الجزء 37
الجزء الثانى ،،،، الفصل الخامس عشر ،، بارت اول
.........................
قالت ببرود واضح ... مساء الخير ...
... فريدة ! أهلا ، بقالى زمان مشوفتكيش ...
... الدكتور موجود ؟
... دكتور ! ؟ ، مش تقولى بابا احسن ، ولا الغيبة دى كلها مغيرتش حاجة فيكى ...
قالت بنفاذ صبر وقد مرت بجانبها فى طريقها للداخل
... لو سمحتى قوليله انى مستنياه فى الصالون ...
وهى فى طريقها لصالة استقبال الضيوف الخاصة بالمنزل ، عينيها تجوب ذهابا وإيابا فى المنزل ، والحزن يرتحل بين جنبات قلبها ، لطالما شعرت بالغربة وهى داخل أسوار هذا البيت ، لم يكن ابدا بيتها ، ولم يكن هو والد حقيقى لها ، ولا زوجته والدة لها ، حتى أنها استطاعت ملئ قلب ابنها بالقسوة تجاهها ، جدار قد تم بنائه على مدار سنوات بينها وبين أخوها الوحيد ، والذى حاولت فريدة مرارا هدمه لكنها فشلت ،
دائما لم يكن لها شيئا هنا ، فأصبحت مع الوقت الهاربة من بيتها ،
وأسست حياتها بعيدا عنهم ، وقد جهزت نفسها للانفصال عنهم فى اى لحظة ، فقط قد كانت تنتظر فرصة مقبولة أمام الناس ، حتى لا يلام أحد على انفصالها عنهم .
.... فريدة ...
نداء من صوت مألوف عاد بها من رحلة فى بحر ذكرياتها قد أجبرت على الخوض فيها بمجرد دخولها من عتبة المنزل .
التفتت لتجد نفسها أمام والدها الذى لم تره إلا مرة واحدة منذ زواجها والذى حضر فقط وكالعادة ليتشاجر فقط معها من أجل شيئ ما ، وقد كانت هذه المرة من أجل ما فعلته مع عائلة المصرى ،
حتى أنها تطلعت لوجهه وقتها وهى تقول لنفسها ساخرة أنه يتشاجر معها من أجل من قتلوا والدها ، يلومها لأنها حاولت أن تنتقم لكل ما جرى ،
...ازييك يافريدة ، انا قلت أنك مش هتيجى هنا تانى ....
... انا فعلا مكنتش هاجى هنا تانى ،انا جاية اسئلك سؤال واحد وهمشى ...
ثم ألقت نظرة على زوجته التى تقف بالقرب منه وهى تقول
... وياريت نكون لوحدنا ...
امتعضت وألقت نظرة على زوجها ثم على فريدة وتركتهم وخرجت بعد أن أشار لها هو بأن تخرج ،
... وحشتينى بجد ، انتى عارفة أن ده بيتك وتيجى فى اى وقت ، صح ...
... لا مش صح ، لا عمره كان بيتى ولا هيكون ، وقلتلك انى جاية عشان حاجة معينة وهمشى ...
كان كلامها تقريرى ممزوج بغضب داخلى ، لم يفهم سببه إلا عندما سألته مباشرة وبصوت منخفض وعيون متعلقة بوجهه وعينيه لا تحيد
... انت فى اى علاقة حصلت بينك وبين ماما قبل الجواز ؟
تجمد جسده تماما بدون اى تعبير على وجهه غير اتساع عينيه من المفاجأة ، وصمته التام ،
تعلقت عينيها به لتتابع رد فعله على سؤالها والذى أكد لها حقيقة ما قيل ، أخفضت عينيها للأرض وتنهدت بحزن ثم جلست على حافة الكرسى ثم قالت
.. يعنى فعلا انا بنت حرام ...
جلس بجانبها ووضع يده على كتفها وهو يقول
... لا ، لا يافريدة ، اياكى تقولى كدة ، دى مش علاقة حرام د انا ومامتك كنا متفقين على الجواز ، وده كان مجرد تصرف حاولنا بيه نجبر جدك على الموافقة ، تخيلنا كدة وقتها ...
رفعت رأسها له وهى تمد يدها لتزيح يده من على كتفها وهى تقول
.. مش هتفرق كتير ، اتفاق وعيلة وانت وهى وأبوها والدنيا كلها ، الخلاصة انى بزرتى اتزرعت من غير جواز ، يعنى فعلا بنت حرام ...
وقفت وهى تقول ... ياترى فى ايه تانى معرفوش ، وهتضيعونى بيه ؟
ثم التفتت له بعد أن كان قد وقف تباعا على وقوفها ، وقالت
.... انا تعبت ، كل حاجة تخصنى من ماضيك بتئذينى وبتوجعنى ،
مبئتش عايزة اعرف عنك وعنها حاجة ...
ثم همت بالابتعاد ، وبعد خطوة واحدة توقفت مجبرة بقبضة يده التى حاطت زراعها لتلفتها له وهو يقول
... سنين وانا بكفرلك عن ذنب عملته فى حق أمك ، وأنا ندمان عليه ، ولحد دلوقتى وانتى مش قادرة تسامحينى ، إنما انتى نفسك كفريدة بنتى ، معملتش فى حقك حاجة تستاهل انك تعاملينى بالطريقة دى طول عمرك ، بس اديتك عزرك عشان عارف انك كنتى بتحبيها اوى ، وسبتك براحتك على أساس انك فى يوم هتعديها، لكن اليوم ده مجاش ،
جاية دلوقتى تنبشى فى الماضى من جديد ، عشان تظهرلك حاجات جديدة تزودى بيها من جفائك ده ، انتى عايزة ايه بالظبط يافريدة ؟
نفضت زراعها من يده وهى تقول ... مش عايزة حاجة ، انا كنت جاية بس عشان اتأكد ، كدة كدة انا بعدت وخرجت من حياتك من زمان ، وانت السبب ومراتك معاك ، حتى اخويا ، قستوه عليا ، وانت شايف ده بعنيك بيزيد يوم عن يوم ومحاولتش تغير أى حاجة ، يبقى خلاص كدة ،
إنما الماضى اللى انت بتتكلم عنه ده ، مش انا اللى جريت وراه ، هو إللى جه لحد عندى ...
ثم خطت الخطوة الوحيدة التى كانت تفصل بينهما حتى أصبح لا يفصلهما شئ ، اقتربت بوجهها من وجهه وهى تقول بصوت منخفض ممزوج بحسرة وحزن ... يسوى ايه الماضى عندك ولا حتى الحاضر لما تيجى واحدة لحد عندى وتقوللى فى وشى أن انا بنت حرام ...
ثم أبتعدت نفس الخطوة وزادت عليها أخرى وقالت
... اللى نويته هكمله ، ومش هرجع دلوقتى ، انا ماشية ، وأسفه انى عطلتك يادكتور ...
ثم ابتعدت تحت ناظريه وكأن خروجها من باب الشقة لا يعنى إلا خروجها من حياته بالكامل أن لم تكن قد خرجت من سنين وليس الآن فقط .
..............................................................................
توقفت بالسيارة أمام باب الفيلا دون أن تدخل ، تأملت باب الفيلا من الخارج لثوانى من خلال زجاج السيارة ، ، عادت برأسها للخلف وهى تضغط بيديها على جانبى رأسها ، ثم اعتدلت وهى تضرب على مقود السيارة بعنف ،
وداخلها نداء يكاد يصل لصراخ ينادى دموعها لتخرج وتخفف ما بداخلها من نار مندلعة مما يحدث لها ،
لماذا لا أبكى ؟ لماذا ؟
لكن دائما وكالعادة صراخ دون أي إجابة ،
ننفست الصعداء عدة مرات تحاول بها أن تهدأ ثم أعادت تشغيل السيارة وبدأت بدق البوق ليفتح لها الباب وقد تم بعد أقل من نصف دقيقة ، واتجهت للداخل ،
بمجرد وقوف السيارة أمام باب الفيلا الداخلى ، وهى تترجل من السيارة ، وجدت باب الفيلا يفتح وخرج منه عادل وهو يهرول ناحيتها ، ومن خلفه مجدى وزوجته ، وقبل أن يصل إليها لمحت نوافذ الفيلا العليا لكل دور واحد تلو الآخر ، وظهر منهم سكان الفيلا جميعهم من كل نافذة ،
لم تفهم ما يحدث إلا عندما وصل إليها عادل والقلق يغطى ملامحه ، أحاط وجهها بكفيه وهو يقول
... فريدة ، انتى كويسة ؟ كنتى فين لحد دلوقتى ؟ انتى عارفة الساعة كام ، الساعة عدت 11 ، انتى عمرك ما اتأخرتى كدة ، وانتى ازاى قافلة تيليفونك اصلا ؟ وفى مكتبك قالوا انك مشيتى من الساعة 3 ، ممكن تفهمينى كنتى فين ، انتى كويسة الأول ولا لأ ؟
أخذ يلاحقها بالأسئلة واحد تلو الآخر وهى تحاول الكلام ولم يعطها أى فرصة لتفعل ، حتى أنتهى ، وبالطبع قد فهمت ما يدور من قلقه الواضح ، حتى استطاعت فى النهاية أن تتحدث
.. ادينى بس فرصة اجاوب على سؤال واحد من كل الاسئلة دى ...
... الأول انتى كويسة ...
... ايوة ، كوبسة الحمد لله زى ما انت شايف ...
...رعبتينى يافريدة ، كنت خلاص دقيقة واحدة وهنزل أبلغ البوليس ، وألف أسأل عليكى فى المستشفيات ...
...بوليس ومستشفيات كمان ؟ ليه ده كله ...
.. الساعة 11 ياهانم ، وانتى ماشية من عند باباكى من خمسة ، ومكتبك مقفول ، والبواب قال انك مرجعتيش تانى ، لولا كدة كنت كسرت باب الشقة ...
لاحقه صوت مجدى من خلفه وهو يقول
.... براحة عليها ياعادل ، الحمد لله أنها كويسة ، سيبها ترتاح دلوقتى وبعدبن أبقى افهم منها اللى حصل ...
قال لها وهو يمد يده لها ... طيب يلا عشان ترتاحى ...
ارتفع حاجبيها من رد فعله ، هل سيبدأ الأن فى معاملتها كمريضة ،
مدت يدها له على مضض ، امسك بيدها وأحاط خصرها بيده الأخرى ،
تحركت معه دون أى اعتراض وهى تومئ لمجدى وزوجته التى كانت قد اقتربت منهم أثناء حديثهم والتى فاجئتها بقولها
... المفروض تبدأى تاخدى بالك من نفسك من هنا وجاى يافريدة ...
عقدت حاجبيها بعدم فهم وكانت على وشك السؤال لكن يد عادل التى جذبتها للداخل هى ما أوقفت السؤال على فوهة فمها ،
وفى الصالة وجدت عزت بنفسه يقف على باب غرفته ويستند على عصاه ، وعينيه عليها حتى وصلت للسلم وصعدت ومعها عادل ،
كذبت نفسها ، هل بالفعل رأت فى عينيه رضا وفرحة ،
ماذا يحدث فى هذا المكان الليلة ، الكل ليس على حاله ؟
وجدته يساعدها فى خلع ملابسها ، وعينيه مشبعة يطيب خاطر وفرحة وحب غامر ، استسلمت لما يفعل وعقلها يكاد يغادرها مما يدور داخله ، أن كانت أخبرت أى شخص بحملها غير ريهام ، لأقسمت انه يعرف ، بل الجميع يعرف ، لكنها تثق تماما فيها ، ولم يكن هناك اى داعى من الأثاث لتخبرهم ،
ارتدت بيجامة ستان بنفسجية اللون اختارها بنفسه من خزانة الملابس ، بنطلون طويل واسع ببودى ضيق بحمالة رفيعة مغطى بشريط مزرقش ابيض.
جلس بجانبها على حافة الفراش بعد أن دثرها بغطاء الفراش حتى صدرها ، تعلقت عينيه بعينيها وهو مبتسم فقالت
... المفروض تكون مدايق منى ، مش فرحان كدة ..
... انا فعلا مدايق ، ومدايق جدا كمان ، ومش هعديهالك على فكرة ، بس بكرة ، إنما دلوقتى ترتاحى وتنامى ، والحساب يجمع ...
... هو فى ايه ، بتكلمنى كدة ليه ...
... مش فاهم ، بكلمك ازاى يعنى ...
... مش عارفة ، حاسة أن فى حاجة غلط ...
... ولا حاجة ، انا بس قلقت عليكى بجد ، سيبك منى ويلا عشان تنامى ...
دار حول الفراش ، وهو يخلع حزائه من كل قدم بضغطة من القدم الأخرى ، ويفك أزرار قميصه واحدا تلو الآخر ،
دخل بجانبها تحت الغطاء بعد أن امسك بهاتفه وكتب رسالة قصيرة وارسلها مد أحد زراعيه تحت رأسها بعد أن رفعته وزراعه الآخر أحاط به خصرها واستقر بكف يده على بطنها ، واغمض عينيه
رغم غرابة كل ما حدث إلا أنها ارتاحت لكل ما فعل ، شعرت بالأمان بين يديه ، وكأن هذا فقط ما كانت تحتاجه طوال اليوم لتهدأ ويسكن قلبها وتجد نفسها الملاذ الآمن ، فأغمضت عينيها هى الأخرى وراحت فى ثبات ونوم عميق .