الفصل الحادي عشر

بعد أن دخلنا الشقة عند عودتنا من عند حماتي ونحن متعشّين تماماً، وبسبب أن الأكل كان دسمًا بعض الشيء، قررنا أن نستريح قليلاً في الانتريه. كنت سعيداً للغاية؛ شعرت بالفرحة الكبيرة لأن الليلة مرت بسلام، لا أنا ولا زوجتي تعبنا. فَكَّرت في أن الليلة ستكون جميلة، خاصةً وأننا كلانا كنا بخير والحمد لله.

قلت لزوجتي: "قومي اعملي لنا اتنين شاي، لأن الأكل كان ثقيل." فقامت متثاقلة إلى المطبخ. لم ندخل غرفة النوم بعد... آه، وما أدراك ما غرفة النوم. المهم، حضرت الشاي، وجلست معي في الانتريه. فتحنا التلفاز لنشاهد شيئًا خفيفًا ونشرب الشاي، حتى يهضم الأكل قليلاً قبل أن نذهب للنوم.

أنهينا الشاي، وكانت الأمور تسير على ما يرام. قالت لي زوجتي: "أنا سأذهب لأغيّر ملابسي." قلت لها: "أوكِ." فقامت وذهبت إلى غرفة النوم، وإذا بها تصرخ صرخة جعلت الأكل يصعد إلى رأسي. بصراحة، كنت خائفاً أن أقوم من مكاني، لكنني اضطررت للذهاب لرؤية ما حدث.

وجدتها واقفة مذعورة في الغرفة وتبكي بشدة. لماذا؟! أوه، على فكرة، نسيت أن أوصف لكم غرفة النوم. الغرفة كبيرة، وفي منتصفها السرير. على يسار السرير تسريحة الزينة وهي عبارة عن مرايا كبيرة، وعلى يمين السرير يوجد دولاب كبير بواجهة مغطاة بالمرايا. أمام السرير توجد قطعة أثاث صغيرة اسمها السكرتارية، وضعت عليها كاسيت كبير لزوم الموسيقى الهادئة، لإضافة جو شاعري إلى الغرفة، الذي لم يكن ليحدث أبداً في هذا المكان.

عندما دخلت الغرفة، وجدت التسريحة والدولاب، وكلاهما من المرايا، مغطاة بكميات كبيرة من الماء، كأن شخصًا ما أحضر برميل ماء وسكبه عليها بعنف. حتى الأرض كانت غارقة في الماء نتيجة سقوط الماء من المرايا.

"الله! إيه ده؟!" وزوجتي تبكي بحرقة وتقول لي: "أنا لازم أروح لأمي حالاً، مش هاقعد في الشقة دي دقيقة واحدة تاني!"

فكرت في سري: "يا واد، بيتك هايتخرب وانت لسة ما كملتش كام شهر!" قلت لها: "تعالي بس أفهمك... كنت مفكرك شوفتي عفريت ولا جن، الله يخرب بيتك، مش عارفة إيه المياه دي؟ طيب تعالي برة في الانتريه نتكلم."

لكنها كانت مُصرّة على الخروج. صرخت في وجهها لكي تصمت وتسمع ما سأقول، وقلت لها إن لم تقتنع، فلن أمانع في مغادرتها. جلست على مضض تنتظر ما سأقول.

قلت لها: "سأقوم بعمل ليمون لنا، أعتقد أن هذا سيهدئك قليلاً." بصراحة، كنت بحاجة إلى الوقت لأفكر فيما سأقوله.

وأثناء وجودي في المطبخ، جاءتني فكرة رهيبة...

رجعت لها بالليمون، شربنا، وبدأت أشعر بالهدوء. قلت لها: "إنتي إنسانة متعلمة ومدرسة، يعني مربية أجيال، عيب عليك إنك تصدقي الخرافات دي. كل شيء في الدنيا له تفسير."

قالت لي: "طيب، فسّر لي اللي شوفته بعيني." قلت لها: "بس كده؟ حاضر. لكن لو معرفتيش التفسير بنفسك، أنا هاكون زعلان جداً، لأن ده معناه إني اتجوزت واحدة متخلفة."

قالت لي: "معليش، نصيبك كده، قولي التفسير يا إما توصلني لأمي."

قلت لها: "إحنا في الشتاء، والمطبخ جنب غرفة النوم بالظبط. أي بخار أو دخان هيطلع من المطبخ هيتجه مباشرةً لغرفة النوم." طبعاً، كلامي كله هجص، وأنا بحاول أخدعها بأي تفسير ممكن، لأن المطبخ أصلاً فيه شباك كبير ومروحة تهوية، يعني الكلام اللي بقوله لا يمت للواقع بصلة.

أكملت حديثي وقلت لها: "وده شيء طبيعي في الشتاء، البخار اللي طلع من براد الشاي وهو على النار، اتكثف على المرايات، فتحول إلى مياه."

ضحكت بسخرية وقالت لي: "شوية الدخان دول يعملوا كده؟" قلت لها: "والله أنا حزين إني بسمع الكلام ده من مدرسة فاهمة وعارفة."

ثم قلت لها: "يلا، بلاش دلع. نقوم نمسح المرايات والأرض. أنا هابدأ بنفسي قدامك."

ذهبت إلى غرفة النوم، وغيرت ملابسي، وبدأت في تنظيف المرايات والأرض وهي معي. كنت أغني لها أغنية من تأليفي، كلماتها عبارة عن طلب من الغرفة بلاش يضايقنا، وكأننا نخاطب المكان نفسه. والبنت كانت تضحك من قلبها. ولكن والله، أنا كنت مرعوباً من الداخل بشكل لا يعلمه إلا الله.

وانتهت الليلة على خير، مثل كل ليلة رعب قبلها: نوم مليء بالخوف والقلق.

مرت الأيام بشكل طبيعي، ثم قررنا أن نغير الجو ونخرج ليوم كامل بعيداً عن الشقة لنتنفس قليلاً.

خرجنا في يوم مبكر من الصباح، وزرنا بعض الأولياء الصالحين، ثم اشترينا الفطور وفطرنا. بعد ذلك، ذهبنا إلى حديقة الحيوانات بالجيزة، وتجولنا فيها قليلاً. وعندما وصلنا إلى منطقة فرس النهر، وجدناه في الماء، والحارس كان يلقي له حزم البرسيم. كان الحيوان يلتقط البرسيم بفمه الكبير، ومنظره كان كوميدياً للغاية. فمه كبير جداً، ورأسه تزن حوالي طن.

أنا كنت واقف مبتسماً من المنظر المضحك، ثم نظرت إلى زوجتي لأجدها تنظر لي نظرة غريبة، وكأنها تريد افتراسي. استغربت تصرفها وسألتها: "في إيه؟" قالت لي: "إنت بتبتسم لمين؟" قلت لها: "على المنظر الكوميدي ده."

قالت لي: "يعني مش للحلوة اللي واقفة قدامك؟" نظرت إلى الأمام، وفعلاً وجدت امرأة بوجه ملائكي تبتسم لي. والله العظيم، هذا الوجه رأيته من قبل... ليلة الدخلة، صاحبة العيون الزرقاء. هل تتذكرون؟ أم أنكم نسيتم؟ إذا نسيتم، ارجعوا للجزء اللي فات.

بصراحة، ارتبكت وقلت لزوجتي: "يلا بينا نمشي من هنا." غافلتها ونظرت خلفي، فوجدت المرأة تدير رأسها وتنظر لي بحسرة، وكأنها حزينة على مغادرتي.

كان الله في عوني، عقلي مشوش والله، ولا أعرف كيف أتصرف.

حاولت الهزار مع زوجتي، لكن لم يكن هناك فائدة. كانت غاضبة وأقسمت لها أنني لا أعرف هذه المرأة، ولكن برضو مفيش فايدة.

قلت لها: "بذمتك، الحلوة اللي واقفة دي كانت تبص لي أنا؟"

مرت اللحظة بسلام، وخرجنا من حديقة الحيوانات. بعد ذلك، ذهبنا لزيارة بعض الأماكن القديمة في القاهرة مثل الأزهر والحسين، ثم حان وقت العودة للشقة.

وأنا في الطريق، سلمت أمري لله. بصراحة، شعرت أنني تعبت جداً. كل يوم حكاية ورواية، ولا يبدو أن هذه القصة ستنتهي أبداً. كل إنسان له طاقة، وأنا الآن أعيش في عالم غريب لا أعرف كيف أتصرف فيه. كما قال صديقي "بيدو"، لو حكيت لحد ما يحدث معي، سيقولون إنني مجنون أو أبله.

إذاً، لابد أن أتحمل للنهاية. وأدركت أن النهاية قريبة جداً، وأنني لن أستمر في العيش مع زوجتي طويلاً، ولن أتمكن من بناء حياة معها. حزنت جداً على نصيبي، فقد كلفني الزواج كل ما أملك، وأهلكني العمل في التجارة. فوضت أمري لله.

وكل هذا وأنا في الطريق عائدًا إلى الشقة. سألتني زوجتي: "سرحان في إيه؟ في البنت بتاعة الجنينة صح؟"
أجبتها: "خلاص، بلاش تهريج. دماغي مش رايقة لخزعبلاتك دي."

وصلنا إلى البيت، وصعدنا للشقة، حيث لا مفر. لكن لابد من المواجهة، فقد تعبت من كل ما يحدث. لا أريد أن أبهدل حياتي، ولا أريد أن أعرض زوجتي لهذا الوضع أكثر.

وقفت أمام باب الشقة، وضعت المفتاح في الباب...



إعدادات القراءة


لون الخلفية