الفصل الثاني عشر



استوقفه ذلك الصوت المتهدج من إلتقاط الأنفاس:"ليلى!".
سحب مهاب يده وإلتفت ليرى سلمى التي هرولت نحوهم وسكبت القليل من المياه في الكوب ثم مالت به نحو ليلى التي حاولت ان تعتدل وأخرجت سلمى من حقيبتها الأقراص وناولتها ثلاث حبات ثم قالت بعدما أنقضت عليهم ليلى وقذفتهم بداخل جوفها مباشرة:"أسفة يا حبيبتي! اتأخرت عليكي"
قال مهاب بعدما عقد ذراعيه ورفع إحدى حاجبيه:"أيه البرشام ده؟ ثم إن ايه خمس ساعات ديه! وأزاي تلت برشامات"
نظرت سلمى إلى ليلى التي اغمضت عينها كإنسحاب وإستسلام لما بدأ يسري بدمها ثم قالت بحزن:"مش وقته يا مهاب"
جذبها من ذراعها بقوة وقال:"مش خلاص لازم أفهم أيه ده مفيش برشام لما المريض مياخدوش يتعب بالشكل ده ؟"
سحبت يدها بألم وأمسكت معصمها وقالت:"أنت ازاي تكلمني كدا؟! أنت اتجننت؟ "
أوقفتهم ليلى حين قالت بتعب وهي تراهم رؤية مشوشة:"بس بقى"
لكن مهاب لم يهدأ بل سحب حقيبة يد سلمى بقوة وفتح السحابة وأفرغ ما بها على الطاولة حتى ظهرت العلبة التي بها الأقراص، لفها أمام عينيه ولم يبالِ بصياح سلمى وتهديدها.
اتسعت حدقتا عينيه بعدم فهم وقال:"أزاي ملوش اسم؟"
وجه بصره نحو سلمى التي تجمدت الدماء بعروقها وصاح بها في غضب:"أزاي ملوش اسم؟ فين اسم الزفت ده؟ "
فتحت ليلى عينها بتعب وقالت :"مهاب أنت وجودك هنا غلط، أمشي"
قال بغضب هادئ:"أنا همشي فعلًا بس هاخد القرف ده معايا"
وأسرع نحو الباب لكن أنتفضت ليلى وهرعت نحوه وتعلقت بقميصه من الخلف وقالت بإنهيار:"لا يا مهاب أرجوك لا هاته"
هز كتفيه في ضيق وقال بحنان:"ليلى، أنا خايف عليكي"
قالت وهي تميل نحوه:"أنا بتعب أوي من غيره يا مهاب"
تركه بين يدها ورمق سلمى بضيق شديد وقال بهدوء:"هو عمك فين؟ "
أمسكت رأسها بتعب وقالت:"سألت عليه قالولي مسافر"
قالت سلمى في هدوء بعد أن شبكت أصابعها ببعضها:"كان لازم تسافري معاهم ومتقوليش لا! "
إلتفتت ليلى بصدمة لها وقالت بدهشة:"لا، لا، أنا معرفتش غير انهارده"
اتسعت حدقتا عين سلمى في دهشة ثم نظرت لمهاب الذي نظر ليلى نفس النظرة ففهم مهاب ما تقصده وقال بأسى:"ليلى، أنتي انتظمتي على مواعيد الدكتور؟ "
تراجعت للخلف بصدمة وقالت وهي تحرك رأسها في عدم تصديق:"أنا مكنتش أعرف يا مهاب، أنا متكلمتش مع عمي، أنا مش مجنونة"
وعلى أثر كلمتها الأخيرة تبدلت ملامحها وعادت رأسها للخلف في بطيء كعدم إتزان فأمسكها مهاب لكنها أنزلت يده عن خصرها وتراجعت للخلف مرة أخرى وهمست له برجاء:"مهاب! صدقني أرجوك، أنا مكنتش أعرف! "
ابتسم لها ليطمئنها وقال:"همشي دلوقتي وأكلمك بليل"
بعد مغادرة مهاب قصت سلمى عليها ما حدث كله بدايةً من سفر عمّها مرورًا برفضها للذهاب معهم لقضاء العطلة وحتى وصلت إلى مكالمتها لها.
وضعت ليلى رأسها على الوسادة بتعب، فأحداث اليوم كانت مرهقه للغاية ويأبى عقلها تصديقها، تتحدث سلمى عن أحداث منذ ثلاثة أيام أو يومين وذلك لم يكن في حسبانها فكل ما كانت تتوقعه مع تطور أمرها نفسي كان أو جسدي له علاقه بالأمور الروحانية أم لا؛ ألا يتخطى ما يحدث لها الساعات لكنه وصل لثلاثة أيام.
فماذا هي بفاعله؟!
نفضت ليلى رأسها بتعب علها تسقط تلك الأفكار التي تلتهم النوم من جفونها ،تناولت العقاقير وأسندت رأسها إلى الوسادة مرة أخرى وسرعان ما غطت في سبات عميق بفعل ما تناولته.
لكن بعد القليل من الساعات، انتفضت ليلى على صرخة قويه ذات صوت أنثوي، أبعدت الغطاء عن جسدها وهبت جالسه وأنزلت قدمها على الأرض لكم ما لم يكن في الحسبان ما شعرت به بمجرد أن لامست قدمها الأرض أو ربما شيئًا أخر.
حركت قدمها ببطيء وهي تستشعر الملمس الناعم وبشدة أسفل قدمها.
فحركت رأسها ببطيء نحو الأمام ونظرت للأسفل بترقب لكنها لم ترَ شيئًا فالغرفة غارقة في الظلام فحركت يدها ببطيء وضغطت على زر *الأباجورة* فأضيئت الغرفة قليلًا فعادت تنظر أسفل قدمها.
وفي تلك اللحظة دوت صرخة أخرى ليست من الخارج بل منها هي.
فكانت الأفاعى أسفل قدمها وذات أحجام متفاوتة وألوانها وأيضًا في ذلك التفاوت.
وقفت ليلى فوق السرير وبدأت في ذرف الدموع و وقع عينها علي الأركان بها نفس الأفاعي فتراجعت للخلف بسرعه في هلع ثم جمعت قواها وقفزت بعيدًا عن فراشها وركضت نحو الباب مباشرةً وأمسكت بالمقبض وهي تنظر خلفها وترجوه أن يفتح لكن ما انتبهت له أنه لا يُفتح، فشدت المقبض بعنف لكنه لم يفتح أيضًا.
نظرت خلفها وجدت كل الأفاعي تقترب منها، التصق جسدها بالباب وفي تلك اللحظة تذكرت الصرخة التي كانت بالخارج!
إذن كان معاها أحد في المنزل فضربت الباب بكلتا يديها وصرخت "أفتحووولي" و كررتها مرارًا لكن الأفاعي تقترب أكثر أم أن نهايتها هي من تقترب.
—————————————————————————
"على دكتور ……التوجة لغرفة العمليات"
كان ذلك ما انتبهت اذنها عليه قبل أن ترى خيط من الأشعه البيضاء تجري عكس اتجاهها بالأعلى، بعد مدة ليست بقليلة فتحت عينها بإرهاق، فأمسكت سلمى يدها بعدما لاحظت أنها استيقظت وقالت بحنان وعينيها متورمتان يبدو أنه من أثر البكاء "حمدلله على سلامتك يا حبيبتي"
قالت ليلى بصوت مبحوح:"هو أيه اللي حصل؟ أنا فين؟"
"اهدي يا حبيبتي أنتي في المستشفى، الأمن ع بوابة الفيلا سمعوا صريخك ولما دخلوا لقوكي مرمية أدام باب الفيلا"
اتسعت حدقتا عينها بدهشة وقالت:"أنا وقعت في الأوضه"
ابتسمت سلمى بحزن وقالت:"عمك مشدد، أنك لازم تتابعي مع الدكتور كويس، علشان حالتك بقت خطر"
رددت ليلى في تهكم "خطر! كان في تعابين يا سلمى، والله كان في تعابين"
مسحت سلمى جبينها بحنان وقالت:"ارتاحي دلوقتي، ونتكلم بعدين ها! "
أغلقت سلمى جفون ليلى بيدها لكن ليلى استجابت للنعاس وغطت في سبات عميق.
انتفضت فجأة على صوت صراخ بجانبها، فأنتفضت جالسة واتسعت عينها فزعًا .
الظلام يخيم على المكان، رائحة الموت تنبعث من كل مكان، لو قالت لكم أنها سمعت صرخات من في القبور ستكذبوها لكنها وضعت يدها على أذنها وكأن تلك الصرخات تخترق رأسها لتصل مباشرةً إلى عقلها، انتفضت واقفةً وفجأه لمحت شبحًا يتحرك في الظلام أمام بوابة المدخل لتلك المقبرة، فتراجعت للخلف وقد تجمدت أطرافها من هول الصدمة فتعثرت قدمها بشيء ما ثم وقعت فأصطدمت رأسها بالمقبرة فرفعت عينها ورؤيتها بدأت تضعف بعض الشيء و وقعت عينها على اسم والدها.
انتفضت بعيدًا في صدمة وأتخذت خطاها نحو الخارج تجر قدمها التي التصقت بالمكان لسبب ما لا تعلمه، وصلت لشارع طويل به مداخل لكل المقابر، لا يوجد شعاع ضوء واحد، أخذت تتلفت حولها وهي تضم يدها نحو صدرها خوفًا من المجهول وتلهث من شدة التعب، وفجأة ظهر ضوء من بعيد ومر مرور الكرام فتبين لها أنها سيارة.
ركضت نحو الخارج وتضع يدها على أذنها لتتفادى الصرخات التي لا تريد أن تفكر بها الآن.
تريد أن تخرج وحسب.
لن تسأل كيف جاءت إلى هنا، لتخرج أولًا ثم تسأل.
تعثرت قدمها مرة أخرى فوقعت متركزة على يديها، لكن اتضحت الرؤية قليلًا وظهر لها ما تعثرت به.
نفس الثعبان الذي وجدته عندها في الغرفة لكن الخوف لم يعرف طريقه إليها فما تشعر به أكبر من الخوف.
عندما يتحكم بك شيء لا تعرف أنت ما هو، ويأسرك في عالمه يتجمد شعورك ولا تنوي فعل شيء سوى التحرر.
لكن ليلى كانت أضعف من ذلك بكثير، قاومت أرتعاش يدها من شدة خوفها وهي ترى ذلك الثعبان أمام عينها، حتى وأنه لا يتحرك لكن يظل ثعبانًا، تسابقت الدموع في السقوط من عينها وتمتمت بضياع "مهااب"
صرخت صرخة مدوية ثم أنهارت قواها وفقدت الوعي، كان ذلك بسبب ما حدث.
فبعدما تمتمت باسم مهاب وضع رجل من ساكني المقابر يده على كتفها ويخشى أيضًا من نتيجه ما يفعله ولا يعلم إن كانت إنسًا أم جان.
ففي منتصف الليل في تلك المقابر بتلك الوضعية، قال بترقب بعدما وضع يده على كتفها :"أنتي يا بنتي"
—————————————————————————
طرقات مستغيثة على الباب جعلت كل من في المنزل ينتفض وينهض من نومه.
أوقفهم مهاب بيده وقال:"أدخلوا أنتم جوه"
قال محمد *والد مهاب* وهو يتوجه نحو الباب:"أستر يارب"
فتح "محمد" الباب وخلفه مهاب منتظر ذلك الطارق في الثالثة فجرًا ،أنهارت قوى ليلى ووقعت أرضًا ،فُزِعَ مهاب وأنتفض نحوها وأمسكها وقال:"ليلى، في أيه ماالك؟ مالك يا ليلى"
ملابسها ملتطخة بالدماء والأتربة وشعرها مبعثر، كانت كناجي من مقبرة أغلقت جيدًا عليه حتى أن الملائكة بدٱت في محاسبته كفاقد للحياة.
تشبثت ليلى بياقته ونظرت في عينيه بعينين تبحث عن إجابة، فرفع مهاب يده وأمسك يدها وكانت اللمسة الثانية عشر.
لكنها همست له باسمه قبل أن يغشى عليها للمرة الرابعة في أقل من أربعة وعشرين ساعة.
يتبع********************


إعدادات القراءة


لون الخلفية