الفصل الحادي عشر
"بس محتفظه بيه ليه؟! "
قالت بهدوء:"في واحدة أعرفها بتقرا الفنجان، لازم أخليها تقراه"
علّق بمرح:"بس كدا سهله جدًا، أقراه أنا" وأمسكه مرة أخرى ونظر فيه فقالت ليلى بتعجب:"أنت بتعرف تقرا الفنجان؟!!"
نظر لها وقال:"أكيد لا بس حافظ هما بيقولوا أيه! "
أعتدلت في جلستها وقالت بسخرية:"و بيقولوا أيه بقى؟! "
نظر في الفنجان مرة أخرى واصطنع الجديّة وقال: "قدامك طريقين إتنين وفي حواليكي إتنين واحد أنتي عايزاه…بس هما بيقولوا رايداه…واحد أنتي رايداه والتاني لا، وفي حية كبيرة والحية هي ست…بتدور حواليكي في كل مكان مش سايباكي"
قطع كل ذلك حين إلتفت لها ووجدها تنصت له بإهتمام وقال:"أيه عجبتك؟! "
عادت في تركيزها وخيالها الذي ذهب للقاءها الأخير بالسيدة *أساور* وقالت له:"ده أنا كنت قربت أصدقك، بس تعرف قبل كدا قالتلي كلام وحصل فعلًا"
رمقها بضيق عاد ليسند ظهره إلى ما خلفه وقال بعد مدة: "أنتي بتصدقي في الكلام ده بجد؟! ليلى ده كله دجل وشعوذة، أكيد الست دي كانت السبب في موضوع فكرة السحر اللي خطرت في بالك فجأة، مش كدا؟! "
تضايقت من إستهتاره لكلامها وقالت بأقتضاب:"مهاب بجد ديه بتفهم جدًا في الموضوع ده" خطرت في بالها فكرت فعرضتها بسرعة حين قالت:" طيب بص، أنا هروحلها بكرا وهخليها تقرالي الفنجان ده وهشوف هتقولي أيه، ماشي؟ "
عقد ذراعيه أمام صدره وأجاب:"عادي، براحتك، أنا كدا كدا مش بصدق في الكلام ده! سواء هتقول كلام هيعجبني أو لأ"
—————————————————————————
وفي وسط الأموات، تحديدًا في المقابر الموجودة ب*البساتين* إحدى المناطق العشوائية التي يقطنها الكثير من معدومي الدخل والمشردين ومنهم أيضًا من ورث المهنة عن أجداده.
تغلغلت سيارة ليلى تقودها سلمى وبالخلف نيرة منكمشة في المقعد الخلفى، تنظر حولها تارة، وتخفي وجهها تارة أخرى، فتأثير المقابر يختلف على كلٍ منهن.
قللت سلمى سرعة السيارة والتفتت إلى ليلى وقالت بتعجب:"بقالنا مدة ماشين مش عارفين طريق أساور ديه أيه! "
وفجأة ظهر من جانبهن رجل وانتفضت كلٌ منهن حين خرج فجأة من أحد المقابر وقال:"بتدوروا على حاجة؟! "
هدأت ليلى قليلًا وقالت بعدما ابتلعت ريقها:"اساور! "
ظهر على الرجل علامات الدهشة والإستيعاب وقال:"اللهم أحفظنا! "
تبخرت دماء الجميع في الهواء، حين إلتفتت ليلى للرجل في فزع وقالت بإنفعال:"أنت بتقول أيه؟ "
"الست أساور، الأحسن تبعدوا عنها، ديه بتشتغل في الأعمال و العياذ بالله"
انتفضت ليلى لهم حين شهقت نيرة وكتمت حتى أنفاسها وسط حرمة القبور، وتظل ردة فعل سلمى هي الأغرب.
قالت سلمى بثبات:"ونرولحها أزاي؟ "
"هتمشوا شوية أدام على اليمين"
لم تنتظر سلمى لحظة بل أدارت المحرك وأنطلقت بالسيارة.
—————————————————————————
وبعدما أخذوا أساور بعيدًا عن المقابر نظرًا للرعب الذي أصابهم جميعًا فور دخولهم المكان توقفت أساور بجدية وقالت بلهجتها البدوية الصارمة:"أقرالك الفنجان؟! ما بيضر بقراه"
تناولت الفنجان من يدي ليلى ثم نظرت فيه وأعادت النظر إليهم بل حدقت بهم فأبتلعت ليلى ريقها بصعوبة وقالت بتوتر وخوف:"في أيه؟! "
نقلت بصرها بين سلمى ونيرة وقالت:"ما بيجوز! تكوني بمفردك وقتها اقدر اقراه غير ذا ما بيجوز أقرا"
سارت أساور بالفنجان للأمام وترددت ليلى للحظات وهي تنقل بصرها بين سلمى ونيرة ثم أتبعتها في هدوء فتغلغلت بها أساور بالقرب من المقابر مرة أخرى، فقالت ليلى بعد صمت طال:"لو سمحتي بلاش المقابر، أنا مش مستحمله! "
دارت لها أساور ونظرت لها نظرتها القوية ومع الكحل البدوي الصارم الذي يعطي المزيد من الجدية والحسم في التعامل.
نظرت في الفنجان وقالت:"طريقك مو سهل، و بدك تعرفي ليش؟ لأن في بيناتكم خاين لا مو خاين واحد أكثر من واحد"
تجمعت الدموع في عينها من ذلك الكلام وقالت بصوت مرتجف:"ممكن تقري اللي ليه علاقه بمهاب! "
ضيقت حدقتها عينيها وسألتها بلهجهتها المعتادة لكن بطريقه أهدأ:"عاشقااه؟!"
نزلت دموع ليلى وقالت وهي تمسحها :"أرجوكي قولي في أيه؟! هيسيبني صح؟ "
ضحكت وقالت بذكاء وتعابير وجهها توحي بذلك من رفعه حاجبها التي تنم عن شيء خفي: "سبق وقولتلك، أنتي ما هتعملي حاجة! هو اللي هيعمل! "
فغرت فمها في حركة تلقائية وقالت بدهشة:"أنتي كنتي تقصدي مهاب! مش طريقي والسحر؟! "
"عيبكم إن الكلام بيتقال بس ما بيتفهم"
انتبهت ليلى وقالت:"مهاب هيعمل أيه؟ "
وقبل أن تجيب نظرت أساور خلف ليلى بشدة وصرخت بها:"أهربي، ماترجعي"
انتفضت ليلى ونظرت خلفها ولم تجد شيئًا على الرغم من البرودة التي انتابت أطرافها و وبالرغم أيضًا من الشمس التي تتوسط السماء في ذلك الوقت من اليوم.
إلتفتت ليلى مرة أخرى لأساور فلم تجدها، أختفت تمامًا لكن شيئًا واحدًا دل على ذلك الحوار وهو قطع الفنجان المتناثرة أسفل قدم ليلى، تحطم تمامًا.
لو وقع من يدها لن يكون الناتج كذلك لكن في تلك اللحظة لم تشعر ليلى بقدمها وسقطت مغشى عليها.
وبعد مرور ساعة فتحت عينها مرة أخرى لكن تلك المرة بجانبها عمها *جلال* ونيرة وسلمى.
فقالت بتعب:"هو حصل ايه؟ "
إلتفتت سلمى لها بضيق وقالت:"المفروض أنتي اللي تقوليلنا؟ " ثم أندفعت قائلة:"أنتي ايه اللي خلاكي تروحي وراها! "
اوقفها جلال قائلًا:"خلاص يا سلمى! هي شكل موضوع العفاريت ده هيجننها بجد"
تجمعت الدموع في عينها وقالت وهي تحاول النهوض:"أنا عايزه أروح! "
قال جلال بصرامة:"لما نشوف الدكتور هيقول أيه الأول، مش عايزين شغل عيال وأنتي هتيجي تقعدي معايا! "
حاولت أن تعترض لكنه قال:"أنا مش هستنى لما تموتي"
—————————————————————————
نهضت من فراشها باكرًا رغم مرور ثلاثة أيام على مكوثها في بيت عمها لكنها لم تعتاد عليه و مازال صداع رأسها يتفاقم لقد تناولت الأقراص الخاص به كما أمرها الطبيب لكن ذلك لا يجدي.
تحركت نحو حقيبتها لتأخذ الأقراص لكنها شعرت بالدوار بعض الشيء نظرًا لنومها ذلك اليوم ما يزيد عن ست ساعات لكنها مازالت تتألم.
مدت يدها بحثًا عنها لكن الحقيبة كانت فارغة!.
فتحت السحابة في حركة أندفاعية وفتشت جيدًا بكلتا يديها لكنها لم تجد شيئًا ،قذفتها على مرمى يديها ثم أمسكت رأسها وبدأت حبات العرق تتضح على جبينها، توجهت نحو *الكوميدينو* لكنه كان خاليًا من كل شيء.
سحبت غطاء الفراش في حركة عشوائية لكنها لم تجد شيئًا فأنهارت أرضًا وامسكت رأسها بكلتا يديها وتمتمت ببعض الكلمات التي تحتوي على "راح فين؟ صداع، مهاب! "
ثم انتفضت فجأة حين تذكرت أنها وضعته بجانبها قبل أن تنام والغرفة مغلقة بمفاتيحها.
أين هو؟!
توجهت نحو الخارج بسرعه بعدما أرتدت روبًا من الحرير *النبيتي* فوق المنامة.
وصرخت في الخادمات لكن لم يجب أحد فأسرعت تتطوى السلالم التي توجهها نحو مدخل *فيلا* عمها مباشرةً وصرخت بهم مرة أخرى لكن لا يوجد أحد.
دخلت المطبخ بحثًا عنهم لكن لا يوجد أحد أيضًا ،فأسرعت تصعد السلالم مرة أخرى لزوجه عمها، فطرقت على الباب برفق فلم يجب أحد!
التفتت حولها يمنى ويسرى بحثًا عن شيء لا تعرفه، كل ما تعرفه الآن أن الصداع سيشق رأسها نصفين عن قريب، تذكرت أمن الفيلا فهرعت نحو الخارج تبحث عنهم .
اعتدلوا وتأهبوا حال ظهورها بذلك الشكل وأخرج أحدهم مسدسه وقال لها بمجرد وصولها لهم:"خير يا هانم؟! "
قالت وهي تلتقط أنفاسها:"هم فين؟ "
فأجابها بجوابه كالصاعقة:"في الساحل من أمبارح حضرتك! "
تراجعت للخلف عده خطوات وقالت بفزع:"أنا كنت قاعده معاهم! أزاي ده؟ "
نظر الأول للثاني في تعجب وقال بهدوء:"تحبي أتصل لحضرتك بيه؟ "
لكن ليلى لم تسمعه أو تجب عليه لأنها أسرعت للداخل وأمسكت بهاتفها وطلبت رقم سلمى وبمجرد أن فتحت الخط صرخت قائله: "سلمى ألحقيني الصداع هيموتني قومت ملقتش البرشام، أنا بتخيل حاجات ألحقيني بسرعة وهاتيه زي ما جبتيه المرة اللي فاتت"
فأجابتها بغموض:"حاضر ليلى"
فقالت ليلى بألم وهي تمسك رأسها وتفتش بعينها عنه في الأسفل:"متتأخريش عليا، أنا ممكن أموت قبل ما توصلي، أدامك أد أيه؟"
"خمس ساعات"
شهقت ليلى ثم صرخت ببكاء: "خمس ساعات يا سلمى! هموت! "
لكن سلمى أغلقت الخط فرمت ليلى بالهاتف وتابعت البكاء حتى تعالى رنين هاتفها مرة أخرى فركضت نحوه فوجدته مهاب فتحت الخط وسط شهقات بكائها فقال بصدمة:"ليلى، أنتي بتعيطي؟ "
لم تحملها قدماها فأنهارت أرضًا وقالت:"هموت يا مهاب!"
انتفض مهاب من مكانه وسط دهشة من زملائه وقال:"اهدي، حصل أيه؟ "
"صداااع يا مهاب، دماغي هتموتني، الصداع كان زاد عليا الفتره الأخيرة والدكتور قالي اخد تلت أقراص بدل قرص واحد"
قاطعها مهاب بدهشة وذهول:"أزاي ده؟ تلت أقراص! أسمه أيه البرشام ده؟ "
مسحت دموعها بيدها واسندت رأسها إلى الأريكة بالبهو أمام مدخل الفيلا وقالت:"سلمى اللي بتجيبهولي، كلمتها وقولتلها تجيبه قالتلي خمس ساعات أنا هموت قبل ما تيجي"
تناول مفاتيحه وسجائره وقال اثناء خروجه من المكان:"انا جايلك حالًا، أنتي في بيت عمك لسا؟ أعمليلي *شير لوكيشن* وأنا جاي في الطريق.... ألو ليلى…ليلى"
لكن ليلى قد وقع منها هاتفها ولم تتحمله أصابعها، أغمضت عينها في نصف إغمائه، وبدأت الرؤية تختفي تدريجيًا.
—————————————————————————
لم يكن من الصعب عليه الوصول إلى فيلا عمّها، قاد بأقصى سرعة نحو العنوان الذي أحضره من الشركة الخاصة بهم.
اوقفه الأمن بقوة لكنه أندفع وصاح بهم:"بتمووت جوا، لازم أدخل! "
ودفعهم بقوة وركض نحو الداخل حين أخرج أحد رجال الأمن هاتفه وطلب رقمًا.
أما بالداخل دفع مهاب البوابة بقوة ففُتحت على مصرعيها.
بُهِت حين رأها ملقاة على الأرض، فهرع نحوها ورفع وجهها بيده ففتحت عينها بتعب.
استطاع مهاب أن يلاحظ شحوب وجهها وحبات العرق المتناثرة عليه، مسح جبينها بيده وقال بخفوت:"أهدي حبيبيتي أنا جيت! "
تناول يدها في يده وكانت اللمسه الحاديه عشر.
وقف ومال بجسده عليها فنظرت له بعينين نصف مغلقتين فوضع يديه حولها ليحملها لكن قبل أن يرفعها اوقفه ذلك الصوت المتهدج من التقاط الأنفاس.