عدت إلى شقتي بعد انقطاع طويل بسبب المشاكل الصحية التي كنت أعاني منها. بالرغم من أنني واجهت ملكة إحدى قبائل الجن وشيخ القبيلة، ورغم دعواتهم الخالصة لله، لم أكن ملتزماً بتعليماتهم بشكل كامل. كانوا دائمًا يلومونني على تركي بعض الصلوات وانشغالي الزائد بالكمبيوتر والستالايت، وطالبوني بتطهير نفسي وتخصيص وقت أكبر لله.
في يوم ما، شعرت بآلام رهيبة في ذراعي الأيسر، وكتفي، ورجلي، لدرجة أنني لم أعد أستطيع تحريكهم، وأصبحت مشلولًا جزئيًا. اضطررت إلى الاتصال بأخي الذي جاء وأخذني إلى طبيب مختص. بعد إجراء الفحوصات، لم يجد الأطباء شيئًا غير طبيعي، وأوصوا فقط بتناول المسكنات. بعد كل الفحوصات والأشعة، أكد الطبيب أنني سليم جسديًا، لكن الألم كان لا يزال شديدًا.
قرر أخي نقلي للإقامة مع والديّ لرعايتي، فانتقلت إلى منزلهم وأخذت معي جهاز الكمبيوتر. في تلك الفترة، بدأت حالتي تتحسن تدريجيًا. ولكن مع مرور الوقت، بدأت ألاحظ أن وجودي في منزل والديّ يسبب لهم الإزعاج، حيث كانوا يستيقظون في منتصف الليل للقلق عليّ. أحيانًا كان والدي يدخل الغرفة بشكل مفاجئ لينصحني بالنوم، وفي أوقات أخرى كانت والدتي الكبيرة في السن تقدم لي الشاي في ساعات متأخرة.
بعد فترة من التحسن، قررت العودة إلى شقتي، خاصة وأنني شعرت بأنني أرهقت والديّ بتواجدي المستمر. بعد العودة إلى شقتي، اتصلت بصديقي مصطفى، ووجدته أيضًا يعاني من نفس الألم الذي عانيته في ذراعه وكتفه الأيسر. دعوته للقدوم إلى شقتي، وبمجرد أن وصل واستلقى على السرير، غط في النوم سريعًا دون الحاجة إلى أي مجهود.
تمت المقابلة مع الملكة، حيث شكوت لها عن حالتي وحالة مصطفى. فأخبرتني بكل وضوح أنها هي السبب وراء الألم الذي عانينا منه، وأنها فعلت ذلك لأننا لم نكن نستمع إلى نصائحها. قالت لي بالحرف: "أيِقِظ صاحبك الآن وسيكون معافى تمامًا". وفعلاً، أيقظت مصطفى، فنهض وشعر بالتحسن الفوري. كان مندهشًا من زوال الألم.
استمرت العلاقة مع من كانوا يعيشون معي في الشقة حتى شهر يوليو 2001، وكنت أتعلم شيئًا جديدًا في كل مرة حول العوالم الخفية والتواصل مع هذه الكائنات.
في إحدى المقابلات، قالت لي: "أنت أفضل مني يا..."، فأجبتها متواضعًا: "العفو يا سيدتي، أنا إنسان مليء بالذنوب والأخطاء، وأنتِ مكلفة بخدمة الله سبحانه وتعالى، فمن يكون أفضل من الآخر؟" فتفاجأت بردها قائلة: "من يملك قلبًا كالذهب، فمن يكون مثله؟"
بصراحة، هذه العبارة جعلتني أفكر بعمق. ووجدت نفسي أبكي بدون أي شعور، تأثرت كثيرًا. وبعد انتهاء اللقاء، وبينما كنت أنظر في المكان، تخيلوا ماذا وجدت؟ وجدت قلبًا صغيرًا من الذهب بحجم عقلة الإصبع تحت ورقة الكتابة! والله العظيم، كان هذا القلب موجودًا فعلاً، وهو ما زال معي حتى الآن، ولم أخبر أحدًا عنه.
وفي آخر مقابلة في شهر يوليو 2001، أرسل لي رسولًا منها ليبلغني بأنها مُنعت من مقابلة البشر بسبب خطأ ارتكبه أحدهم عندما طلب منها شيئًا خارج قدرتها. هذا الشخص لم أكن أنا بالتأكيد، فقد كانت في أول مقابلة طلبت مني ألا أسألها عن الغيب أو المال، لأنها لا تعلم الغيب، لكنها تستطيع استنتاج بعض الأمور من تصرفات الشخص نفسه. لذلك، لم أطلب منها أبدًا أي شيء يتعلق بالغيب أو المال.
أنا ومصطفى زرنا ديارهم، وكانت مليئة بالذهب الخالص وأبوابها العملاقة. قصورهم كانت تتمتع برائحة غريبة، مثل عبق التاريخ الطويل. تمنينا أن نظل معهم، لكنهم رفضوا بلطف، وقالوا إننا يمكننا زيارتهم في المناسبات فقط.
وفي إحدى رسائلها الأخيرة عبر رسولها، أوصتني بأن أقرأ الكتاب مرة واثنتين وثلاث، وقالت لي إنها ستكون دائمًا معي، ولن يفرق بيننا إلا الموت، حتى إذا تركت هذه الشقة. وقالت إنها لن تسمح لأحد بأن يسكن فيها بعدي.
بعد أن علمت ذلك، شعرت بحزن عميق، وكأن أحد المقربين مني قد مات. أثرت هذه الأخبار على حياتي بشكل كبير، وبدأت أكره الشقة وكل ما حدث فيها. كما أنني شعرت بالكراهية تجاه الشخص الذي تسبب في إبعادها عني، وقررت أن أترك الشقة حالما أجد مكانًا مناسبًا.
في تلك الفترة، جاءني زميل من قسم آخر وأخبرني عن سيدة تبحث عن مهندس لتصميم برج سكني على قطعة أرض مساحتها 400 متر. قال لي إنه رشحني لها. قلت له: "لا بأس، سأقابلها". بعد حوالي ربع ساعة، ذهبت إلى مكتبه، حيث وجدت السيدة. كانت ترتدي ملابس كويتية فاخرة ومعها ابنها الصغير. عندما رأيت وجهها، شعرت بأنها مألوفة، وقالت لي: "أنت تشبه شخصًا أعرفه!"، وسرعان ما تبين أننا من نفس العائلة.
اتفقنا أن نذهب إلى الأرض لرفع المقاسات وبدأنا في وضع خطة التصميم. كانت تتصل بي يوميًا لتطمئن على تقدم العمل، وقالت لي في إحدى المكالمات: "أنت مشغول هذه الأيام، لماذا؟" فأخبرتها بأنني أبحث عن شقة جديدة. فقالت لي: "شقتك عندي في العمارة. وهي الشقة الوحيدة الخالية، بالدور الأول العلوي." قلت لها: "سأراها وإذا أعجبتني، سأستأجرها."
بعد هذه المكالمة، مر يوم طويل ومتعب، وعدت إلى شقتي. أكلت شيئًا بسيطًا ونمت من شدة التعب. في الساعة السادسة مساءً، استيقظت على صوت رنين الهاتف. كان نائب رئيس الحي يسألني: "أين أنت؟" فأجبته: "كنت نائمًا، خير؟" فقال لي: "لا تأتِ إلى العمل غدًا. لقد صدر قرار بتعيين المهندس فلان مكانك كمدير عام، وستعود إلى وظيفتك السابقة كمهندس عادي." وأضاف: "القرار تم توقيعه اليوم، وسنستلمه غدًا."
عندما سمعت هذه الأخبار، شعرت وكأن الدنيا انهارت من حولي. لم يكن الأمر متعلقًا بالمنصب بقدر ما كان يتعلق بالخذلان والظلم الذي تعرضت له. شعرت بالضيق الشديد وقررت الخروج من الشقة للتفكير والتخلص من تلك المشاعر السلبية.
خرجت دون معرفة أين أذهب. فكرت في زيارة والديّ، لكنني كنت أعلم أنهما سيفهمان فور رؤيتي أن هناك شيئًا ما يزعجني، وسيسألان الكثير من الأسئلة. لذلك، قررت عدم الذهاب إليهما في تلك الحالة. وجدت نفسي أسير في الشوارع بلا هدف حتى وصلت إلى مكتب مصطفى صديقي. قررت أن أصعد إليه لأتحدث معه عما حدث.
وفعلاً صعدت إلى مكتب مصطفى ووجدته فهمني على الفور. قال لي: "مالك؟ شكلك متضايق أوي..." حكيت له ما حدث، ووجدته يواسيني ويهون عليّ الأمور. قال لي: "ما تقعدش لوحدك بالبيت، خليك معايا لحد ما نقفل، وأنا هاجي معاك وهنام عندك الليلة، مش هاسيبك لوحدك لحد بكرة إن شاء الله." وفعلاً، بقي مصطفى معي طول الليل.
بصراحة، كلما اقتربت ساعات الصباح، كانت أعصابي تزداد توترًا، خاصة الساعة العاشرة صباحًا. أكيد مررتم بلحظات مشابهة في مواقف أخرى... المهم، طلع النهار... النهار الذي يكشف الحقائق... النهار الذي ينتظره كل مظلوم في الدنيا. والله عيناي تدمع وأنا أكتب هذه السطور. استيقظ مصطفى ووجدني صاحيًا، فقال لي: "يلا اعمل لنا شاي، ونخرج نغير جو، أنا عايز أعمل شهادة ميلاد لبنتي علشان أدخلها المدرسة." قلت له: "خلينا لحد ما ييجي التليفون الملعون، أنا مش قادر أخرج." قال لي: "لو قعدنا هنا في البيت هاتموت، يلا نخرج ونفطر فول وطعمية ونعمل شهادة الميلاد."
خرجنا وكانت الساعة حوالي التاسعة صباحًا. آه، بقيت ساعة وينتصر الباطل على الحق. مشينا في الطريق إلى السجل المدني لعمل شهادة الميلاد، وفجأة رن هاتفي المحمول. والله العظيم قلبي وقع، ورأسي وجعتني جدًا ودوخت جدًا. قلت: "يلا وقوع البلا ولا انتظاره." نظرت إلى الهاتف فوجدت رقم مدير مكتب رئيس الحي الأول الذي كنت أعمل به قبل ترقيتي. قلت: "أكيد الفاكس وصل والباشا بيبلغني." أمسكت الهاتف وقلت: "ألو..." قال لي: "صباح الخير، إنت فين؟" قلت له: "أنا عارف إنت متصل ليه، قول وخلصني." قال لي: "مين بلغك؟" قلت له: "أنا عارف من أمس." قال لي: "أعوذ بالله! إزاي عارف من أمس؟" قلت له: "نائب رئيس الحي اللي بشتغل فيه اتصل بيا وقال لي."
ثم سمعت صوته يتمتم بكلام غير مفهوم، وكأنه يتساءل إذا كنت مجنونًا. لكنه قال لي: "بص، إنت باين عليك ما نمتش من إمبارح. أنا اتصلت بيك علشان أقول لك إن المهندس (اللي كنت منتظر فاكس اليوم) مات من ربع ساعة على مكتبه في المحافظة." وأقسم بالله العظيم، هذا ما حدث. قال لي: "كنت أقول لك علشان نحضر الدفنة."
عندما سمعت هذا الكلام، شعرت بذهول، لم أكن أعرف هل أبكي أم أضحك. "عمر الباطل ما ينتصر على الحق أبدًا." مصطفى كان الشاهد الوحيد على هذه الأحداث لحظة بلحظة. بعد المكالمة، لم أستطع التحرك، جلست على الرصيف في الشارع، بلا أي كلمة، ومصطفى يحاول تهدئتي لأنه كان يعتقد أن المكالمة كانت بخصوص النقل من الوظيفة. قال لي: "عيب عليك تقعد في الشارع على الرصيف كده."
أخيرًا، ذهبنا إلى السجل المدني وأصدرنا شهادة الميلاد، ونحن عائدون قلت له: "يلا نروح ندفن المهندس." ذهل مصطفى، وظن أني أصبت بالهلوسة. لكننا ذهبنا إلى المقابر ووجدنا عائلة المهندس، ووصل في سيارة إسعاف من المحافظة، وتم دفنه.
أنا كنت في حالة غريبة، لم أعد أدرك ما يحدث حولي، وفجأة فقدت الوعي من شدة هول الأحداث. عندما استيقظت، وجدت نفسي في مستشفى خاص قريب من المقابر، ومعي مصطفى وأهل المهندس المتوفى. ظنوا أنني فقدت وعيي من شدة الحزن عليه، وشكروني جدًا وأخذوا يلومون أخاهم المتوفى لأنهم كانوا يعرفون أنه كان يحاربني في كل مكان أذهب إليه.
خرجت أنا ومصطفى من المستشفى، واتصلت بالسيدة صاحبة العمارة لمشاهدة الشقة. حددنا الموعد في الساعة السابعة مساءً لرؤية الشقة الجديدة التي سأستأجرها، وأعطتني العنوان. وذهبت في الموعد المحدد.