الفصل العشرون
شعر مهاب أنه أخطأ حين طلب منها أن تقص عليه ما يحدث لها بالتفصيل الشديد، لأنها لم تتحمل ذلك وبدأت تنتفض، حينها دخل والده من الباب ونهّره بحدة وهو يقول:
- "مهاب البنت أعصابها مش مستحملة اللي بتعمله ده غلط، أحنا لازم نوديها لدكتور!! "
لكنها حين سمعت تلك الكلمة حتى هبت واقفة وقالت بضياع وبحروف مبعثرة وبطيئة وكأنها مُخدرة :
- "عمّي، الدكتور،، سليم!
كله حقيقي، الدوا. "
نهض مهاب من مقعده وأمسكها لتنتبه له وكانت اللمسة العشرين.
لكنها سقطت بين يديه بغتةً.
وبعد مرور القليل من الوقت....
بدأ ذلك الحوار في إحدى العيادات النفسية وسط حضور من مهاب ومحمد وأيضًا نيرة.
مجدي:
- "هي كدا نامت مغناطيسي وسهل أوي نفهم في أيه بالظبط"
قال جملته تلك هامسًا لهم وتقدم نحوها وجلس على المقعد المجاور إلى السرير الموضوعة فوقه.
"ليلى، باباكي اتقتل أزاي؟؟ "
تسارعت دقات قلب مهاب وهو يتخيلها تسرد أنها هي من قتلته كما صرحت له من ذي قبل، لكنها قالت ذلك بوجه خالي من التعبيرات:
- "كتبلي كل حاجه باسمي ودخلت نمت، صحيت لقيته مقتول ادام باب اوضتي، معرفش إزاي وأمتى! "
بدأ مهاب بتدوين الملاحظات التي ستساعده حين سألها الطبيب السؤال الذي يليه عن الفترة التي تلت الحادثة.
"تعبت جدًا وبدأت اتعالج لكن كل حاجة كانت بتقول إنه لسه عايش في حاجات كتير كانت بتتحرك من مكانها وأنا بس اللي في البيت"
"في حد تاني معاه مفتاح شقتك"
"القديم؟؟ المفتاح القديم قبل ما يغير مهاب المفتاح كانت سلمى أما الجديد!! أنا بس"
- "أيه علاقة سلمى بعمّك؟! "
في مرحلة التنويم المغناطيسي يظهر ما نتوقع وما نخشى وما نخاف.
"في بينهم علاقة بس لحد دلوقتي معرفش أيه هي، شوفتها مرة عنده في الشركة، بس في حاجة مريبة معرفهاش"
"نفسك تعرفي في آيه بينهم؟؟ "
تقلصت ملامحها وقالت بنبرة مختلفة:
- "لا، سلمى الوحيدة اللي بطمنلها"
"سليم قالك آيه بالظبط؟ "
صمتت ليلى ولم تنطق، كرر الطبيب سؤاله لكنها لاذت بالصمت.
★☆★☆★☆★☆★☆★
قالت بأرتجاف:
- "مهااب أنا عايزة الدوا، هموت يا مهاب، مهاااب"
ظلت تنادي اسمه حين أشار له محمد أن يقترب فابتعد مهاب عنها وسط هذيانها المستمر وقال إلى والده:
- "الدكتور كلمني وقال أنه هيسهر طول الليل على نتيجة التحاليل بتاعتها لحد ما يفهم أيه الموضوع بالظبط! "
علا صوتها وهي تنادي اسمه بضياع فقال مهاب بأسف:
- "مفيش حل؟ مينفعش نتصل بيه، يكتبلها أي علاج علشان تهدى شوية"
حرك محمد رأسه بالرفض وهو يقول:
- "للأسف الراجل كان كلامه واضح، مش هينفع يكتبلها أي حاجة إلا لما يعرف في أيه بالظبط"
وفي تلك اللحظة بدأت في البكاء فساعدتها نيرة على النهوض وأدخلتها الغرفة لتسترخي، فالتفت مهاب إلى محمد مرة أخرى وقال: "أنا شاكك إن في حاجة من ورا عمّها الموضوع في حلقة ناقصة والسر في سلمى، سلمى على علاقة بجلال، بس علاقة آيه بالظبط مش عارف! "
"بص أحنا نستنى نشوف نتيجة تحاليلها بكرة، وأنا بقترح أنك تروح تدور في شقتها على أي حاجة ملفتة أو غريبة، روح أعمل استكشاف كدا وشوف هتوصل لأيه"
وفي تلك اللحظة ظهرت أستار الليل السوداء..
☆★☆★☆★☆★☆★☆★☆
ومع خيوط النهار الأولى كان مهاب يشق طريقه نحو بوابة منزل ليلى..
دلف من البوابة الخارجية ثم نظر لكل شيء بالداخل، كل شيء كما هو ماعدا حمام السباحة الملوث بدمائها سابقًا، جال ببصره في المكان ثم توجه نحو المدخل الخلفي للمنزل.
تخطى الحشائش والحشرات وعندما دفع الباب بيده انفتح بمنتهى السهولة لأنه لم يكن موصدًا، دفعه مرة أخرى ليُفتح كاملا فأصدر صريرًا مزعجًا.
جال المكان بعينه لكنه لم يجد شيئًا غير مألوفًا كل شيء كما تركه سابقًا.
-مش كدا، أكيد في حاجة مستخبية ولازم أطلعها.
كانت تلك كلمات توبيخه لنفسه فشمّر عن ساعده وبدأ في رفع كل شيء والبحث عن أسرار ذلك المنزل.
★☆★☆★☆★☆★☆★☆★☆★
في تلك الأثناء كان هناك زيارة غير مألوفة وغير متوقعة عند ليلى...
استقبل محمد الطبيب مجدي بتوجس وشك حتى شبّك مجدي أصابعه وقال:
- "التحاليل متطمنش يا أستاذ محمد"
اتسعت عينا محمد وبدأت دقات قلبه في الازدياد وقال:
- "خير إن شاء الله؟"
تنهد مجدي وكأن ما سيقوله نارًا يجب إخمادها.
- "حضرتك بعد ما حكتلي على التفاصيل كلها امبارح أنا سهرت على جلستها والتحاليل وللأسف أظهرت حاجات كتير أوي، أستاذة ليلى مش مجنونة!! وعقلها سليم ميه في الميه، ده كله قبل..." صمت صمتًا مريبًا .
فقال محمد:"كمل يا دكتور!"
وهنا ظهر السبب الذي جعله يتوقف عن الكلام..
استندت ليلى إلى الحائط في صدمة بالغة وشديدة التأثير، فذلك الرجل يقول ما حاولت هي إثباته بشتى الطرق حتى بدأت تقتنع بمرضها، فلديهم كل الأدلة أما هي لا حول لها ولا قوة!!
قالت بصعوبة شديدة وبنبرة المترقب لدقائقه التالية..
"كل ده كان قبل أيه يا دكتور؟!!"
تابع مجدي بحزن:
- "قبل ما تاخدي العلاج اللي جابتهولك سلمى صاحبتك، العلاج ده كان بيأثر على مراكز في المخ المسئولة عن الاتزان والنوم...و..و ..و من الأخر كان كل شغله الجهاز العصبي!!
الهدف منه واضح جدًا عايزين يجننوها.
جسمك بدأ يستجيب للي كنتي بتاخديه وبدأ مخك يتأثر فعلًا وكل ماكنتي بتستسلمي أسرع كل ما مهمتهم هتخلص أسرع وهتتجنني!
ده بيفسر إن فعلًا في حاجات كنتي بتشوفيها وحقيقية بتحصل، وحاجات تانية كانت من صنع خيالك، لإنك كنتي في طريقك للمرض والجنون..
راجعت تاريخ حادثة والدك، وتاريخ بدأ دخول المرض وتأثيره على جهازك العصبي والإضطراب والتشوش والتخبط ده لقيته بعد وفاة والدك بتلت شهور يعني بعد ما خرجتي من المستشفى من علاج الصدمة العصبية اللي حصلتلك، الظاهر إن المستشفى دي معرفوش يبسطوا نفوذهم عليها لإن اللي حصل في مستشفى دكتور سليم غير كدا خااالص...
تاريخ مستشفى دكتور سليم بيوضح إن في كذا حادثة مريبة وغريبة تمت من إعتداء لإجهاض وانتحار وجنون.. والغريب إن محدش خد إجراء قانوني ضدهم. "
كان يتكلم ويستعرض المستندات التي يتكلم عنها من المقارنة والسجل التاريخي.. كان يستعرضها على الطاولة.
قال محمد بصدمة بالغة وهو يحاول إستيعاب ماحدث وما سيحدث:"دي جناية!! لازم نبلغ البوليس"
انهارت ليلى جالسةً على الأرض والدموع تنساب على وجهها ثم قالت وهي تنظر أمامها في ضياع:
- "كنت شاكة أنهم عايزين يجننوني، كل أفعالهم كانت متناقضة.
كان نفسي عمّي يكون طلب الصلح بجد مش يعمل كدا علشان بس عايزني أقرب منه وأثق فيه، بابا طول عمره كان بيقول إن ده لا يمكن يكون أخوه، عمره ما حب بابا وكان دايمًا بيكرهه...
وسلمى..!!!!
إزدادت دموعها، ونظرت لهم وتابعت بنحيب..
"لييه كداا؟! أنا عمري ما عملتلها حاجة وحشة دي هي كل اللي ليا دي هي عيلتي كلها،
ليه تأذيني؟ ده أنا كنت بقولّها أختي"
تنهدت بحرارة وكأنها تتطفئ النار المشتعلة بها..
استيقظت نيرة على الصوت بالخارج وبمجرد أن أطلت من الباب صرخت بسبب الحالة التي وصلت إليها ليلى وهرعت نحوها وقالت:"ليلى في آيه أهدي؟!! "
وإلتفتت لوالدها وقالت:"فيها آيه يا بابا؟ "
لم يجب محمد بل التفت إلى مجدي وقال:"والخطوة الجاية آيه يا دكتور؟ "
"هنبلغ البوليس علشان ياخد إجراء رسمي ضدهم! "
★☆★☆★☆★☆★☆★☆★☆★
وقف مذهولًا مما توصل إليه، حتى انه ارتعد إلى الخلف في صدمة وفتح فمه في دهشة وقال:
- "سلمى؟!! طب ليه تعملي فيها كداا ليييه" قال كلماته تلك بقهر.
لم يتخيل أن يكون مثل ذلك النوع من الخيانة ضد تلك البريئة وهي التي اعتبرتها أمًا وأختًا وصديقة، تخيل أنها تعلم شيء ما وتخفيه، سمعت شيئًا، لا أن تكون هي الطرف الأهم في تلم الجريمة البشعة!!
أخرجه رنين هاتفه من تركيزه فتناوله بضيق فوجده والده وبمجرد أن فتح الخط قال:
- "بابا، مش هتصدق، كانوا عايزين يجننونها، كل حاجة هنا بتقول كدا، سلمى هي الوحيدة اللي كانت بتعمل كدا، سليم مش في المستشفى من يومين يعني من وقت هروب ليلى مع أنه مكانش بيسيبها، وكمان نرمين بتروح لحظة وتختفي...قاطعه محمد بحزن وهو ينظر نحو النافذة:
- " عرفنا الموضوع كله يا مهاب، احنا رايحين على المستشفى دلوقتي، الصدمة كانت كبيرة على ليلى مقدرتش تستحمل، هناخدها على المستشفى وكمان النيابة والبوليس هيجوا على هناك علشان نعمل لأهلها محضر"
لم يكد يستوعب ما قاله والده حتى وجد نفسه يقول في وعيد:
- "مش هتعرف تعمل محضر، لازم هي اللي تعمله وحالتها لا تسمح بكدا، أنا هعرف اتصرف مع الاشكال دي كويس"
صرخ به محمد:
- "أنت بتقول ايه؟!! أياك تعمل حاجه أنت فاهمني، أياك يا مهاب! "
لم يعبأ مهاب بما قاله والده وقال:
- "طمني أول بأول عليها……" قاطعه والده متوعدًا بكلمات كثيرة تحذيرية لكنه أغلق الخط.
زفر محمد بقوة وهو يحاول السيطرة على إنفعاله أمام مجدي الذي يقود سيارته خلف سيارة الأسعاف.
يعلم أن مهاب لن يتنازل عن حقه، وبما أنه يعتبر ليلى ملكه الآن فلن يتنازل عن حقها!!
☆★☆★☆★☆★☆★
تسللت بخفة إلى الخارج مثلما دخلت، طوال يومين تحاول إخفاء كل شيء متعلق بجريمتها، كان الليل قد أسدل أستاره السوداء على المكان مما جعلها تدخل وتخرج بمنتهى السهولة، فمن الأصل هي الرقيب هنا!
تشعر أن هناك أعين تراقبها تنفست الصعداء وهي تغلق باب سيارتها حين كمم أحد من الخلف فمها وقال:
- "هندمك على اليوم اللي قررتي تلعبي معانا في؟! "
لم تستطع رؤية وجهه لكنها انتفضت وحاولت إخراج صوتها من بين يديه القوية: "خد كل حاجة بس سيبني"
ترك مهاب فمها وقبل أن تصرخ أشهر مسدسه في وجهها فوضعت يدها على فمها تكتم شهقتها حين قال هو بحسم:"معاكي مفتاح شقة سليم؟! "
هزت رأسها إيجابًا في استسلام من شدة الرعب، فحرك المسدس نحوها وقال بقوة:"أطلعي على هناك"
تمتمت ب: "حاضر، حاضر" قبل أن تدير محرك السيارة وتتحرك..