الفصل التاسع
حين أضاءت الأضاءة رددت بدون إستيعاب:"سلمى؟!! "
أبتسمت سلمى بأنفاس متقطعة واقتربت منها في هدوء وقالت:"مهانش عليا تنامي وأنا مزعلاكي"
قالت ليلى في دهشة:"أنتي كنتي بتتحركي كدا ليه خوفتيني؟! "
ردت عليها بنصف عين:"أنتي اللي بقى قلبك خفيف يا روحي، وبعدين أنا خوفت أدخل بسرعة تتخضي! "
رجعت ليلى برأسها إلى الوراء وقالت:"متعمليهاش تاني أرجوكي"
"ماشي يا حبيتي، نامي أنتي وأنا هنام في الأوضه التانيه"
وتركتها وانصرفت في هدوء، وبعدد مرور ربع ساعة نادت ليلى عليها فجاءت بتعجب وقالت:"صاحيه ليه؟ "
ابتسمت ليلى وهدأت في فراشها وقالت:"كنت بتأكد أنك جيتي فعلا، و ده حصل فعلا"
سحبت سلمى الغطاء واندثرت تحته وقالت بعد أرتجاف من البرد:"لاا وعلى أيه أنا جمبك أهو أتأكدي زي ما أنتي عايزه، هنام هنا"
—————————————————————————
استيقظت ليلى باكرًا ولفت أنتباهها ضمادة بيد سلمى، فتحركت بخطى متثاقلة للحمام فأخذت حمامها وبدلت ثيابها، وأرتدت منامة *بيچامة* بسيطة ورفعت شعرها وكأنها عادت للتو ليلى، والغريب الألوان التي تخللت ملابسها.
ألوان لأول مرة منذ أكثر من ستة أشهر.
وأثناء تمشيط شعرها أمام المرآه، انتبهت إلى وميض الهاتف اهاجر الذي يدل على وصول رسالة نصية.
فتناولته وقرأت الرسالة فأتسعت عينها بأبتسامة، وضحكت وهمست:"مجنوون"
ثم تابعت بحب:"بس بحبك"
أفزعتها سلمى حين قالت:"يعني لازم تتكلمي في الأوضة وفي الأخر تقولى بخوفك! "
رمت ليلى بالهاتف وكأنه تهمه وقالت بسخرية:"قومي يالا علشان نسقي الزرع"
فركت سلمى عينيها بتعب وقالت بتعجب:"زرع؟! "
ردت بضحك:"ايوه زرع، مهاب زرع الجنينة تاني"
ثم وضعت يديها على فمها لذكرها اسمه للتو، و ارتبكت لكن سلمى قالت بتهكم:"وأنا أسقي زرع الاستاذ مهاب ليه؟"
اقتربت ليلى منها وقالت:"سلمى ممكن متتكلميش عنه كدا !"
سلمى بخوف:"يا حبيبتي انا خايفة عليكي صدقيني، بس طالما أنتي شايفه سعادتك في وجوده يبقى أنا مش همانع، بس خلي بالك على نفسك"
ضمتها ليلى في حركة فجائية وقالت بسرور:"ربنا يخليكي ليا يا حبيبتي"
ضيقت سلمى عينيها وقالت:"احكيلي بقى حصل أيه وهو هنا؟!"
شبكت ليلى أصابعها في خجل وبدأت تقص عليها ما حدث.
—————————————————————————
وبعد مرور يومين، لم تشأ ليلى أن تهاتف مهاب حتى لا تزعجه وتتركه حرًا فهي تعلم أن لديه خطيبة، وعلى أثر ذكرها شعرت بغصة في حلقها فأبتلعت ريقها بضيق وفي ذلك التوقيت هاتفتها سلمى وقبل أن تنطق قالت سلمى:"أجهزي، ربع ساعة وأكون عندك، راحه عند نيرة وبقول من الأحسن أنك تيجي معايا، هديها حاجات، هنقعد وقت قليل بس هيقربك منهم! "
وأغلقت الخط سريعًا، انتفضت ليلى وأخرجت ما بخزانتها وأستقرت على ثوب أسود طويل بدون كمين و تركت شعرها حرًا مع أحمر شفاه بسيط، كانت مثل كعكة بالشكولاتة محلاه بالكريز!
جاءها صوت سلمى تصعد سلمها وتقول:"لولو، يالااا، تعالي، أنا جييت"
خرجت ليلى في هدوء شديد وقالت:"أنا هنا يا لولو بردو"
صوت صفير قطع تلك اللحظة، فضحكت ليلى وقالت:" مش هتبطلي، أنتي بنت مش عارفه بتصفري أزاي"
قالت بمرح:"هي بتطلع لوحدها في وقتها، عايزاني اشوف الجمال ده كله ومصفرش! "
وترجلا حتى السيارة في سعادة وفي أسفل منزلهم ترجلوا مرة أخرى، وأمام الباب نادت ليلى سلمى لتتأكد من أناقتها فغمزت بعينيها وقالت:"زي القمر، يا بختك يا سي مهاب"
وهنا فتحت لهم نيرة بالترحاب، وعانقت ليلى بحرارة، لكن عادة ما تجري الرياح بما لا تشتهي السفن، ظهرت لطيفة تحمل صحونًا وخلفها يجلس الجميع على طاولة الطعام، مهاب بجانب هاجر.
شعرت الدنيا تدور بها رغم أنها لا تعرفها لكن حدس قلبها لن يكذب أبدًا.
التفتت هاجر ثم ألتفت مهاب وقطع كلمته وحوّل بصره لهاجر التي فعلت المثل بتساؤل، بادرت لطيفة الكلام وقالت:"أعرفك يا ليلى، هاجر خطيبة مهاب، أكيد سمعتي عنها من نيرة"
أبتسمت أبتسامة مزيفة ومدت يدها لتصافح هاجر التي مدت يدها بالترحاب، مجرد أن لمست أصابعها سحبت يدها سريعًا والتفتت لسلمى وقالت بتلعثم من المفاجأة:"هستناكي تحت، تقدري تخلصي وتنزلي"
رغم محاولاتهم لجعلها تبقى بجانبهم لكنها أنصرفت وبمجرد أن خرجت من المكان، أستندت إلى الحائط في حزن وأعادت بصرها إلى الباب المغلق في ألم، لم تستطع منع دموعها من النزول.
وعندما هبطت أسفل جلست في سيارتها وتابعت بكائها المرير، كانت تعلم أن لديه خطيبة لكن لم تستطع رؤيته بجانبها إلى ذلك الحد، كما أنها جميلة وبشوشة ولديها ذوق وتعرف كيف تتصرف مع الناس للأسف هاجر لا ينقصها شيء.
لم تستطع البقاء أكثر فأدارت السيارة وأنطلقت للمرة الثلاثة منذ حادثة والدها.
لكن ما لم يكن في الحسبان ذلك المنعطف الذي حدثت به الحادثة!!
—————————————————————————
دخلوا من الممر مسرعين و وجدوها تجلس على أحد المقاعد بجانبها ممرضة فأسرعوا أكثر وجلست سلمى بجانبها وأنحنى مهاب أمامها وقال:"حصل أيه؟ "
لكنها لم تنطق ونظرت نظرة هاوية لكنها بالطبع أفاقت على ذلك الصوت:"روح يا مهاب شوف الدكتور وأسأله! " قالت هاجر ثم جلست بجانبها بعدما أطمئنت الممرضة أنهم أهلها وقامت من الجانب الآخر، مدت يدها تربت على كتفها لكنها تأوهت كذبًا فسحبت ھاجر يدها وقالت:"أسفه!"
نظرت سلمى لها بحزن حين نامت ليلى على كتفها، وفي تلك اللحظة كان مهاب مع الطبيب.
"الظاهر إن أعصابها خفيفة شوية، مع إن هي اللي خبطت التانين بس هي اللي أغمى عليها، الحمد لله الناس جابوها هي والعربية هنا وأتصلنا بيكم، بس أنا بقترح أنها متسوقش تاني، لحد ما أعصابها تهدى"
هز رأسه بالإيجاب وعاد لهم وقال بهدوء:"يالا علشان نروحك".
نظرت له نيرة في دهشة حين لحق كلماته وقال:"سلمى أنتي هتوصليها ومتسيبيهاش"
لم تلتقِ عينها بعينه لكنها حين حاولت النهوض ومالت لتقع هو من لحقها في هدوء وأمسك خصرها وأوقفها وقال لسلمى:"أمسكيها كويس"
وهو يمشي بجانبها ولمس يدها بدون أن تلاحظ هاجر ثم ضغط عليها وكانت اللمسة التاسعة.
لكن ليلى سحبت يدها سريعًا وطلبت من نيرة أن تمسك بها من الجهه الأخرى.
تركتهم نيرة عند السيارة التي قادتها سلمى وغادرت.
أما هاجر فألتفتت لمهاب وقالت:"تحب نقعد نتكلم في أي مكان؟ "
أشار لها بالتقدم أمامه.
*********************************************
أخفت ليلى وجهها بين يديها وأجهشت بالبكاء المرير، أمسكتها سلمى من كتفيها وقالت:"من الأول وأنتي عارفه أنه خاطب! "
قالت بمرارة:"لا يا سلمى لا مكنتش عارفه انه خاطب ولما عرفت كنت اتنيلت حبيته، حبيته يا سلمى و ده مش بأيدي"
ضمتها سلمى وقالت:"طيب أهدي وإن شاء الله ربنا هيحلها"
———————————————————–—————
أشعل سيجارته كالعادة محاولًا إخفاء توتره وقال بأرتباك:"تحبي تتكلمي في أيه؟ "
قالت له بعدما أفاقت من شرودها:"البنت اللي اسمها ليلى ديه صعبانه عليا أوي"
ابتلع ريقه بصعوبة وقال:"ربنا معاها! "
"هو الدكتور قالك ايه؟! كانت مصدومة ليه كدا؟ "
قال بضيق:"عملت حادثة وأغمى عليها علشان اعصابها خفيفة"
نظرت نظرة عميقة له ثم قالت:"على كلامك ربنا معاها! "
شعر وكأنها تفهمت نظراته لها أو علاقته بها لكنه حاول التظاهر بالهدوء.
من يشعر بأمرأة أمرأة مثلها!
—————————————————————————
صفع الباب بقوة قبل أن يخرج من منزله بعد شجار مع اخته بسبب تعلق ليلى به، لم يعد يتحمل الأمر في الأونه الأخيرة.
أسند رأسه إلى الخلف قبل أن ينطلق إلى هاجر ، حاول وبشدة ألا يذهب ليلى، فهي أول من يخطر بباله حين يضيق صدره لكن الوضع الطبيعي أن يذهب لخطيبته أليست هي من ستصبح شريكة حياته، و عند تلك النقطة سأل نفسه، وماذا سيفعل مع ليلى؟!
نفض تلك الأفكار عن رأسه، حين نزلت "هاجر" من منزلها في قلق، استقلت المقعد الشاغر بجانبه وتساءلت في دهشة:"مهاب مالك خضتني؟! "
نظر لها نظرة طويلة وقال بعد تنهيدة:"أنا أسف أني جيتلك في الوقت ده بس أنا محتاج أتكلم معاكي وأنتي عارفاني مش بحب أتكلم في التليفون"
أشارت له وقالت:"عارفه يا مهاب، شوف عايز نروح نتكلم فين!"
"هاجر أنا تعبان، تعبان أوي! "
—————————————————————————
جلست في شرفتها شاردة في الظلام أمامها، تضم كلتا يدها إلى فنجان القهوة الوحيد الذي لم تنظفه، رغمًا عنها نزلت الدموع من عينها حين وضعت سلمى يدها على كتف ليلى وقالت:"يا حبيبتي أنتي كدا بتعذبي نفسك بس"
نظرت لها وأجهشت بالبكاء، أخذتها بين ذراعيها وأخذت تربت على ظهرها حتى هدأت ومسحت دموعها وقالت:"أدخلي أنتي نامي، وأنا هبقى كويسه"
وفي تلك الأثناء كان مهاب ينظر أمامه في الفراغ المظلم من فوق جبل المقطم، سحق سيجارته بقوة أسفل قدمه حين وضعت هاجر يدها على يده وقالت:"مالك يا مهاب في أيه؟"
نظر لها في فتور وقال:"أنتي شايفه أيه؟ "
حين تحكم عقلك في أمور القلب ستكون تلك النتيجة من التصرفات الفظة.
سحبت يدها وقالت بذكاء:"مهاب هو أنت في واحدة تانية في حياتك؟!