بالرغم من حالة الإعياء التي كنت أشعر بها، فقد خرجت من مكتبي وأنا أجرّ قدمي مثل شخص مشلول، وقلت في نفسي: "هذه هي النهاية، لا شك أن أحدهم قد اشتكاني، الله يستر." توجهت إلى منزل والديّ وطلبت منهما الدعاء لي، فقد كنت خائفًا جدًا. لم أفطر في ذلك اليوم ولم أشعر برغبة في تناول الطعام، بل اكتفيت بتدخين السجائر. خرجت في وقت الإفطار دون أن أتناول أي شيء، فقط أتدخن السجائر، ثم اتجهت نحو هيئة الرقابة الإدارية، وهي تبعد عن مكان إقامتي مسافة كبيرة. خرجت مبكرًا حتى أتمكن من الوصول في الوقت المحدد تمامًا عند الساعة السابعة.
وصلت هناك حوالي الساعة 6:30 مساءً، لأنني كنت أعلم أن هذه الهيئة تتسم بالالتزام الشديد بالمواعيد. بدأت أتمشى حول المبنى في المنطقة المجاورة حتى اقتربت الساعة 6:50 دقيقة. وقفت أمام المبنى وأنا أرتجف، لم أستطع حتى إغلاق سيارتي بالمفتاح من شدة رعشة يدي.
دخلت المبنى الضخم والشعور بالخوف ازداد مع رؤية الحراسة الأمنية المشددة. كان الدخول ممنوعًا لأي شخص دون دعوة من أحد الضباط. استوقفني الحراس وسألوني إلى أين أذهب. حاولت أن أتحدث، لكن الكلمات لم تكن تخرج بسهولة من فمي. أخبرتهم أن اللواء قد أرسل في طلبي. سألوني عن هويتي وطرحوا علي العديد من الأسئلة، وبعد ذلك أعطوني بطاقة زائر وطلبوا مني الانتظار في قاعة الانتظار حتى يصل المسؤول.
جلست في قاعة الانتظار الفخمة، والصداع يزداد بسبب الجوع والخوف. شعرت أن ضغطي يرتفع، وأن رأسي على وشك الانفجار. بعد قليل، جاء عسكري يحمل كأسًا من الشاي، أخذت الكأس وأنا أشعر ببعض الراحة لاحتسائي الشاي، لكن الرعب ظل يسيطر علي.
الساعة كانت قد تجاوزت الثامنة مساءً، ولم يحدث أي شيء. شعرت بالخوف من الخروج والسؤال عن وصول المسؤول. استمر الانتظار حتى الساعة التاسعة مساءً، والتوتر أصبح لا يحتمل. فجأة، سمعت أصواتًا وصخبًا من الحراس الذين كانوا يؤدون التحية العسكرية، ثم دخل رجل طويل القامة وذو مظهر مهيب، يرافقه أربعة جنود، اثنان أمامه واثنان خلفه يحملون أغراضه. مر بجانبي ونظر إليّ بطرف عينه نظرة جعلتني أشعر كأن الموت قد اقترب مني.
انتظرت نصف ساعة أخرى ولم يحدث شيء. أخيرًا، جاء العسكري ليأخذ كوب الشاي، فتشجعت وسألته: "هل وصل الباشا؟" أجابني: "نعم، انتظر قليلًا."
بعد فترة، جاء عسكري آخر وطلب مني مرافقته. أخذني إلى المصعد، وأدخلني فيه مع حارس آخر. صعدنا إلى الطابق السابع في صمت تام. عندما وصلنا، سلمني إلى عسكري آخر، وأخذني في ممر طويل حتى وصلنا إلى مكتب مفتوح. طلب مني الوقوف بعيدًا عن الباب قليلاً حتى يتم استدعائي.
دخل العسكري إلى المكتب وخبط بقدمه بقوة، ثم أدّى التحية العسكرية وقال: "تمام يا فندم، المطلوب وصل."
أُذِن لي بالدخول، ووجدت أمامي رجلًا ضخم البنية، مدّ يده ليصافحني وقال: "تفضل اجلس."
جلست وأنا مرعوب. سألني: "تشرب شيئًا يا باشمهندس؟" بالكاد تمكنت من الرد، وقلت: "لا شكرًا، يا فندم، لقد شربت شايًا منذ قليل." نظرت إلى مكتبه، فرأيت أربع علب سجائر بأنواع مختلفة، فقال لي: "تفضل سيجارة، اختر النوع الذي تحبه." اعتذرت مرة أخرى، وقلت: "لا أدخن، يا فندم." بالطبع كنت أكذب، فأنا لست هنا في جلسة ودية.
أخذ هو سيجارة من علبة "ميريت" وأشعلها، ثم قال لي: "كيف حالك؟ هل الأمور بخير؟" أجبته: "الحمد لله، يا فندم."
بعدها بدأ الحديث الجاد، فقال لي: "لننتقل إلى الموضوع." وأشار إلى كومة من الملفات على مكتبه، بعضها موضوع في أكياس قماش. قال: "هذه ملفات جميع المهندسين في الحي، وكلها مخزية جدًا. توجد ملفات تحتوي على أكثر من ألف ورقة مليئة بالجزاءات."
كنت صامتًا تمامًا، لم أجرؤ على الرد. ثم قال: "لكن، ملفك أنت وحده نظيف."
عند هذه اللحظة، شعرت بأن روحي بدأت تعود إلي، بعد أن كانت على وشك المغادرة إلى الأبد. ثم أكمل قائلاً: "السيد المحافظ طلب منا ترشيح مديرين عموم للأحياء، واخترتك لتكون مديرًا لحي آخر."
أجبته: "ولكن يا فندم، هذا الحي بعيد عني ولا أعرف أحدًا هناك." فردّ: "لهذا السبب اخترتك لهذا الحي، فهو مليء بالمشاكل، وأنا واثق أنك قادر على التعامل معها."
قلت له: "تحت أمرك، يا فندم." فمدّ يده وأعطاني الملف وقال: "مبروك، يا باشمهندس، وإذا واجهتك أي مشاكل في الحي الجديد، لا تتردد في الاتصال بي."
شكرته وغادرت المكتب وأنا في حالة من السعادة لا توصف. كأن عبئًا كبيرًا قد أزيح عن كاهلي. شعرت بأن الدنيا ما زالت تحمل بعض الخير، وأن الله راضٍ عني.
في اليوم التالي، ذهبت إلى عملي ومعي ملفي لتسليمه لشؤون العاملين. وعندما وصل رئيس الحي إلى مكتبه، استدعاني على الفور. كان من الواضح أنه لم ينم طوال الليل. دخلت مكتبه وسألني: "هل ذهبت أمس إلى الرقابة الإدارية؟" فأجبته: "نعم." سألني: "ماذا أراد منك اللواء؟"
أجبته بهدوء: "كان يسأل عن ملف أحد المهندسين الذي يحتوي على العديد من الجزاءات." ابتسم وقال لي: "وماذا قلت له؟" فأجبته: "أنا لا أتكلم عن أحد بخير أو شر في مثل هذه الأماكن." بدا عليه الرضا وقال: "أحسنت، ولكن لا تخبر أحدًا بما حدث هناك."
مر شهران ولم يصدر القرار بعد. بدأت أشك أن شيئًا ما قد تغير، وربما جاؤوا بشخص آخر، فأنا لا أملك واسطة سوى الله. لكن في الأول من يناير عام 2000، وأنا في مكتبي، جاءني مدير مكتب رئيس الحي ليقول: "مبروك يا باشمهندس، لقد صدر قرار ترقيتك."
ضحكت وقلت له: "أنا أعلم." تفاجأ وسألني: "كيف علمت؟ الفاكس وصل للتو." قلت له: "دعك من هذا."
استلمت عملي الجديد في الحي الآخر، وتغيرت حياتي للأفضل. أصبح لي مكانة جيدة مع المسؤولين والشخصيات العامة والفنانين. كنت أشعر أن يد الله تساندني دائمًا، وأصبح العمل الهندسي متاحًا لي بكثرة. بدأت أوكل بعضه إلى المكاتب الاستشارية في المدينة، وكل شيء كان يسير على ما يرام. بدأت أشعر أنني لم أظلم زوجتي، وبدأ إحساسي بالذنب يتلاشى تدريجيًا، وتمنيت لها السعادة في حياتها الجديدة.