الفصل الثالث عشر


وقعت بين يديه مغشى عليها، فحملها مهاب بين ذراعيه ووضعها على الٱريكة وأقتربت نيرة ولطيفة *والدة مهاب*.
أمسكت نيرة يدها وقالت بصوت ضعيف:"هي شكلها عامل كدا ليه؟ "
أبعدها مهاب بيده وجلس هو بجانب ليلى وتناول كوب المياه الذي أحضره والده وبلل أصابعه ومسح بها على وجهها فأنقبضت ملامحها من برودة المياة وأخذ باليد الأخرى زجاجة عطور و*رش* منها القليل على أصابعه ومررها أسفل أنفها، فشدت يدها على ذراعه وفتحت عينها بفزع، حرك مهاب يده على شعرها بنعومة وقال:"اهدي أنتي كويسة، قوليلي بس حصل أيه"
انتفضت جالسةً ودارت بعينها في المكان وكأنها تراقب وتفتش عن شيء لا تراه.
نظر مهاب نحو نظرها وقال وهو يمسك رأسها ويوجهها ناحيته:"في أيه يا ليلى؟ "
ضمت يديها نحو صدرها وقالت وهي تنظر نحو كل الأركان بفزع وكان صوتها ضعيف ومتهدج:"تعابين، السحر يا مهاب، كنت هنتهي بس أنا قاومتهم، عاقبوني و ودوني الترب، هيقتلوني"
سمع بسملة لطيفة وقال بهدوء:"أهدى هتكوني كويسة، مفيش حاجة حصلت كل ديه هلاوس، مش حقيقة"
صرخت به في قلة حيلة:"متقولش هلاوس، بقولك أنا كنت في الترب دلوقتي، معرفش أزاي روحت"
قال محمد برصانة:"أهدي، وأشربي العصير ده"
وقدّم إليها العصير الذي أحضرته لطيفة فأخذته بأصابع مرتعشة.
أهتز العصير بيدها يمينًا ويسارًا، أنسكب نصفه فتناوله مهاب من يديها وأخفت هي وجهها بيدها وبدأت في البكاء.
نظر مهاب نحوهم بأسى ويطلب منهم المساعدة في الخطوة القادمة، جلست لطيفة بجانبها وضمتها إلى صدرها.
قال محمد بهدوء:"أهدي طيب وفهمينا اللي حصل بالظبط"
رفعت وجهها له وقد غمره الدموع وقالت بهدوء:"أنا عايزه شيخ! "
ابتسم مهاب بسخرية وقال:"ليلى أنتي معندكيش سحر ولا نيلة، أنتي عيااانة، بس بقى"
قطع حديثهم صوت الهاتف، توجه محمد ناحيته وأجابه بدهشة لقرب الفجر.
"أه هنا، تمام متخافش، لحد ما تيجي، تمام باي"
وإلتفت إليهم وقال موجهًا كلامه ليلى:"ده عمك، قالب الدنيا عليكي، هيجي يداخدك"
وضعت يدها على أذنها في عدم فهم وقالت باكية:"أنا هموت، أنا مش فاهمة أي حاجة"
أمسك مهاب يدها لأنها ضغطت على رأسها بقوة وكانت اللمسه الثالثة عشر.
نظرت ليلى في عينه بضياع وتشتت وقالت بتلعثم:"مهاب، ساعدني"
وبدون تفكير أجاب بحرارة وكأنه يقر إيمانه بدين جديد اعتنقه على يدها..
-ليلى أنا جمبك.. أنا.. بحبك....

صعقة كهربائية أصابت كل الحضور من تصريحه المفاجئ بحبها، لم يبالِ مهاب أو يتأنَ ليفكر في القنبلة التي قذفها للتو.
ابتسمت ليلى وسط ضياعها ونامت على صدره وتعلقت بقميصه بشدة وزادت بكائها، مرر مهاب يده على شعرها بحنان ثم ظهرها وقال:"كل حاجة هتكون كويسة، متخافيش"
وهنا رفع بصره نحو البقية وقد أدرك الآن ما حدث وما قام به، قضم شفتيه بضيق وغضب ثم أخفض بصره عن نظرات والدته العاقدة ذراعيها أمام صدرها ورافعة إحدى حاجبيها.
استسلم للقدر.
هناك أوقات يتلاعب بك القدر، سترى كل شيء حولك يقودك نحو شيء واحد فقط مهما حاولت أن تحيد عن الطريق وترسم طريقك الخاص، لن تفلح؛ لأنه ببساطة من أنت لتقف أمام قدرك.
لقد كُتِبَ عليك دربك، وعليك أن تسلكه بيدك أفضل من أن تكون مجبورًا.
—————————————————————————
أجلسها عنوة أمامه وصاح بها في حزم:"فهميني أزاي خرجتي من غير ما الأمن يشوفك؟!! "
أخفت وجهها بيديها وقالت ببكاء:"مش عارفة! "
إلتفت جلال المصري لزوجته التي تنظر له نظرة فهمها هو وقال بحزم:"يبقى لازم نحطك تحت عين ترعاكي"
نظرت له ورددت بتعجب وعدم فهم:"عين؟! "
وإلتفتت إلى سلمى الجالسة بجانبها وطلبت منها توضيح لكنها هزت رأسها بالنفي بمعنى أنها لا تملك أي تبرير.
أشعل سيجارته المستوردة وعدّل سترته الجلدية الفخمة، وقال بحسم:"في مستشفى كويسة شوفتها بتاعت واحد صاحبي، حكتله عن حالتك وقال أنه يقدر يساعدك"
انتفضت وقالت بفزع:"مستشفى؟! "
نظر في عينها مباشرةً وقال بقوة:"قدامك حل تاني؟! "
وقفت وقالت برجاء:"أنا همشي دلوقتي، هرجع البيت وهبقى كويسة، أنا من ساعة ما جيت هنا مش بنام كويس وده مأثر عليا، هرجع وهبقى كويسة"
إلتفت عنها وشبّك أصابعه علامة التفكير فتابعت ليلى بترقب:"أنا هكون كويسة صدقني"
وفجأة انتفضت سلمى واقفةً وقالت:"وأنا هبقى معاها مش هسيبها"
لم يجد جلال حلًا أمامه سوى أن وافق على ما طلبته لكنه أشار إليها محذرًا وهي تهم بالخروج:"لو اتكرر تاني، هتدخلي المستشفى، أنا مش عايزك تأذي نفسك"
حركت رأسها إيجابًا بأرتباك.
ماذا لو تكرر مرة أخرى؟
- لكن ماذا حدث؟
- حتى الآن لا تعرف!
—————————————————————————
صاح بالجميع في غضب:"ايوه بحبها، ومش هسيبها! "
أبتلعت لطيفة لسانها ومعه الكلمات فقال محمد بحزم:"أنت فاهم أنت بتقول أيه؟!! فرحك بعد ست شهور، ودتقول بتحب واحدة غير خطيبتك"
نظر حوله في تعب وقال برجاء:"افهموني لو سمحتم، هي وحيدة متخدوهاش بذنبي، أنا بحبها وديه حاجة مش بأيدي…". قاطعه محمد بجديّة: "مش بٱيديك! ده اللي هو أزاي؟ طب مفكرتش لحظة ف الخطوة الجاية؟ "
هدأ قليلًا وجلس بالقرب منهم وقال:"بابا، أنا عايز أفسخ الخطوبة، أنا أسف بس مقداميش حل تاني! أنا بحب ليلى"
نظرت لطيفة إلى زوجها بضيق ثم غادرت المكان تعبيرًا عن عدم رضاها.
لكن محمد قام من مكانه وجلس بجانب ابنه وقال بحكمة:"أنت متأكد من قرارك ده؟! "
قال مهاب بحال المغلوب على أمره وهو ينظر له بضياع:
- "أنا مخترتش أحبها يا بابا، ديه حاجة اتفرضت عليا، فجأة كدا لقيت نفسي بحبها، معرفش أمتى أو أزاي! ".

لم أكن أعلم أنني أسير في سبيلي إليكِ ،كنت أسير وفجأة تعثرت بكِ.
لم أكن أعلم أن ذلك الدرب إليكِ.

غاب محمد قليلًا في تفكيره وتذكر ماضيه كيف كان يحبها بل كيف أحبها.
لكنه كان على اعتاب زفافه من لطيفة، عندما صارح والده صاح به بشدة وأمره بنسيان ذلك لأنه يعتبر فضيحة، يومها بكى بشدة، وطلب من الله أن يزوجها له في الجنّة، وخوفًا من أن ينشغل يومًا بالحياة وينساها، سمّى ابنته باسمها...
"نيرة" وهكذا ظلت طوال حياته نصب عينيه.
إلتفت إلى ابنه وتعجب من ذلك القدر الذي قدّر لأبنه أن يعيش نفس حكايته، لكنها لم تنتھِ، ابتسم محمد وقال:"هاجر بتحبك، هنجيبلها الموضوع براحة، يعني مشاكل ف الأول؛ علشان متتصدمش! "
اتسعت حدقتا عينيه وهو يسمع والده يرسم له الخطة، فقال بدهشة:"حاضر، حاضر يا بابا"
نظر له بنصف عين وقال مداعبًا مهاب:"بتحبها أوي؟ حلوة؟
لا هي حلوة فعلا! "
وضحكا سويًا.
—————————————————————————
مررت سلمى يدها على شعر ليلى المتخذة وضع الجنين في نومها وتنظر نحو اللا شيء محاولةً فهم ما يحدث لها.
"نامي وكل حاجة هتكون كويسة! "
إلتفتت ليلى ونظرت لها فدعمتها سلمى بنظراتها مؤكدةً لها أن كل شيء سيكون على ما يرام، لكنها انتفضت فجأة وقد تذكرت علاجها فقالت:"الدوا! جبتيه يا سلمى؟ "
ابتسمت سلمى إبتسامة بسيطة وقالت:"أكيد، ديه حاجة أنا منسهاش"
إطمئنت ليلى وعادت لوضعها مرة أخرى، وغطت في سبات عميق، وبعد مرور القليل من الساعات اتضحت الرؤية من جديد لها، العطش قد تناول منها الكثير فأزاحت يد سلمى عنها وابتعدت برفق خوفًا أن توقظها، ونزلت للأسفل وتأكدت من غلق جميع الأبواب لكنها وجدت الباب الخلفي نصف مغلق!
الأمر الذي أثار دهشتها، لأنها متأكدة أنها لم تفتحه يومًا، تلفتت حولها، ولفت انتباهها عقب سجائر عند ركن الحائط.
اقتربت منه وأمسكته بين أصابعها وخطر في بالها على الفور "مهاب" ذلك ما قالته بتعجب.
لكن الشعور بالإعياء طغى على تفكيرها فأمسكت بطنها بتأوه و استندت إلى الحائط..ثم دوار شديد وبعدها لم ترَ شيء.
—————————————————————————
افاقت صباحًا على ضوء الشمس، مما لا شك فيه أن ما حدث ليلًا ما كان سوى حلمًا ذلك ما قالته لنفسها حتى لا تُصاب بإنهيار عصبي.
مشطت شعرها بضياع، وتذكرت ببطيء ما قاله مهاب لها ولأول مرة منذ الأمس تدرك ما حدث.

لقد اعترف بحبه لها أمام اهله.
ابتسمت لتلك الذكرى وتناولت هاتفها، وقبل أن تطلب رقمه، ظهر اسمه كمتصل لديها ففتحت الخط بحب وبادر هو الكلام:"ليلى، اسمعيني كويس، لازم نتقابل انهارده في حاجات جديدة حصلت ولازم تعرفيها"
"تعال البيت، أنا خايفة أخرج! "
"بعد ساعة هكون عندك"
لم يمر سوى خمسة وأربعين دقيقة ووصل مهاب إلى منزلها، رحبت به ليلى كثيرًا ،فجلس على الأريكة وقال بسعادة: "ليلى، أنا هفسخ خطوبتي"
فغرت فمها في مفاجأة ،فأعتدل مهاب ومد يده نحوها وقال: "أنا يسعدني ويشرفني أني أطلب أيديك! "


إعدادات القراءة


لون الخلفية