الفصل الرابع عشر

غريبٌ جدًا أن هذا الشخص لا يذهب إلى منازل الناس أبدًا، بل يعمل من مكتبه فقط. ومع ذلك، جاء إليّ، وحاستي أخبرتني أن لديه شيئًا يخفيه، سرًا غامضًا في حياته لم يجد له تفسيرًا. بعد تناول الشاي والقهوة والترحيب، سألته: "أنت تمر بشيء يثقل عليك ولا تستطيع التحدث عنه، أليس كذلك؟"

نظر إليّ باستغراب شديد وقال: "كيف عرفت؟"

قررت أن أستغل هذا الفضول وقلت له: "الأمر الذي تعاني منه هو سر غامض في حياتك، وأنت عاجز عن فهمه، صحيح؟" فجأة سمّى بالله، واهتز جسمه وقال: "نعم، ولكن كيف عرفت؟"

قلت له: "لا تسأل الآن." ثم أضفت: "بالمناسبة، ما حدث لك بعد مغادرتك مكتبي بالأمس، مثل كذا وكذا، صحيح؟ هذا الأمر لا يعلمه إلا الله وأنت."


استغرب أكثر وقال: "اجلس، سأحكي لك كل شيء، لكن بشرط: أوعدني أن تخبرني كيف عرفت، وأنا أقسم بالله أني سأروي لك كل ما حدث."

أجبته: "أعدك." فقال: "إذن، كيف عرفت؟"

قلت له: "أنت حلفت بالله أن تحكي لي، وسأخبرك كيف عرفت. الأمر بسيط: أنا أعلم أنك لا تذهب إلى بيوت أحد، وعندما وافقت على المجيء إليّ، استغربت. واليوم جئت أنت بنفسك تعرض علي أن تزورني مرة أخرى. لاحظت أنك قليل الكلام ومهموم، وهذه العلامات كلها جعلتني أقول ما قلت."

ضحكت، ولكنه استمر بنظرة جادة وسألني: "ما رأيك في العوالم الماورائية والخوارق والجن؟"

قلت له: "ماذا تقصد؟"

قال: "منذ أن دخلت بيتك، شعرت بقشعريرة قوية وجسمي توتر بطريقة غريبة. بيتك فيه طاقة مغناطيسية عالية جدًا، ولكنني لم أرد أن أخيفك."

سألته: "وماذا لديك بعد ذلك؟"

بدأ يروي لي قصة غريبة جدًا، أقسم بأنها حقيقة ولا شك فيها. قال إن معه جنيّة تدعى "فاطمة" من قبيلة "الإزيوكس" في إحدى دول جنوب إفريقيا، وهي بمثابة أمه. لونها أسود وطويلة القامة، وقد رآها عدة مرات.

إحدى تلك المرات كانت يوم وفاة والدته. كان حينها في إحدى الدول العربية، واتصل به أخوه ليخبره بوفاة والدتهم. بعد أن سمع الخبر، أخذ سيارته وذهب إلى البيت، ثم نام على السرير وأخذ يبكي بشدة وهو ينظر إلى سقف الغرفة. فجأة، رأى فاطمة تخرج من الحائط وتجلس بجانبه. كانت تبكي معه وتهدئه حتى هدأ، ثم اختفت وعادت من حيث جاءت.

قال لي: "فاطمة لا تأتي لي إلا في الأوقات الصعبة أو في لحظات الفرح الشديد."

كانت هناك مرة أخرى دعتني فيها لحضور زفاف ابنتها، والتي اعتبرها أختي. في ذلك اليوم، بين النوم واليقظة، جاءت فاطمة لتأخذني معها. قال إنه شعر بأنه يسير معها على سور عالٍ مثل الأسوار الحربية، حتى وصلا إلى مكان يشبه الفيلا، لكنه كان منخفضًا في الأرض. هناك، رأى مخلوقات تشبه البشر، منهم الطويل جدًا ومنهم القصير جدًا، وكلهم سود البشرة لأنهم من جنوب إفريقيا. بنات فاطمة يتميزن بالطول والجمال الطبيعي.

ثم تقدم بعض هذه المخلوقات نحوه في محاولة لإيذائه، لكن فاطمة رفعت عصا غليظة في وجوههم وقالت لهم: "اتركوه، هذا من الإزيوكس." بعد ذلك، قدموا له شرابًا مشابهًا للشربات عندنا، وقضى وقتًا ممتعًا في الحفل، حيث سمع موسيقى غريبة لم يسمع مثلها في حياته، ورأى رقصات رائعة.

منذ ذلك الوقت، أصبح مصطفى صديقي المقرب. كنا نقضي معظم الوقت معًا، بينما أنا كنت مندمجًا في تعلم الكمبيوتر. أتقنته بشكل كبير، وبدأت استخدام الإنترنت، وأصبحت مدمناً عليه. بعد إغلاق المحل، لم يعد لديّ أي اهتمام بعملي. بدأت أهمل كل شيء، حتى أنني فقدت الشغف.

تعرفت على عالم الدردشة، واكتشفت أن هناك أشخاصًا يستخدمون كاميرات ليروا بعضهم عبر الإنترنت. قررت أن أشتري كاميرا لأشارك في هذا العالم الافتراضي. ذهبت إلى أحد أسواق الكمبيوتر، لكن عندما سألت عن ثمن الكاميرا، وجدتها غالية جدًا، حوالي 700 جنيه. لذا، قررت ألا أشتريها واعتبرت الأمر غير ضروري.

ومضت الأيام، واختفى الشيء الذي كان في الشقة تمامًا. لم يعد هناك طرق على الباب، كما كان قبل زواجي. أصبحت مكروهًا في عملي بسبب كثرة المشاكل مع رؤسائي وزملائي. باختصار، كنت إنسانًا تائهًا.

استمر هذا الحال طوال عامي 1998 و1999، حتى جاء شهر رمضان في عام 1999، وكان ذلك في أكتوبر تقريبًا. فجأة، جاءني استدعاء من رئيس الحي، الذي كان على خلاف كبير معي. كنت أشعر بالقلق الشديد، لأنني لا أتمالك أعصابي، وقد يحدث أي شيء في مكتبه.


دخلت إلى مكتبه، وفوجئت به يقف ليصافحني بحرارة ويرحب بي بشكل غير متوقع. ثم قال لي: "أريدك أن تأتي معي هذه الليلة، بعد الإفطار مباشرة، إلى مكتب رئيس هيئة الرقابة الإدارية."


عندما سمعت هذا، ارتجفت ساقاي. الرقابة الإدارية؟! هذه المؤسسة لا يذهب إليها سوى المتهمين بالجرائم والرشاوى، وغالبًا ما تكون نهايتهم السجن. ظن رئيس الحي أنني قد قدمت شكوى ضده، ولكنني لم أكن أفعل ذلك أبدًا. كنت أترك الله ليأخذ حقي.

قلت له: "خير يا ريس، أنا لم أذهب إلى هذه الجهة من قبل."
قال لي: "يا بني، إذا كنت ترى أي خطأ قد بدر مني أو من أحد هنا، فأخبرهم، لكن لا تظلم أحدًا." كانت نبرته حزينة وكأن الرجل على وشك البكاء.

أجبته: "إن شاء الله خير." وسلمت أمري لله.



إعدادات القراءة


لون الخلفية