الفصل الثامن عشر: نِدَّين من جديد

نظرت مايا إلى الثلاثة الذين يقفون أمام مكتبها الجديد في قسم تصنيف الأدلة والملفات المتعلقة بوحدة المخدرات بمركز وحدات الأمن الخاصة, ثم قالت بملل "أنتم تقفون أمامي منذ دقيقة كاملة, ألم يئنِ الأوان لتخبروني بما تريدون!"
فابتدأهم برنارد قائلا "نحن ننتظر أن تخبرينا أنتِ؟"
استفسرت ببراءة "بما أخبركم؟"
قال بوب بضيق "لماذا أنتِ هنا؟"
ردت بنبرة هادئة "لأنني نُقلتُ إلى هذا القسم بناء على رغبتي"
هتف بوب "لماذا؟"
أجابت ببساطة "لقد اكتشفت أن الأعمال المكتبية تناسبني"
قال كريك بغضب "وماذا عنّا؟ ألم تبالي بنا؟ كيف تركتنا؟"
أسندت مايا ذقنها على راحة يدها, وقالت باسمة "أهذا الكلام يصدر من الرجل الذي كان يقول أنه يفضل الموت على العمل معي"
فصرخ كريك "أنا لا أمزح"


"حسنا كريك, أنا فقط تعبت من الأعمال الميدانية وأريد أن أرتاح قليلا, هذا كل ما في الأمر"
رد كريك بسرعة "أنتِ تكذبين!"
رفعت مايا حاجبيها تعجبا, فقال برنارد موضحا "لقد أخبرنا أليكس, أخبرنا بقصة موت والدكِ التي قالها لك فريدريك قبل أسبوع. أنتِ لا تمانعين ذلك, صحيح؟ أقصد أنه أخبرنا؟"
أطالت مايا النظر إلى برنارد صامته, ثم تكلمت بلا أي انفعال "لا. لا أمانع إطلاقا"
فأكمل برنارد مستنتجا "حسنا, هل هذا هو سبب ترككِ لفريقنا وانتقالك إلى قسم الأدلة والملفات؟ أنكِ لا تريدين العمل مع أليكس؟"
دون أن تحرك رأسها, رفعت مايا بصرها إلى الأعلى موحية لهم بالتفكير, ثم نظرت إليهم قائلة "لا. ليس هذا هو السبب, السبب كما قلتُ تماما, هو أنني تعبت من الميدان وأريد أن أرتاح قليلا, فأنا لا أكذب يا كريك"
هتف بوب متأملا "أيعني هذا أنكِ مازلت صديقة لأليكس؟"
ردت بتساؤل "هل كنتُ حقا صديقته يا بوب؟"


فتح بوب فمه ليتكلم, لكنه أطبقه بخيبة أمل, فقالت مايا برقة "أخبروني كيف ترونني؟"
قال كريك بحزم "أنتِ صديقتنا"
فأجابت مايا بجدية "إذن بغض النظر عما يحدث بيني وبين أليكساندر, فأنا سأظل صديقة لكم, حتى تقرروا أنتم غير ذلك ..."
قاطعها برنارد "لكننا لا نريد أن نغض النظر عما يحدث بينكما"
مطت مايا شفتيها, ثم تكلمت باقتضاب"لن أراوغكم إذن, أنا بالفعل لا أريد أن يكون لي أي علاقة بأليكساندر"
تمتم كريك بذهول "هل أخبرتِ أليكس بذلك؟"
ردت بكل برود "لو أتى معكم لقلتُ له"
فقال برنارد بجمود "لقد ذهب للقاء الرئيس جون"
قالت بلا مبالاة "إذن أخبروه بذلك عني"
قال برنارد بقوة "قولي له بنفسك"
همست باستفزاز "كما تريد"


خرج برنارد وكريك بعد أن استأذنا, وقد بدا الغضب في وجوههم, غير أن بوب مازال واقفا, أشارت له مايا بالجلوس, وقالت بعد أن جلس "أنا أسمعك"
تكلم بوب مباشرة, وعلامات الارتباك على وجهه "أنا أعرف هذه النظرة التي في عينيك. إنها نفس النظرة التي كنت تملكينها يوم اقتحمنا وكر سام وحررنا أليكس. إنها نظرة تبين أنكِ ستفعلين ما تريدين"
غمغمت مايا "ماذا تريد بوب؟"
فأكمل بثقة "لا أريد أن أدخل نفسي في ما لا يعنني, إنها قضية تتعلق بكِ أنتِ, لن أملي عليكِ ما تفعلينه, ولكني أريدكِ أن تعطيني وعدا واحدا فقط"
"ما هو؟"
"لا تمسي أليكس بسوء, لا تؤذيه أبدا"
اتكأت مايا على ظهر كرسيها الجلدي وهي تفكر, بوب الشاب الصغير أصبح ناضجا فجأة ويكلمها بكل جدية, هل حبه للأليكساندر وخوفه عليه هو من جعله بهذه القوة والثقة. أعطته ابتسامة متعاطفة وقالت "بوب! أنا ليس في نيتي أبدا أن أؤذي أليكس, لذا أنت لست بحاجة لأخذ وعد مني"
أشرق وجه بوب, وشكرها قبل أن يغادر المكتب, تاركا إياها وحدها.


"كيف سمحت لها بذلك؟"
رد جون "ولماذا لا أسمح بنقلها, وهي من طلبت ذلك"
قال أليكس باستنكار "يتم تكريمها, وإعادة رتبتها لها بعد قبضها على سام وإنقاذي. فيكيف يعقل بعد كل هذا أن يتم نقلها من العمل في الميدان, إلى عمل مكتبي سخيف لا يرضى به ملازم!"
تنهد جون, ثم قال "عزيزي أليكس, مايا هي من طلبت أن تنقل إلى العمل المكتبي, كل ما في الأمر أنني وافقت على ذلك"
"ولماذا وافقت؟"
"ولماذا لا أوافق؟"
"لأنها بارعة جدا في عملها, إنها أفضل مني, سام الذي أحاول القبض عليه من سنة, استطاعت هي أن تقبض عليه في يوم. إن تحويلها إلى الأعمال المكتبية هدر للوحدة"
"أعرف ذلك يا بني, ولكن طلبها كان مصحوبا بتقرير من طبيب نفسي"
عقد أليكس حاجبيه, مرددا "طبيب نفسي!"
"نعم"
"ماذا حوى التقرير؟"


سأل جون مبتسما "ألا تعتقد أنك بدأت تتجاوز الحدود يا أليكس!"
فرد أليكس بنفاذ صبر "أوه ... بالله عليك, أنت بالفعل تريد أخباري بما كُتب فيه"
قال جون "نعم, سأخبرك حتى ننهي الموضوع. يقول طبيبها النفسي, أن مايا في حالة نفسية غير مستقرة, وأنها تشعر بالتعب, لذا فهي بحاجة لفترة نقاهة تقضيها بعيدة عن الأعمال الميدانية, حتى تعود لطبيعتها وتتحسن"
تكلم أليكس بعد صمت "هكذا إذن؟"
أجاب جون "نعم, لذا لم يكن بيدي سوى أن أحترم رغبتها. فمصلحتها في المقام الأول يا بني"
حينها استأذن أليكس خارجا وهو يكرر "بالتأكيد, مصلحتها في المقام الأول"


فتحت مايا عينيها ببطء وهي تعتقد أن شيئا ما أيقظها, لكنها لا تعرف ما هو, قد يكون مجرد إزعاج من أحد مستأجري الغرفة المجاورة, فهي منذ ثلاثة أيام وهي أحد النازلين في هذا الفندق. في الحقيقة, هي لم تكن تفكر حتى في مغادرة المنزل, لكن بعد المشاجرة التي حصلت بينها وبين أمها قبل أسبوع, أصبح الوضع لا يطاق, جفاء أمها ونفورها وعدم رغبتها حتى في رؤيتها آلمها وبقوة, الأمر الذي جعلها بعد أربعة أيام تقرر أن تترك المنزل لفترة بسيطة فقط. إنها مازالت تذكر نظرة الهلع التي أطلت من عيني أمها يوم أخبرتها مايا بقرارها, لقد أشعرتها تلك النظرة بالرضا نوعا ما, فبعد كل شيء, عرفت أن أمها مازالت تحبها. 

قطعت مايا تفكيرها عندما تعالت صوت الطرقات على الباب, إذن فهذا هو الصوت الذي أيقظها, نظرت إلى ساعة الحائط المعلقة أمامها, فوجدتها تشير إلى العاشرة مساءا, ثم تطلعت حولها لتلاحظ أنها نامت بنفس الملابس التي ارتدتها اليوم في عملها, وعلى حافة السرير لدرجة أن قدميها قد تدلت منه, حينها تذكرت أنها كانت متعبة جدا بحيث سقطت فوق السرير بمجرد دخولها الغرفة عند عودتها حوالي الساعة السادسة.

 تأففت عندما زادت الطرقات حدة, فنهضت من سريرها بكسل, ثم اتجهت إلى الباب, وفتحته دون أن تسأل من الطارق, لتجده واقفا أمامها.
الشعر المنسدل بغير ترتيب, والعينين الناعستين الخضراء, والوجه المحمر, جعلا أليكس يعقد حاجبيه قائلا "لم يكن لدي أدنى فكرة أنكِ تكونين نائمة في هذا الوقت, أنا آسف"
ردت بخفوت "ها قد أصبح لديك فكرة, ماذا تريد؟" ثم التفتت داخلة إلى الغرفة.
تبعها أليكس بعد أن أغلق الباب خلفه, ثم قال بتعجب "ألن يكون السؤال الأول, كيف عرفتُ مكانكِ؟"
جلست مايا على طرف السرير, وقالت دون أن يتخلص صوتها من بحة النوم "أنا لستُ مختبئة, لذا فمكاني ليس سرا. بكل بساطة طلبتَ من كريك أن يسأل نينا, أليس كذلك؟"
"طالما أنكِ بهذا الذكاء, فما الداعي للانتقال للعمل المكتبي؟"
قالت بهدوء وهي تمسح عينيها "لا. لن نتحدث في هذا الموضوع الآن, فأنا أشعر بالنعاس"
اقترح مشيرا إلى الهاتف "سأطلب لكِ قهوة"
تمتمت "لن تطلب لي شيئا, لأنني سأعود للنوم"


اتكأ أليكس على الباب وهو ينظر إلى السرير, لقد كان مرتبا تقريبا, كما أن الوسادة لم تكن تحوي أي أثر على استخدامها, مما جعله يقول بنبرة غريبة "أنتِ حقا مرهقة لدرجة أنكِ نمتِ دون أن تهتمي بتوسدكِ للوسادة, أو تدثركِ بالغطاء, صحيح؟"
أمالت مايا رأسها للوراء تنظر إليه, ثم نهضت هامسة "انتظر", واتجهت إلى دورة المياه, لتعود بعد لحظات, وقد بدا أنها قد غسلت وجهها في محاولة منها لمحو آثار النوم التي كانت تغريها بالعودة للسرير.
جلست مرة أخرى على سريرها, وسألت بفتور "والآن قل ما عندك؟"
سأل أليكس بعد أن أخذ شهيقا طويلا "ما الذي تخططين له؟"
"كن أكثر وضوحا, فأنا لا أفهم الرموز والألغاز"
"أتعتقدين أنني أصدق السخافة التي ذكرت في التقرير. حالة نفسية غير مستقرة, تعب, بحاجة لفترة نقاهة. أنا أعرفكِ أفضل ذلك, وأعرف أنكِ لست بالمرأة التي تطلب الحصول على راحة"
ردت مايا باستياء "ألا يفترض أن تكون هذه المعلومات سرية! كيف وصلت إلى يديك!"
قال أليكس بتصميم متجاهلا كلامها "من هو؟"
"من؟"
"الطبيب النفسي الذي ذهبتِ إليه, من هو؟"
"لماذا؟ حتى تتأكد إن كنتُ أقول الحقيقة أم لا؟"
"من هو؟"


هتفت مايا بحنق "ما الذي أصابك؟ لماذا هذا الاهتمام فجأة؟"
رد فورا "أنا اهتم بكِ منذ أن عرفتكِ"
صمتت مايا مفكرة, ثم قالت بحرقة "حسنا, لم لا. الطبيب النفسي الذي تسأل هو نفسه الذي ساعدني بالوصول إلى فكرة أن فريدريك بريء, وأنني كنتُ أظلمه بسبب شعوري بالحزن لفقد والدي"
نكس أليكس رأسه, محدقا في حذائه الأسود اللامع دون أن يرى شيئا, فكل ما يراه الآن, هو الصدمة التي كانت مرتسمة على وجهها في ذلك اليوم. رفع رأسه قائلا "أنا آسف. لم أكن أتخيل أن يكون الأمر كذلك, لك أكن أتخيل أن لي علاقة بمقتل والدكِ, مازلتُ لا أصدق"
ابتسمت مايا بألم وقالت "كيف هو شعورك عندما علمت أن خالك كان يخدعك ويكذب عليك, فعلى ما أذكر كنت مقتنعا تماما ببراءته!"
همس بخشونة "الذنب ليس ذنبه, مازال بريء"


هبت واقفة, وهي تقول بعينين تبرقان من الغضب "لماذا لا تريد أن تفتح عينيك للحقيقة! خالك المثالي الذي تقتدي به زال, بل في الحقيقة لم يكن له وجود أبدا, لقد كان مجرد قناع يلبسه ليغطي معدنه الصدئ, وكما يبدو أن القناع خدعك, كما خدع أبي للأسف"
سأل أليكس بعقلانية "ماذا لو كان والدك؟ ماذا لو كان في موقف خالي, وخُير بينكِ وبين فريدريك, من كان سيختار؟ أنا أعتقد أن النتيجة واحدة"
قالت وهي ترفع سبابتها باتجاهه مهددة "لا تجرؤ على التحدث عن أبي بهذه الطريقة, أبي ليس خائنا. أتعرف هنالك سبب لاختيارهم فريدريك بدلا من أبي, وهو أنهم يعرفون مسبقا أن أبي ليس بالجبان الذي يتخلى عن أصدقائه"
قال أليكس بسخرية "كان سيختار أن تقتل ابنته بدلا من صديقه إذن!"


سارت مايا حتى وقفت أمامه مباشرة, لا يفصل بينهما سوى خطوة واحدة, ثم قالت من بين أسنانها "كان سيختار أن يقتلهم أولا, حتى لو قتلوه, المهم أنه لم يكن ليضحي بأحدنا, لم يكن ليعيش أبدا وصديقه مات باختيار منه" بعدها رفعت يديها ودستها بين ثنيتي سترته, ثم بدأت تهزه بعنف صائحة "أخبرني كيف استطاع أن يختار أن يموت صديقه! كيف استطاع أن يرى صديقه يقتل أمام عينه! كيف خان ثقة أبي وحبه له! أتعلم لقد كنت أشعر بالفخر لأن أبي قتل وهو يمنع الفساد ويحمي بلده, أما الآن فأنا أشعر بالذل, لأني عرفتُ أن أبي قتل نتيجة غدر وخيانة من أحب أصدقائه إليه, قطعا ليست هذه النهاية التي كان أبي يريدها.


 إني لا أنفك أفكر كيف هو شعور أبي لو علم بذلك"
بعد أن توقفت عن الكلام وهي تتنفس باضطراب, رفع أليكس يده بكل بطء إلى وجهها محاولا مسح تلك الدمعة التي فرت من عينها, غير أنه لم ينجح إذ أن ظهر يدها صفع راحة يده بكل قوة, وهي تهتف مشيحة بوجهها عنه "لا تلمسني!"
حدق أليكس في يده المرفوعة بجمود لثواني, ثم أنزلها وقد تحولت إلى قبضة مشدودة, ورفع بصره إلى مايا التي ابتعدت عنه وقال مبتسما بمرارة "إذن أنا أيضا سيكون لي نصيب الأسد من حقدكِ وانتقامكِ, صحيح!"


ردت بضعف دون أن تنظر إليه "لا ذنب لك فيما حدث, ولكن مع ذلك, لا يمكنني منع نفسي من التفكير أنك السبب الرئيسي لموت أبي, لو لم تكن موجودا, لكان أبي معي الآن" نظرت إليه مكملة "سبق أن اتفقنا أني مجنونة, لذا لا تلمني أن أخبرتك أني أفكر الآن عندما تتكلم أنه كان من المفترض أن أبي هو من يتكلم, أفكر وأنا أراك الآن تتنفس أنه كان من المفترض أن أبي هو من يتنفس, كان من المفترض أن أبي هو من يرفع يده ليمسح دموعي لا أنت, لذا وحتى لا أفكر بهذه الطريقة, لا أريد أن أراك أبدا"
قال وقد تملّكه الغضب "أكملي! قوليها!"
أعطته نظرة متسائلة, فأوضح وقد اسودت عيناه "أنتِ تفكرين في كل مرة تنظرين إليّ فيها, من أنا ليتم اختياري بدلا من فآن, صحيح! بل من أنا ليتم مساومة فآن بي! كان على فريدريك أن يختار فآن فأنا لا أساوي إصبعا من أصابعه, لن يتوقف شيء بموتي, لكن الكثير توقف بسبب موت فآن, أنا لــ ..."
قاطعته مايا قائلة بحشرجة "توقف!"


لكنه تجاهلها مضيفا بصوت عالي "سابقا كنتِ تشعرين بالفخر لأنك ظننتِ أن والدك مات بسبب مشرِّف, لكنكِ الآن تشعرين بالذل لأن والدكِ مات بسببي أنا, والذي هو سبب غير مشرف في نظركِ, فأنا لا أساوي شيئا بالنسبة لكِ"
رددت بذهول "أنت لا تساوي شيئا بالنسبة لي! بالنسبة لي!" ثم لمعت عيناها المتأملة بوجهه, وقالت بقوة بعد أن أفقدتها عبارته الأخيرة تحكمها بزمام نفسها "من أجلك, من أجلك أنت فقط يا أليكساندر باران ذهبت إلى الطبيب النفسي, وطلبت منه أن يحاول إقناعي ببراءة فريدريك, لأنني لم أرد أن أنتقم وأؤذي رجلا هو خالك, لقد كانت أمي تقول لي سامحي فريدريك إكراما لوالدكِ لأنه صديقه, رفضت ولم أفعل, ولكن بعد لقائي بك قررت مسامحة فريدريك إكراما لك أنت لأنه خالك, فعلت ذلك من أجلك لا من أجل أبي, لقد فضلتك على والدي لتأتِ إليّ الآن وتقول أني أشعر بالذل لأني أبي مات بسببك! أنا حتى لم ألقي عليك كلمة لوم واحدة, لم أنوه ولو من بعيد بأني سأنتقم منك , كل ما في الأمر أني صارحتك بحقيقة ما أشعر, وطلبت منك الابتعاد عني, حتى لا تصدر مني أي حركة تؤذيك أو تجرح شعورك, كما حدث عندما حاولت أن تسمح دمعتي" صمتت للحظات لتهمس بعدها "لقد فعلتُ كل ذلك لأنني أحبك يا أليكساندر"


غير صدره الذي يعلو ويهبط باضطراب, لم يتحرك في أليكس شيء, كيف يتحرك وقد ألقت مايا قنبلتها عليه, دائما ما تجعله ذاهلا أمام مفاجئاتها, غير أنها هذه المرة شلته وأخرسته حتى أصبح عاجزا عن النظر إليها, لماذا! لماذا كلما حاول حل الأمور تأتي مايا لتعقدها أكثر, لكنه عرف أنه لن تكون هنالك عقدة أصعب وأشد من هذه العقدة. أخيرا رفع عينيه إليها مغمغما "افعليها مرة أخرى إذن"
التقت نظراتها الحائرة من كلامه بنظراته المصممة, فازدرى ريقه بصعوبة قبل أن يكمل "سامحي فريدريك مرة ثانية من أجلي"
بعد كل ما قالته, وبعد اعترافها, هذا هو رده الوحيد إذن, فريدريك! لكنها بدلا من أن تغضب, منحته ابتسامة بطيئة ناعمة, فهي تعرف مسبقا أنه لا يحبها. قالت برقة " أيها المغرور! دعني أوضح شيئا, أنا الآن مستعدة للتضحية بكل شيء في سبيل نيل فريدريك و مادوف, أقسم أني سأرخص كل شيء في سبيل قتلهما, لذا ابقَ بعيدا ولا تضطرني للتضحية بك"
"ستضحين بحبك لي لأنني وقفت مع فريدريك؟"
"لن أضحي! حبي لك سيموت تلقائيا وحالا بمجرد مساندتك له. أتعلم لقد جرحتُ أمي وبقوة جرحا أنا متأكدة أنه لن يندمل, فقط لأنها حاولت الدفاع عنه بالكلام"
"الحب لا يموت"


ضحكت مايا قائلة "أوه لا تكن واثقا, إنه بالفعل يموت وفي ثواني, تماما كما حدث مع فريدريك, لقد أخبرتك سابقا أني كنت أحبه, لقد كنت أعطيه شطر حبي لأبي, ولكن هذا الحب رغم عظمته, لم يثنيني من العزم على قتله طوال الثلاث السنوات ولو للحظة واحدة"
حرك رأسه سائلا "أنتِ عازمة على قتلي إذن؟"
ردت بنبرة صادقة "لا. ولكن إن حاولت الوقوف في طريقي للنيل من فريدريك, إن كان قتلك يجب أن يحدث حتى أستطيع الوصول لفردريك, حينها سأفعل, سأقتلك بكل بساطة, لن أبالي بك ولو بمثقال ذرة "


كز على أسنانه من الغيظ, ثم قال "بكل بساطة ها! اسمعي إذن يا مايا, أنا ابن أخت فريدريك, وسيظل فريدريك خالي الذي أحبه, هذا يعني أنكِ لن تمسي شعرة واحدة منه وأنا حي لذا حظا سعيدا لكِ في محاولة قتلي. بالمناسبة سأعين حرّاس لحماية خالي, كما سأوظف من يقوم بتتبع حركاتك, سأجعلك تحت عيني, سأسبقك دائما بخطوة. الخلاصة هي لن تؤذي خالي وليذهب حُبكِ إلى الجحيم" ثم خرج صافقا الباب وراءه.
قالت وقد ركزت نظرها على الباب الذي خرج منه قبل لحظة “لقد حاولت بكل جهدي لإخراجك من المعركة, حتى أنني ضربتُ بكرامتي عرض الحائط من أجلك, لكنك مصمم على الدخول, لذا مرحبا بك في غياهب الانتقام يا أليكساندر”



إعدادات القراءة


لون الخلفية