الفصل الواحد والعشرون

استمرت حياتي طبيعية في الشقة الجديدة، وبعد حوالي أسبوع تلقيت اتصالًا هاتفيًا وأنا جالس على مكتبي أعد بعض التقارير الخاصة بعملي. رفعت السماعة، وكان على الطرف الآخر الدكتور الصيدلي، صاحب العمارة التي كنت أسكن فيها سابقًا. قال لي: "لو سمحت يا مهندس، هل يمكن أن تأتي إلى الصيدلية لبعض الوقت؟" استغربت كثيرًا، لأنه معروف ببخله الشديد لدرجة أنه لا يتصل إلا إذا كان هناك أمر خطير جدًا. فسألته: "هل هناك أمر مهم يا دكتور؟ فأنا مشغول قليلاً وربما لا أستطيع الحضور." أجابني: "هناك بعض الأشخاص هنا يرغبون في التحدث معك." فقلت له: "حسنًا، سأكون عندك بعد قليل."

نزلت وذهبت إلى الصيدلية، وهناك وجدت ثلاثة رجال كبار في السن، كل منهم يعتمد على عكاز أثناء سيره، وكانوا من سكان العمارة التي كنت أسكن بها، ويعرفونني جيدًا. اعتدت التعامل معهم في المحل أسفل العمارة، وكان بعضهم يجلس معي ساعة أو ساعتين كل يوم. سلمت عليهم وسألتهم عن أحوالهم، ثم سألتهم عن سبب زيارتهم. نظرت إلى الدكتور الصيدلي الذي كان ينتظرهم ليتحدثوا، ثم قال لهم: "لماذا لا تتحدثون؟ كنتم تتحدثون كثيرًا قبل قليل!"

تحدث أكبرهم سنًا وقال: "يا مهندس، ما الذي يحدث في شقتك القديمة؟ فالعمارة بأكملها لا يستطيع سكانها النوم بسبب الأصوات الغريبة من صراخ وبكاء، وأصوات قطط مخيفة داخل الشقة. حتى جارك في الشقة المقابلة ترك شقته وأقام عند والده خوفًا على ابنته الصغيرة وزوجته."

نظرت إلى الدكتور مرة أخرى بابتسامة، ثم قلت لهم: "بصراحة، هذا شيء يحزنني. كيف يمكن أن تظل هذه العقليات موجودة؟ أنتم رجال كبار في السن، وعندكم خبرة طويلة في الحياة. والآن تأتون لتتحدثوا عن عفاريت وأشياء لا أساس لها من الصحة؟ لا يمكننا التقدم ما دامت هذه الأفكار مسيطرة."

ردوا جميعًا بصوت واحد، وأقسموا بأغلظ الأيمان أن ما يقولونه صحيح، وأن جميع سكان العمارة، رجالًا ونساءً وأطفالًا، يشهدون على ذلك. فقلت لهم: "لقد سكنت في هذه الشقة حوالي 13 سنة، ولم يحدث شيء من هذا القبيل. على أي حال، لا أملك إجابة على كلامكم الغريب. ولكن لنذهب الآن إلى الشقة، وسأدخل أنا أولًا، ونرى ماذا يحدث."

كان الوقت قد دخل في الليل، وبالمناسبة، كنت قد أخذت جميع اللمبات الكهربائية من الشقة عندما غادرتها، ولم أترك شيئًا للدكتور الصيدلي سوى الدهانات والديكورات الداخلية وبعض المناظر الطبيعية، لأنني أدركت أن بخل الدكتور يمنعه من شراء بدائل. وافق الدكتور، وصعدنا جميعًا إلى سيارته. جلست في المقدمة بجانبه، بينما تجمع الثلاثة رجال في المقعد الخلفي.

توجهنا إلى العمارة، وأثناء الرحلة شعرت بإحساس غريب. رغم أنني تركت الشقة منذ أسبوع واحد فقط، إلا أنني شعرت بشوق ولهفة غريبة للعودة إليها. وبالمصادفة، كان ذلك اليوم هو يوم الاحتفال بتحرير الملكة من سجنها، وهو يوم 14 من كل شهر.

وصلنا إلى العمارة، وصعد الدكتور ليفتح باب الشقة، ولكنه كان يرتعش بشدة، مما جعلني أرغب في الضحك. فقلت له: "ماذا يحدث يا دكتور؟ هل تحتاج مساعدة؟" أعطاني المفتاح وقال: "افتح أنت، فأنت كنت تسكن هنا." أخذت المفتاح وفتحت الباب، ودخلت الشقة. كان الرجال الثلاثة يقفون خلفي، يرتجفون من الخوف. قلت لهم: "لماذا لا تدخلون؟ لقد دخلت أولًا، هيا."

طلبوا مني تشغيل النور، فأجبتهم: "لا توجد لمبات، لكن يمكنكم الدخول، ومن لديه ولاعة يمكنه استخدامها." أحدهم تشجع وأخرج ولاعته وأضاءها. دخلنا وبدأنا نتفقد الغرفتين القريبتين من الباب، ولم نجد شيئًا. ثم دخلنا الغرفة الداخلية، غرفة الملكة. وبينما كان صاحبنا يحمل الولاعة، ارتفعت شعلة النار من الولاعة حتى وصلت إلى سقف الغرفة مثل البرق. أصيب الرجل بالذعر وألقى الولاعة من يده، وسمعنا صوت انفجار رهيب من داخل الغرفة.

هرب الرجال الثلاثة مع الدكتور، بينما بقيت أنا في الغرفة. سلمت على الملكة وقلت لها: "كل شهر وأنتِ بخير. أعرف أن ما حدث هو تذكير لي بهذا اليوم. ها أنا أتيت إليك، وسأعود كل شهر إن شاء الله. لا تنسيني في دعواتك."

بعد ذلك خرجت من الشقة وأقفلت الباب، ونزلت لأجدهم في حالة مزرية يتجادلون مع الدكتور. سألتهم: "ماذا حدث؟" أجابوني بلهفة: "ألم ترَ ما حدث مع الولاعة؟" فقلت للدكتور: "عن إذنك يا دكتور، هؤلاء الناس يبدو أنهم لا شيء لديهم ليفعلوه." وتركتهم وانصرفت.

لاحقًا، جاء ساكن جديد إلى الشقة، وهو شقيق جاري السابق. كان الشاب يستعد للزواج، وأخذ الشقة ليكون قريبًا من أخيه. جاء إلى مكتبي وطلب مني التنازل عن عداد الكهرباء لصالحه. فقلت له: "إذا كنت ترغب في ذلك، فعليك دفع ثمن العداد، فأنا من قام بتركيبه." لكنه رفض. فأجبته: "حسنًا، سأرفع العداد من الشقة وأتنازل عنه لأي مسجد، وسأترك لك تركيب العداد الجديد."


بالطبع، تركني وذهب، وبعد ساعة تقريبًا، جاء والده إلى عملي ليعتذر عمّا بدر من ابنه، وقال لي: "كم هو ثمن العداد؟" فأجبته: "200 جنيه." فأخرج من جيبه 250 جنيهًا وأعطاني إياها. قلت له: "أنا قلت 200 فقط، أما الباقي فليكن بقشيشًا لك." بعدها ذهبت معه إلى شركة الكهرباء وأتممنا الإجراءات.

بعد حوالي شهر، ذهبت لزيارة والدي في المساء، ووجدت والد الساكن الجديد جالسًا مع والدي في غرفة الجلوس. سلّمت عليهما وخرجت، فأنا لا أحب التدخل في أمور لا تخصني. لكن الرجل ناداني وقال: "لماذا لا تجلس معنا قليلاً؟" جلست، وبدأ الحديث عن الشقة مجددًا. كان ابنه لم يسكن فيها بعد، لأنه كان لا يزال يجهزها للزواج. قال الرجل: "الشقة فيها شيء غريب، أصوات مزعجة وغير مريحة، خاصة في الليل." سألته: "هل سمعت هذا بنفسك؟" فأجاب: "لا، ابني الأكبر هو الذي أخبرني، وكان قد أقام عندي فترة مع زوجته وابنته الصغيرة خوفًا عليهم."

فقلت له: "يا حاج، أنت لست صغيرًا على هذا الكلام، جرّب أن تنام هناك ليلة بنفسك لترى." أجابني: "والله يا بني، فعلت ما قلت." فتابعت حديثي لتغيير الموضوع: "أحسنت يا حاج، أنت تزن الأمور جيدًا وتعرف ما تفعل." بالطبع، كان الرجل سعيدًا بكلامي وبدأ يتفاخر بنفسه، فأكملت: "وماذا وجدت عندما نمت هناك؟" ردَّ بعنجهية: "ولا شيء، يا بني، مجرد أطفال مدللة لم يتعبوا في شيء." فضحكت وقلت: "أنت 100% يا حاج!" بعدها شعر بالحرج ولم يتكلم كثيرًا، ثم استأذن وغادر.

ضحكت مع والدي بعد أن غادر، لأن والدي كان يعرف القصة بتفاصيلها، وكان قد واجههم من قبل. والدي لديه صديق شيخ معروف في محافظة أخرى، رجل صالح دائمًا ما يساعد الناس بدون مقابل، وهو أيضًا يعرف تفاصيل قصة الشقة. زار والدي الشيخ في إحدى المرات، فقال له الشيخ: "جاءني رجل من بلدكم اسمه .... يريدني أن أذهب معه لقراءة القرآن في شقة اشتراها لابنه الذي سيتزوج فيها. يقول إن الشقة مسكونة، وإنه نام فيها وكاد أن يموت وهرب منها الساعة 2 صباحًا." فردّ عليه والدي: "تلك هي شقة ابني التي تركها." فأجاب الشيخ: "لن أذهب معه مهما كان."

بدأ الساكن الجديد بتجديد الشقة وتركها لمدة ثلاث سنوات دون أن يسكن فيها، وأخيرًا تزوج واستقر بها. ومنذ ذلك الحين، أصبحت الشقة حديث المدينة، وتعرض الساكن الجديد لحالة نفسية شديدة ما زال يعاني منها حتى الآن. انتهت علاقتي بالشقة، باستثناء يوم واحد من كل شهر أذهب فيه وأجلس تحت الغرفة التي كانت غرفة نومي، أشرب سيجارة أو اثنتين ثم أغادر. أحيانًا أنسى اليوم، ولكن فجأة أتذكره عندما أكون بالقرب من الشقة.

نعود الآن لشقتي الجديدة وما بها من أسرار. سبق أن ذكرت أن شقتي الجديدة في عمارة ليس حولها جيران. أمامها زراعات، ومن الجهة الشرقية قطعة أرض فضاء، ثم منزل محامٍ أعرفه جيدًا. أما من الجهة الغربية، فهناك شارع، ومن الناحية الجنوبية أرض فضاء كبيرة بها شجرة عملاقة.

كنت أتعامل مع صديقي مصطفى قليلًا بسبب انشغالي، لكنه كان يزورني من وقت لآخر. في إحدى الليالي، جاء مصطفى وقال إنه يريد قراءة شيء من الكتاب (الذي يحتوي على لقاءاتي مع الملكة وبعض الأدعية). كان الكتاب على الكمبيوتر، فدللته على مكانه. فتحنا الكتاب، وبدأ يقرأ بصوت عالٍ بينما كنت بجانبه. لدي عادة أن أغلق جميع أبواب الشقة، خاصة باب غرفة النوم، لأنني لم أكن أنام فيها بسبب ما أعلمه عن المراتب.

بينما كان مصطفى يقرأ، فجأة فتح باب غرفة النوم بقوة شديدة، وصدر صوت مدوٍ. أصابني رعب شديد، حتى أن جسدي اقشعر الآن وأنا أكتب. مصطفى، الذي لا يعرف الخوف عادة، أصيب أيضًا برعب شديد وبدأ يردد آيات القرآن، بينما أنا فقدت القدرة على الكلام. أصابتنا قشعريرة رهيبة. أغلقنا الكتاب على الفور، وأوقفنا الكمبيوتر. بعد مرور حوالي ربع ساعة، هدأنا قليلًا. توجهنا معًا للتحقق مما حدث، ووجدنا باب الغرفة مغلقًا كأن شيئًا لم يكن. لم نجرؤ على فتحه.

قررت في النهاية بيع غرفة النوم تلك بكل محتوياتها، فهي لم تعد ضرورية لي. في إحدى الليالي، جاء زوج أختي لزيارة والدي بعد إجراء عملية جراحية. بما أنه من بلدة بعيدة، اضطر للبقاء والمبيت. والدي عرض عليه النوم عندهم، لكنه أصرّ على المبيت عندي. رحبت به، وأعددت له غرفة النوم الرئيسية. فرشتها له ووضعت كل شيء في مكانه.

كنت متوترًا لأنني أعلم ما قد يحدث، ولكن تركته لينام فيها. حوالي منتصف الليل، قام وشكرني على ترتيب الغرفة. قلت له: "هل تترك الباب مفتوحًا أم أقفله؟" قال: "أغلقه." قمت بإغلاق الباب واطفأت النور، ثم ذهبت إلى غرفتي ونمت على سريري المفرد، لكنني كنت أراقب وأستمع لأي صوت. لم أسمع شيئًا، واستيقظت في الصباح كعادتي.

خرجت من غرفتي ورأيت باب غرفة النوم مغلقًا، فقلقت. كان الهدوء مخيفًا. تقدمت نحو الباب وفتحته ببطء شديد، وعندما فتحته...



إعدادات القراءة


لون الخلفية