الفصل الرابع عشر



"يسعدني و يشرفني أني أطلب أيديكي"
ضحكت ليلى في خجل وقالت:"أنت فاهم أنت بتقول أيه؟ "
"طبعًا يا حبيبتي، هاتي أيديكي"
مدت يدها في أرتباك نحوه ولامست أطراف أصابعه وكانت اللمسة الرابعة عشر.
سحب يدها وقبّلها ونظر في عينها مباشرة ثم قال:
- "تعرفي أني مصدق موضوع السحر ده! لأن لا يمكن يكون اللي حصلي دا حقيقي، حبيتك فجأة، معرفش أزاي أو أمتى..."
قاطعته بهدوء:
-"بس، مش محتاجه تفكير، الحب ده الحاجة الوحيدة اللي الأحسن متفكرش فيها بعقلك، حسها بقلبك بس"
سحبت يدها وقالت :"مهاب، أنا عايزاك تفضل جمبي علشان شكل اللي جاي مش كويس خالص"
رد بأهتمام:"ليه بتقولي كدا هتبقى أحسن! "
"أتمنى والله! لأن عمي عايز يدخلني مستشفى"
—————————————————————————
مر يومان لكن ما لا يستوعبه عقل، ما حدث في صباح يوم الأثنين ببداية الربيع.
ترجلت ليلى من السيارة السوداء الأنيقة والتفتت لمهاب الذي يدور حول السيارة نصف دورة من الأمام ليصل إليها...
قالت بارتباك وهي تنظر نحو تلك البناية العملاقة:
-"مهاب أنت واثق إن ده الوقت المناسب؟ "
دنا منها وقال في حنان:"حبيبتي، أنا هكلمه بس وأفهمه إني أول ما أفسخ الخطوبة هنعلن خطوبتنا رسمي! "
جالت ببصرها حول هالة جسده الذي حجب عن عينيها رؤية الشركة ثم قالت بعد أن طأطأت رأسها:"بس عمي مش هيرضى ومُصر إني أتعالج، خايف آذي نفسي أكتر من كدا، وأنا كمان خايفة"
وضع يده أسفل ذقنها ورفع وجهها لتكن في مواجهته ثم قالت :"ليلى، أنتي كويسة صدقيني، ديه شوية مشاكل وهتخلص قريب، أضطراب مش أكتر وبعدين مش أنتي قولتي إن لما بكون جمبك مش بيحصل حاجة ولما نتجوز هبقى جمبك دايمًا ومش هيحصل حاجة اطمني"
أنزل يده بجانبه وقال بعدما غمز بعينه:"شكلي حلو؟"
استطاع أن يسرق الأبتسامة من شفتيها فتابع بعدما انتعش لدى رؤية ابتسامتها: "المهم هطلع دلوقتي أكلمه وأنتي حابة تفضلي هنا عادي، حابة تدخلي جوه يبقى أحسن بردو"
"هدخل معاك أحسن"
وتعلقت بذراعه ودلفا من باب الشركة الكبير، وجالت ليلى ببصرها في المكان.
الأرضية ملساء بيضاء لطالما كان والدها يحب ذلك اللون يعتبره رمز النقاء وصفاء الروح وكان يقول لها أنها بيضاء مثل الملائكة.
هل كان يعرف أن بين عشيه وضحاها كل ذلك سيكون ملكها.
وعند تلك النقطة ترقرقت الدموع من عينها وهي تتذكر تلك الحادثة الشنيعة وعلاقتها بما يحدث لها الآن.
لا تعلم ما حدث أو كيف قُتِل أمام غرفتها.
نظرت نحو مهاب الذي كان يتأمل شرودها بأهتمام فقال على الفور:"ليلى حبيبتي في حاجة؟ نرجع؟"
وقبل أن تجيب عليه اتسعت حدقتا عينها في دهشة شديدة، إلتفت مهاب ونظر خلفه موضع بصرها واتسعت عينه هو الأخر فقد كانت وبكل بساطة *سلمى* قد هبطت نحو الأسفل للتو، هتف مهاب وبكل ما أُتي من قوة بأسمها "سلمى!! "
إلتفتت سلمى نحوهم وشعر مهاب بالرجفة التي حلت عليها أثر رؤيتهم، وعندما اقتربت منهم ضمت ليلى وقبّلتها وقالت بأهتمام:"غريبة! جيتي شركة عمك ليه؟ "
اعتدل مهاب وقال بجدية: "المفروض السؤال ده نسألهولك أنتي! جاية هنا بتعملي أيه؟! "
ابتسمت إبتسامة مزيفة والتفتت نحو ليلى وقالت :"عمك كان بيسألني عنك! ده خايف عليكي جدا، حتى كان بيطلب مني أنقل وأعيش معاكي"
ثم سحبت إبتسامتها المزيفة فكشفت عن وجهها الحاد وقالت:"وأنت بقى جاي هنا بصفتك أيه؟ "
نظر لها بضيق وقبل أن ينطق بٱشد الكلمات أوقفت ليلى شجارهم وقالت لمهاب:"أنا تعبانة، يلا نرجع! "
رمق سلمى بغضب وقال إلى ليلى بصوت هادئ:"يلا حبيبتي"
رفعت سلمى حاجبيها وقالت بتحدٍ:"بس أنا هروح معاكي، هروحك يا ليلى"
التفتت لها وقالت بتعب:"شكرًا يا سلمى، أنا عايزه أبقى لوحدي"
ردت في سخريّة:"و ده علشان مهاب ولا أيه؟ ولا يكون هيبات عندك؟! "
التفت مهاب بغضب وبسرعة شديدة اقترب من سلمى وأمسكها من سترتها وقال:"احترمي نفسك، أنا ساكتلك من الصبح"
وبين صياح وشجار وعنف لم تعد قدما ليلى قادرتان على حملها فأنهارت، تستند على الأرض بكلتا يديها وببطيء شديد لم تعد تسمع صوتهم كل ما رأته حينئذ الأرض تسوّد بالتدريج أسفل قدمهاثم تظهر بها الحيّات والٱفاعي التي سبق ورأتها...
تقترب منها بسرعة..
تصرخ ليلى لكن صرختها بلا صوت فترفع يدها بصدمة لتضعها على فمها فتخذلها رجلها وتسقط بداخل الأرض السوداء حتى تبتلعها ثم اختفت الرؤية...!
———————————————————————————
لا أعرف إن كان يحتاج المرء لشخص يسانده أم لا، لكن كل ما أعرفه أنك إذا أخترت شخصا ليصبح لك عونًا، توخى الحذر، لأن الطعنات من الأقربين أشد لأنها تكون من مسافة أقرب...

همهمات مشوشة وغير مفهومة إلتقطتها أذن ليلى قبل أن تفتح عينها وترى عمٌها يوّبخ "مهاب" حين كان الطبيب يحاول إفاقتها بالشركة.
كان ذلك قبل أن ينتبه مهاب لعودتها لهم، فٱشار لعمها ونظر كل منهم نحوها.
أمسكت رأسها بتعب وقالت:"حصل أيه؟ "
قال مهاب بحزن على حالها:"صرختي جامد ووقعتي! "
نظرت أمامها وقد تذكرت ما رأته من شيء مخيف فانتفضت جالسةً الأمر الذي جعل مهاب يقترب منها وحاول إمساك رأسها التي تدور في كل مكان باضطراب وكأنها تبحث عن شيء.
قال جلال بحزم:"لا حالتك دي لا يمكن اسكت عليها! "
لكنها لم تسمعه بل صرخت بفزع وتشبثت بياقة قميصه بقوة ورددت:"خليهم يبعدوا عني، هياخدوني"
————————————————————————————
تنهدت سلمى بأرتياح وسحبت قدماها برفق وأنزلتها على الأرض وسارت على أطراف أصابعها حتى خرجت وأغلقت الباب خلفها فهرع مهاب نحوها وقال بقلق:"نامت؟!"
"الحمد لله، نامت أخيرًا"
عاد مهاب وجلس على الأريكة وقال وهو يشعل سيجارته:"لو مكنتش أنا موجود كان خادها المستشفى"
نظرت سلمى حولها ثم قالت بضيق:"بس كان لازم تتدخل المستشفى، كدا ممكن تأذي نفسها"
صاح بها في غضب:"ممكن مش ٱكيد، عايزين تحبسوها في مستشفى علشان مجرد إحتمال! "
قالت بتحدِ:"ولو أذت نفسها؟ وقتها هتعمل ٱيه! وبعدين أنت فاهم بيحصلها أيه أصلا؟! "
سحق سيجارته بقوة وقال:"مش لازم أفهم، ممكن أحس، وأنا متأكد إن في حاجة غلط، وبعدين دكتور رأفت ده لازم نغيره ده حالتها بتسوء وهو مش بيعمل حاجة والعلاج اللي هي بتاخده ده، أنا هعرف إيه حكايته كويس،"
"ده مش اختيارك! "
نظر إليها في دهشة وقال:"يعني إيه؟ "
ردت في ثبات:"يعني عمّها قال دكتور رأفت يبقى هيفضل هو ،القرار مش بإيديك"
————————————————————————————
انتفضت فزعًا من نومها لليوم الثالث على التوالي.
ضمت ركبتيها إلى صدرها وشرعت في البكاء، نوم مضطرب لليوم الثالث وكوابيس أثناء يقظتها ونومها لقد أصبح الأمر لا يُطاق وبعد كل تلك المعاناة بدأت تفكر بجديّة في حالها.
هل سٱظل هكذا طيلة حياتي؟
خافت أن ترفع وجهها من بين يديها فترى شبحًا أو حشرات تملأ غرفتها، لكنها اضطرت لرفعه حين سمعت صوت جرس الباب.
ها وقد حضرت سلمى أخيرًا.
طوال الأيام الثلاثة لم تفارقها سلمى سوى لشراء بعض الأحتياجات للمنزل أو إحضار بعض المستلزمات من منزلها، وتلك الفترات الأصعب على ليلى.
وفجٱة جمعت شجاعتها وقفزت من فوق السرير، لا تبالي بما ترى أو تسمع، طوت السلالم أسفل قدمها، وفتحت الباب وهي تلهث وتلتقط أنفاسها.
"ٱساور؟! " نطقت بذهول.
اقتربت منها بأبتسامة وقالت بلهجتها البدوية:"وصلي خبر إنك مريضة وكان لازم أشوف دواكي"
من يرى ليلى في تلك الحالة يقسم أن حالها تبدل مائة بالمائة، الهالات السوداء قطعت شوطًا كبيرًا أسفل عينها، اليد التي كانت تتميز بالنعومة والأنوثة خسرت نصف وزنها.
دعتها ليلى للدخول متشبثة بالأمل المتبقى، بقشة الغريق!
قالت ليلى بتردد وخوف:"هو أنا مسحورة، مش كدا؟ "
ابتسمت السيدة فوضحت عيناها الحادة أكثر وقالت:
- "وأنا عندي دواكي"
نظرت للمكان حولها وتابعت وكأنها تستحضر شيئًا:
-"لما البدر يكتمل، تخرجي برا وتخلي وشك ليه وعند نص الليل بالظبط بتعري كتفيكي، وبتجرحي ايديكي الاتنين"
اتسعت عيناها في ذهول ولم تستطع النطق، تفكر في كل كلمة قالتها، سيكون الأمر صعبًا للغاية، لكن تابعت أساور:"الدم بيكون قربان هيبعد عنك قرينك وبتعيشي في أمان"
وجدت نفسها تنطق بدون تفكير:"وأمتى بيكون القمر بدر؟! "
ابتسمت السيدة بمكر وقالت:"بعد ثلاثة أيام، بيكمل لبدر، وما تنسي كلمة من اللي قلته، وشك للقمر ولازم كتفك يكون واضح "
————————————————————————————
لم تخبر أحدًا عن ما نوت فعله، حتى سلمى المقيمة معها في نفس المنزل.
وفي اليوم الموعود، استيقظت صباحًا وأقنعتها أنها بخير؛ لتذهب هي لمنزلها بضعة ٱيام لتدبير شؤونه وفي نهاية الأمر وافقت سلمى وقالت بقلق:"خلي بالك على نفسك لو أحتاجتي أي حاجة ،بس اتصلي عليا"
نظرت لها لتطمئنها وتابعت سلمى مضيها، وبدأت ليلى تعد حالها لما ستفعله ليلًا.
لا تقلقي، مجرد جروح بسيطة وستشفي منها.
أحيانًا يجب علينا أن نُجرح لنكمل حياتنا.
ذلك ما قالته لنفسها لكن كلما رأت السكين التي ستنفذ بها ذلك ارتجف قلبها رعبًا وفزعًا، لكن لا يوجد أمامها خيار، فتجربة بسيطة لن تضرها بشيء، لكن من الممكن أن تحل كل شيء.
وبعد مكالمة مهاب المعاتبة لها على ترك سلمى حتى أنه عرض عليها القدوم إليها لكنها رفضت وطمئنته، كانت الساعه قد وصلت للحادية عشر ونصف قرب منتصف الليل.
بدّلت ملابسها، وارتدت بلوزة عارية الكتفين تكشف عن كل ذراع لها بشدة، وبالتأكيد باللون الٱسود.
توجهت نحو الحديقة بقلق وقد وضعت السكين بها منذ ساعتين، فاجأها نسيم من الهواء البارد فأرتعشت أواصلها وطلبت المساعدة من اللّه وتلك أول مرة تفعلها.
نظرت للبدر المكتمل بخوف وخُيّل إليها أنه ينظر نحوها ويشاهد كل ذلك بسخرية.
وأمام حمام السباحة خاصتها أمسكت بالسكين بيد متردد خائفة وبدأت الدموع في النزول من عينها ثم رفعت يدها اليمنى ببطيء نحو ذراعها اليسرى، وازدادت في بكائها.
وضعت نصل السكين البارد على ذراعها فأقشعر جسدها، أدارت وجهها للجانب الأخر وكتمت أنفاسها، أغلقت عينها ثم سحبت نصل السكين بقوة للأسفل.
صرخت صرخة مدوية من الألم ومن نافورة الدماء التي انفجرت للتو، ضغطت على أسنانها وتناولت السكين التي وقعت من يدها وجرحت يدها الأخرى بسرعة وبدون تفكير.
وقعت أرضًا من شدة الألم وبدأت في النحيب.
صبّرت نفسها أن كل ذلك ما هو إلا أصعب خطوة للشفاء من مرضها الذي لا يوجد له علاج.
انتظرت أن يقف سيل الدماء لكنه لم يقف، شعرت بدوار لفقدان بعض الدماء لكنها لم تبالِ.
لكن كان كل ذلك قبل أن يضع أحد يده على فمها، ويجرها للخلف بقوة، حاولت التخلص من يده لكنه رمى بها في حمام السباحة ،لم تستطع رؤية ملامحه لكنه بدا يراقبها وهي تغرق لٱنها بالطبع لا تعرف كيفية العوم.
لعنت مهاب في داخلها لأنه أصر منذ أكثر من عشرة أيام على ملأه لأخره وطمئنها أنه لن يحدث شيء سئ.
وبين لطم المياه هنا وهناك تحول لونها لأختلاطها بدمها، فقدت الوعي عندما حلت المياه محل الهواء.


إعدادات القراءة


لون الخلفية