الفصل الثاني والعشرون

بعد أن أصبحت جاهزًا للخروج إلى عملي، توجهت إلى غرفة النوم وفتحت الباب ببطء شديد، فوجدته نائمًا مثل الأطفال، ولا يوجد أي شيء غير طبيعي. أغلقت الباب بهدوء وذهبت إلى عملي. عندما عدت من عملي، وجدته جالسًا يشاهد التلفاز، وكان واضحًا جدًا أنه مرتاح من الشقة، فقال لي: "والله نمت نومة لم أنمها منذ سنوات". ابتسمت وقلت في نفسي: "سبحان الله، ربما لأن السحر الموجود في المراتب لا يؤثر عليه، الله أعلم".

تغيرت الأحوال سريعًا في عملي، وخرج رئيس الحي إلى المعاش لبلوغه السن القانوني، وجاء رئيس جديد بدلاً منه من قيادات الجيش. مع مرور الوقت، بدأ الاحتكاك بيننا بسبب طبيعة العمل، وبدأت الخلافات تظهر. فما كان من رئيس الحي الجديد إلا أن كتب مذكرة إلى السيد المحافظ يشتكي من أنني "غير متعاون معه". وكلمة "غير متعاون" دائمًا ما تكون نتيجتها نقل الشخص إلى محافظة نائية. لكن السيد المحافظ كان رحيمًا واكتفى بنقلي إلى وحدة محلية قروية تبعد حوالي 15 كيلومترًا عن المدينة. كانت هذه أول ضربة.

ذهبت إلى مستشار رئيس محكمة جنايات، كنت قد خدمته من قبل في ترخيص مبانٍ، وكان دائمًا يقول لي إنه يتمنى أن يقدم لي خدمة. استقبلني المستشار بحفاوة، وبعد أن حكيت له ما حدث، فوجئت به يقول لي: "تصدق يا باشمهندس، نفس الذي حصل لك حصل لأختي بالضبط، ولم أستطع فعل شيء لها". تركته على الفور وسلمت أمري إلى الله.

عندما وصلت إلى الوحدة القروية، وجدت الناس هناك معزولين عن العالم، وكان الفكر هناك متأخرًا جدًا. كان رئيس الوحدة قصيرًا ويرتدي جلبابًا بلديًا لأنه قد يذهب إلى الغيط في أي وقت. كان لديه تعليمات بعدم السماح لي بالخروج من العمل. والأسوأ من ذلك، أن رئيس القرية وزعني كموظف في قسم المتابعة، وكان هذا بمثابة نكتة مريرة.

الوحدة القروية كانت خالية دائمًا؛ فهذا ذهب لجلب البهائم من الغيط، وذاك ذهب لزرع الأرز أو لري المحصول. كانت الدنيا جديدة تمامًا عليّ. كان مصطفى يزورني من وقت لآخر، وكنت أحكي له ما يحدث، وكان يشفق عليّ كثيرًا. وفي يوم من الأيام، أخبرني مصطفى أنه حصل على عقد عمل في السعودية وسيغادر الأسبوع المقبل. كان الخبر صاعقًا بالنسبة لي؛ لقد بكيت لأنني لم يكن لدي أصدقاء آخرون. سافر مصطفى، وكانت ليلة سفره كأنها مأساة بالنسبة لي. في اليوم التالي، في السابعة مساءً، اتصل بي من الرياض ليخبرني بوصوله بسلام.

بقيت أواجه قدري في القرية، واستنفدت كل رصيد إجازاتي لأن المشوار كان طويلًا ومرهقًا. كنت أصلي كثيرًا لله أن يفرج عني هذا العذاب. تعبت جدًا، وصحتي ساءت كثيرًا. شعرت أن الجميع تخلى عني، ليس لأني قلت "لا" للخطأ فقط، بل لأنني لم أستطع قول غير ذلك. بقيت أصلي بانتظام وأسلمت أمري لله بالكامل.

لاحظ والدي كيف تغيرت، فقال لي: "أخبرت الشيخ عن حالك، وهو يريد أن تذهب إليه، وإن شاء الله الفرج قريب". ذهبت مع والدي إلى الشيخ، وكنت في تلك الفترة أتشبث بأي أمل. استقبلني الشيخ بالترحاب، وأخذ يهدئ من روعي ويحكي لي قصصًا وروايات. ثم أمسك برأسي وقرأ عليه لمدة طويلة، ثم سألني: "هل شعرت بشيء؟" فأجبته: "لا". فقال: "ولا حتى دوخة بسيطة؟" أجبت: "لا". ثم سكت لفترة، وقال كلامًا لم أفهمه: "ربنا خلق العمر وخلق الرزق، وخلق الرزق على قدر العمر. ورزقك هكذا! المكان الذي تعيش فيه ليس جيدًا. خذ هذا الماء والزيت، وارش به أركان الشقة كل ليلة وصباح لمدة سبعة أيام، ثم عد إليّ مرة أخرى."

نفذت كل ما قاله لي الشيخ حرفيًا لمدة سبعة أيام، ولكن لم يحدث شيء. قررت ألا أذهب إلى أي شيخ آخر، وتركت الأمر لإرادة الله.

في ليالي الصيف، كنت أطفئ النور وأشغل المروحة، وعندما أستيقظ في الثانية صباحًا، أجد الجو حارًا جدًا، وأجد أن المروحة قد توقفت وأن الأنوار مضاءة. في البداية كنت أشعر بالدهشة، لكن مع الوقت أصبحت لدي مناعة ضد هذه الأمور، فكنت أشغل المروحة مرة أخرى وأطفئ الأنوار وأعود للنوم.

ذات مساء، كنت في طريقي لزيارة والدي، فقابلت النجار بيومي، وهو جارنا ولديه معرض موبيليا. سألني عن أحوالي، فقلت له: "أنا عندي غرفة نوم بحالة جيدة وأرغب في بيعها بمراتبها ومخداتها." فقال: "خلاص، سأذهب معك لأراها." في الطريق إلى الشقة، قال لي: "أوعى تكون ساكن في العمارة دي، وبالذات في الشقة اللي في الدور الثاني!" سألته: "لماذا؟" فقال: "لقد كنت أعيش في تلك الشقة منذ خمس سنوات، وكانت حالتي النفسية تتدهور، وكدت أجن. كنت على وشك طلاق زوجتي بسبب هذه الشقة."

حكى لي عن أمور غريبة حدثت له في الشقة، وذهب للعديد من الشيوخ دون جدوى. ثم قرر ترك الشقة بعد ثلاث سنوات، واستعاد حياته الطبيعية. عندما أخبرته أنني أسكن في تلك الشقة، رفض الدخول إليها، ولكنه أرسل لي شخصًا لشراء الغرفة.

وبعدها بعت كل شيء في الشقة، ولم يتبقَّ لي سوى السرير الفردي والمكتب والكمبيوتر وبعض الأشياء الصغيرة.


كان يجب عليّ أن ألحق نفسي قبل أن أصبح مثل الآخرين الذين انتهى بهم الأمر بلا شيء. في إحدى الليالي، وبينما كنت عائدًا من زيارة والديّ، وجدت المحامي جالسًا بمفرده على المصطبة أمام بيته. سلمت عليه وجلست بجانبه، فطلب من ابنته أن تحضر لنا بعض الشاي. خلال الحديث، سألته: "هل بنيت بيتك هنا منذ فترة طويلة أم قريبًا؟" فأجاب: "منذ زمن طويل، ووالدي ولد هنا، وبيته خلف بيتي مباشرة. لماذا تسأل يا باشمهندس؟ هل هناك شيء؟"

قلت له: "لا، فقط أردت أن أسأل إن كان بإمكان والدك أن ينضم إلينا لبضع دقائق." فأجابني: "حاضر." قام ونادى على والده. بعد قليل، جاء والده، وهو رجل قصير جدًا، يظهر عليه أنه من الفلاحين القدامى، وكان يرتدي طاقية على رأسه ويتميز بحس فكاهي، إذ كان يحب الضحك كثيرًا.

قلت له: "هل كنت موجودًا هنا يا حاج عندما كانت العمارة تُبنى؟" فأجابني: "نعم، يا بني، كنت هنا. لماذا تسأل؟" سألته: "هل كانت هناك مقابر تحت العمارة أو شيء من هذا القبيل؟" فضحك الرجل كثيرًا وقال: "والله يا باشمهندس، لقد ذكرتنا بأيام زمان." استغربت وقلت: "يا إلهي! ماذا تقصد؟" فبدأ يحكي لي عن ما حدث مع مالك العمارة تمامًا كما حكاه لي بيومي النجار من قبل، وأكد لي كل ما قاله بيومي.

ثم سألته: "لكن لماذا يا حاج؟ أفهمني، أنا الآن أسكن في الشقة الملعونة هذه، وأشعر بأنني في خطر." رد المحامي قائلاً: "والله، كنت أريد أن أخبرك من قبل، ولكن عندما رأيت أنك نقلت واستقريت، فكرت أن الحديث لن يكون له فائدة."

أجبته: "لا، أنت مخطئ. أريد أن أفهم ما هو سبب اللعنة!" وأخيرًا، تكلم والد المحامي وقال: ...



إعدادات القراءة


لون الخلفية