قالت بعد أن استقر جالسا أمامها "كيف هي إقامتك هنا؟"
رفع كال حاجبيه متسائلا "هل أصبحنا أصدقاء؟"
فردت مايا ببساطة "لا أعلم! لماذا؟"
أجاب "لأن هذا سؤالكِ هو سؤال يسأله الأصدقاء"
قالت بعد تفكير "لقد ساعدتني سابقا, لذا نعم نحن أصدقاء"
"لم أساعدكِ, لقد نلتُ أجري"
"رغم ذلك, أنا أعتبرها مساعدة, لقد أنقذتْ حياة شخص مهم"
سأل كل بملل "حسنا, ماذا تريدين الآن؟"
أجابت باسمة "مساعدة أخرى. في الحقيقة لقد أصبحتُ أعتبرك مخبري"
تطلع كال حوله قائلا بسخرية "إذا لم تلاحظ, فأنا مازلتُ بين أربع حوائط, في مكان يدعى سجن, أي أنه لا يمكنني تقديم أي شيء لكِ"
أصرت مايا "بلا يمكنك, أنا أعرف أن لك صلات خارج السجن يمكنها مساعدتك في ما أريد"
قال "دعينا نرى ما لديكِ. تكلمي!"
فقالت مايا بنبرة تصميم حادة "أريد معلومات عن سام, أي معلومات مهما كان نوعها, أمواله, عائلته, سكنه, أصدقائه, تجارته, أي شيء وكل شيء"
حملق فيها كال بغير تصديق, ثم هتف "أنتِ تمزحين, صحيح؟ هل أنتِ بكامل قواكِ العقلية؟"
فردت "للأسف أنا كذلك"
برودها دفع كال ليصيح بها "أتعرفين من هو سام؟ إنه وقبل كل شيء, أحد رجال مادوف التاجر المعروف, بل إنه يعتبر ذراعه الأيمن"
قالت مايا بهدوء "ومع ذلك, فهو الآن يتعفن في زنزانة صغيرة. أنا أعرف من هو سام و مادوف, ولذلك أريد معلومات عنه"
صمت كال قليلا, ثم تكلم وقد لاحظ بريق عينيها "هل أنتِ جادة في ما تريدينه؟"
أجابت بقوة "إلى أبعد درجة"
حينها قال "حسنا, كيف يمكنني جمع معلومات كهذه, فكما تعلمين أن أي معلومة عن سام هي سرية جدا"
أمالت مايا رأسها قليلا وقالت "كال! لا تتحاذق علي, أنت أدرى بالطريقة التي تستطيع بها جمع معلوماتك, تذكّر أنك من أخبرنا بوكر سام"
أعترض قائلا "مع ذلك, أنا آسف يا عزيزتي, إنها مخاطرة صعبة... "
فقاطعته "لا! ليست كذلك, إذا كان لها مقابل" ثم مدت له ورقة صغيرة.
نظر كال إلى الشيك الذي حوى مبلغا أكثر من سابقه, صمت قليلا وهو يعض على شفته, ثم تمتم "أنتن النساء, تمارسن الابتزاز إلى أقصى درجاته. حوليه بنفس الطريقة, وسيصلكِ اتصال مني فور حصولي على ما تريدين"
ابتسمت مايا, ثم نهضت لتغادر, لكن كال أوقفها سائلا "ما اسمه؟"
كررت بحيرة "اسمه؟"
فوضح قائلا" الشخص الذي تفعلين هذه الأمور من أجله, ما اسمه؟"
نظرت إليه, ثم ردت بخفوت "فآن"
قال "أتسائل إذا كانا يستحقان ذلك"
سألته "ما الذي تقصده؟"
فتكلم هادئا "أولا الضابط أليكساندر, والآن هذا الشخص فآن, أنا لا أستطيع منع نفسي من السؤال إذا كانا بالفعل يستحقان أن تبذلي أموالكِ وتعرضي حياتكِ للخطر من أجلهما"
فردت عليه مايا وهي تغادر بصوت عذب "لا تقلق, إنهما يستحقان ذلك بكل ما تحويه الكلمة من معنى"
بعينين شاردة, كان يقوم بتفكيك المسدس إلى عدة قطع, ثم يقوم بتركيبه مجمعا إياه, ليقلبه بين يديه, ثم لا يلبث إلا أن يعيد تفكيكه من جديد, بعدها يشرع بتركيبه, وهكذا. سمع صوت كريك الواقف بجوار الباب يقول "هذا ليس سلاحك, صحيح!"
رد عليه أليكس دون أن يرفع نظره عن القطع المتناثرة حول المكتب "أجل, إنه ليس لي"
دخل كريك, وجلس على مقعد أمام مكتب أليكس, وسأل "لمن إذن؟"
تمتم أليكس "لمايا"
"وماذا يفعل مسدس مايا بين يديك؟"
قال أليكس بنفاذ صبر "أتريدني أن أكتب لك محضر تحقيق!"
رد كريك متعجبا "واو! لماذا أنت غاضب؟ هل لأنها تركتنا؟ بالله عليك ما الذي بيدنا فعله؟ أتعلم أننا ذهبنا إليها قبل بضعة أيام لنقنعها بالعودة, لكنها رفضت"
عندما لم يرد أليكس عليه, بل حتى لم يرفع نظره إليه, أكمل كريك مغيظا إياه "أتعرف! لقد أخبرتنا أنها لم تعد ترغب برؤيتك, وأنا الذي كنت أظن أنكما ثنائي رائع. لحظة! لا تفهمني بطريقة خاطئة, أنا لا أقوم بنقل الكلام والنميمة, هي من طلبت منا أن نخبرك بذلك, لكننا رفضنا"
زفر أليكس قائلا "ولماذا تخبرني إذن؟"
حك كريك شعره مجيبا "لا أعرف. أتعلم مايا تحيرني, لا أعلم كيف تفكر. والدها وانتهى عمره, فريدريك وكان مضطرا, أنت ولا ذنب لك فيما حدث, مادوف وسيأتي اليوم الذي سيفضح فيه, إذن علام هذه الزوبعة"
قال أليكس ببرود "اذهب وأخبرها بذلك"
"أنت تسخر مني, صحيح؟"
"على العكس, أرى أن كلامك يمتلأ حكمة, لذا أريدك أن تخبرها بذلك"
فتكلم كريك معترضا "لا. لن أخبرها بشيء, فلن تكون هنالك نتيجة, لقد أصمَّت مايا أذنيها عن كل صوت إلا صوت الانتقام, الانتقام الذي منعها من عيش حياتها بشكل طبيعي, منعها من أن تؤسس حياتها الخاصة, من أن تعيش يومها بسعادة, من أن تحب رجلا وتتزوجه. أتعرف أعتقد أنها لو أحبت رجلا فسيستطيع أن ينسيها الانتقام"
أطرق أليكس مفكرا, ثم قال مستنتجا بنبرة هادئة "تقصد يستغل حبها له حتى يجعلها تقلع عن انتقامها"
اتكأ كريك على طرف المكتب مجيبا بدهشة "يستغل! لماذا تستخدم هذه الكلمات, لو كان رجلا بالفعل يحبها لن يستغلها, كل ما هنالك أن حبه لها سيدفعها للتخلي عن هذه الأفكار"
صمت أليكس مسندا رأسه على كرسيه الجلدي, ثم ابتسم ابتسامة غريبة, وهتف بمرح "كيف أصبحتَ حكيما فجأة؟"
رد كريك بتأوه "الحب! الحب يا صديقي"
فقال أليكس مازحا "بدون إهانة, في البداية كنت أفكر أن نينا تعيسة حظ إذ أحبتك, لكن الآن أعتقد أنها محظوظة وبقوة, لقد أصبح صديقها حكيما, يفهم في أمور النساء"
غمغم كريك بحسرة "لا تذكرني بنينا, إنها غاضبة جدا"
قال أليكس "أعرف"
سأل كريك بحيرة "كيف عرفت؟"
رد أليكس ببرود "سمعتك تحاول تهدئتها على الهاتف قبل قليل, فخمنت أنها غاضبة, ماذا فعلتَ لها؟"
هتف كريك ببراءة "أوه يا صديقي, لا تظلمني, لست أنا السبب, إنها مايا"
نظر إليه أليكس متسائلا باهتمام "ما الذي حدث؟"
فضحك كريك بخفة قائلا "الآن استطعتُ جذب انتباهك"
كرر أليكس "ماذا حدث؟"
فرد كريك مدافعا "لا تقلق, إنه ليس بالأمر الجلل, كل ما هنالك أن نينا ترفض أن تصطحبها مايا من المدرسة بسيارة والدها فآن البيضاء بالرغم من أنها ليست قديمة, ولكن نينا تعترض على لونها الأبيض. إنها تكره السيارات البيضاء, وتراها بشعة"
رفع أليكس حاجبيه, ثم مد يده إلى إحدى القطع, متمتما "وماذا عن سيارة مايا؟"
"لقد باعتها دون أي سبب"
توقفت يدي أليكس عما كان يعمله, وضاقت عيناه مفكرا, ثم رفع رأسه قائلا لكريك "هل هذا ما أخبرت به نينا؟"
أجاب كريك "لقد قالت لها أنها لم تعد بحاجة إلى سيارتها, لذا قامت ببيعها"
حينها همس أليكس "أو ربما هي بحاجة إلى شيء آخر".
كان أليكس متجها إلى الدور الرابع حيث يقبع مكتبه عندما توقف المصعد في الدور الثاني, وبدأ خمسة رجال يدخلون حاملين معهم بضعة صناديق ثقيلة, وقد بدا أنهم يقومون بعملية نقل من مكان لآخر, صدح جرس المصعد منبها أن هنالك حمل زائد, فأراد أحد الرجل الخروج عندما قال أليكس "لا بأس, سأخرج أنا, لست مستعجلا". خرج من المصعد, ثم تطلع حوله ليجد لافتة كتب عليها قسم تصنيف الأدلة والملفات, وقف طويلا محملقا في باب القسم, ثم حث خطاه باتجاهه.
طرق الباب, وعندما لم يجبه أحد, فتحه بهدوء, لم يجد أحد في مكتب الاستقبال, كما لم يكن هنالك أي صوت يدل على وجود أحد, يبدو أن لديهم اجتماع في مكان ما أو شيء من هذا القبيل, لذا اتجه إلى الغرف المصطفة على الجانب الأيمن , بدأ بفتحها عشوائيا, الأولى, ثم الثانية, وأخيرا الثالثة التي توقف فيها, فالرائحة التي تملأ الغرفة, هي قطها رائحة عطر مايا, إذا فهو في مكتبها. ظل لعشر دقائق كما هو, واقفا في الغرفة, متأملا كل شبرا فيها, يلفه السكون والغموض, أخيرا أدار جسده مغادرا, لولا أن مظروفا أسود اللون لفت انتباهه, سار إلى مكتبها, وتناول المظروف, وبدأ يقلبه بين يديه, لم يكن هنالك أي اسم أو عنوان يدل على المرسل, كل ما كتب عليه, بيانات المرسل إليه والذي هو مايا.
بدأ الفضول يساوره لسببين, الأول أنه لونه أسود, وهو لم يرى من قبل مظروفا أسودا, والثاني أن لا بيانات عليه تدل على صاحبه, نقر بقدمه على الأرض عدة مرات xxxxxا ما الذي يجب عليه فعله, لكنه في النهاية قرر أن يفتحه, فلن يسبب الإطلاع على ما يخص مايا أي مشكلة, فالحرب قد قامت بينه وبينها سلفا.
كان المظروف قد أحكم إغلاقه, فاضطر أليكس إلى فتحه بقوة, الأمر الذي أدى إلى تمزقه وسقوط بضع صور منه على الأرض, انحنى جامعا إياها, ثم اعتدل لتتسع حدقتا عينيه بصدمة , نتيجة للصورة التي وقع نظره عليها. لقد كانت صورة له وهو يضحك, إنه لا يذكر في أي وقت التقطت الصورة, لكن الأمر الذي هو متأكد منه, أنها تم التقاطها بالسر دون أن يعلم, قلب الصورة, فوجد كتابة طُبعت على ظهرها تقول (هو سبب رحيل والدكِ), بدأ يقلب نظره بين الصور الباقية, وقد حوت على صورا له ولخاله فريدريك في وضعيات مختلفة, وقد كتب عليها عبارات من قبيل (انتقمي منه) (الخائن مصيره الموت) (لماذا يعيش هو, ووالدكِ يموت؟).
ألقى الصور من يديه بوهن, مازال عاجز عن تصديق ما رأى, من الذي يفعل هذا؟ فجأة بدأ الشك يزحف إليه, فدار حول المكتب, ثم جلس على الكرسي متوجسا أن يكون ظنه في محله, مد يده إلى درج مكتبها, ثم سحبه بكل بطء, داعيا الله أن يكون مخطئ, لكنه للأسف كان محقا في ظنه, ففي الدرج, استقر مظروفين أسودين, تماما كالذي فتحه قبل قليل, أخرج المظروفين,
ونثر ما فيهما على المكتب, لتطالعه بضع صور له ولخاله, وصور لرجل لم يقابله يوما, لكنه يعرفه تماما, إنه فآن والد مايا. أمسك الصورة بيد مرتجفة, لقد التقطت فور وفاة فآن, فقد ظهر في الصور وجه فآن متضجرا بدمائه,
وقد كتب خلف الصورة (من أوصل والدكِ إلى هذه الحالة؟), صورة أخرى, كانت قد أخذت قبل وفاته مباشرة, فقد كان فآن واقفا في مهمته تلك, وقد كتب ورائها (لو أخبرني فريدريك, لكنتُ حيا), وثالثة حوت (أريحيني في قبري يا ابنتي). أيضا كان هنالك ورقة مثنية, فتحها أليكس فوجد فيها (الأمر بهذه البساطة, بري والدكِ كما بركِ, واقتلي من تسببا بموته, فريدريك الخائن, وأليكساندر الذي لو لم يُختار لاختير والدكِ. بدون قتلهما, أنتِ لن تشعري بالراحة أبدا, اقتليهما ولا تجعلي موت البطل فآن يضيع هباء).
اصطكت أسنانه, واحمرت عينا, وانتفخت أوداجه, ونبض عرق في جبينه, ظل ساكن لمدة ثانية, ثم ثانية أخرى, لكنه انتفض في الثالثة ليضرب سطح المكتب بقبضته ضربة رجت المكتب رجا عنيفا, بدأ يتنفس تنفسا متقطعا سريعا أقرب ما يكون إلى شهقات عالية, بعدها أمسك ببضع صور, ثم نهض راميا إياها بكل قوته على الأرض,
وهو يصيح بعنف "اتركوها وشأنها أيها الأوغاد! اتركوها! كفوا عن أذيتها!" غرس يديه في شعره القصير الفاحم, وأخذ يزدري ريقه في محاولة منه لتهدئة نفسُه المضربة, لكن قدميه لم تستطع تحمله من فرط انفعاله, فاتكأ على زاوية المكتب بيده, ثم بدأ يقول ذاهلا "كيف! كيف تحملتِ هذه الحرب النفسية التي يمارسونها ضدكِ يا مايا! كيف تستطيعين الصمود والوقوف إلى الآن! من هؤلاء! ولماذا يستهدفونكِ أنتِ! لماذا! لماذا لم تخبري أحدا بهذا! لماذا تعانين وحدكِ!" ثم أغمض عينيه طويلا, رافعا رأسه إلى الأعلى, مفكرا أن طرفا ثالثا قد دخل ميدان المعركة.