أخيراً تحدث والد المحامي قائلاً: "كان هناك رجل منذ حوالي 40 عامًا يملك الأرض الزراعية التي تراها أمامك. كان الرجل طويلًا وعريضًا، وكان مزارعًا يعمل في هذه الأرض، لكنه كان شخصًا شديد الغضب وصعب التعامل. إذا أغضبه أحد، كان يأتي به إلى هذه الأرض ويقتله، ثم يدفنه في عمق كبير تحت العمارة التي أنت فيها الآن." شعرت بصدمة وقلت له: "يا إلهي، ولماذا الشقة في الدور الثاني بالتحديد هي الملعونة بينما باقي الشقق لا تعاني من أي شيء؟" فأجاب: "والله يا بني، لا أعرف. أنا أخبرتك بما أعلمه فقط." فسألته: "كم عدد الأشخاص الذين قتلهم؟" فقال: "أعرف أنه قتل ثلاثة أشخاص، والباقي الله وحده يعلم."
بعد هذا الحديث، شعرت بالخوف والقلق، وبدأت أتساءل لماذا هذه الشقة بالتحديد هي التي تتعرض للعنة. على الرغم من كل ذلك، قررت ترك الشقة بعد أن قضيت فيها عامًا كاملًا، وكان إيجارها مرتفعًا. في تلك الفترة، بعت معظم ممتلكاتي في الشقة، ولم يتبق سوى القليل، وقررت الانتقال للعيش مع والدي.
اتصلت بالسيدة صاحبة العمارة وأخبرتها أنني سأترك الشقة. سألتني عن السبب، فأجبتها بأن الشقة في الطابق الأول العلوي قريبة جدًا من الشارع الترابي، وأن التراب يدخل ويعطل أجهزتي، مثل الكمبيوتر وغيره. فقالت لي: "لا تقلق، الساكن في الدور الخامس سيترك الشقة قريبًا، فهل ترغب في الانتقال إليها؟" وافقت على الفور، وانتقلت إلى الدور الخامس، لكن للأسف لم يتغير شيء في حياتي. كنت أعود إلى المنزل في بعض الليالي وأجد الأثاث قد تحرك من مكانه بدون أي تفسير. كانت هذه الأمور تجعلني أشعر بالإرهاق والتعب، سواء في الشقة القديمة أو الجديدة.
قررت الاستعانة بصديق والدي الشيخ ليقرأ في الشقة ويطرد ما بها من شر. بالفعل، ذهبت إليه وأحضرته بسيارتي لأنه كان مريضًا بالقلب، وصعد بصعوبة إلى شقتي. قام الشيخ بقراءة بعض الآيات والبخور، وطلب مني أن أحافظ على نظافة المكان وقراءة القرآن فيه. بعد ذلك، شعرت بتحسن، وأصبحت الشقة مريحة ولم أعد أواجه أي أمور غريبة فيها.
أما عن صديقي مصطفى، فعندما حان موعد سفره إلى السعودية، سألني: "هل تريدني أن أبحث لك عن عقد عمل هناك؟" فقلت له: "لا، لن أترك بلدي حتى لو لم أجد عملًا، فالظروف ستتحسن إن شاء الله." استمر الحال كما هو، ولم يكن هناك تغيير يُذكر.
وذات يوم في القرية حيث أعمل، كنت أتحدث إلى الله وأشكو له ما أعانيه من ظلم وضيق، وأتساءل متى يأتي الفرج. كان يومًا طويلًا ومرهقًا، وكنت أعمل في تلك الوحدة المحلية التي لا تفهم لها طبيعة واضحة. عندما انتهى العمل، خرجت في وقت الظهيرة في يوم حار من شهر أغسطس. سرت في الطريق الضيق الذي لا يتجاوز عرضه مترين، وكان هناك سور طويل على جانبه يؤدي إلى حديقة فواكه، وعلى الجانب الآخر منازل قديمة ومغلقة بأبواب كبيرة. منذ أن كنت في القرية، لم أرَ هذه المنازل تُفتح أو تُغلق.
بينما كنت أسير في هذا الطريق، رأيت سيدة أنيقة جدًا ترتدي ثيابًا سوداء نظيفة، وكان وجهها مشرقًا كالشمس. اقتربت مني، فنظرت إلى الأرض احترامًا للعادات والتقاليد. وعندما أصبحت بجواري، سمعتها تقول: "كيف حالك يا أستاذ؟" ونادتني باسمي. أجبتها: "الله يسلمك يا فندم." فقالت: "إن شاء الله الفرج قريب." وواصلت السير. بعد خطوتين فقط، أدركت أنني لا أعرفها ولا أفهم كيف تعرفني، فاستدرت لأراها، لكنني فوجئت بأن الطريق فارغ تمامًا.
شعرت بسعادة غامرة عندما تذكرت كلماتها، "إن شاء الله الفرج قريب." وكان ذلك اليوم هو الرابع عشر من الشهر، وهو يوم مهم بالنسبة لي، حيث عادة ما تحدث أشياء إيجابية في هذا اليوم. في تلك الليلة، حوالي الساعة الحادية عشرة مساءً، تلقيت اتصالًا من رقم غريب. وعندما أجبت، كان على الطرف الآخر صديقي مصطفى الذي عاد من السعودية بعد تسعة أشهر فقط بسبب ظروف طارئة، وكان في طريقه إلى البحر الأحمر لتوصيل أمانة لأحد زملائه هناك.
في اليوم التالي، جاء مصطفى لزيارتي، وكان ذراعه مربوطًا بضمادة شاش. أخبرني أنه تعرض لحادث كبير في الشركة التي كان يعمل بها، ونتج عن هذا الحادث وفاة أربعة عمال من جنسيات مختلفة، بالإضافة إلى عامل آخر ما زال في العناية المركزة. ظل مصطفى في المستشفى لمدة شهر تقريبًا، ثم عاد إلى مصر.
حكيت لمصطفى عن الظلم الذي أتعرض له في عملي، وبدأنا نلتقي يوميًا في المساء. وفي أحد الأيام، قال لي: "تخيل، تلقيت اليوم خطابًا من شركة كنت قد أرسلت سيرتي الذاتية لها منذ 19 عامًا. طلبوا مني تحديث بياناتي وإرسالها لهم عبر البريد الإلكتروني." فقلت له: "عجيب! حسنًا، حدث بياناتك وأرسلها لهم." فقال: "غدًا سنقوم بعمل سيرة ذاتية لي ولك أيضًا، ونرسلها سويًا."
في اليوم التالي، جاء مصطفى ومعه الخطاب، وبدأنا في إعداد السيرة الذاتية لكل منا، وأرسلناها للشركة. لم أكن أتوقع شيئًا من هذا الأمر، ولكن في اليوم التالي، تلقيت اتصالًا من الشركة. كانت مهندسة تتحدث معي وتقول:
المهندسة: "هل لديك خبرة في إدارة المشاريع؟" أنا: "نعم، لقد كنت مديرًا لإدارات هندسية لمدة ست سنوات." المهندسة: "هل ترغب في العمل كمدير في إحدى دول الخليج؟" أنا: "بصراحة، لم أفكر في السفر من قبل." المهندسة: "حسنًا، تعال غدًا لإجراء مقابلة، وسنرى." أنا: "حسنًا، أعطني العنوان وسأحضر."
في اليوم التالي، ذهبت إلى الشركة، وكان المكتب في منطقة راقية جدًا مليئة بالسفارات. دخلت المكتب وانتظرت قليلاً حتى دعتني السكرتيرة للدخول. وجدت شخصين يرتدي أحدهما الزي الخليجي، والآخر يرتدي بدلة، وكلاهما يبدو عليهما الطيبة والاحترام.
بدأت المقابلة باللغة الإنجليزية، وتحدثنا لمدة نصف ساعة تقريبًا. بعد ذلك، بدأوا في التفاوض حول الراتب والمزايا الأخرى. كان الراتب يعادل راتب سنتين كاملتين في بلدي، بالإضافة إلى توفير سيارة وموبايل وسكن. وافقت على العرض، رغم أنني لم أكن أصدق أنني سأقبل بالسفر، فقد كان القرار مفاجئًا لي.
بعد أسبوع، تلقيت اتصالًا آخر من الشركة، يخبرونني بأن العقد جاهز، وطلبوا مني الحضور للتوقيع وإحضار جواز السفر والصور اللازمة. خلال ثلاثة أيام فقط، انتهت جميع الإجراءات، وتم حجز تذاكر الطيران لي، وسافرت إلى تلك الدولة الخليجية في 11 مارس 2006.
قبل سفري، قمت بنقل جميع أمتعتي إلى شقة في عمارة أخي الطبيب، وتركت كل شيء وراءي. بفضل الله، تغيرت حياتي للأفضل، جمعت مبلغًا جيدًا من المال خلال عامين، وعدت إلى مصر، حيث اشتريت شقة في أحد الأبراج بمدينتي، وما زلت أعيش فيها حتى الآن.