الفصل الثامن



صدمتها سلمى بكلامها:"و ده من أمتى ده يا ليلى؟! "
أخرجتها من أحلامها الوردية فجأة كطائر انتزعوا منه أجنحته!
إلتفتت لها حين أقتربت منها سلمى وتابعت بحدة وعنف:"مهاب كان بيعمل أيه عندك؟ أنطقي"
صُدُمت ليلى من طريقتها وكذبت: "كان بيصالحني، هو مش أنا قولتلك أننا كان بينا مشاكل، أهو كان بيصلحها"
وابتسمت لها بأرتباك ثم ألتفتت عنها.
لم تعلم أن أقصر الطرق للنجاة هو الصدق.
عقدت سلمى ذراعيها وقالت: "مكانش بيصالحك يا ليلى مش معقول من تسعة الصبح بيصالحك! ،أنا كنت عند نيرة قبل ما أجيلك وسألت عليه وقالتلي أنه كان بايت عند ناس صحابه"
أمسكتها من كتفيها وتابعت بقلق: "أنطقي، مهاب عمل معاكي أيه؟ "
أندفعت قائلة: "مهاب ده الوحيد اللي بيحميني من اللي أنتم مسمينه وهم! "
وتابعت بمرارة:"الوهم ده حاول يقتلني مرتين، لو كنت كلمتك كنتي قولتيلي خدي العلاج ونامي، بس أنا في حد بيطاردني"
رفعت حاجبيها في دهشة وقالت:"ولقيتي دليل المرة ديه على صحة كلامك؟! "
هزت رأسها بالنفي في ألم حين نظرت لها سلمى نظرة قوية وقالت:"يعني مش هتنهى علاقتك بمهاب؟ "
ردت في أصرار:"لأ مش هقطعها، وهفضل معاه"
إلتفتت سلمى عنها وقالت قبل أن تغادر:"يبقى خليكي فاكرة، هتيجي اليوم وهتشتكيلي من اللي هيعمله فيكي بس وقتها أكيد مش هعرف أساعدك!"
وغادرت سريعًا وتركتها وحيدة تفكر في الذنب التي اقترفته لتصبح دنياها هكذا.
————————————————————————
إذا كنت تعتقد أنك وحدك في الحياة من تعاني، سأخبرك أمرًا هناك أشخاصًا يعانون منك أنت شخصيًا.
دخلت نيرة على مهاب فوجدته شاردًا كعادته فأقتربت منه وقالت:"مهاب، أنت شايف ده صح؟! "
إلتفت لها وقال:"هو أيه اللي شايفه صح؟ "
"ليلى يا مهاب، سلمى كانت عندي أنهاردة وحكتلي إن حالتها بتبقى أسوء ،عرضت عليها أروح معاها عندها بس موافقتش"
أنتفض مهاب وقال في ذعر:"كانت عندك أمتى؟"
"من ساعة بالظبط"
وقتها فقط تيقن أنها بالتأكيد رأته فقال بتوتر:"أنتم جبتوا سيرتي؟! "
"أها سألت عليك وقولتلها كنت بايت عندك صحابك، ألا صحيح يا مهاب مين صحابك دول؟ "
لم ينتظر مهاب دقيقة واحدة، تناول هاتفه، ومفاتيحه وعلبة سجائره وغادر سريعًا وهاتف ليلى وقبل أن يخبرها أنه يريد مقابلتها قالت هي ذلك وطلبت منه اللقاء في المساء، فهاتف هاجر وأخبرها أنه يريد رؤيتها في الحال، وما هي ألا ساعةٌ واحدة حتى مثلت أمامه ويظهر على وجهها الضيق والغضب فقال بهدوء بعد أن أشعل سيجارته:"هاجر أنا عندي مشاكل الدنيا كلها مش ناقصك أنتي كمان! "
لم تكن هاجر بالفتاة الضعيفة التي ترضى بوضعه فقالت بضجر:"مهاب أنت متغير بقالك فترة كبيرة وأظن أنك عارف الكلام ده كويس مش محتاجه أقولهولك، لو في حاجه فياريت تتكلم بصراحة؛ لأن زي ما أنت مش فاضي أنا كمان مش فاضيه"
قضم شفتيه وأطفئ سيجارته وقال:"هاجر أنتي بتشكي في صوابع أيدك وده للأسف مش بيخليني أصارحك لأني عارف دماغك ورد فعلك كويس"
شبّكت أصابعها ورفعت أحد حاجبيها في تعجب وقالت:"يبقى الموضوع في واحدة!! كنت بايت مع واحدة؟ مش مع صحابك؟! "
لم يبالِ بما قالته بل طلب حساب المشروبات ودفعه وقال لها:"أنتي جايه بأيه؟ عربيتك و لا تاكسي؟ "
قالت في تهكم:"و الله ده يهمك؟! "
"أنجزي! جيتي في أيه؟ "
"تاكسي يا مهاب"
أشار لها وقال:"يبقى تتفضلي علشان أوصلك، أتفضلي! "
كان من الطبيعي بعدما قام بتوصيلها أن يعود لبيته حتى موعد ليلى في المساء، لكنه ظل يدور في شوارع العاصمة المزدحمة، لكن عندما أنهك جسده من القيادة، ركن جانبًا وترجل من سيارته وراقب المارة وهو يدخن سجائره!
شعوره بالضيق تضاعف فأخرج هاتفه ودوّن ما خطر بباله....
"حاسس أني بخون ليلى، لا قصدي بخون هاجر، هي متستاهلش، وبردو ليلى متستاهلش، أنهاردة وصلت هاجر علشان أحس أني عادل معاها زي ما وصلت ليلى وصلتها بس أنا مش حاسس ده ،أنا معجب بليلى، وممكن أكون متعاطف معاها علشان ظروفها، بس هي بعيدًا عن كل ده جميلة فعلًا، متصورش أني ممكن أتجوز هاجر وأبعد عن ليلى!
امبارح كان أحلى يوم في حياتي، ليلى نامت جمبي، مظنش أني كنت هبقى فرحان بالشكل ده لو حصل ده مع هاجر!
بس هاجر متستاهلش بردو أني أخونها، ومقدرش أقارن ما بينهم لأن بصراحة كفه ليلى هي اللي هتربح"
أبتسم على ضيق عقله وأفعاله ومسح ما كتبه على الفور ونظر في هاتفه مرة أخرى وهاتفها وقبل أن تنطق قال: "ليلى، ممكن نتقابل دلوقتي، أنا مش هقدر أقعد في الشارع كل ده"
—————————————————————————
وضعت فنجان القهوة أمامة وشبكت أصابعها وقالت: "كنت عايزني في أيه؟ "
رد بتلاعب:"أنتي اللي كنتي عايزه تقابليني! "
قالت بعد أن تراجعت خطوات للخلف في ضعف:"مهاب، بص أنا مش عارفه، بس، مهاب هو ممكن؟!……"وقبل أن تكمل قاطعها قائلا:"تعرفي قيس؟! "
"قيس؟!!!"
أعتدل في جلسته وقال:"أها قيس بن الملوح"
هزت رأسها بالنفي بينما علت شفتيه أبتسامة ماكرة وتابع: "ده حد مشهور جدًا، بس مستعد أحكيلك حكايته بس بشرط"
سألته بسعاده:"هو أيه الشرط؟!"
أشار لجانبه وقال:"تيجي تقعدي جمبي، ونشرب القهوة مع بعض"
قالت متعجبه:"بس ديه واحدة بس!"
نظر في عينها مباشرة وقال:"عايز أشاركك"
لم تعترض بل جلست بجانبه وأمسك هو بفنجان القهوة بين يديه وتابع:"قيس ده كان بيحب واحدة جداا لدرجة أنهم سموه مجنونها بس كل الظروف منعته يقربلها فبدأ يكتب فيها قصايد شعر"
قالت بعدما شوقها لقصته:"وكان أسمها أيه حبيبته؟ "
رد كمن لا يفكر: "ليلى❤" لكنه أرتبك وتابع: "دورك علشان تشربي"
نطقها سريعًا فكانت كجملة واحدة "ليلى دورك علشان تشربي"
لكن من ذا الذي يفسر طيات الكلمات!
أمسكت منه الفنجان بيد واحدة فجاء صوته:"تؤ تؤ…بأيدك الأتنين!"
رفعت رأسها ببلاهه وقالت:"ده أزاي ده؟!"
"أحضني الفنجان بأيدك كدهو" وأمسك بيدها الأخرى ووضعها في مكانها لتضم مسكتها وضم يده على يدها وكانت اللمسة الثامنة.
رفعت رأسها له في دهشة من فعلته بينما نظر هو لها وكأنه لم يفعل شيئًا وحثّها بنظره على رشف قطراتها فأطاعته في تعجب لكنه أقترب هو منها أكثر ليستطيع أن يشرب المرة القادمة دون أن تمد ذراعيها لتصل أليه، ظلت يدها أسيره يديه طويلًا ولم تتكلم كلمةً واحدة.
وأخيرًا فرغ الفنجان فأبتعدت مهاب وأنزل يده عن يدها، فتنهدت ونظرت أمامها كمن أفاق من جلسة روحانية للتو.
ظل هو يلتقط أنفاسه كمن قطع أميالًا، الحقيقة أنه قطع أميالًا بالفعل لكن في قلبها. ❤
مهاب في هدوء:"على فكرا أنا مش بشرب قهوة كتير"
قالت بأرتباك: "أنا هقوم أجيب ميه"
وأسرعت نحو الداخل في أقل من ثانية، ونظرت لكلتا يديها في تفكير وأستيعاب ثم ضمتها لصدرها في هيام.
لكن حاله بالخارج كان الأغرب، فهو الذي جاء هنا ليصحح الوضع ويناقشها في أمر خطبته لفتاة أخرى ويعري لها مشاعره كاملةً لكن بمجرد أن رآها لم يفكر وأستغل فرصته لصالح حبه!
نعت نفسه بالغبي مرارًا لكنه أستسلم في الأخر لنداء قلبه وقال بداخله:"لو كنت هنا يا قيس كنت فهمتني أعمل أيه مع ليلى، الظاهر أن ليلى ده اسم فيه سحر"
خرجت له بعد قليل بيدين فارغتين من أي قنينة مياة فوقف وقال:"أنا همشي بقى!"
قالت في ضيق:"ليه يا مهاب؟ "
رد في مرح:"اللي يشوفك كدا ميشوفكيش وأنتي بتمنعيني أدخل بيتك! "
قالت بأسلوب طفولي:"مهاب بس بقى لسا فاكر"
أمسك كتفيها في حب وقال:"مرة تانية، خلي بالك على نفسك وبلاش قهوة وأنا مش موجود"
حرك خصلات شعرها من فوق جبينها فأقشعر جسدها من لمسته حين تابع:"باي يا حبيبتي"
وتركها وغادر سريعًا لكنها لأول مرة تبتسم تلك الأبتسامة وبمجرد أن أستدارت حتى تذكرت أنها طلبته لسبب مخالف تمامًا لكن وقعت عينها على فنجان القهوة الفارغ فتناولته بين راحتيها وصعدت لغرفتها بدلت ملابسها ثم أمسكت بالفنجان مرة أخرى وقربته من أنفها لتشم رائحته فأبتسمت لا أراديًا منها وشردت في ليلة الأمس عندما كانت تتأمل قسمات وجهه وهو نائم.
وضعت الفنجان جانبًا وتناولت الأقراص ثم مددت جسدها على السرير، وفي منطقة أخرى كان هناك شخصًا يفعل المثل لكنه تحلى ببعض الشجاعة وأرسل لها رسالة نصية تنص على
"عمري ما شربت قهوة بالشكل ده، يمكن القهوة بتسهر لكن اللي مسهرني أنهاردة سبب تاني، الدكتور"
لكنها لم تتلقاها لأنها غطت في سبات عميق منذ نصف ساعة.
وفي الظلام الحالك الذي يخفي غرفتها تمللت في فراشها لتنقلب على الجانب الأخر، حانت منها ألتفاته استطاعت أن ترى فيها شبحًا ما يتحرك في الظلام، لكنها جمعت قواها وحبست أنفاسها وتظاهرت بالنوم وبدأت تمد يديها برفق لتضئ *الأباجورة* وحين ضغطت على الزر، انتفضت جالسة في دهشة واتسعت عيناها وقالت بذهول:"سلمى؟!!! "


إعدادات القراءة


لون الخلفية