بعد أن تم تحديد الموعد مع صاحبة العمارة لرؤية الشقة الجديدة، أخذت العنوان منها وتوجهت في الميعاد المحدد إلى العنوان المذكور. وجدت العمارة تتكون من خمسة أدوار: دور أرضي وأربعة أدوار علوية. لم تكن هناك أي مبانٍ محيطة بها، إذ كانت العمارة في منطقة بعيدة عن المدينة، والزراعات تحيط بها من كل جهة، مما جعلها تبدو كالشبح القائم وحده وسط الأراضي الزراعية. أنا بطبيعتي أحب الهدوء والابتعاد عن ضوضاء المدينة، فشعرت بأن هذا المكان يناسبني. كان هناك ممر ترابي ضيق يصل إلى العمارة، وكانت المساحات الواسعة أمامها تضفي على المشهد جمالًا.
عندما وصلت إلى العمارة، كانت صاحبة العمارة بانتظاري ومعها امرأة أخرى، والتي عرفت لاحقًا أنها أختها. سلمت عليهما وتبادلت الحديث معهما، ثم عرفت أن أختها تسكن في الدور الأرضي. أثارني هذا الأمر لأن العمارة ملكهما، وكان غريبًا أن تختار الأخت السكن في الدور الأرضي الصغير، مع أن الأدوار العلوية أوسع وأفضل. لكنني لم أعطِ الأمر أهمية كبيرة.
طلعت معهما إلى الشقة بالدور الأول العلوي، ووجدتها شقة كبيرة ومشرقة. كانت مكونة من أربع غرف، وصالة واسعة، ومطبخ كبير، وحمام بتشطيبات فاخرة. أعجبتني الشقة جدًا، ورغم أنها كانت متروكة لفترة طويلة ولم يسكنها أحد، إلا أنني شعرت بأنها ستكون مكانًا جيدًا للعيش. طرحت عليهم السؤال الذي دار في ذهني: لماذا لم تسكن أخت صاحبة العمارة في هذه الشقة الواسعة وفضلت السكن في الشقة الصغيرة بالدور الأرضي؟ فأجابتا بأنهما يخططان لتأجيرها حتى يتزوج ابنها ويسكن فيها، رغم أن الطفل لم يكن يتجاوز عمره الأربع سنوات!
بعد الحديث، اتفقت مع صاحبة العمارة على الإيجار، واتفقنا على مدة ثلاث سنوات. وعدتني بأنها ستجهز الشقة على أكمل وجه، وأعطتني مفاتيح الشقة مع مفتاح العمارة والسطح. بعد أن تم الاتفاق، عدت إلى شقتي القديمة وبدأت بفك الأثاث تمهيدًا للانتقال إلى الشقة الجديدة.
في تلك الليلة الأخيرة بشقتي القديمة، حدث أمر غريب. بينما كنت نائمًا، سمعت أصواتًا غريبة قادمة من الغرفة التي كانت الملكة تقيم بها، وهي غرفة تعتبر كمحراب لعبادتها. بدت الأصوات وكأنها تأتي من عالم آخر، فشعرت بأنني في حلم، لكن الواقع كان شديد الوضوح. ذهبت إلى الغرفة لأتفحص مصدر الأصوات، فوجدت الملكة جالسة على الأرض تبكي بحرقة وكأنها فقدت أحد أفراد عائلتها. سألتها عن سبب بكائها، فأجابت: "لماذا ستتركنا؟ ماذا فعلنا لك لتفعل هذا بنا؟"
أدركت أنها حزينة بسبب قراري ترك الشقة. حاولت تهدئتها وأخبرتها بأنني لم أتركهم لأنني أكرههم، بل لأنني شعرت أن وجودي يزعجهم، وأنني أردت منحهم الحرية والراحة في الشقة. لكن بمجرد خروجي من الغرفة، بدأت أصوات الصراخ تعلو من جميع أركان الغرفة، وسمعت أصوات نحيب كالقطط. شعرت بأنهم يحاولون منعني من المغادرة، لكنني تمكنت من الإفلات واستيقظت فجأة.
اتصلت بزميل لي ليساعدني في نقل باقي الأثاث إلى الشقة الجديدة. تم نقل كل شيء بنجاح، وذهبت لاحقًا إلى مالك شقتي القديمة، وهو طبيب صيدلي، وأعطيته مفاتيح الشقة القديمة والمحلات. شكرته على حسن ضيافته طوال السنين الماضية، واعتذرت له عن ترك الشقة بسبب سفري خارج البلاد.
بدأت في ترتيب شقتي الجديدة، خصصت غرفًا للأثاث وأخرى للعمل، ووضعت جهاز الكمبيوتر والمكتب في إحدى الغرف. في تلك الفترة، ارتفع نجمي في مجال عملي وأصبحت أتعامل مباشرة مع كبار المسؤولين. حضرت جلسات مجلس الشعب بالنيابة عن قيادتي العليا، وجلست مع وزراء ومحافظين مصر.
لكن، رغم النجاح الكبير، كنت دائمًا أخشى أن يأتي اليوم الذي ينحدر فيه كل شيء فجأة ودون سابق إنذار...