ماذا قال لي "أبو العريف"، الأخطبوط، سيد عالم الجن؟ قال لي: "يا مهندس، أنت أستاذنا في هذا المجال، وأنا لا أستحق أن أكون واحداً من تلاميذك... هل هذا امتحان لي يا مهندس؟"
صُدمت لسماع هذا الكلام، فقد سمعته من قبل من الرجل عم الساعي الخاص بمكتبي، هل تتذكرونه؟ نعم، هذا يجعل الأمر خطيراً. لقد سمعت نفس الكلام من شخصين مختلفين، كل واحد منهما في مدينة بعيدة عن الآخر، وليس بينهما أي صلة.
قلت له: "ماذا تقصد يا حاج؟" قال لي: "أرجوك يا مهندس، أعطني بعضاً مما عندك، فأنا لا شيء بجانبك، ولا أعرف شيئاً مقارنةً بك. وبالنسبة للشيء الموجود في غرفتك، يمكنك أن تتحدث معه في أي وقت تريده، فهو في انتظارك لبدء الحديث معه."
أوه، يبدو أن الأمور تسير في اتجاه غريب جداً، ما هذه المصيبة؟! ما معنى هذا الكلام؟ ومن أنا؟ وما الذي يخيف هؤلاء الناس مني؟ وهل فعلاً أنا قوي لهذه الدرجة؟ ومن الذي يوجد في الغرفة في شقتي؟ دخلت في متاهة لا أعرف بدايتها ولا نهايتها.
قلت للأخطبوط: "يا عم، قل لي ما الحكاية؟ والله العظيم لا أعلم شيئاً عن الذي تقوله."
قال لي كلمة واحدة: "يا مهندس، اكتشف ما بداخلك. وأنا على استعداد تام أن أعطيك كل ما أعرفه من كتب ومن جن معي مقابل أن تعطيني بعضاً مما عندك."
فجأة، ونحن جالسون، سمعنا أشخاصاً ينادون على الأخطبوط من الخارج وهم في حالة ذعر. خرج الأخطبوط لمقابلتهم، ودخلوا معه. كان واضحاً أنهم تجار خضار، وقالوا له: "الولد سمير أصابته الحالة يا حاج، وهو يُحدث فوضى في شونة الخضار."
سمير هذا ولد يعمل لدى هؤلاء التجار في شونتهم. قال لهم الأخطبوط: "هيا بنا."
قلت له: "حسناً، يا حاج، سأذهب الآن."
قال لي: "لا، لا، لا، إلى أين؟ تعالَ معي." قلت له: "يا عم، أنا خائف، قد يخرج ما بداخل الولد ويدخل فيّ."
قال لي: "لا تخف، هيا بنا."
خرجنا، ووجدنا التجار ومعهم سيارة مرسيدس. كانت شونة الخضار تبعد عن المدينة حوالي 15 كيلومتراً. وصلنا إلى هناك، وما إن نزلنا حتى وجدنا الولد في حالة هياج شديد، يفتح ويغلق أبواب الشونة بسرعة رهيبة وبقوة غير عادية. شعرت برعب حقيقي وقررت أن أهرب من المكان، لكن الأخطبوط نادى عليّ وقال لي: "لا تخف، سترى الآن أن كل شيء سيصبح على ما يرام."
وقفت بعيداً أراقب ما يحدث. وجدت الأخطبوط يقرأ بعض التعاويذ ويرفع يده باتجاه أبواب الشونة، حيث كان الولد داخلها. فجأة، هدأ سمير، وجلس في أحد زوايا الشونة وبدأ يبكي. ركض التجار نحوه وكتفوه، ثم حملوه إلى غرفة في منزل أحدهم.
دخلنا معهم، وجلس الولد سمير على كرسي، ثم وضع رجلاً فوق رجل وطلب سيجارة ليدخنها، على الرغم من أن التجار أكدوا لي أنه لا يدخن. أحضروا له السجائر، والغريب أنه كلما أشعل واحدة، كانت السيجارة تنتهي في نفس واحد.
أجل، لقد جلسنا مع "حضرة الجن"، وهو يدخن السجائر! كنت أجلس بعيداً عنهم، صراحةً، لأنني كنت خائفاً جداً، لكن الفضول كان يجذبني نحو ما يحدث.
سأله الأخطبوط: "ما اسمك؟" قال: "اسمي جورج."
سأله: "كم عمرك؟" أجاب: "عندي 42,000 سنة."
في تلك اللحظة، عدل سمير جلسته ونظر إليّ نظرة تكاد تخترق قلبي. شعرت وكأنني سأموت في مكاني. قال لي: "مرحباً بك في مجلسنا، لقد شرفتنا يا أخي."
قلت له: "الله يخليك."
نادى "جورج" على التاجر صاحب المنزل وقال له: "أريد عشاءً فاخراً للمهندس، خطوته عزيزة علينا، وأنا من المحظوظين لأنني رأيته اليوم." قال التاجر: "عينيا، حاضر."
قلت: "لا والله، أنا لست جائعاً ولا أريد أن آكل."
رد عليّ "جورج" وقال: "والله لو لم تأكل، سأثقب عين الأخطبوط."
ضحكت كثيراً وقلت: "والله لا أستطيع."
قال الأخطبوط: "هل هذا معقول يا مهندس؟ هل ستجعلني أعور أيضاً؟" قلت في بالي: "أصلع وأعور؟" ثم قلت له: "يا حاج، أنا لا أريد."
قال: "من أجلي، كل ولو بالقوة."
جلست صامتاً ولم أتكلم. بعد دقائق، جاء العشاء، وأكلنا جميعاً.
بعد ذلك، كان الأخطبوط على وشك أن يقول له: "امشِ." لكن "جورج" قال: "سأغادر إكراماً لهذا الرجل"، وأشار إليّ.
نظر إليّ الأخطبوط وقال: "ألم أقل لك؟"
عاد الولد إلى طبيعته تماماً، وكان في منتهى الأدب والخجل. جلس على الأرض وكأنه سارح في شيء غير مرئي.
رشوا عليه ماءً، فاستفاق وأصبح بخير، ثم ودعنا ونزل إلى الشونة.
ركبنا السيارة وعدنا إلى المدينة. أثناء العودة، قلت للأخطبوط: "أريدك أن تأتي معي إلى الشقة لنرى ما فيها."
قال لي: "يا مهندس، إذا لم تكتشف أنت بنفسك ما في الشقة، سأذهب معك، ولكن بشرط أن تعطيني جزءاً مما عندك."
وصلنا إلى المدينة، سلمت على الأخطبوط وتركته، وذهبت إلى شقتي، ورأسي غير متزن، وأشعر أنني لست في الدنيا.