سارت الأمور عادية جداً حتى جاء يوم من الأيام في عام 1997، حين زار مكتبي دكتور في إحدى الجامعات المصرية، متخصص في اللغة العربية، لإنهاء بعض الإجراءات المتعلقة بعمارة حديثة تخصه. بعد أن أتممت له الخدمة على أكمل وجه، سألني: "أنت متزوج يا مهندس؟" فأجبته: "لا والله، لسه ما حصلش نصيب، عندك عروسة؟" فرد قائلاً: "إن شاء الله، زواجك سيكون على يدي."
بعد حوالي أسبوع، اتصل بي ليبلغني أنه يعرف زميلة له في الجامعة، وهي بدورها تعرف عروساً تعمل مدرسة، وتتميز بالجمال والأدب. قلت له: "مفيش مشكلة، يا دكتور، حدد الموعد، وأنا ووالدي سنأتي."
وبعد ذلك، اتصل بي مرة أخرى وحدد لي الموعد. أخبرت والدي، وذهبنا في الموعد المحدد إلى الجامعة، حيث التقى بنا الدكتور وزميلته التي اصطحبتنا إلى منزل العروسة.
ذهبنا إلى الشقة التي كانت في أحد المساكن الشعبية بالدور الأرضي. دخلنا، وكان في استقبالنا أم العروسة فقط، وكانت سيدة كبيرة في السن ترتدي نظارة ذات عدسات سميكة، وكان مظهرها يذكرني بشيء من الشخصيات الشريرة في الأفلام، رغم أنني لم أرَ الساحرة الشريرة من قبل، لكن هذا كان شعوري.
جلست أم العروسة تتحدث مع والدي، وبدأوا في استعادة ذكريات من الماضي وكأنني غير موجود. جلست متململاً، غير قادر على تحمل هذا الموقف، وفكرت في نفسي: "ماذا نفعل هنا؟ لماذا نحن جالسون هكذا دون أن نرى العروس؟"
أخيراً، قلت: "يا حاجة، هل العروسة ليست موجودة؟ إذا لم تكن موجودة، يمكننا أن نعود مرة أخرى." كان هذا بعد حوالي ساعة من جلوسنا. أجابتني: "لا يا بني، العروسة جوا بتلبس." فكرت في نفسي: "تلبس؟ منذ ساعة ونحن هنا، أليس لديهم علم بأننا سنأتي؟ بالتأكيد كانت تتحضر منذ يومين."
وبعد لحظات، دخلت العروسة وسلمت علينا وجلست. بدأ الحديث الثلاثي بينها وبين والدها ووالدي، بينما أنا بقيت متفرجاً، ولم أفتح فمي بكلمة واحدة. كانت العروسة متحدثة بارعة وأعجبت والدي بكلامها.
خرجنا من اللقاء على أمل أن يعطوا رأيهم، ونحن أيضاً نشاور أنفسنا. بصراحة، لم أكن مرتاحاً، رغم أن الفتاة كانت جميلة وجيدة، لكن كان هناك شيء يضغط على صدري.
في طريق العودة، سألني والدي: "ما رأيك؟" فأجبته: "في ماذا؟" فقال: "في العروسة." قلت له: "بصراحة، أفضل أن أقول رأيي في النهاية، حتى إذا رفضوني، أستطيع أن أقول إني كنت سأرفضها." فقال: "حسناً، ننتظر رأيهم."
بعد يومين، رن هاتف المحل، وكان المتصلة أم العروسة تسأل عن والدي. أخبرتها أنه في البيت، وأعطيتها رقم هاتفه، ثم أغلقت المكالمة. بعد حوالي عشر دقائق، اتصل بي والدي ليقول: "مبروك، يا عم، الناس وافقوا عليك." فقلت له: "وما رأيك أنت؟" فقال: "يا بني، توكل على الله، فلننهي الأمر سريعاً قبل أن تحدث أي مشاكل."
قلت له: "أوكي، على بركة الله."
بصراحة، قلت لنفسي: "أهو زواج وخلاص، لنتخلص من ضغط العائلة المستمر."
ثم اتصلت بي أم العروسة مرة أخرى، وطلبت مني زيارتهم، ولكن هذه المرة لوحدي لأتحدث مع العروسة ونرى إذا كانت هناك ميول مشتركة بيننا. قلت لها: "حاضر، عيني الاثنين، لكن دعينا نحدد الموعد ليوم الخميس القادم إن شاء الله."
قالت: "لماذا الخميس، يا بني، إنه بعيد جداً؟"
أجبتها: "عذراً، لكنني سأكون في دورة تدريبية خارج القاهرة، والإقامة هناك ستكون كاملة حتى يوم الخميس."
فقالت: "حسناً، يا بني، نحن بانتظارك إن شاء الله."
فأجبتها: "إن شاء الله، سأكون عندكم يوم الخميس الساعة الخامسة مساءً."
بعد ذلك، ذهبت إلى الدورة التدريبية، وأتممتها، وعدت يوم الأربعاء. قررت أن أرتاح ليوم كامل قبل الذهاب إليهم...
في اليوم التالي، تعطلت سيارتي بشكل غير متوقع، ولم يكن بالإمكان تشغيلها على الإطلاق، رغم أنني تأكدت من عدم وجود أي عطل ظاهر فيها. تساءلت: "ماذا أفعل الآن في هذا الموقف؟" كنت أحترم المواعيد كثيراً، لذلك قررت ألا أضيع الوقت وذهبت بالمواصلات العامة. كانت المدينة التي يقطنون فيها تبعد عني حوالي 25 كيلومتراً، فنزلت من الميكروباص واشتريت بعض الفاكهة والحاجات البسيطة التي كنت أحملها معي.
ثم فوجئت بمشكلة أخرى... لقد نسيت الطريق تماماً، ولم أكن أذكر اسم الحي الذي يسكنون فيه! بدأت أتجول في المدينة، غير قادر على تحديد الاتجاه الصحيح. كنت أعلم طريق البيت بالسيارة، ولكن الآن وأنا على قدميَّ، ضاعت مني السكة تماماً.
تذكرت أخيراً أن منزلهم يقع بالقرب من سجن، ولكن أي سجن؟ لا أعرف. قابلت أحد المارة وسألته: "هل هناك أكثر من سجن في هذه المدينة؟" فأجابني: "لا، لدينا سجن عمومي واحد." فسألته: "كيف أصل إليه؟" فوصف لي الطريق، وكان من الواضح أنه شفق عليَّ، ربما كان يظن أنني ذاهب لزيارة أحد المساجين بسبب ما كنت أحمله.
قبل أن يغادر، قال لي: "ربنا يفك كربته!"
ضحكت في نفسي وقلت: "فال سيئ، ولكن يلا نروح وخلاص."
استغرقني الأمر حوالي ساعة ونصف للوصول إلى المنزل بعد الموعد المحدد. طرقت الباب، ففتحت لي أم العروسة، وكان وجهها مكفهراً، وكأنها تستعد لافتراسي. سلمت عليها وعلى العروسة، وكان هناك عدد من إخوتها البنات يجلسون معنا ليروا العريس المنتظر.
جلسنا وتحدثنا في كل التفاصيل، إذ إن والدي كان قد اشترط أن يتم الزواج في غضون شهر واحد فقط، وأنا وافقت وصممت على ذلك. وافقت أم العروسة على مضض، لكن نظراتها لم تكن مريحة على الإطلاق.
سألتها: "إن شاء الله الخميس القادم نشتري الشبكة، هل توافقين؟"
قالت: "موافقة، يا بني، خلاص."
أكملنا الجلسة وغادرت، وأبلغت والدي والعائلة أن موعد شراء الشبكة قد تحدد، وأنهم بانتظارنا يوم الخميس.
في اليوم المحدد لشراء الشبكة، ذهبنا أنا والعائلة بأكملها إلى بيت العروسة. جلسنا وتحدثنا قليلاً، ثم قال والدي: "يلا بنا نذهب لشراء الشبكة قبل أن تغلق المحلات."
فجأة، انتفضت أم العروسة وكأنها تعرضت لعضة من ثعبان كوبرا، وقالت: "شبكة إيه يا حاج؟ مين اللي اتفق معاكم على كدة؟"
صُدمنا جميعاً. والدي قال لها: "المهندس اتفق معكِ على هذا، أليس كذلك؟"
فقالت: "لا، طبعاً، أنا لم أوافق على شيء."
كنت مذهولاً تماماً، ولم أفهم ما الذي يحدث. كنت أشعر بالحرج الشديد أمام عائلتي، خاصة أن الأمر بدا وكأنه فضيحة.
ثار والدي، ووقف غاضباً وقال: "هذا كلام فارغ، هو لعب عيال ولا إيه؟" غادرنا المكان، وأقسمت له أنني اتفقت معها على كل شيء مسبقاً. قال لي: "ولا يهمك، بكرة أجيب لك ست الستات." وقررنا صرف النظر عن الموضوع.
بعد يومين، رن تليفون المحل بجواري، وكانت أم العروسة هي المتصلة. سألتها: "نعم، من معي؟" فقالت: "أنا أم...!"
قلت لها: "خير؟"
قالت: "يا بني، لماذا زعلتم؟ أليس الكلام أخذ وعطاء؟"
فأجبتها: "سأسألك سؤالاً واحداً فقط... هل كنت متفقة معكِ على كدة أم لا؟"
قالت: "نعم، يا بني، لكنني لا أملك ولداً ولا رجلاً ليساعدني في طلبات العروسة."
فقلت لها: "أنا ابنك يا حاجة، وما تقصرين فيه أنا سداد."
المهم، تحدد موعد جديد لشراء الشبكة.
صدقوني، لن تصدقوا ما حدث في هذا اليوم...
كان الموعد المحدد الساعة الخامسة مساءً. نزلت في الصباح كالمعتاد وفتحت المحل، وفجأة، حوالي الساعة الواحدة ظهراً، إذا بذاكرتكم قوية قليلاً ستتذكرون يومًا في مارس 1997، حيث هبت عاصفة رملية رهيبة، لم أرَ مثلها في حياتي، وانقلب الجو تماماً إلى ما يشبه الإعصار، وأصبحت الرؤية منعدمة تماماً. أغلقت المحل وصعدت إلى الشقة استعداداً للذهاب إلى الفرح، ولكن الجو لم يهدأ على الإطلاق، وحدثت انهيارات منازل واقتلاع أشجار من جذورها واندلاع حرائق في بعض القرى.
أقسم بالله، كما أقول لكم. كانت الرياح تدفع الناس بقوة، لدرجة أنه يمكن أن ترفعهم عن الأرض. جاءت الساعة الخامسة، وما زال الجو عنيفاً جداً. اتصلت بوالدي وقلت له: "لن أتمكن من المجيء في هذا الجو، ماذا نفعل بشأن الموعد؟" فقال لي: "سأتصل بأم العروسة ونعتذر ونؤجل الموعد." قلت له: "ماشي."
اتصل بي والدي مرة أخرى وقال: "تعالَ يا بني، ربما يهدأ الجو، الناس بانتظارنا، نذهب في أي وقت." قلت له: "حاضر، أنا قادم."
نزلت إلى الشارع حوالي الساعة 5:30 مساءً، ووجدت نفسي أركض بسرعة رهيبة، والرمال تدخل في فمي وعيني وجسمي، وعانيت كثيراً حتى وصلت إلى بيت والدي. جاء أخي وبقية العائلة، وقررنا الانتظار حتى يهدأ الجو.
وبالفعل، هدأ الجو حوالي الساعة السابعة مساءً. تحركنا وذهبنا إلى بيت العروسة، وتمت الخطبة وتناولنا العشاء، ثم غادرت عائلتي، وبقيت أنا مع العروسة حتى منتصف الليل.
بعد ذلك عدت إلى شقتي الحبيبة، فرحاً ومبسوطاً. أخذت دشاً واستعددت للنوم في الغرفة التي أحبها.
يا ليتني لم أنم...
حوالي الساعة الثالثة فجراً، وجدت امرأة سمينة جداً وسوداء مثل الفحم تحتضنني من ظهري، ومن أمامي كان هناك رجل قصير ذو مظهر قبيح ورائحة قذرة يحتضنني بقوة. كنت أصرخ بصوت عالٍ، شعرت وكأنني أتعرض لعصر رهيب، وكأنهم سيقتلونني.
أصرخ وأصرخ، حتى استيقظت وجلست، وفتحت عيناي، ولكنهم لم يتركوني. لم أتمكن من النطق باسم الله، وكلما حاولت لا أستطيع.
فجأة، شعرت وكأن جسدي قُذف على الأرض بقوة، كما لو أن أحدهم دفعني. قمت مسرعاً، أضأت الأنوار، وجسمي كله كان يشعر بقشعريرة رهيبة.
ركضت إلى الحمام وغسلت رأسي بالماء، ثم عدت إلى الغرفة. عندما اقتربت من باب الغرفة، شعرت وكأن رأسي يصدر طقطقة دون سبب واضح.
خفت في تلك الليلة خوفاً لم أشعر به طوال حياتي.
قلت في نفسي: "إلى أين أذهب الآن والساعة 3:30 صباحاً؟"
أخذت علبة السجائر والولاعة وخرجت إلى البلكونة. ذهبت إلى نهاية البلكونة، التي كانت طويلة بطول الشقة، وجلست على الأرض أدخن سيجارة تلو الأخرى حتى انتهيت من نصف العلبة. شعرت بالبرد القارس، فقلت: "كفاية، يا واد، ادخل ونام، بكرة يحلها الحلال."
لكن ما إن اقتربت من باب البلكونة حتى شعرت وكأن رأسي يقف مثل المسامير.
قررت البقاء في البلكونة حتى الصباح. جلست على الأرض حتى أتى نور الصباح. عندها دخلت الغرفة، لبست وذهبت إلى عملي.
أخذت قراراً بألا أنام في هذه الشقة مرة أخرى حتى أتزوج.
وبالفعل، لم أنم في الشقة حتى تزوجت. تم الفرح في موعده، وبعد أن جهزت الشقة بأعلى مستوى. بحكم عملي، قمت بعمل ديكورات داخلية رائعة للشقة، حتى أصبحت كأنها قصر وليس مجرد شقة. كانت مليئة بالكماليات والأساسيات، وكنت أقول لنفسي: "هذه الشقة للعيش مدى الحياة."
وجاءت ليلة الدخلة...
هل أنتم جاهزون لبداية الرعب الحقيقي؟