طٌرق الباب بهدوء, ثم دخل بعد أن سمع صوت الرئيس جون يأذن له بالدخول, كم يحب غرفة جون الواسعة ذو الأثاث الخشبي, بل كم يحب رئيسه الستيني جون بشعره الأشيب, وعينيه الضيقتين, وجسمه الممتلئ القصير, وبذلته السوداء. رحب به الرئيس ثم دعاه للجلوس, فسار ببطء مستندا على عصا سوداء إلى أن وصل إلى كرسي جلدي يمين المكتب وضع بزاوية بحيث يقابل مسنده الأيمن المكتب ومسنده الأيسر الباب, جلس عليه, ثم رفع رأسه فاصطدمت عينيه بعينين خضراويتين حادتين, لم يتفاجأ من وجودها فهو الآن يعرف من تكون كما أنه يعرف أن الرئيس استدعاه من أجلها, لكنه تفاجأ من عدم رؤيته لها عندما دخل الغرفة, يبدو أن مسند الكرسي الآخر قد غطى عليه الرؤيا.
بدأ الرئيس حديثه " حسنا سنبدأ بالتعارف, أيتها النقيب ساندرا فآن أقدم لكِ النقيب جوناندر باران, أيها النقيب جوناندر أقدم لك النقيب ساندرا, لقد كانت في فرع لإدارتنا في مدينة أخرى, وقد قامت بطلب نقلها إلى هنا " صمت قليلا حتى يلقيان التحية أو يتصافحان أو على الأقل يومئان لبعضهما, ولكن لم يحدث شيء لذا تنحنح قليلا ثم أكمل " اممم أما اللبس الذي حصل قبل أسبوعين فسببه أن إدارة النقيب ساندرا السابقة لم تخبرنا أن ساندرا ستقوم بمهمة التجسس على الرجلين, لذا عندما رآها أحد رجالنا في الطائرة معهما, قام بتبليغنا أن هنالك امرأة مع الرجلين وأنه ينصح بالقبض عليها هي لأنها تبدو مريبة وهذا يعني أنها شخص مهم, ولذلك قبض عليها رجالك يا جون" صمت قليلا ثم أضاف " حسنا ساندرا أليس لديك شيء لتقوليه".
نظرت ساندرا إلى جون تتأمله, الآن وبعد أن زال التوتر, عليها أن تعترف أنه رجل وسيم, فكل ما فيه ينطق بذلك, بشرة بيضاء, شعر أسود فاحم, عينين صافية فاتحة كلون السماء, جسد رياضي ممشوق. ابتسمت له لما رفع نظره إليها, ثم قالت " أنا آسفة أيها النقيب على الحادث الذي تسببت به, أرجو ألا يكون العرج دائما " ثم رفعت حاجبيها سخرية.
لاحظ جون الغصب على ملامح جون, فأسرع يقول " والآن يمكنك أن تنصرف أيها النقيب جوناندر ولكن بعد أن تتصافحان ".
نهض جون وسار إلى الباب مستندا على عصاه وهو يقول " لا تشغل بالك يا رئيس فقد تصافحنا سابقا " ثم خرج من الغرفة.
كانت جميع الفرق في قاعة الاجتماعات, يتحدثون ويتهامسون في انتظار وصول رئيسهم, لكن الأحاديث توقفت عندما هب كريك واقفا ثم صاح " تتصافحان! ما هذا الجنون؟ لقد أرادت أن تقتلك يا رجل! "
" لم أكن أريد قتله, ولو كنت أريد ذلك لكان الآن ميتا بالفعل" التفت جميع من في القاعة نحو مصدر الصوت ليجدوا ساندرا تقف مستندة على الباب, ابتسمت للجميع ثم سارت باتجاه كريك وهي تقول " بالمناسبة لقد اعتذرت له, كما أنه تم تعييني في فرقتكم, أي أني سأعمل تحت إمرته " ثم رفعت يديها باستسلام بعد أن وقفت أمامه " ألا ترى أن هذا عقابا كافيا ! العمل تحت إمرة شخص يحمل نفس رتبتك "
رد كريك بغضب " أفضل الموت على العمل معكِ "
أحنت رأسها بطريقة درامية قائلة " شكرا لك أيها الملازم أول كريك, أتمنى أن لا تنسى فارق الرتب " ثم التفت إلى برنارد وبوب اللذين كانا يجلسان حول طاولة الاجتماعات وقالت " ماذا عنكما ؟ هل ..."
" اجلسي أيتها النقيب, وأنت أيضا يا كريك" قاطعها جون بصرامة
جلس كريك, أما ساندرا فهتفت " واو! لقد بدأت تمارس سلطتك فعلا, أنت لا تضيع لحظة " رفع نظره إليها فبادلته النظرات قليلا ثم جلست بجواره. صمتت قليلا ثم سألت بصوت أقرب ما يكون همسا " بالمناسبة أين تصافحنا يا جوناندر ؟".
قال دون أن يلتفت إليها " عندما حضرتِ إلى المدينة في جنازة والدك "
شردت قليلا ثم تمتمت " عرفتُ أنني قابلتك من قبل "
نظر إليها بدهشة وقال " لهذا السبب سألتني عن اسمي !"
قالت بمكر "هل اعتقدت أني أغرمتُ بك فعلا "
" اصمتي "
اعترضت " ليس قبل أن تخبرني أين عرفت والدي "
" لم أعرفه "
" لماذا حضرت إذن ؟ "
نقر بأصابعه على الطاولة, ثم التفت إليها قائلا " لست واثق من أنكِ تودين معرفة السبب ومع ذلك سأخبرك " رفع نظره إلى أعلى ثم زفر بقوة " لقد حضرت نيابة عن خالي, خالي فريدريك صديق والدك "
لم يندهش من صمتها, لم يندهش من قبضتيها المتشنجتين, لم يندهش من وجهها الشاحب, وبالرغم من أن خاله أخبره عن شعور ابنة فآن اتجاهه, إلا أنه أرادها أن تتحدث عن الأمر, وقد كاد أن يطلب منها ذلك لولا دخول الرئيس جون وبدئه الاجتماع.
لم تسمع كلمة واحدة من الاجتماع, فقد كانت تسبح في عالمها الخاص مكررة نفس الأسئلة, لماذا من بين كل الناس يكون هذا الشاب الذي تجلس بجواره والذي يكون رئيسها ابن أخت فريدريك أكثر رجل تكرهه في هذا العالم والذي أحال حياتها إلى جحيم منذ ثلاث سنوات؟ هل هي مصادفة؟ هل سيكون عقبه في طريقها؟ ماذا تفعل؟ كيف ستتعامل معه؟ إنها حقا مشوشة. عادت إلى الواقع عندما ناداها جون لتجد أن الاجتماع قد انتهى و أن القاعة فارغة إلا من كريك الذي كان يحادث رجلا, التفتت إلى جون قائلة " نعم سيدي "
أعطاها ملف أبيض قائلا " أحب أن يعمل رجالي في يومهم الأول, ليس بالأمر الجلل, مجرد مراقبة لمنزل الرجل المذكور في الملف, وتدوين رقم كل سيارة تزوره "
نهضت متمتمة " شكرا لأنك تعتبرني من رجالك "
ضحك بقوة ثم سأل " كيف حال والدتك ؟ فهي لا ترد على هاتف المنزل"
بدأت تقلب الملف واكتفت بقولها " بخير " ثم أضافت بعد قليل " لقد غيرت رقم الهاتف "
" ألن تخبريني به؟ "
قالت وهي تقلب الأوراق " بالتأكيد, 885-3749, بالمناسبة لا تخبرها بأمور مزعجة"
اسند مرفقيه إلى الطاولة ووضع ذقنه على يديه المتشابكتين وسأل " أنتِ لم تخبريها إلى الآن بانتقالك إلى وحدة المخدرات, صحيح ؟ "
أجابت دون أن ترفع عينيها عن الملف " سأخبرها في الوقت المناسب "
رد عليها " مرت ثلاث سنوات وإلى الآن لم تجدي الوقت المناسب "
أغلقت الملف بعنف وقالت بقوة " أنت تعرف أنها ستقتلني إن علمت بذلك, لن تدعني حتى أغير وحدتي, لذا من الأفضل لي ولها ألا تعلم, والآن عن إذنك " ثم خرجت من القاعة.