الفصل التاسع عشر
نظر مهاب حوله محاولًا إيجاد منفذ للهرب، فضغطت ليلى على ذراعه بقوة لتنبهه لسؤالها، فإلتفت مهاب ونظر لها بتمعن وبحركات تلقائية مد يده وأغلق أزرار قميصها فأحمرّ وجهها خجلًا فبادر هو الكلام وهو ينزع سترته ويضعها عليها:"هنخرج من هنا أنتي مش هتفضلي هنا كتير، لازم تخرجي! "
لم تنتبه ليلى لذلك فقالت بسعادة:
- "قالّي مش وهم مش وهم يا مهاب" تشبثت في قميصه بقوة وتابعت:
- "قولتلكوا كل حاجة بتحصل حقيقية محدش صدقني"
لكن مهاب لم يسمع كلمة واحدة لأن باله مشغول بشيء أخر.
توجه نحو النافذة ونظر منها وقد كانت بالطابق الثاني كما أن البروز الأمامية للمبنى تقترب من النافذة والحديقة، التفت نحو سليم الملقى على الأرض فاقدًا لوعيه ثم أزاح الملاءة وقبض على ذراعيه بقوة وربطها في الإطار المعدني للسرير بإحكام والتفت إلى ليلى وقال بقوة :"بتثقي فيا و لا لأ؟ "
لم تفهم مخزى سؤاله فتابع وهو يقترب من الشرفة:"أنا هنزل وأنتي هتنطي "
فغرت فمها في رعب جلي وقالت بذهول وتلعثم:"أنط؟!"
قبض يديه وقال بعدما وضع يديه بحنان على وجهها:
- "كل لحظة تأخير خطر عليكي لازم نمشي دلوقتي، ثقي فيا أنا دخلتلك هنا بصعوبة علشان محدش يشوفني، مش هينفع نخرج أحنا الأتنين، أنا هنزل وأنتي هتنطي وهمسكك ونهرب على طول يلا مفيش وقت"
وحملها بين ذراعيه وأجلسها على حافة النافذة وقال بقلق:"متخافيش! همسكك"
أخيرًا نطقت وكان أسمه ممزوجًا بالخوف والرجفة "مهاب"
نظر في عينها مباشرة ثم وضع يده على وجهها
وكانت اللمسة التاسعة عشر.
واقترب منها بشدة وقال:"بحبك، ومش هسيبك"
قاوم رغبته في تقبيلها، وابتعد سريعًا وسار نحو الطريقة ولحسن حظه لم تلمحه نرمين ثم نزل الدرج سريعًا وعبر من خلال البوابة الرئيسية واستدار جانبًا بعيدًا عن أعين الأمن، ونظر إلى أعلى فرأى ليلى تنظر خلفها في رعب ويدها ترتجفان، خشى أن تنزلق من دون قصد، فهمس باسمها فألتفتت في توتر، فوقف أسفلها مباشرةً وأشار لها لتقفز.
ابتلعت ليلى ريقها في رعب ونظرت حولها، المسافة ليست ببعيدة لكنها رأتها أمتارًا طويلة.
حبست أنفاسها وأغمضت عينها، ثم تحركت قليلًا للأمام ونظرت لمهاب مرة أخرى، فنظر حوله بتوجس ثم نظر لها مرة ٱخرى ودعمها بنظره لتقفز، وأخيرًا قفزت.
استقبل مهاب جسدها الواهي بقوة وهمس:"متخافيش خلاص! "
لكنها لم تفتح عينها وتنتصب واقفة بل ظلت بين ذراعيه عاجزة حتى عن فتح عينها، زفر مهاب في ضيق وقال:"ده وقته! "
عدّل مهاب من وضعها على يده ونظر حوله وبخفة وصل لسيارته دون أن يراه أحد، وضع ليلى على الأريكة بالخلف وتأكد من ربط أحزمة الأمان لحمايتها وبعد دقائق قليلة كانت سيارته تشق طريقها نحو منزله!
بعد مرور القليل من الوقت استقبلته نيرة بفزع وهي ترى الحالة التي وصلت لها ليلى من الضعف العام وكان السؤال الأهم الذي يشغل بالها.
كيف أحضرها إلى هنا؟
في تلك اللحظة اقترب والده و والدته من المشهد ،حين حاول مهاب أفاقتها.
وأخيرًا فتحت عينها، ساعدها مهاب على الأعتدال وقال محمد بهدوء:
- "أيه اللي جاب البنت ديه هنا يا مهاب؟! أقصد أزاي جت؟ "
رد بإيجاز: "هربتها! "
وضعت لطيفة كفيها على فمها لتمنع شهقتها قبل أن يندفع مهاب متأثرًا بنظرات والده التي تلقي عليه باللوم.
"كلامها صح، الدكتور بيحاول يعتدي عليها لو مكنتش روحت كان اغتصبها، أنت فااهم بقولك أيه؟!
أزاي أقدر أسيبها بعد كل ده، وتتعذب في نفس المكان المقرف ده"
قال له محذرًا :
- "أنا معاك في كلامك، بس لو عمها عرف هيعمل مشكلة! "
مهاب بأقتضاب: "مش لازم يعرف! "
انتبهوا فجأة إلى أنين ليلى وتشنجاتها وهي تتمتم:"وهم قالولي وهم!" كان ذلك قبل أن تنهار قائلةً: "بس سليم قالي كل حاجة بتحصل حقيقية! "
ضيق مهاب عينيه وانتبه للكلام وخطى نحوها برفق وقال: "سليم قالك أيه بالظبط؟ "
نظرت له بحزن وقالت:
- "كل حاجة بتحصلي حقيقة يا مهاب صدقني! "
ولأول مرة يراوده الشك في صحة كلامها فقال بأهتمام: "أنتي ممكن تحكيلي كل حاجة من الأول؟ "
نهرته لطيفة بجديّة:
- "لما تستريح يا مهاب أنت مش شايف حالتها؟! "
ساعدتها لطيفة وبجانبها نيرة حتى دلفوا إلى غرفة نيرة.
وضع محمد يده على كتف مهاب فألتفت له.
"بما إن كلامها في موضوع الدكتور طلع صح، لازم تحط إحتمال إن ممكن يكون كلامها صح في باقي روايتها"
—————————————————————————
وفي صباح اليوم التالي خرجت نيرة من الغرفة فوجدت مهاب متأهبًا لأستيقاظ أحد ما، فقالت وهي تمد ذراعيها للجانب وتتثاءب:"صباح الخير! "
لم يرد الصباح بل قال ما يشغل باله: "ليلى نامت كويس امبارح؟!! "
ردت نيرة بحزن:
- "فضلت تعبانة وخايفة ويا عيني حتى لما نامت صحيت كذا مرة خايفة، بتقول شايفة حواليها تعابين وعقارب، صعبت عليا أوي"
أشاح وجهه نحو الجانب الأخر كي لا ترى ضعفه وتابع:
- "أنا بحبها أوي يا نيرة، ومش عارف أساعدها، مش عاارف"
تقدمت نيرة نحوه وجلست بجانبه وقالت:
- "يا حبيبي، بكرا تبقى كويسة ونشوف دكتور كويس نعرضها عليه"
وقبل أن تكمل جملتها سمعت صرخاتها فأنتفضت في ذعر وركضت نحو الغرفة ثم ضرب مهاب الحائط بقبضته في ضيق.
عادت نيرة له وقالت بخوف:"الحقني يا مهاب! "
ركض مهاب بأقصى سرعة نحو غرفتها فوجد ليلى في حالة عصبية، ليلى تجلس وتضم ركبتيها إلى صدرها وتحرك وجهها في كل الأتجاهات بفزع، جلس مهاب بجانبها وحرك يده على شعرها بحنان وقال:"شايفه أيه يا حبيبتي؟! "
ردت بصوت مبحوح:"تعابين، تعابين كتير، أنا عايزة الدوا"
قالتها وانتحبت، حكّم مهاب عقله وقال بجديّة:"دوا أيه؟! "
"لما كنت بتعب في المستشفى كانوا بيجيبولي دوا وكنت برجع كويسة"
وضع يداه على وجهها وتابع بأهتمام:"اسمه أيه؟! "
قضمت شفتيها في حزن وردت:"مش عارفه!" لكنها تابعت بلهفة الغريق الذي وجد قشته:"بس نفس الدوا اللي كانت سلمى بتجيبه"
تجمعت الأحداث الأخيره تلقائيًا بذهنه وخرجت حروف اسمها من بين شفتيه بغلظه وقسوة:"سلمى!! "
كور قبضه يده واندفع ثم غادر المكان، لكنه غير وجهته ليرى ما حدث بعد هروبها.
وأمام الشركة أغلق سيارته وهو يقول:
- "يارب أنا مبقتش فاهم أي حاجة من اللي بيحصل ده، ساعدها وأشفيها يارب"
تناول علبه سجائرة والتفت ليفتح بابه و رأى الآتي.
وجد سلمى واقفةً مع جلال وتصيح في وجهه ثم إلتفتت عنه وأستقلت أول سيارة أجرة وغادرت، مما أدى جلال إلى أن يزفر جلال في ضيق ويدخل شركته مجددًا.
ضيق مهاب حدقتا عينيه وقال:"يا نهار أسود! "
أدار سيارته ثم أنطلق خلف سلمى.
----------------------------------------------------------------------------
ظل يتبعها حتى عبرت بوابة المدينة، اتسعت عينه في ذهول وهو يراها تمر بدون أدنى كلمة منهم كما أنها تمليهم الكود..
ذلك الكود الذي أخبرته ليلى به ليدلف للمدينة، فكل وحدة سكنية بالمدينة تتخذ رقمًا وهو الكود للدخول.
لكن ما أثار تعجبه حقًا هو اختلاف ما قالتله سلمى عن أرقام ليلى!
وقبل أن يدخل مستخدمًا كود ليلى الذي لا يعرفه سواه هو وليلى وسلمى بالطبع تعالى رنين الهاتف، فتناوله وقطب حاجبيه في تعجب عندما وجد المتصل سلمى، فتح الخط على الفور فقالت بسرعة:
- "مهاب، ليلى هربت ولقوا دكتور سليم مضروب في اوضتها الدنيا مقلوبة"
رد بإيجاز:"أنتي فين دلوقتي؟ "
توترت قبل أن تجيبه بتلعثم:"في الطريق راجعة بيتي"
اتسعت عينه وقرر أن يستمر معها في كذبتها فقال:
- "أصل أنا ف الشركة روحت علشان اشوف عمّها أنتي تعرفي حاجة! "
فغرت فمها في ذعر وقالت: "هه! لا لا، معرفش وأنا هكلم جلال ليه! " ادركت غلطتها اللفظية في ذكر اسمه دون تقدير.
لكنه ابتسم بمكر وتابع:"لو عرفت حاجة هقولك، وأنتي دوري عليها كويس"
مسحت حبات العرق عن جبينها وقالت بأرتباك: "اكيد طبعًا"
أغلقت الخط فنظر مهاب حوله في تشتت وقال بتلاحق:"ليلى، ايوه ليلى، لازم افهم منها كل حاجة كانت بتحصل بالتفصيل"
أدار المقود عائدًا لبيته حيث حبيبته.
------------------------------------------------------------------------
وفي مكان آخر صرخ جلال بحدة:"انتي ازاي تعملي كدا؟ "
نظرت نهى للجانب الأخر وقالت:"كنت عايزني أعمل أيه! اهي حاجه تكسرها ونرمين صاحبتي يعني مش هتتأخر عليا ف اي حاجة"
صاح بها في غضب:"البنت هربت، هربت يعني كل حاجة ضاعت"
اقتربت منه في دلال و استدارت خلف المكتب حيث يجلس وجلست أمامه مباشرة وحركت يدها في نعومة على عنقه وقالت:"ششش! كدا هتضيع بردو بس بأيد الغريب، وفر تعبك لحاجة أهم"
********
جلس مهاب أمامها وقال برجاء:"ابوس أيديك، ركزي معايا واحكيلي كل حاجة بالتفصيل"
كانت تنظر نحو اللاشيء، بضياع تام وفقدان لكل ما حولها لكنها التفتت له وقالت بحدة:"أنت مش بتصدق أي حاجة بقولها"
ضم كفها بين كفيه وقال:"و الله هصدقك من هنا ورايح بس احكيلي"
تجمعت الدموع في عينها وقالت بثبات وتحذير:"قالي مش وهم يا مهاب، يعني كل حاجة حقيقة"
رد بأستنكار:
- "يا ليلى، المدينة حراستها قوية و…"تذكر شيئًا فتابع بأهتمام شديد:"هو عمك ليه بيت ف المدينه؟ "
ردت بأقتضاب:
- "ايوه لي بيت، بس ده ماله ومال حكايتي؟ "
كان ذهنه شاردًا فرد بحيرة:
- "لا أبدًا، كملي كل حاجة بالتفصيل"
يتبع*********