الفصل السادس عشر

.... (بيدي لا بيدي عمرو)
"أنا قتلت بابا! " قالتها صدمة وكأنها تكتشف للتو.
اعتدل مهاب وانتبه وامسك كتفيها بصدمة وقال:"أنتي بتقولي ايه؟!! "
نظرت أمامها وقالت بتشتت:
- "مفيش أي حاجة توضح القاتل! أنا الوحيدة اللي كنت موجودة، هددته قبل القتل أنه يكتبلي كل حاجه باسمي وبعدها قتلته ونمت وقمت مش فاكرة حاجة ولا فاهمة حاجة زي اللي بيحصل دلوقتي بالظبط!! "
شعر مهاب وكأن من تتكلم إمرأة أخرى وليست ليلى التي تطالب بالفهم والوضوح.
إمرأة تتقبل الأوضاع بشتى أختلافاتها، إمرأة ظلت تقاوم وتعافر حتى تأقلمت!
قطب جبينه في حزن وقال:
- "ليلى، محصلش!! أكيد محصلش، أنتي جرالك إيه؟ "
نظرت من النافذة نظرة خاوية من الحياة وفارغة من كل شيء وقالت:
- "أوقات الحقيقة بتكون صعبة، بس دي الحقيقة، مش هنقدر نصدقها، بس مش هينفع تتغير"
قطع حديثهم الغبار الذي ملأ المكان، فتوجها ببصرهما نحو تلك الجلبة وقد كان التالي...
ترجل "جلال المصري" من سيارته مع حرسه الخاص ومعه نيرة!!
ففتحت ليلى باب السيارة ونزلت منها وفعل مهاب المثل وعلى الجانب الآخر نزل محمد من البناية.
قالت ليلى بدهشة:"عمي؟!! "
رمقها بحزم وصرامة ثم قال:
- "أيوه عمك، وكفاية اوي لحد كدا" ثم قال مخاطبًا مهاب ومحمد:
- "أنتم عايزين منها ايه؟ مش كفاية الافكار الغريبة اللي ماليين دماغها بيها"
وقبل أن ينطق أحد منهم خاطب ليلى قائلًا بحزم: "أتفضلي قدامي! "
ضيقت حدقتي عينها في عدم فهم وقالت: "اجي فين؟ "

"على المستشفى" قالها وكأنها قنبلة وتفجرت للتو فشهقت نيرة ثم وضعت يديها على فمها فنظر جلال لها وتابع:
- "ايوه على المستشفى، امال صدقتي أنهم في خطر وأتصلوا بيها وأنا مش عارف أوصلها بجد"
تقدمها مهاب وقال:
- "أنت عايز ايه منها؟ هي كبيرة بما في الكفاية علشان تحدد مصلحتها"
لم يتأنَ جلال بل أشهر مسدسه في وجه مهاب الذي تراجع منفعلًا فقال جلال بحسم:
- "ارجع لمكانك وافتكر أنت مين كويس" لكنه تقدم خطوتين نحو جلال غير مبالي بما يسمعه لكن امسكته ليلى من قميصه وهمست: "لاا يا مهاب ارجوك لا"
"اللي بتعمله ده أنا مش هسكت عليه، أنا هدفعك تمن تهديدك ده غالي اوي!!"
فحرك "جلال الدين" المسدس ناحيته وقال بغرور: "أنت قولت أيه؟!! "
وهنا تعالت شهقات نيرة الباكية فصوّب جلال المسدس ناحيتها فصرخت بفزع فشدها مهاب من جواره فتشبثت بقميصه بقوة وانتفضت من شدة الخوف.
لكن ليلى لم تكن معهم عقلها وقلبها في مكان آخر، هزها مهاب بقوة وصاح بها:
- "قوليله إنك مش راحة معاه"
نظرت له نظرة فارغة من كل شيء، حين شدها جلال من يدها فأفلت مهاب نيرة وسحب ليلى مرة أخرى فصوب جلال المسدس ناحيته وأمر الحرس بالتدخل، فصرخت نيرة أما ليلى فسارت مع جلال بدون تفكير أو مقاومة ودخلت السيارة بدون أن تتفوه بكلمة واحدة!
وبعدما تحركت عجلات السيارات وغادرت المكان صاح محمد بنيرة:"أنتي اللي جبتيهم هناا!! أنتي………"
قاطعه مهاب وهو يضم نيرة:
- "خلاص يا بابا اللي حصل حصل والكلب ده أنا هوريه"
ضرب محمد يده في عدم فهم وقال:
- "أنا مش فاهم الغبية دي راحت معاه ليه؟"
قال مهاب بتيقن:
- "ليلى مبقتش في وعيها يا بابا هي فعلا محتاجة تتعالج بس مش عند الناس المريبة دي"
دخل مهاب في سيارة والده وطلبت منه نيرة الجلوس بجانبها لأن أعصابها غير ثابتة فمسحت دموعها بٱصابعها وقالت:"أنا خايفة على ليلى أوي!"
بمجرد أن وجه بصره نحوها أنهارت باكيةً فضمها بشدة وقال:
- "هتكون كويسة أنا متأكد، أكيد عمها مش هيأذيها مش كدا؟ "
لكن أخر كلماته جائت متوترة وغير ثابتة.
★☆★☆★☆★☆★☆★

من أصعب الأشياء أن تتلقى الواقع بعقلك لأنه حين يخبر قلبك لن تتحمل الصدمة!!
أفاقت ليلى من تلك الحالة البائسة في *عملية التسليم* ذلك أقل وصف عمّا حدث، لم يكن لديها الخيار.
التفتت يمينًا ويسارًا فسرت قشعريرة في جسدها وهي تستمع لما يحدث...
"البنت جاية خلصانة"
"في عنينا يا فندم"
وهنا التفت جلال لها وقال بهدوء:
- "حبيبتي، هتبقي كويسة هنا، هياخدوا بالهم منك" قاطعت *نرمين* حديثهم وقالت:
- "يا فندم دي تحت رعايتي"
ابتسم جلال وقال مخاطبًا ليلى:"اسمعي كلامهم يا لولو"
والتفت ليغادر لكن ركضت ليلى نحوه ثم قالت باستماته:
- "متسبنيش يا عمي، ارجوك!! "
أعاد النظر إليها في نفاذ صبر وقال:"في أيه يا ليلى؟ "
نظرت حولها بتوجس لتلك الأعين المتربصة بها هنا وهناك وقالت:"أنا مش مطمنة، أنا خايفة"
اقتربت نرمين من ليلى وقالت لجلال:
- "اتفضل حضرتك أحنا هنتصرف مع الحالة! "
تراجعت ليلى إلى الخلف وقالت بخوف:"تتصرفوا؟! عمي متسبنيش"
تراجع جلال خطوات للخلف فتقدمت ليلى نحوه لكن قبل أن تصل إليه أمسكتها نرمين وأشارت لطاقم الممرضين فحضروا وأمسكوها.
ظلت تنادي وتصرخ وتستغيثه ألا يتركها لكن لا حياة لمن تنادي.
ولم يتذكر جلال أن ""وأما اليتيم فلا تقهر""
صدق اللّه العظيم..
★☆★☆★☆★☆★☆★☆★

بعد اجتماع الممرضات والممرضين و أمساكها بقوة وتقيدها في أطراف السرير بسبب الحالة العصبية التي كانت تعاني منها، تم حقنها بحقنة مخدرة لتغيب عن الوعي لمدة أربعة وعشرين ساعة.
يقولون أننا نرى في أحلامنا من نريد، فالروح حرة دائمًا لا يقيدها سوى الموت، وكان ذلك ما حدث.
حُرِم النوم على جفون مهاب، كلما غفى استيقظ على صوتها لكنها ليست بالمكان ورغم ذلك يشعر بحرارة جسدها الذي طالما شعر بحرارته.
طرقت نيرة على الباب برفق ثم دخلت فتفاجئت به جالسًا على فراشه.
"لسا صاحي؟! "
التفت إليها وقد تورمت عيناه من شده التعب والأرهاق ثم قال:"أنا تعبان أوى، وخايف على ليلى جداً"
جلست بجانبه وقالت:"هتكون كويسة يا حبيبي صدقني، بكرا بإذن الله روح لعمّها وأعرف المستشفى وهتلاقيها بقت أحسن"
لكنه حسم أمره وقال:
- "أنا هتحرك في الفجر مش هستنى، لأني أستحالة أنام من غير ما أطمن عليها"
وبعد مرور القليل من الساعات...
أوقف السائق سيارته بعدما وصل أمام المستشفى المنشودة، ترجل مهاب من السيارة وأعطى السائق نقوده، وسار بمحاذاة الممر الطويل مرورًا بالحديقة الخاصة بالمرضى ودلف من بوابة المستشفى، وتوجه نحو الأستقبال وقال:
- "كان في واحدة جت عندكم امبارح، اسمها ليلى، لو سمحتي كنت عايز اشوفها"
أغلقت الموظفة الدفتر الذي بيدها وقالت بأبتسامة ذات معنى:
- "لو حضرتك تقصد ليلى حاتم المصري، فديه حاجة مقدرش اسمحلك بيها، لازم الدكتور يبلغنا"
"و الاقي فين الدكتور ده؟! "
"في مكتب(ج) ،دكتور سليم دايمًا بيكون لأنه بيبات هنا"
سار مهاب كما أشارت *نرمين* ومر من أمام الحجرة التي بها ليلى فأنقبض قلبه ولم يعلم لماذا.
طرقات على الباب أخرجت سليم من أحلامه بعد ليلة شديدة كما يسميها هو، فقال بغلظة بعدما فرك عينيه:"أدخل"
فتح مهاب الباب وقال بتعب:
- "لو سمحت كنت عايز اشوف ليلى حاتم المصري"
حدق فيه في ضيق وقال:"هو حضرتك عارف الساعة كام؟"
لم يجب مهاب ونظر نحو الأتجاه الأخر، فتابع سليم وهو يخرج سيجارته من علبتها:
- "امم و أنت مين بقى؟" قال تلك الجملة ثم أخرج الدخان من فمه وتركه يرتفع.
"صديق"
لم يسأله مرة أخرى فقال:
- "هي أصلًا نايمة ومش هتفوق غير انهارده بليل، واخدة إبرة علشان تنام"
اتسعت حدقتا عينه في ذهول وقال:
- "ليه هو حصل أيه؟ "
قال له سليم في ضيق:
- "مريضة نفسية، عادي جدًا تاخد منوم علشان تنام! "
تقدم سليم ومعه مهاب نحو غرفة ليلى وكانت بها طرقة ليست بطويلة ومن ثم تخرج نحو الغرفة التي بها نافذة مطلة على الحديقة وسرير فقط.
اقترب مهاب منها برفق وجثا على ركبتيه وامسك بيدها الباردة والتفت إلى سليم الذي ابتسم بسخرية لذلك المشهد وخرج من الغرفة.
فنظر مهاب مجددًا إلى ليلى وهمس لها:
- "مش عارف إذا كنتي سامعاني و لا لأ، بس أنا أسف، أنتي هنا هتبقي أحسن وهجيلك كل يوم واللّه، كل يوم متخافيش مش هسيبك"
قال سليم الذي عقد ذراعيه ووقف خلفه:
- "زي ما أنت شايف هي نايمة يعني وجودك هنا ملوش لازمة"
قبّل يدها وكانت اللمسة السادسة عشر.
ثم وقف وقال بحزن:"ارجوك أهتم بيها، ولو أحتاجت أي حاجة ممكن تتصل بيا"
وغادر مهاب وقد بدا عليه التوجس.
————————————————————————
قرأت ذات يوم أنك إذا لم تجد شيئًا يبث السرور إلى روحك فأغلق عينيك فستعلم أن رؤية الضوء تستحق الأبتسامة لكن في الحالة التالية كان الوضع مختلف..
فتحت ليلى عينها وبمجرد أن تسللت أشعة الشمس -كما تعتقد هي- إلى عينها حتى تذكرت ما حدث وأنها الآن بالمستشفى.
فما كان منها إلا أن اعتدلت واتضح أن ذلك ضوء الغرفة ولم تكن أشعة الشمس.
وهنا دخل سليم الغرفة فابتسم بجاذبية وقال:
- "حمدلله على السلامة يا ليلى، أنا دكتور سليم المسئول عن حالتك، وموجود هنا اربعة وعشرين ساعة"
اقترب منها وبدون مشاورتها وضع يده فوق خصرها ليساعدها أن تجلس لكنها زجرته بعنف فوضع اصبعه على فمه وقال:"ششش" ثم رفعها مثلما كان يفعل، فما كان من ليلى إلا أن ضمت ساقيها إلى صدرها ونظرت له بترقب حين بادر هو بالكلام:
- "أنتي دلوقتي ف مرحلة العلاج، لو تصرفتي تصرف غير اللي هأمرك بيه هتتعاقبي ومظنش هيعجبك العقاب، هتشوفي حاجات وهتسمعي حاجات عادي جدًا، ديه طبيعة مرضك، اشوفك بكرا زي دلوقتي "

وغادر الغرفه تاركًا ليلى خائفة وتفكر فيما قاله.
هل سيعاقبها لو فعلت شيئًا تريده هي؟
ما هو العقاب؟
كيف لمسها بكل تلك السهولة، ولم يعتذر؟!
ماذا يقصد بجملته أنه سيراها غدًا في ذلك الوقت؟
هل ستكون الأيام التالية جيدة أم أنها ستكون أبشع شيء سيمر عليها على الٱطلاق؟
وبين سؤال والأخر غاصت في كل شيء حولها، أم أنهم من تسللوا لداخلها، أبتلعتها مشكلاتها ليس غير!
يتبع***********************************


إعدادات القراءة


لون الخلفية