الجزء 17

دموع ممنوعة ............الفصل الثامن عشر

استمر عقل عادل فى الدوران فى حلقات مفرغة لم تصل به لأى نهاية مجدية ، هو يعلم أنها ليست قريبة من والدها لتذهب إليه ، كما أنها لم تخبره ابدا ان لها أصدقاء ، أيضا لا يعلم لها أى مكان غير مكتبها وبيتها، حتى شقتها المجاورة للمكتب ، اتصل بريهام لتبحث عنها فيها ولم تجدها ، كما أن حارس المبنى أخبرهم أنها بالفعل خرجت وانطلقت بسيارتها ،

سوف يجن ، لا يعلم أين يبحث عنها ، حتى أنه لا يعلم ماذا حدث لتختفى هكذا ، فريهام لم تخبره بشئ ، فقط أخبرته أنها كانت متوترة طوال اليوم ،

وبالطبع يشاركه عمه اكرم كل هذا ، فقد لاحظ تأخرها ، وعندنا سأل عادل ، لاحظ اضطرابه، فصمم على معرفة ما يحدث ، فأخبره عادل .

أما عن فريدة ، فخرجت ولا تعلم لأين ، فقط غاضبة مضطربة حاقدة على هؤلاء ، ناقمة على حياتها ووحدتها، حزينة على بنوة أمها لهؤلاء البشر و على ضياع حياتها بلا ثمن ،

حالة غريبة تدخلها ، ليس لها أى معالم ، تشعر أنها فى حالة غيبوبة مشاعرية ، لا تخرج منها إلا بحدث قوى جدا يطغى على كل ما تضمه نفسها من مشاعر ،
خرجت تجرى ، لا تعلم لأين ، تبحث عن أى شئ تنفث فيه هذا الغضب العارم ، ليس مما قال هذا الرجل نفسه ، وإنما مما آثاره كلامه من ضغط سنين داخلها ، تريد الصراخ ، تحتاج للبكاء ، تحتاج الدموع لتخفف بها ما يحدث بداخلها ، لماذا حرمها الله من نعمة البكاء والدموع .

ظلت تدور بسيارتها فى الشوارع لأكثر من ساعة ، بدون نية معينة للوصول لأى مكان ، لم تشعر بنفسها إلا وهى قريبة من فيلا المصرى ، عندما ترائت لها من بعيد توقفت فجأة حتى أن العجلات أصدرت صوت عالى ناتج عن الوقوف فجأة ، وكأن مجرد روية الفيلا من بعيد يعيد ما بها ، كان الشارع هادئ جدا ومظلم بعض الشئ ، لا تتخلله إلا أسهم نور بسيطة صادرة عن أعمدة النور المتباعدة فى الشارع ،

ترجلت من السيارة بعدما ركنتها على جانب الطريق ، اتجهت لأحد الكراسى المثبتة فى الأماكن الخضراء الجانبية للطريق ، كان الكرسى فى مكان مظلم أكثر من الشارع ، جلست عليه وأخذت تراقب الفيلا من بعيد والأنوار المنبعثة منها ،

سيل من الذكريات اجتاح عقلها عن والدتها وما حدث لها ، عن كل من انتقمت منهم وعاقبتهم على ما فعلوه مع والدتها ، حتى والدها لم يسلم منها ،

أما الآن ماذا تفعل مع هذا الرجل ، هو لم يؤذي أمها أذية فعلية على أرض الواقع ، هو فقط كان أب تجرد تماما من مشاعر الأبوة ، تخلى عن ابنته وتركها للذئاب ، تخلى عن حمايتها ، ورفض مساعدتها بعد ما حدث لها ، بل اعتبرها آثمة وتستحق العقاب ، عواقبها باقصائها عن حياتهم تماما ، بل ومنع كل من حوله من مساعدتها ، والآن يرفض تماما دخول أبنتها عائلته ، ابنتها لم تصل لشرف نسبه ونسب حفيده ،

رجل مثل هذا ، كيف سيعاقب على قسوته وجحوده هذا ، الأمر سيحتاج منها تفكير طويل ، بل هدوء داخلى لتصل لنتيجة وخطة جيدة .

اقتربت الساعة من التاسعة وطبعا كل من فى المنزل فى وادى خاص به ، فالمكان مملوء بالمهنئين بعودة الجد ، والكل مشغول بهم ،

أما عادل فلا يعلم عنها أى شئ حتى الآن ، ماذا سيفعل ؟ كيف سيتحمل الجلوس هكذا والانتظار حتى تظهر هى ؟
خرج يجرى بإتجاه سيارته مع محاولات عمه الغير مجدية فى اللحاق به ،
انطلق بسيارته خارج الفيلا ، ولا يعلم إلى أين يتجه ، فقط خرج ليبحث عنها ، فالقلق عليها يقتله ، فلم يكن يعلم أنه يهتم بها لهذه الدرجة ، وأنه لا يتحمل فكرة غيابها ،
فى خضم ما يدور بعقله ، اتجه نظره لشئ فتوقف بسيارته فجأة ، ونظر خلفه ليتأكد ، نعم ، هى سيارتها ، عاد بسيارته للخلف ، وترجل منها ، انحنى وبحث عنها داخل السيارة ولم يجده ، أخذ يتلفت يمينا ويسارا يبحث عنها ،
وهى تراقب كل هذا من بعيد ،
أخرج تيليفونه واتصل بها مرة أخرى ، فسمع رنات التيليفون صادرة من داخل السيارة .

مجرد رؤيته بالقلق الذى بدا على وجهه أثار بداخلها مشاعر معينه لم تفهمها ، مشاعر وضعت غطائا عابرا على ماكانت تشعر به الآن ولو لثوانى معدودة . قامت من مكانها وسارت فى اتجاهه حتى اقتربت قليلا لتستوضح معالمه جيدا ، وقفت وأسندت جانبها لشجرة قريبة من الشارع ووقفت لتتابع ما يفعل .

بدأ يتلفت بتدقيق أكثر قليلا ، ويبتعد عن السيارة فى اتجاهات مختلفة ، رفع تيليفونه ليتصل بمكتب الأمن فى المنطقة ، ليساعدوه ، أو ، ليفتحوا كاميرا المراقبة ، ليعرف أين هى من خلالها ، وفى نفس لحظة فتح الخط من الاتجاه الآخر ، وقعت عينيه عليها ، تنفس الصعداء ، وبدأ يقترب منها ليتأكد مما يراه .

استمرت عينيها فى التعلق به حتى اقترب منها ، وقف على بعد خطوات منها ، بصمت تام وقف يتبينها جيدا ليتأكد أنها بخير ، نعم ، هى بخير ، لكن يبدوا على وجهها البركان الموجود داخلها ، ظل واقفا أمامها لثوانى معدودة ،
وفجأة وبدون أى مقدمات ، اقترب منها ، وامسكها من خسرها بإحدى يديه واليد الأخرى خلف رأسها ، الصق جسدها بجسده وكأنها جلد ثانى له ،
وانقض على شفتيها بشفتيه ،
قبلة أودع فيها كل قلقه عليها طوال الساعات الماضية ،
قبلة رغم عنفها إلا أنهما أنه أحتاجها بشدة ليطفئ بها نار قلقه كما احتاجتها هى الأخرى لتطفئ بها نار غضبها ،
قبلة لم يعلما كم من الوقت استمرت ، قدر ما أحس بدقات قلبه تتزايد كطفل ارتمى فى أحضان والدته بعد طول غياب .

فهو علم الآن فقط انه يحبها ، هو يحبها ، ولن يتركها أو يتخلى عنها مهما كانت الظروف التى تحوطهما .

فك حصار شفتيها ، ولم يتركها لتبتعد بل ضمها فى احضانه ودفن وجهه فى طيات الحجاب الذى يغطى عنقها ، وفعلت هى بالمثل ، دفنت وجهها فى عنقه ، بالأحرى اسفل عنقه تستنشق عبير صدره ، فهى أقصر منه بسنتيمترات كثيرة ،

همست فى اذنه وهى مازالت بين يديه

...مش عايزة اروح البيت ده دلوقتى ، ابعدنى عن هنا أرجوك ....

ابعدها عنه بمسافة بسيطة ، واحاط وجهها بكفيه ثم امعن النظر فى عينيها لثوانى واماء لها بالايجاب ، بعدها أمسك بيدها وتوجه بها لسيارته ، فتح لها باب السيارة ، ركبت فى الكرسى المجاور له ، ثم ركب هو الأخر وانطلق بالسيارة ، واتجه لبيته الخاص الذى كانوا فيه ليلة أمس .


إعدادات القراءة


لون الخلفية