الفصل السادس



قالت نيرة بهدوء:"هاجر خطيبة مهاب! "
كدلو من الماء البارد في شتاء ديسمبر القارص، كان ذلك أقل وصف لوقع المفاجأة على ليلى، لكنها لم تدم طويلًا فتظاهرت بالامبالاه وبعد قليل أنصرفت وقد بدأت التساؤلات تنهش عقلها بلا رحمة.
وصلت نيرة لمنزلها فأتجهت لغرفة مهاب ودقت الباب برفق فأتاها الأذن بالدخول فأقتربت من مهاب الجالس خلف حاسوبه المحمول فتنحنحت وقالت:"مهاب، أنت مقولتش لليلى أنك خاطب! "
نظر لها بفتور وقال:"عادي مجتش فرصة"
قالت بصدمة:"مهاب أنت مشوفتش شكلها لما عرفت، حرام عليك"
مهاب بضيق: "نيرة، أنتي عارفه أنا مشغول أد أيه الفترة ديه، وكمان عارفه أني موعدتهاش بحاجة يبقى بتعاتبيني على أيه! "
نظرت له بصدمة ثم انصرفت من أمامه وهاتفت سلمى وبدأت تقص عليها ما حدث ،لم تكن المفاجأة أخف وطأةً على سلمى التي تستمع إلى قصة لأول مرة فقالت بصدمة: "نيرة أنتي متأكده أن ديه ليلى صاحبتي"
نيرة بتعجب: "أكيد طبعًا يا بنتي، هو أنتي متعرفيش حاجة عن ده؟!"
سلمى بصدمة: "لا أكيد، ده كل اللي أعرفه عن مقابلتهم الأولي وحاجات بسيطة أوي بعد كدا مبقتش تجيب سيرته خالص"
قالت نيرة بضيق: "هو أحنا ليه بقينا نخبى على بعض! "
سلمى بمكر: "الظاهر أن ليلى بدأت تعمل حاجه ومش عايزاني اعرفها"
—————————————————————————
رغمًا عنها عندما خلت بنفسها، شعرت بكم الثقل الذي أصابها ،اخذت الغرفة ذهابًا وإيابًا في شرود وتفكير.
شاردة في سبب ضيقها لهذا الحد، وتفكر في سبب أخفائه لأنه مرتبط، هوت على المقعد فجأة بضيق لكنه قطع أفكارها صوت سلمى تنادي عليها بحزم، فخرجت لها وحاولت أن تظهر طبيعية لكن لم تستطع.
نظرت سلمى لها رافعةً إحدى حاجبيها وقالت:"مضايقه! سبق وحذرتك بس مسمعتيش كلامي"
ليلى بصدمة:"أنتي كنتي عارفه؟! "
"غبائك صورلك أنك أذكى واحدة، قولتلك الدنيا بره غابة، مضايقه ليه من تعاملك مع حيوان؟! "
قاومت الدموع بشدة وقالت :"مقاليش يا سلمى، مقالش أنه خاطب! "
ضحكت سلمى بأستهزاء: "وأنتي كنتي عايزاه يقولك، مش عملتي كل ده من ورايا ،أشربي بقى"
تابعت وهي تقول بحنيّة وتأخذها بين ذراعيها: "أبعدي عنه ومتكلميهوش تاني وأنتظمي ع الدوا؛ علشان تخفي"
نظرت سلمى لطاعتها بمكر...وتابعت بث سمّها...!
—————————————————————————
دخلت المكان بخطى واثقة مليئة بالفخر وتوجهت نحو الطاولة وجلست أمامه بدون أن تلقي السلام.
قال لها بهدوء:"تصدقي ليكي وحشه بردو!"
خلعت نظارتها ولم تبالي بالهالات السوداء وقالت بثقة:"ده أنا ليلى! طبعًا لازم أفرق! "
مهاب بمرح:"ده أيه الثقة ديه كلها! "
وبعد تبادل الحديث في أشياء مختلفة تعالى صوت هاتفه فنظر له ثم أرتبكت نظراته ونظر نحو ليلى وأغلق صوته.
رن مرة أخرى، شبكت ليلى أصابعها في هدوء مصطنع وقالت بأرتباك وترقب: "مقولتليش يعني قبل كدا أنك خاطب!"
نظر لها بدهشة ثم حاول السيطرة على نظرته فقال باسمًا: "مجتش فرصه"
أشارت نحو يده وقالت:"بس أنت مش لابس دبله! "
نظر نحو يده وابتسم قائلًا: أنتي خدتي بالك، مش بحبهم و ده سبب مشاكل مع هاجر، هي فاكرة أني بعمل كدا علشان البنات مش عارفه أن اللي بيكون عايز يخون بيخون ولو اتحط في أيده ألف دبله"
قالت بمكر:"وأنت مخنتهاش؟! "
مهاب بجاذبية:"أنتي شايفه أيه! "
نظرت له بضيق وتابعت: "ديه حاجة هي اللي ترد عليها"
مد يده ولمس يدها.
سحبت يدها بدون تردد وقالت بحزم:"وفرها لخطيبتك"
و وقفت وسارت بعيدًا عنه انتبه مهاب للمكان حوله وخاطب نفسه قائلًا: "بتغير؟!! "
—————————————————————————
وأثناء عودتها تعالى رنين هاتفها فنظرت نحوه ثم نظرت للطريق مجددًا لكن كان هناك مارة فأنحنت بالسيارة ثم ضغطت الفرامل وحاولت تنظيم أنفاسها والقيادة مجددًا لكنها لم تستطع وأصدر هاتفها رنينه مرة أخرى ففتحت الخط وبادر مهاب بالكلام قائلا:"ممكن متزعليش لأني مش بحب النكد"
قالت بتعب:"مهاب تعال ليا ع الطريق"
"أنتي سايقه؟! "
"اها مش قادرة أكمل، تعال يلا"
وأثناء قيادته لسيارتها.
قال لها بهدوء:"ممكن لو سمحتي متسوقيش تاني، المرة ديه عدت على خير الله أعلم المرة الجايه هيحصل أيه"
نظرت له وقالت بتفكير:"هو لو أنت بتتخيل حاجه ممكن بيها تأذي نفسك ولا هتكون بتتخيل علشان حياتك تمشي"
"الكلام ده لو أنا اللي بتخيل مش وهم وكمان بيتفرض عليا"
اسندت رأسها إلى الزجاج وقالت بتعب:"مبقتش فارقة، عاجلا أم أجلا هروحله قريب"
"هو مين ده؟ "
"بابا"
مد يده برفق نحوها ووضعها فوق يدها وكانت اللمسة السادسة وحانت منه إلتفاته لها وقال: "الله يرحمه"
———————————————————————— كعادة الأيام مملة رتيبة...
وبين الواقع والوهم نضيع نحن!
بعد إقناع شديد من سلمى وصلت ليلى أسفل شركتها والتفتت لها قائلة:"أنتي متأكده من اللي بتقوليه ده؟ "
سلمى بأبتسامة: "أيوه طبعًا متأكده بعتلي وقالي أقنعك بالصلح"
تابعت بهمس: "زي ما تقولي كدا أخيرًا عرف أنك بنت أخوه"
كانت سعادتها لا توصف بما قالته صديقتها بل من الممكن أن نقول أختها.
وما بالكم بالطعنات من القريب..!
قالت لها سلمى: "ادخلي أنتي وأنا هروح أجيب حاجات من هنا"
نظرت لها بخوف وقالت: "وهتسبيني لوحدي؟ "
دفعتها سلمى بأبتسامة ونبرة تشجيعية:"ديه شركتك! ادخلي بقلب جامد كل اللي جوه دول شغالين عندك أنتي"
قالت بحزن:"أنا مدخلتهاش من ساعة الحادثة"
"و ده الأولى أنك تدخليهاا يلاا"
دلفت ليلى إلى الشركة بحذر، وقف الجميع أثر حضورها فلم يتوقع أحد أن تأتي بعد كل ذلك الغياب.
بادر أغلبيتهم بكلمات مجاملة، كلٌ منهم يطمح في تحقيق مصلحة شخصية من ربة العمل، تقدمت بخطى مرتبكة نحو مكتب والدها سابقًا و مكتب عمّها حاليًا.
الغريب أنه لا يوجد سكرتيرته وقبل أن تدخل من الباب سمعته يحدث شخصًا بالداخل ويقول:"أما مش بكرهها بالعكس بحبها ديه بنت أخويا الوحيد و اللي بقيالي من بعده بس دايمًا بتغلط، أنا مش قادر أصدق إن حاتم كتبلها كل حاجه وفي نفس الوقت مبقتش قادر أكدبها بس بتمنى ترجع كل حاجة زي زمان وتقربلي تاني، ديه بنت عيلة المصري في الأول وفي الأخر"
طرقت على الباب برفق ثم فتحته باسمةً وتوجهت نحو عمّها وضمته لأول مرة فقال وهو يزيحها بعيدًا عنه قليلًا: لا أنا مش هقدر أستحمل الحب ده كله.
فأبتسمت بحب وعرّفها هو على السكيرتيرة الخاصة به نهى، فرحبت بها في هدوء وانسحبت ،فجلست ليلى في مقابلته وبادر جلال بالكلام وقال:"بصي يا ليلى، أنا بقول كفايه عداء ومشاكل أكتر من كدا و أرجع عمك وترجعي بنت أخويا بتاع زمان ،أيه رائيك؟ "
هزت رأسها موافقة وبشدة فقال بهدوء:"أيه رائيك لو تيجي تعيشي معانا بقى في بيتي؟ "
لا يوجد مجال للتردد فقالت بقوة:"أسفه يا عمي بس أنا حابه أفضل في نفس البيت اللي كنت فيه أنا وبابي"
قضم شفتيه بضيق وفكر وقال:"خلاص مش مشكلة بس تبلغيني أول بأول بأخبارك وتطمنيني عليكي"
"أكيد، عمي بالمناسبة علشان متتفاجأش، أنا بعاني مش اضطرابات كدا وبروح لدكتور علشان أتعالج"
ابتسم وقال:"ربنا معاكي يا حبيبتي والأزمة ديه تمر على خير"
————————————————————————
رمت بثقل جسدها على الفراش وقالت بعد تنهيدة:"مش قادرة أصدق إن خلاص موضوع عمي ده خلص"
نامت سلمى بجانبها وقالت:"الحمد لله يا حبيبتي عقبال موضوع العفاريت ده"
ضحكت ليلى وقالت:"بس متقوليش كدا أحسن دول بقالهم فترة مختفين ومبيظهروش و ده مش مطمني خصوصًا بعد الحادثة اللي حصلت ومعرفش أصلا التحريات وصلت لأيه! "
قالت سلمى بعد تفكير:"أنتي عملتي أيه مع مهاب؟! "
قالت ليلى بضيق:"قابلته وضايقته ومسحت رقمه ومش هسجله تاني! "
ابتسمت سلمى وضمتها وقالت:"كدا أحسن حبيبتي"
ضحكت ليلى وقالت:"لاا أنا كدا هخاف منك، نايمة جمبي وبتحضنيني وبتقولي حبيبتي" أبتعدت عنها وضمت يدها إليها وتابعت بضحك "بت أنتي عايزه أيه بالظبط"
وطارت الوسادة إلى وجهها مباشرةً فضحكت الفتاتين ونامت سلمى بجانب ليلى في تلك الليلة.
—————————————————————————
هاتفها الطبيب في مساء اليوم التالي، فأجابته متعبه كالعادة.
رأفت:"عامله أيه انهارده؟ "
ليلى بتعب:"الصداع يا دكتور مش بيسيبني"
"عدي عليا وهديكي علاج كويس"
"خلاص إن شاء الله"
فبدلت ملابسها سريعًا وتوجهت له وأخذت منه الأقراص ونصحها بتناولها قبل النوم مباشرة فنفذت حرفيًا وتناولت الأقراص قبل أن تخلد إلى النوم لكن ما منعها من أن تلقى بثقل جسدها على السرير، التلاعب في إضاءة المطبخ.
فخطت نحو الداخل بخطوات مرتبكة فوجدت الأضاءة نابعة من الثلاجة فتحركت بتردد نحو الداخل فما لبست أن اقتربت منها حتى وضع أحد شيء على فمها لكنها كانت سريعة فتناولت الشوكة وضربته في ساقه فأبتعدت عن ذلك الشخص الملثم وركضت نحو الخارج، لكنه أمسكها من شعرها فصرخت بقوة وقالت:"أنت عاايز أيه؟!"
سحبت المزهرية وكسرتها فوق رأسه فتناثر الزجاج في كل مكان لكن في تلك اللحظة ركضت نحو الداخل وأغلقت الباب بالمفتاح وتراجعت للخلف نحو الفراش لكن تعالى رنين هاتفها ففتحت الخط وقالت بخوف وارتجاف:"الحقني يا مهااب، في واحد هيقتلني، ضربته ع دماغه وجريت جوه وقفلت على نفسي"
انتفض واقفًا وقال:"اقفلي كويس، وحطي حاجه تقيله ورا الباب، أنا جاي حالًا"
فرمت بالهاتف وحاولت تحريك عده أشياء لتكن خلف الباب.
—————————————————————————
في أقل من ربع ساعة كان قد وصل مهاب أمام منزلها، ترجل من السيارة بأقصى سرعة واندفع نحو الباب وهتف :"ليلى، ليلى"
تراجع عدة خطوات ليرى شرفتها في الطابق الثاني، لم تخرج له، فعاد مرة أخرى ركضًا ودفعه ثم دفعه فوقع الباب ومهاب فوقه، أخرج المسدس من جيبه وتحرك بحذر يفتح باب تلو الأخر في الطابق السفلي لكنه لم يجد شيء فتوجه نحو غرفتها بالأعلى بأقصى سرعة وطرق على الباب:"ليلى، ليلى، أنا جيت! "
حاول فتح الباب فوجده موصد..!


إعدادات القراءة


لون الخلفية