرت أسفل فوجدت مهاب ونيره على البوابه فأشارت لهم بالدخول ونيرة نحو الأسفل لتقابلهم.
استقبلتهم بهدوء واستضافتهم في صالتها وقبل أن تنهض لتحضر مشروب لهم أمسكتها نيرة وأجلستها مجددا وقالت باسمة:"اقعدي أحنا عايزين نتكلم معاكي"
مهاب*بضيق وهدوء*:"أنتي أخر مرة روحتي للدكتور أمتى؟!"
ليلى*بصدمة*:"مهاب، أنا مش عيانه، أنا مسحورة! "
مهاب*بهدوء*:"ممكن تهدي وتردي على اسألتي"
"مش مهم الدكتور، أنا العلاج مش بيفيدني"
"أخر مرة شوفتي حد في البيت معاكي كانت أمتى؟"
"من أسبوع! "
رد عليها بحده:"يعني العلاج جايب نتيجه أهو!"
وقبل أن تنطق زجرها بحدة:"فوقي بقى، أنتي كويسة والعلاج ده بيجيب نتيجة."
نظرت له بحزن وقالت: "أنت سألتني على حكايتي ليه؟!"
رد عليها بعد تفكير:"علشان أقف جمبك. "
نهرته بعنف: "أنا قولتلك حكايتي وأنت مصدقتنيش يبقى أنا قولتلك ليه، أنت لازم تصدقني! "
ربتت نيرة على كتفها بحزن ونظرت لأخيها ليرد، لكن مهاب قال بهدوء:"ليلى، أهدي أرجوكي، أنا عايز تهدي وتساعديني علشان تخفي، ماشي يا لولو؟!"
—————————————————————————
مرت عدة أسابيع على ذلك الحال ويبقى الحال على ما هو عليه ، بدأت رؤيتها للأشباح تقل شيئًا في شيئًا، لكن ليلى لم تتحسن حالتها وإن تحسن ما تراه.
وفي ليلتها تلك وقبل أن تنام سمعت صوت الباب بالأسفل يُفتح فنهضت متثاقلة، و أرتدت روبًا طويلا وقالت: "سلمى…سلمى، أنتي جيتي؟! "
لم تكمل جملتها تلك حتى أنقطع التيار الكهربي وسرت البرودة في أوصالها، وفُتحت الشرفة بقوة من الرياح فتوجهت ليلى نحوها وأغلقت الباب في هدوء لكنها لمحت البوابة نصف مفتوحة، ألتفتت مرة أخرى للخلف ولمحت ظلًا يتجه نحو غرفتها فأنتفضت في خوف لكنها جمعت قواها وتحركت ببطىء نحو الداخل مستنده إلى الحائط لكنها تجمدت أطرافها حين رأت ذلك الخيال يقف مواليًا ظهره لها فقالت بتلعثم: "مين؟!"
لكن بمجرد أن التفت لها……


إعدادات القراءة


لون الخلفية