الفصل السابع عشر
تضاعفت نوبات الهلع والفزع لديها، يخبرها الطبيب أن كل شيء من وحي خيالها، لكن لديها اليقين من أنه حقيقة.
كانت مسالمة، تنتظر زيارة مهاب أو سلمى، لم يسمح لها الطبيب بالنزول إلى الحديقة حتى الآن أو الخروج من غرفتها، ظلت ملازمة للغرفة لمدة أربعة عشر يومًا، حتى ذلك اليوم...
كانت ترتدي رداء أبيض هادئ، وظهر على جسدها الذي بدا عليه النحول بشكل شديد، شعرها مبعثر بعشوائية ورائحة المخدر تفوح من كل شيء حولها، الأضواء تتلاعب بها بين الإضاءة أو الأنقطاع.
دخلت "نرمين" الغرفة فوجدتها تضم ركبتيها إلى صدرها وتنتظر شيئًا لن يحدث، اقتربت منها وقالت:
- "دكتور سليم عايز يشوفك! "
أفزعتها أول كلمة فنظرت لها بجسد حاضر وذهن غائب وقالت بتلعثم:"دلوقتي؟ "
تأففت نرمين ثم جالت ببصرها في المكان وقالت:
- "أمال بكرا! وحسك عينك أسمع صوتك"
سرت في جسدها رعشة على أثر تلك الكلمة وقد علمت من يومين فقط ماذا يقصد الطبيب بالعقاب، جلسات كهرباء تسمع صرخات صاحبها من كل مكان في المستشفى، لن تنسى طوال حياتها الصدمة التي وقعت فيها عندما علمت ذلك.
كما لن تنسى أيضًا كيف دخل سليم غرفتها فجرًا ليلة أمس، تسلل نحوها ومد يده ووضعها على وجهها بهدوء، فأنتفضت على أثر ذلك وسترت ملابس نومها بالغطاء، لكنه ابتسم وخرج من الغرفة ولم يعلق، وها هي الآن تقول لها أنه يريدها.
ثم ماذا؟! ستخرج من الغرفة بعد سجن دام طوال إسبوعين وتوقيت خروجها منها بعد منتصف الليل والمكان المنشود هو مكتب سليم!
لم تعطها نرمين حق الرفض لأنها سحبتها من يدها وقالت بقسوة:
- "مش وقت جنانك! "
خطت ليلى خارج غرفتها فضربها الهواء البارد وإن بدا لها ساخنًا بعض الشيء لأن جسدها هو البارد.
الأرضيه الرخامية الملساء باردة كالثلج، الممر مظلم ولا يوجد به شخص واحد، لكنها لم تستطع رؤية وتحليل المزيد لأن نرمين سحبتها خلفها إلى داخل مكتب سليم الذي يقع بنفس الطابق وفي نفس الممر.
ارتجفت.
لا تدري هل جسدها من ارتجف أم روحها، قالت نرمين بهدوء:"ليلى يا دكتور! "
التفت في مكانه ورمقها بنظرة فاحصة ونظر أمامه من خلال النافذة وقال:
- "أخرجي وسيبيها وعارفه باقي التفاصيل"
ابتسمت نرمين ونظرت نحو ليلى بسخرية وتركتها وخرجت ساحبة معها أخر حلم بالأمان.
لا تعرف هل سمع اصطكاك أسنانها ويدها التي ترتعش خوفًا وبردًا حين التفت فجأة وقال:"لما أنتي بردانة مقولتيش ليه! "
قالها ثم أغلق النافذة وتقدم نحوها واشار نحو الأريكة وقال:
- "أقعدي يا ليلى"
جلست ليلى بعدما راودها شعور مؤقت بالأمان بينما جلس سليم بالقرب منها وقال:"أنتي عارفة أنا جايبك هنا ليه؟ "
هزت رأسها بالنفي، فابتسم هو وقال بحنان:"علشان أطمن عليكي! "
فابتسمت ليلى وقبل أن تنطق
قال هو :"أقلعي"
انتفضت ليلى فكرر هو بلهجة آمره:
- "أقلعي بالذوق بدل ما أخليها بالعافية"
ركضت ليلى نحو الباب وأمسكت بالمقبض لتفتح الباب لكنه لم يُفتح فأستوقفها صوت ضحكاته المجلجلة وقال بهدوء:"غبية، فكرك أنا هسيبيه مفتوح"
الصقت جسدها بالباب وقالت بصوت بالكاد يُسمع:
- "أنت عايز مني أيه؟! "
يداها لم تعد تثبت في مكان كما أن أصوات أنفاسها تتعالي ودقات قلبها تتسارع، بالتأكيد يستطيع هو رؤية صدرها الذي يعلو ويهبط في عنف.
اقترب منها فأوقفته بيدها محذرة:
- "لو عملتلي حاجة مش هيحصلك كويس، عمي لو عرف مش هيرحمك"
حرك رأسه بالنفي وقال:
- "أنتي فيكي أيه، هو أنا جيت جمبك؟ "
قالها واقترب منها بعض الخطوات الأخرى وقبل أن تصرخ وضع يده على فمها وساقها نحو الأريكة ورماها فوقها، صرخت ليلى، بكت، ضربته بكل قوتها، عضته في يده، قاومته بكل الطرق، لكن رحمة الله وسعت كل شيء، دخلت نرمين فجأة فانتفضت سليم عنها وقال بعنف:
- "أنتي ازاي تدخلي عليا؟ "
قالت وهي تلتقط أنفاسها:
- "مهاب جه وعايز يشوفها"
وهنا صرخت ليلى باسم مهاب وهي تركض نحو الباب فأمسكتها نرمين من شعرها وأمسكت ليلى بردائها لتستر جسدها بعدما مزق سليم نصفه العلوي.
قال سليم:"خديها من وشي"
فدفعتها نرمين نحو الممر بيدها وبدأت في الصراخ. "الحقوني، هتهرب"
وقفت ليلى مفزوعة وتطالبها بالهدوء وتتسائل ما الذي يجري، لكن ما هي إلا لحظات وانقض الممرضون عليها، أمسك كل رجل بيد، فظهر جسدها مرة أخرى من الملابس الممزقة، بكت وصرخت وحاولت الهرب، لكن ظهر مهاب مهرولًا من بداية الممر، اتسعت حدقتا عيناه وركض بأسرع ما يمكن نحوها وخلع سترته ووضعها عليها فتحررت من قبضاتهم الباطشة.
تشبثت بقميصه وتعالت صرخاتها المكتومة وهنا كانت اللمسة السابعة عشر .
لكنها لمسة من نوع خاص!
ضمها مهاب بقوة وصاح بهم:"مين اللي عمل فيها كدا؟"
نظر الممرضون إلى نرمين التي نظرت له بضيق وقالت:"مين سمحلك تدخل العنبر؟ "
سبّها ثم تابع :"مين ابن ال**** المسئول هنا؟ "
خرج "سليم" من مكتبه وهو يرتدي البالطو الخاص به وقال بفتور:"ايه الدوشة دي كلها في أيه؟ "
رمقه مهاب بأزدراء وقال:
- "أهلا، هو أنت؟ أنا عايز أفهم ايه اللي بيحصل هنا! ديه مستشفى مش مكان للعذاب، ايه اللي يقطعلها هدومها بالشكل ده؟ "
لوى سليم إحدى زاويتي فمه وقال:
- "أنت مش عارف إن عندها نوا من الهلاوس السمعية والبصرية! أكيد نوبة زي كل يوم! "
وكما كانت ليلى صامتة لكنه كان الهدوء الذي يسبق العاصفة، لأنها نظرت لسليم بغضب يشتعل ثم تركت قميص مهاب وانقضت على سليم بأظافرها الحادة فأصابت وجهه وصرخت:
- "كدااب، كداب" لكن خرجت منها بنحيب وضعف.
كان ذلك قبل أن يقترب منها الممرضون ويمسكها مهاب بين يديه ويحاول تهدئتها.
أمسك بوجهها ليسلطه نحوه وقال:
- "اهدي، بس حصل أيه؟ "
انهمرت الدموع من عينها وقالت بانكسار:
- "بهدلني، كان عايزني أقلع هدومي يا مهاب"
واخفت وجهها بين طيات صدره الواسع، تمالك غضبه لأنها بين يديه حين قال سليم بثبات:
"قبل أي إتهام، حضرتك تقدر تشوف الكاميرا! "
نظر مهاب إلى رأس ليلى على صدره وقد أدرك للحظة أن حالتها تعاني من الهلاوس وقد شاهد هو ذلك، فوافق بترقب.
وذهب لغرفة المراقبة ومعه ليلى تحت ذراعه، لكن ما كان بكاميرا المراقبه عكس ما سردته ليلى تمامًا...
....المشهد المرئي....
دخلت نرمين الغرفة ومعها ليلى، وتركتها وذهبت بعدما أغلقت الباب، جلست ليلى وبعد قليل جلس بجانبها سليم، وفجأة وقفت ليلى وظلت تصرخ حين ركضت لتفتح الباب لكنها لم تستطع من الهلع الذي يصيبها حينئذ قال بتعجب:"فيكي أيه؟ هو أنا جيت جمبك! "
قبل أن تدخل نرمين متعجبة وتخبرهم بما حدث.
وفي رواية مليئة بالصعقات الكهربائية فمن الطبيعي أن صعقة كهربائية أصابت مهاب بعدما أغلق المهندس الحاسب الآلي المحمول (اللاب توب).
وضعت ليلى يدها على وجهه وقالت بتوسل وحروف مبعثرة:
- "مش ده اللي حصل صدقني، حاول يعتدي عليا، صدقني ارجوك"
وقف سليم وقال بعدما عقد ذراعيه:
- "تاني مرة بلاش انفعال يا دكتور مهاب، انسه ليلى جسمها بيحاول يرفض العلاج بس بطريقة تانية وده اللي لاحظناه كلنا الفترة الأخيرة، كل التحاليل بتثبت إن في تحسن بس النوبات بتزيد وده معناه إن عقلها مش موافق على الفكرة، حاولنا نقنعها إن كل ده تهيؤات ومش مستوعبة، محتاجين مساعدة حضرتك علشان تقنعها إن كل ده" ضغط على الأحرف "مش حقيقي"
ارتدت ليلى للخلف في عدم استيعاب وتمتمت:"مش حقيقي! "
أحاطها مهاب بذراعيه وقال:"حبيبتي، تعالي ارجعي اوضتك نتكلم هناك"
تراجعت للخلف وقالت بصدمة:
- "لا يا مهاب، خدني من هنا ارجوك! "
نظر له سليم بحكمة وقال:"سيبنا نتعامل بعد أذنك"
تراجع مهاب للخلف عدة خطوات وابتعد عن ليلى فأشار سليم إلى الممرضين ودخلا ليمسكا بها ويقودانها نحو الغرفة لكنها سارت معهم بخضوع، مطأطئة الرأس.
حتى أنهم تركوا يديها وسارت بينهم فقط، وضعت ليلى يدها على صدرها، فالألم قد تضاعف.
عجزها في الدفاع عن نفسها، والخذلان.
حانت منها التفاتة إلى الخلف فرأت مهاب يسير بجانب سليم خلفها، رغمًا عنها نزلت الدموع من مقلتيها ثم نظرت أمامها مرة أخرى ودخلت غرفتها وهي تردد بداخلها:"مش حقيقي! تهيؤات"
سقطت بأنهيار على الفراش، غير مستوعبة لما يحدث، وضع مهاب يده بحنو على كتفها، أقشعر جسدها وابتعدت قليلًا فسحب يده ثم قال:
- "ليلى أنا أسف، بس صدقيني هتبقي أحسن"
نظرت في عينيه بأستنكار وقالت بثبات:
- "أنت مصدقه بجد؟!
بقولك حاول يعتدي علياا!
أيه مبقاش يهمك؟!."
و قبل أن يتكلم قاطعته بحدة:"مليش دعوة شوفت أيه، أنا ليا اللي حصلي و اللي حسيت بيه"
ازاحت سترته عنها وأشارت لجسدها و قالت:"ليا ف ده! مظهرش في الفيديو بقطع هدومي ،فوق أرجوك"
لم ينظر لها بل أمسك سترته و وضعها عليها مجددًا وقال وكأنه لم يسمعها لأنه بالفعل كان تركيزه في شيء آخر:
- "ليلى، مش حقيقي ارجوكي اسمعي كلامهم أنا عايزك تخرجي بسرعة من هنا"
وقفت وقالت بصدمة:"مش حقيقي؟! "
اقترب منها وامسك كتفيها وقال:"ايوه ارجوكي اسمعي كلامهم، مش حقيقي يا ليلى"
سقطت دموع من عينها قبل أن تعانق مهاب في خوف وتقول بصوت ضعيف يختنق:
- "أنا مش هخف؟! أنا مجنونة"
ثم علا نشيجها، مرر مهاب يده على شعرها وقال:
- "هتخفي لو فضلتي مقتنعة إنه مش حقيقي! "
————————————————————————————
علت أنفاسها واضطربت وضمت ركبتيها إلى صدرها وكررت بتلعثم:"مش حقيقي، مش حقيق__ و قبل أن تكمل كلمتها وقفت وصرخت طالبةً النجدة من الثعابين التي تحيط بها، دخلت نرمين ومعها سليم، وسقطت ليلى مغشي عليا من الخوف.
أشار سليم لنرمين بطرف عينه فخرجت ونادت من ينتظر بالخارج ليأخذ أشيائه ويذهب!
وبعد مرور ساعتين فتحت ليلى عينها مجددًا في الغرفة المبطنة** وجلست بفزع محاولة التذكر لما حدث وبمجرد أن تذكرت، انزوت ونادت من في الخارج.
(الغرفة المبطنة بالمستشفيات النفسية مخصصة للمرضى الذين يحاولون أذيه نفسهم ووجودها بهذه الغرفة يعني أنهم يجب أن يحموها من نفسها)
دخل سليم بأبتسامة وأغلق الباب خلفه وجثا على ركبتيه وقال:"بتنادي ليه؟! "
قالت بوجوم:
- "أنا ايه اللي جابني هنا؟!! "
وقف ووضع يده اليسرى على الحائط المبطن ثم قال:
- "تعرفي أيه ميزة الأوضة دي؟! عازلة الصوت ومفيهاش حاجة تحمي بيها نفسك وهو ده المطلوب"
قالت بفزع:"أنت عايز أيه؟! "
غمز بعينه وقال:"أنتي عارفة كويس أنا عايز أيه! "
اقترب منها فوقفت ليلى واصطدمت بالحائط وقالت:
- "لو قربتلي مش هرحمك، أبعد عني "
ضحك وقال:"تصدقي خوفت! "
اقترب منها أكثر ثم أمسك معصمها بيده وقبل أن تدفعه بيدها الأخرى وتركض أمسكها بنفس اليد وحرك قدمه لتكن خلف قدمها ثم حركها للأمام فوقعت ليلى على ظهرها وقبل أن تدفعه بقدمها كان قد جلس فوقها ومنعها من الحركة، انتابتها القشعريرة وهي تستشعر جسد ذلك الجالس فوقها.
أمسك وجهها باليد الباقية ومنعها من الحركة وقال:
- "متحاوليش تقامي أحسنلك! "
بصقت في وجهه وقالت بقوة:"و لا هتقدر تعمل حاجة"
استفزته جملتها فضغط على مصمها بقوة لكنها تحملت ولم تصرخ ألمًا وشد يده على وجهها ولامس شفتيها الضعيفتين بشفتيه عندما دخلت نرمين مجددًا فدفع ليلى بعيدًا وتوجه نحو نرمين بغضب وقال:"أنتي أيه اللي جابك تاني؟!! "
عقدت ذراعيها ومالت برأسها قليلًا ونظرت إلى ليلى التي ضمت ذراعيها نحوها وتساقطت الدموع من عينها وقالت بأزدراء:
- "المرة ديه عمها جه وعايز يشوفها، قولت أجي أقولك تنجز قبل ما يحس بحاجة"
وقبل أن يتكلم دفعته ليلى ودفعت نرمين في حركة مفاجأة وركضت نحو الخارج بأسرع ما يمكنها.
حاول الممرضون اللحاق بها ومحاصرتها لكنها ارتمت على عمّها الذي تصلب في مكانه من المفاجأة وانتحبت قائلة:"عمي ألحقني! خرجني من هنا، الدكتور بيحاول يعتدي عليا، خرجني ارجوك"
ابتسم عمها وازاحها قليلًا عنه وقال:
- "اهدي بس يا حبيبتي! هما هنا خايفين على مصلحتك"
انزلت ليلى يدها عنه وقالت في صدمة:
- "ايه مصلحتي في اني يجرالي كل ده أوعي تسيبني أنت كمان"
"يا ليلى ده مش حقيقي، أنتي عقلك بيخلق حاجات يا حبيبتي "
لكنها لم تتمالك نفسها ووقعت بين يديه بارتخاء تام.
يتبع*******************************