الفصل الخامس عشر



غمرتها المياه وغاصت لٱسفل لكن في تلك اللحظة دخل مهاب من بوابتها وركض نحو الداخل وظل يطرق على الباب بقوة والقلق يملأه.
"ليلى، أفتحي ارجوكي!"
رجع مهاب للخلف عدة خطوات وبدأ يفتش عن مدخل لكن حين لف رأسه يسارًا وجد لون المياه ليس أزرقًا...
-مضطرب وبه حركة غير عادية-
سار بخطوات مرتبكة نحو حمام السباحة حتى اتضحت ليلى في الأسفل، وبدون تردد قفز في المياه و غاص وأمسكها بيده من خصرها وعلا وارتفع بهانحو سطح المياه ثم وضعها على الأرض.
لمح يديها المجروحة فقال بخوف:
-"عملتي أيه في نفسك يا ليلى بس؟!! "
كان خائفًا خوف لم يرَ له مثيل، اكتشف ذلك النوع من الخوف في نفسه في تلك اللحظة.
ضغط بكلتا يديه عند صدرها وردد:
- "يارب...فوقي ارجوكي... ليلى.."

لكنها لم تفق أو تطرد المياه التي دخلت إلى رئتها، اضطربت حركته وبحركة تلقائية وغير مدروسة فعل كما رأى في كل الأفلام عند حدوث تلك الحالة.
وضع شفتيه برفق شديد على شفتيها، للوهله الٱولى أقشعر جسده من ملمسها لكنه سيطر على كل مشاعره ونفخ الهواء، مرة ثم الأخرى... وأخيرًا...فتحت عينها فأبتعد سريعًا عنها.
بدأت في السعال حتى أنهكت قواها المنعدمة مجازًا، لم يفارقها الألم، تعب شديد في ذراعيها، صداع شديد، فسرت القليل من الكلمات قبل أن تفقد الوعي مرة أخرى.
"حصل أيه؟ ايديك، ليلى..فوقي لاا ليــــــلــــى!!! "
————————————————————————————
وفي منزل ما..

مشطت شعرها بدلال وبدأت في مراجعة مع درسته حتى سمعت جلبة بالخارج فرمت الكتاب من يدها ونزلت من فوق سريرها وخرجت سريعًا.
وكان ذلك المشهد بالخارج....
دخلت "هاجر" بأبتسامة وقبّلت لطيفة ثم اشارت إلى نيرة، تعجبت نيرة من حضورها المفاجئ لكن لم تكترث فعادت للكتب مرة أخرى وقبل أن تمسك أيًا منها ظهر صوت مهاب، فخرجت مجددًا
فقال محمد بتساؤل:"مالها ديه يا مهاب؟ "
وضع "ليلى" برفق على الأريكة وقال وهو يلتقط أنفاسه:
- "كانت بتغرق، معرفش جرالها أيه؟ لقيتها معورة أيدها، اتصلت بيا وعلشان كدا روحتلها، قالتلي مهاب الحقني، روحت لقيتها كدا"
توقفت لطيفة وقالت:"هجيب بتادين وهطهرلها جرح ايديها"
وبالفعل دخلت وأحضرته المعقم وجلست بجانبها وأمسكت ذراعها ثم بدأت في تعقيم الجرح كان ذلك حين قال محمد:"مروحتش بيها على مستشفى ليه؟! "
زفر بضيق وقال:
- "لو روحت بيها أي مستشفى عمّها هيعرف، وهيدخلها مستشفى، و ده اللي لا يمكن أسمح بيه أبدًا"
حانت منه إلتفاته إلى نيرة لكن ما تذكره حقًا هو وجود هاجر.
ليحدث ما يحدث!
سمع أنينها وهنا قالت لطيفة:
-"مهاب، هدومها كلها مبلولة وبتترعش"
رد بإهتمام:"طيب والحل أيه؟ "
وقبل أن تنطق لطيفة خرجت ليلى من عالمها وهمست بدون أن تفتح عينها:"مهاب! " جاء صوتها ضعيفًا .
جثا على ركبتيه وأمسك يدها وكانت اللمسة الخامسة عشر.
"حبيبتي أنا جمبك متخافيش"
وهنا فتحت عينها ورأته فأبتسمت ابتسامة مترددة وقالت: "أنا بردانة!!"
اندفع مهاب وقال:"نيرة، بطانية بسرعة"
ترددت للحظة ثم دخلت وأحضرتها فغلفها مهاب جيدًا بها وقال:"حصل أيه؟ "
تأوهت وهي تحاول أن تعتدل من ألم يديها المجروحتين وقالت:
-"مش هتصدق يا مهاب، أنا في حد عايز يقتلني أو يسرقني أو يجنني أنا مش فاهمة حاجة"
قالتها وبدأت في البكاء..
نظر مهاب حوله وفكر في حل سريع فقال بهدوء:"اهدي طيب" ثم تابع برصانة : "خديها يا نيرة خليها تغير وترتاح"
تحركت نيرة نحوها وأمسكتها بحذر وقادتها نحو الداخل لتبدل ملابسها وهنا سمع الحضور صوت "هاجر" التي قالت بصدمة أخفتها وبدلتها بالتعالي:
- "كان هيبقى أفضل لو صارحتني وقولتلي الحقيقة، بس تمام بقيت اتوقع أي حاجة منك"
والتفتت إلى محمد وقالت بصرامة وحسم:
-"محبش شكلك يا عمي يكون وحش أدام بابا، كلمه وقوله أننا عايزين ننهي وياريت تخلصوا الموضوع ده ف أقرب وقت"
نظرت لمهاب بٱستحقار وقالت:
"مبروك عليك، حبك..."
حافظت على الدموع داخل عينها وقالت بمرارة عرفتها جيدًا وقتها :"حقير... "

وغادرت في أقل من ثانية..
رمى مهاب بثقل جسده على الأريكة فجلس محمد بجانبه وقال:"هتعمل ايه؟ "
نظر له مهاب في ضياع وقال:"مش عارف ومش فاهم حاجة"
خرجت ليلى في خوف وهي ترتدي منامة نيرة وقالت:
- "نيرة قالتلي إني شوفت حاجات مش موجودة، أنا عايزه شيخ أنا معمولي سحر"
وقبل أن يجيبها بتهكم قال محمد بجديّة:
- "وماله؟! نوديكي لشيخ كويس بس احكي اللي حصل بالتفصيل"
إلتفت مهاب له وقال باستنكار: "شيخ ايه يا بابا؟"
وضع محمد ما بيده على الطاوله وقال:
- "شيخ سعد، وبعدين ده مش هيضرها بحاجة لإننا عارفين شيخ سعد كويس"
لم يهتم مهاب كثيرًا بذلك وتابع كلامه مع ليلى:"ارجوكي اتكلمي"
أخذت ليلى نفسًا عميقًا قبل أن تقص عليه كل ما حدث معها بالتفصيل الممل وخصوصًا الجزء الخاص بالغرق في منزله...قال مهاب بتعجب:"بس أنا لما جيت مكانش في حد يا ليلى"
لم يرغب في الإنفعال عليها بخصوص جرح يديها في ذلك الوقت لحالتها الصحية المزرية.
علقت بصرها بعينه وقالت بحزن:
- 'أنت قولت هتصدقني، وأنا والله في حد وقعني ف الميه ووقف يتفرج عليا لحد ما اتأكد إني مش هعرف ٱطلع وأكيد بعدها مشي"
انتبه مهاب لنقطة هامة وقال:"ليلى أنتي كلمتيني وقولتيلي أجي؟ "
وجهت بصرها ناحيته في تعجب وقالت:"لا، ازاي؟ "
فغرت نيرة فمها في ذهول حين أجاب مهاب:"أنتي كلمتيني وقولتيلي آجي علشان كدا جيت! "
وضعت ليلى يدها بين رأسها وقالت:"والله لا يا مهاب مكلمتكش، أنا مفيش حاجة بعملها ليك وهم!! أنت الحاجة الوحيدة الحقيقية في حياتي"
___________________________________________
"أغلب مشاكلنا تحدث حين نترك تحكيم قلبنا„فإن للقلب حدس لا يخطئ! "
وفي منطقة عشوائية أوقف محمد السيارة وترجل منها مهاب والتفت ثم فتح الباب وأمسك بيد ليلى ليساعدها وأغلق محمد السيارة وتقدموا نحو مدخل شديد الضيق في منزل يقترب من الأنهيار.
وفي وسط الشقوق والروائح الكريهة وصلوا إلى *سطح* المنزل فتقدم محمد وطرق على باب الحجرة الوحيدة في ذلك المكان، خرج منها رجل خمسيني يرتدي جلباب *لبني* ورحب بمحمد فأشار محمد نحو ليلى التي تجوب المكان بنظرها في رعب جلي.
فقال *الشيخ* سعد بصوت رخيم:
- "ليلى! اتفضلي يا بنتي"
لا تدري ليلى ما حدث لها حين سمعت صوته لكنها انتفضت.
مضطربة...
ضغطت على ذراع مهاب بشدة وتقدمت معه واقتربت من الرجل...
نظر لها "سعد" نظرة قوية جعلتها تثبت *تتسمر* في مكانها وهمست إلى مهاب بأحرف مبعثرة:
- "أنا عايرة أروح!! "
فألتفت مهاب لها في تعجب وقبل أن ينطق نطق سعد وهو يأتي بأكواب الشاي لثلاثتهم..
"مش هتروحي قبل ما أعرف جاية ليه؟ "
جلس سعد بجانب محمد على الأريكة فأخذ مهاب ليلى من يدها واقترب منهم وأجلسها على الأريكة المقابلة.
فقال سعد بحدة:"جايه ليه يا ليلى؟ "
ابتلعت ليلى ريقها بصعوبة ثم نظرت إلى مهاب ليدعمها وقالت:
- "أنا في حاجة بتحصل مش عارفة هي ايه؟
أنا مجنونة بالنسبة للناس كلها بس أنا متأكدة إني عاقلة!
بشوف حاجات مش موجودة، بنام وأقوم في أيام تانية، أحداث كاملة بتحصلي وبيكون ليها أثر ومش بلاقيها.
في عرّافه بتشوفلي اللي هيحصل قالتلي على كل حاجة.
بابا اتقتل ادام اوضتي معرفش ازاي؟
كتبلي كل حاجة باسمي قبلها.
بشوف تعابين وعقارب في كل ركن حواليا...في حاجات كاملة مش فاهمة حصلت ولا لأ!
انا فوقت مرة في المقابر، معرفش ازاي؟ "
توقفت عن الكلام لتلتقط أنفاسها فوفّر سعد عليها عناء الوصف وقال:"فهمت فهمت، أنا هقرا عليكي ونشوف هيحصل أيه؟ "
نهض سعد ووقف بجانبها ووضع يده على رأسها فأرتعدت أوصالها وحركت رأسها نحو مهاب لكن ضغط سعد على رأسها بقوة فجحظت عينها في رعب جلي وشدت على قبضة مهاب وبدأت حبات العرق في الظهور على جبينها.
أخد سعد نفسًا عميقًا ثم فتح فمه وبدأ....
بصوت عالٍ:"
{وَاتَّبَعُواْ مَا تَتْلُواْ الشَّيَاطِينُ عَلَى مُلْكِ سُلَيْمَانَ وَمَا كَفَرَ سُلَيْمَانُ وَلَـكِنَّ الشَّيْاطِينَ كَفَرُوا يُعَلِّمُونَ النَّاسَ السِّحْرَ وَمَا أُنزِلِ عَلَى الْمَلَكَيْن بِبَابِلَ هَارُوتَ وَمَارُوتَ وَمَا يُعَلِّمَانِ مِنْ أَحَدٍ حَتَّى يَقُولاَ إِنَّمَا نَحْنُ فِتْنَةٌ فَلاَ تَكْفُرْ فَيَتَعَلَّمُون مِنْهُمَا مَا يُفَرِّقُونَ بِهِ بَيْنَ الْمَرْءِ وَزَوْجِهِ وَمَا هُم بضَآرِّينَ بهِ مِنْ أَحَدٍ إلا بِإِذْنِ اللّهِ وَيَتَعَلَّمُونَ مَا يَضُرُّهُمْ وَلا يَنفَعُهُمْ وَلَقَدْ عَلِمُواْ لَمَنِ اشْتَرَاهُ مَا لَهُ فِي الآخِرَةِ مِنْ خَلاقَ وَلَبِئْسَ مَا شَرَوْاْ بهِ أَنفُسَهُمُ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ }
صدق الله العظيم
انتفضت ليلى في خوف وحاولت النهوض أكثر من مرة لكن أدرك مهاب حجم الخطر القادم فأمسكها جيدًا حين نظرت له في ذعر وحاولت التقاط أنفاسها فخرج صوتها متحشرجًا: "سيبووني"
لم يهتم أحد منهم وأحكم "سعد" إمساك رأسها وتابع:
أعوذ بالله من الشيطان الرجيم...
{فَلَمَّا أَلْقَواْ قَالَ مُوسَى مَا جِئْتُم بِهِ السِّحْرُ إِنَّ
اللّهَ سَيُبْطِلُهُ إِنَّ اللّهَ لا يُصْلِحُ عَمَلَ الْمُفْسِدِينَ }
-صدق الله العظيم-
وقبل أن يتابع سعد صرخت ليلى بقوة وفقدت قواها!
أمسكها مهاب بهلع وقال:"هيحصلها ايه؟! "
ابتسم سعد وقال:"مفيهاش حاجة! "
فغر فمه في عدم فهم لكن قال محمد:"ازاي مفيهاش واللي حصلها ده؟ "
في تلك الاثناء كان "مهاب" يحاول افاقتها بهدوء بذكر اسمها وضرب وجهها برفق.
"مفيهاش حاجة، معندهاش اي حاجة، دوروا في اتجاه تاني، لو موضوع التعابين والمقابر اللي بتقوله ده حقيقي يبقى الأحسن تشوفوا دكتور ممكن تكون هلاوس"
وهنا فتحت ليلى عينها بضياع وهمست:"مهاب"
"اهدي يا حبيبتي أنا هنا"
لم تنظر ليلى نظرة واحدة لسعد خوفًا منه وساعدها مهاب في نزول الدرج حين ظل محمد معه لفترة.
وبالأسفل...
اشاحت ليلى بوجهها عن مهاب حين توسل هو قائلا:"أنا أسف قوليلي بس حصل ايه؟ حسيتي بأيه؟ "
اسندت رأسها للخلف وقالت:"مهاب أنا تعبانة! "
"ليلى أنتي امبارح كنتي هتموتي، لو على كلامك في حد وقعك في الميه فأنتي اللي جرحتي ايديكي! "
انهارت قواها فقالت بمرارة:
- "تعبت يا مهاب تعبت، لو أنت نمت وصحيت لقيت كل حاجه متغيرة، لو كل الناس خايفين منك، مفيش واحد بس مصدقك، دايمًا حاسس أنك متراقب وقتها بس هتحس بيا يا مهاب، أنا خلاص انا خايفة عليك مني"
تلعثمت كلماتها قبل أن تقذف عبارتها التالية بأسى وقد أخفضت صوتها خوفًا من أن يسمعها أحد...

- "أنا اللي ق تلت بابا! "
يتبع*****************


إعدادات القراءة


لون الخلفية