"أنتِ متأكدة أنه لن ينكشف أمرنا ؟"
"نعم أنا متأكدة"
"ماذا لو طلبوا أوراق إثبات هوية"
أجابت مايا بنفاذ صبر "ولماذا سيطلبون ذلك! نحن أتينا للاستفسار فقط عن كيفية شحن الأثاث من مدينة إلى أخرى, وعن أسعار الشحن"
قال كريك مجادلا "ماذا لو كان كال هذا يخدعنا ؟"
ردت بثقة "إنه لا يخدعنا, لقد أخبرنا أن وكر سام في مستودع تحت شركة الشحن هذه, وعندما تحققنا من سجلات المبنى, وجدنا تقرير من وزارة العمل تأمر بإغلاق المستودع وعدم استخدامه, وذلك لعدم استيفائه الشروط التي حددتها الوزارة. والآن أخبرني, هل هنالك مكان بالنسبة لتاجر مخدرات أفضل من مستودع تحت الأرض مهجور لا يدخله أحد ؟"
سأل كريك "هل يعقل أن شركة الشحن متواطئة معه ؟"
فمطت مايا شفتيها وقالت "لا أعلم, ولكني أعتقد أنها قامت بتأجير هذا المكان لسام بالسر, لكني لا أعتقد أنها تعلم بأمر المخدرات. لذا وإن كانت قد خالفت الأنظمة بتأجير المستودع, إلا أنها ليست متواطئة معه"
"ولكننا لم نجد سيارة أليكس ؟"
ابتسمت قائلة "بالتأكيد لن تجد جاكوارا سوداء أمام شركة شحن حقيرة كهذه, من يعلم ربما باعها سام!"
سمعا أصوات أقدام تسير باتجاه غرفة المكتب التي كانا يجلسان فيها, فقالت مايا "والآن يا أخي الكبير, استخدم عقلك التجاري معهم, ولا تدعهم يلاحظون أني أطلت الغياب"
تمتم باستياء "أخي الكبير! هاي ... ألن يلاحظوا أنكِ أكبر مني؟"
اكتفت بالرد عليه بابتسامة صغيرة, حيث أن رجلين دخلا إلى الغرفة.
بعد خمس دقائق فقط من دخول الرجلين, وبعد أن عرف كريك عن نفسيهما بأنهما أخوين سينتقلان للعيش في مدينة أخرى, وأنهما يريدان أن يتعرفا عن كيفية شحن الأثاث, استأذنت مايا طالبة الذهاب إلى دورات المياه.
لقد أكد لها بوب وبرنارد أن المبنى لا يملك سوى مدخل واحد, وهو مدخل شركة الشحن, إذن فهذا يعني أن سام ورجاله يستخدمون هذا المدخل للذهاب إلى المستودع, بعبارة أخرى هذا يعني أن هذا المدخل يحتوي على مكان ما يستطيعون منه النزول إلى المستودع. هذا ما كانت تفكر به مايا وهي تسير بين الأروقة التي تتفرع من مدخل الشركة الصغير للمرة الثالثة, لكنها لم تجد شيئا إلى الآن, قررت أن تعود, إلا أنها انتبهت إلى باب صغير كتب عليه غرفة الصيانة في أقصى اليمين, ابتسمت وقد عرفت أن هذا الباب هو المقصود حتى قبل أن تدخله, ذلك أنه الوحيد على أية حال.
دخلت الغرفة الصغيرة لتجد مصعد يقابلها, واللوحة الضوئية فوقه تشير أنه في الأسف, تنهدت في استياء, لماذا تجد مصعد وليس سلالم, ها هي فرص نجاتها تقل, فلو أن أحد في الأسفل عند المصعد, ورأى أن المصعد قد طلب إلى الأعلى, فسيتأهب وسينتظرها إلى أن تنزل وتخرج, بل وربما قد يطلق النار فور انفتاح الباب وقبل خروجها من المصعد. بالرغم من هذه الأفكار التي تخيلتها, فقد مدت إصبعها, وضغطت الزر طالبة المصعد, فلا طعم للحياة دون مجازفة كما كان والدها يقول, أشارت اللوحة الضوئية إلى وصول المصعد, ثم فتح الباب, فدخلته بلا تردد, أغمضت عينيها فور دخولها ولم تفتحهما حتى وصل المصعد للأسفل وفتح بابه, وللمفاجئة لم ترى أحدا ينتظرها هنالك مع مسدس.
كان الظلام يعم المكان, فلم تستطع أن ترى شيئا, لذا بدأت تسير ببطء حتى لا تصطدم بشيء, وبعد نصف دقيقة من سيرها, رأت ضوءا ينبعث من باب كان مواربا, سارت حتى وقفت يمين الباب, ثم حاولت أن تختلس النظر, لكن كل ما استطاعت رؤيته هو طاولة صغيرة وكرسيين يجلس عليهما رجلين, اتجهت إلى يسار الباب, فلاحظت رجلا مستلقي على جنبه الأيمن على الأرض, وقد كان يوليها ظهره العاري الذي برز في أعلاه ندبة دائرية صغيرة, كان جسده يرتجف, ولكنها لم تستطع أن تتأكد إذا كان هذا الرجل هو أليكس أم لا لأن الباب يحجز عنها رؤية رأسه. ابتعدت عن الباب, ثم اتصلت ببرنارد الذي رد فورا, فسألته بصوت خفيض "هل أصيب أليكساندر مرة برصاصة في أسفل كتفه الأيمن ؟"
أجاب برنارد بحيرة "نعم, كان ذلك قبل ثلاث سنوات ونصف تقريبا"
ابتسمت بارتياح قائلة "استعدوا إذن, فقد وجدته"
كانت مايا تنظر إلى مبنى شركة الشحن أمامها, الآن الساعة الثانية صباحا, وهي مع فرقتها, يستعدون للدخول وإخراج أليكس, إنها تشعر بالغضب قليلا, لقد كانت تأمل أن تعثر على سام هذا, فتصطاد عصفورين بحجر واحد, لكن للأسف هي لم تجده في المستودع, يبدو أنه سعيد الحظ.
قطع تفكيرها صوت يقول "خذي"
رفعت مايا حاجبيها بدهشة وهي ترى السترة الواقية من الرصاص الممدودة لها من قبل بوب, ثم قالت "أنا لا أرتدي أشياء الأطفال"
ظهر الحرج على بوب, فتكلم برنارد "أشياء الأطفال هذه تحمينا من الموت"
ردت عليه باستفزاز "ومن الذي أخبرك أنني لا أريد الموت ؟" ثم خاطبت كريك الذي شرع بارتداء سترته "هاي ... لا داعي لارتدائها, فأنت ستبقى هنا في السيارة للدعم"
هتف غير مصدق "ماذا قلتِ؟ لماذا أنا الذي يبقى للدعم"
"لأنني اخترتك"
"هذا ظلم! أنا أكفئهم, فلماذا أنا الذي يبقى"
عقدت ذراعيها أمام صدرها, وسألته بتعجب "ومن الذي أوحى إليك بفكرة أنك أكفئهم ؟"
قال "أنتِ! أوليس لأني أفضلهم اخترتني لكي أذهب معكِ لشركة الشحن ؟"
أجابته بابتسامة "يا للثقة ! السبب الوحيد الذي جعلني أختارك لمرافقتي هو شعرك البني, أردتُ أن نبدو كإخوة بالفعل"
ظهرت الصدمة على وجهه, مما زاد ضحك بوب وبرنارد عليه, فصرخ فيهما بعد أن امتلأ غضبا "اخرسوا"
قالت مايا بجدية "أجل اخرسوا, لن يضحك أحد منا إلا بعد أن نحرر أليكساندر, والآن هيا بنا, لقد أمّنت لنا مدخلا إلى الشركة, سيوصلنا إلى غرفة الصيانة" ثم سارت إلى المبنى يتبعها برنارد وبوب.
"حسنا سأنزل قبلكم, كونوا على حذر"
قالت مايا هذا لكريك وبوب, وهي تدخل إلى المصعد, ضغطت على الزر, فانغلق الباب, ثم بدأ بالهبوط, عندما وصل, وبدأ الباب ينفتح, أحنت رأسها لتسحب مسدسها من جرابه دون أن تدرك أنها أنقذت نفسها من موت محقق. فالرصاصة التي انطلقت فور انفتاح الباب صوب رأسها, أخطأت هدفها بسبب انحنائها, فاكتفت بجرح وجنتها اليمنى قبل أن تستقر في تسقط على الأرض نتيجة ارتطامها بجدار المصعد المعدني. أما مايا ففور شعورها بحرارة مست وجنتها, أخرجت مسدسها وسحبت الزناد في ثانية واحدة, ليقع رجل على الأرض بعد أن أطلق صرخة.
ركضت مايا باتجاه الزاوية المواجهة للمصعد, وحمت نفسها خلف عمود خشبي, فصرخة الرجل جذبت انتباه الرجلين اللذان كانا في تلك الغرفة مع أليكس, فقد أسرعا باتجاه المصعد, يتفقدان صديقهما الذي كان مددا هناك. المكان مضيئا, ليس كما كان عندما نزلت أول مرة, لذا ولأنها أدركت أن الرجلين سيرانها بمجرد أن يلتفتان, فقد بدأت بإطلاق النار باتجاههما, غير أنها لم تصب أحدا منهما, فهي لم تستطع تحديد مكانهما بوضوح من موقعها, حينها أسرعا إلى الزاوية المقابلة خلف إحدى الأعمدة الخشبية, تماما كتلك التي احتمت بها.
توقفت عن الإطلاق, ثم لمست وجنتها بإصبعها, فانتفضت متألمة, يا لجَرح الرصاص, كم هو مؤلم, عندها سمعت كريك يقول عبر السماعة التي كانت في أذنها "انتبهوا! هنالك رجل قد دخل الشركة الآن", ثم التفت إلى المصعد الذي فتح بابه وظهر برنارد داخله, فصرخت "لحظة! لا تخرج!"
عاد برنارد خطوتين إلى الوراء, وأوقف المصعد وهو ممسكا بمسدسه, وقال "ما الأمر؟ هل أنتِ بخير؟ سمعنا صوت إطلاق النار "
سألته "أين بوب ؟"
أجاب "بقي ليتحقق من أمر الرجل القادم"
"حسنا اسمعني, فور أن أبدأ الإطلاق, اركض باتجاه مستقيم, وادخل أول غرفة يسارك, هنالك ستجد أليكساندر, لا تقلق, سوف أحمي ظهرك"
وقبل أن تدع له فرصة للرد, ظهرت من خلف العمود, وبدأت بإطلاق النار بشكل عشوائي باتجاه العمود الذي يحتمي به الرجلين, فأسرع برنارد إلى الغرفة كما أمرته, وعندما شاهد الرجلين برنارد, خرج أحدهما في أثره, غير أن رصاصة مايا كانت أسبق إليه, فخر صريعا. صرخ الرجل الأخير عندما رأى صديقة "كفى. لا تطلق النار! أنا أستسلم"
"ارمي المسدس إذن, ثم اخرج ويداك على رأسك"
بعد أن نفذ الرجل كلامها, صوبت نحوه سلاحها, ثم رفعت صوتها تخاطب برنارد "هل أنت بخير ؟"
أتاه صوته "نعم"
"هل هو بخير"
"نعم"
أدركت أن صوته أصبح باردا جدا عندما سألته عن أليكس, لكنها تجاهلت ذلك وقالت "ابق معه, ولا تبرح مكانك حتى آتي إليك. سأصعد الآن لأرى بوب, وأتأكد أن الأمور على ما يرام" ثم خاطبت الرجل "والآن هيا بنا في جولة إلى الأعلى"
فور صعود المصعد بهما, جعلت الرجل يقف أمامها, فهي لن تقع في نفس الخطأ مرتين, فِعلها هذا جعلها تتذكر لقائها الأول مع أليكس, عندما استخدمته كدرع لها, ابتسمت بخفة, من كان يظن أنها الآن تعرِّض حياتها للخطر من أجله. انفتح الباب, وانتشرت الدماء لتلطخ وجهها, ثم خر الرجل الذي كان درعا لها, فقد تفجر رأسه برصاصة, في نفس الثانية بدأت مايا تطلق باتجاهه مطلق الرصاصة, لكنه فر هاربا. خرجت من المصعد, فرأت بوب متمددا على الأرض, أسرعت إليه بفزع, تحسست رقبته, فشعرت بنبضه, زفرت براحة متمتمة "الحمد لله", ثم أخذت تهزه هاتفه "بوب! بوب! أفق"
حرك بوب رأسه قليلا, ثم فتح عينيه ببطء, وهمس "إنه سام"
"هل أنت بخير ؟"
أجاب بضعف "لقد حمتني أشياء الأطفال"
حولت مايا نظرها إلى السترة الواقية, فوجدت فيها ثقبا داخله رصاصة والتي كان موقعها فوق قلبه تماما, ابتسمت له قائلة "إذن لستُ الوحيدة التي كادت أن تقتل اليوم, نحن محظوظان. ابق هنا واتصل بالإسعاف والشرطة, وسأذهب أنا لأصفي الحساب مع سام" ثم انطلقت خارجة.
خرجت باحثة عن سام, فوجدت أثار دماء على الأرض, يبدو أن بوب أصابه, بدأت تتبعها بحذر, حتى وصلت إلى مرآب مبنى مجاور, ثم توقفت محاولة تحديد مكانه, دون أن تعي أنه رآها تدخل المرآب, فصعد فوق إحدى السيارات التي كانت خلفها, ثم صوب مسدسه باتجاه مسدسها, ثم أطلق ليسقط المسدس من يدها.
فزعت من الرصاصة التي أطاحت بسلاحها, ثم التفت ورائها, وقالت وهي رافعة رأسها لتنظر إليه "هنالك صفة تعجبني فيك, أنت قناص ماهر"
قفز إلى الأرض, ثم قال "ولأجل هذا الثناء, لن أجعلك تعانين, فلن أخطئ قلبك"
قالت وهي تنظر خلفه "لا تكن واثقا هكذا. هاي ... رصاصة في ركبته ستكون كافيه"
وقبل أن يدرك سام الأمر, كان كريك الذي يقف ورائه, قد أطلق رصاصته, لتستقر في كبته, تماما كما طلبت منه مايا.
سقط سام متأوها, فأسرعت مايا تنتزع منه سلاحه, ثم رفعت رأسها قائلة تخاطب كريك “بالضبط, هذا هو الدعم الذي كنت أتكلم عنه يا أخي”