مرتدية قميصا ورديا وتنورة بيضاء تصل لركبتيها, عقدت ذراعيها على صدرها وقد تدلت حقيبتها البيضاء من إحدى ذراعيها, وأسندت ظهرها على الجدار, ثم بدأت تراقبه وهو يستلم باقة الورود الحمراء من نينا ويبتسم لها, كان شبه مستلقي على سريره الأبيض, مستندا على عدة وسائد خلف ظهره. أخيرا بعد أسبوعين من العلاج, ترى للمرة الأولى أليكساندر الذي تعرفه, فهي منذ هددته بقتل خاله لم تقم بزيارته, بل اكتفت بأخذ أخباره من الطبيب المشرف عليه ومن أصدقائه.
ابتسمت عند سماعها لنينا تسأله بلهفة "أخبرني كيف كنت تشعر عندما كنت تتعاطى جرعة الهيروين؟"
رفع أليكس حاجبيه, ثم قال بتسلية "حسنا, أمهليني أسبوعين آخرين لأجيب عن سؤالك, لأني اعتقد أني لو بدأتُ أتحدث عن ردة فعل الهيروين على جسدي, فسأثار بقوة, وهذا أمر ليس من السهل مقاومته بعد أسبوعين فقط من الإدمان"
غمغمت نينا بخفوت "أنا آسفة, لم أقصد أن ..."
قاطعها وهو يمرر أنامله على الورود الحمراء "بالرغم من الورود الكثيرة التي تلقيتها, إلا أن أحدا لم يقدم لي ورودا حمراء فاتنة كهذه, شكرا لكِ"
ضحكت نينا قائلة "لا شكر على واجب, مع أني لستُ من اختارها" ثم التفت تخاطب مايا "كريك ينتظرني في مقهى المستشفى, سأذهب الآن" سارت إلى باب الغرفة وهتفت وهي تغلقه خلفها "وداعا أليكس"
بعد خروجها, قال أليكس وهو يمد يده واضعا الورود على الطاولة "هل يفترض أن أشكركِ عليها"
أجابت مايا بهدوء "لا. الشخص الذي يفترض بك شكره على الورود الحمراء هو البائع, لأنه هو من قرر اللون الأحمر, معلقا بأن فتاة ساحرة كنينا لا يليق بها إلا لون ساحر كالأحمر" ثم أضافت بنبرة استفزاز "آسفة, ولكني لست يائسة لدرجة تقديم ورود حمراء لرجل"
رد عليها أليكس بسرعة بديهة "ومع ذلك كنتِ يائسة لدرجة عدم زيارتي طوال الأسبوعين الماضيين"
مطت شفتيها مفكرة, ثم قالت "في الحقيقة لم أجد أي داعٍ لزيارتك, فقد كنت أرى طبيبك, وكنتُ أعرف منه أنك في تحسن مستمر, وألا خوف عليك"
سألها ببرود "ما الداعي لزيارتي الآن إذن؟"
أشارت بإبهامها إلى الباب قائلة "سأخرج إن أردتَ ذلك"
حملق في عينيها بقوة, ثم قال من بين أسنانه "هل لديك أي فكرة عن مقدار الرعب والشك الذي زرعته في قلبي؟"
أدركت أنه يتحدث عن وعيدها بقتل خاله, فقالت بخفوت "لقد أنقذتك من الإدمان"
رد بحدة "أنقذتني من بحر لترميني في محيط. لقد كانت يومين كالجحيم بالنسبة لي, بالإضافة إلى آلامي, وعدم قدرتي على الكلام, أصبحتُ أهلوس بالطريقة التي ستقتلين بها خالي, وبكلماته الأخيرة, دون أن أستطيع أن أفعل شيء. لم أدرك الحقيقة إلا نهاية اليوم الثاني, عندما بدأت أستعيد شيئا من قواي العقلية" زفر بقوة ثم أكمل بامتنان "مازلت معترضا على الطريقة التي استخدمتها معي, لكن مع ذلك شكرا لكِ"
سألته مايا متجاهلة شكره "لماذا ذهبت وحدك؟ لماذا قابلت كال دون علمنا؟ لماذا أغلقت مكبرات الصوت؟ لماذا لم تخبر أحدا؟"
أجاب برقة "أي سؤال تريدينني أن أجيب عليه أولا؟"
أغضبتها لا مبالاته, فهتفت حانقة "هل تدرك الموقف الذي وضعتنا فيه؟"
لمعت عيناه السماوية, وقال بجدية "نعم أدرك ذلك. لقد حرمتكم من النوم يوما بليلته, زرعتُ فيكم القلق, جعلتكِ تتجادلين مع رئيس وحدة المخدرات ونائبيه, أرسلتكم إلى وكر سام, عرّضتُ حياتكم للخطر, خصوصا أنت وبوب" صمت قليلا, ثم قال مؤكدا "نعم أنا أدرك بالفعل الموقف الذي وضعتكم فيه"
لقد أرادت فقط أن ترد له ضربته التي وجهها إليها قبل قليل, لم ترد أن تجعله يشعر بالذنب كما هو مرتسم على وجهه الآن, لذا قالت محاولة تغيير الموضوع "واو. أهناك شيء حدث في ذلك اليوم لم يخبرك فريقك به بعد!"
"نعم"
"ما هو؟"
"كيف أقنعتِ كال بإخباركم بمكان سام دون تسوية؟"
"ومن الذي أخبرك أنه لم تكن هنالك تسوية؟"
سأل والدهشة تملأه "حقا! وماذا كانت؟"
أجابت بمكر "سر المهنة"
لم يبالي بكلامها, فسأل مرة أخرى, مصمما على المعرفة "ماذا قدمتِ لكال المبتز؟"
هتفت "ولماذا أنت مهتم بالأمر؟"
فقال موضحا "عندما قابلته, عرضت عليه كل شيء في العالم, إلا أنه أبى سوى تقليص سنوات سجنه. لذا أريد أن أعرف كيف اقتنع بتسويتكِ"
انفرجت شفتاها عن ابتسامة دهاء, وقالت "أنت تشعر بالغيرة, صحيح! لماذا انصاع لي رجل صعب المراس ولم ينصع لك! حسنا, الإجابة البسيطة, وهي أنني أفضل منك عقليا وجسديا"
رفع حاجبيه مرددا "وجسديا!"
بسطت يديها وقد رفعتهما أمام وجهها, وتكلمت وهي تنظر إليهما لتغيظه "ألم أتغلب عليك, وأنتزع منك السكين, في أول لقاء لنا!"
قال ببرود "الأمر ببساطة, أنني لم أرد أن أؤذيكِ. أنا لا أؤذي النساء"
ردت بتسلية "من تحدث عن الإيذاء!"
فتكلم محذرا "مايا! ادعِ الله ألا أضطر يوما لاستخدام قوتي الجسدية معكِ"
راق لها النقاش, فقالت "لا تغضب! أنا فقط أتسائل أين كانت قوتك الجسدية عندما كنتَ في قبضتي! ربما لو رأيتُها لما غرستُ السكيــ ..." صمتت فجأة, وقد بدت علامات التفكير جلية على وجهها, ثم تحولت تدريجيا إلى علامات ذهول وشحوب.
سأل أليكس قلقا "ما الأمر؟"
نظرت إليه بخوف, وقالت هامسة "أنت ... مدمن"
قال مستهزئا "ظننتُ أننا اتفقنا على هذه الحقيقة"
تكلمت وكأنها توضح لنفسها "أنت مدمن, لذا لا تستطيع أخذ أي مخدر, هذا يعني أن السكين الذي غرستها فيك, أقصد الجرح الذي سببته لك في فخذك, قد تم تقطيبه دون أي مخدر, لقد كنت بكامل وعيك وإحساسك أثناء تقطيب الجرح, هل هذا صحيح؟"
ابتسم, وقال معاتبا برقة "هذا صحيح, أرأيتِ مقدار الألم الذي سببته لي"
قالت مترددة "كم ... كم غرزة احتجت للتقطيب؟"
فأجاب بوضوح "اثنا عشرة"
تنهدت بقوة, وأغمضت عينيها, متخيلة شدة الألم الذي شعر به, فسمعت أليكس يقول بمرح "لا تلومي نفسكِ, فكما قلتِ, قد انتقمتُ منكِ بخصم مرتبكِ, أليس كذلك؟"
فتحت عينيها, وقالت متصنعة الجدية "أولا, أنا لا ألوم نفسي, فأنا لم أكن أعلم, كل ما في الأمر أني أشفق عليك. ثانيا, بالتأكيد أنا مازلت مصممة بأنك انتقمت مني عن طريق خصم 30 % مني, وخصم 70 % منك. أليس كذلك؟" ثم رمت عليه نظرة ساخرة.
لم يستطع أليكس فعل شيء, سوى إطلاق ضحكة متوترة, وهو يقول "لقد كشفتِ كل أوراقي صحيح!"
اعتدلت في وقفتها بعد أن كانت مستندة على الجدار, وتمتمت "مازلت منتظرة أن توضع لي سبب هذه الشهامة"
مرر أليكس يده على شعره الفاحم قائلا "ليس الأمر بذي الأهمية, فقط ظننتُ أن القرار كان مجحفا بحقك, فأنتِ لم تكوني على علم بأهمية تلك المراقبة, بالإضافة إلى أن غيبوبة والدتكِ أثرت في الموضوع, لذا اعترضتُ عليهم. ولأنني عرفتُ أنهم لن يستسلموا بسهولة, فقد عرضت أن تُقسم العقوبة بيني وبينكِ"
سخرت قائلة "تُقسم ليست الكلمة المناسبة"
أجاب بنبرة إقناع "بما أنني رجل غني جدا, فقد قررت أن أتحمل الجزء الأكبر من الخسارة"
جلست على كرسي يلاصق مقدمة سريره, وسألت "وكيف أصبحت رجلا غنيا؟"
رد ببساطة "أبي رجل غني, فهو طيار, وأمي من عائلة غنية, لذا فمن الطبيعي أن يكون ابنهما غنيا. بالإضافة إلى أنني أملك 20 % من أسهم شركة خالي فريدريك للإعلانات"
اتكأت بمرفقها على الطاولة الصغيرة على يمينها, وأسندت جانب وجهها على باطن يدها, وقالت بصوت خفيض "أنت كنز ثمين إذن, بدأت أطمع فيك"
غمغم أليكس "مذ دخلتِ إلى الغرفة وأنتِ ساخرة, ألا يمكنكِ أن تكوني أكثر جدية"
اعتدلت جالسة على كرسيها صامته لثواني, ثم قالت بجمود "بلى أستطيع أن أكون جادة, أزور مريضا, وأقدم له هدية شفاءه" ثم أخرجت من حقيبتها البيضاء, علبة زرقاء صغيرة, ودفعتها باتجاهه.
قالت وهي تراه عاقدا حاجبيه "لا تقلق! إنه ليس خاتم زفاف, أنا لست كريك"
ضحك وهو يتناول العلبة ويفتحها, غير أن الضحكة جمدت على وجهه وهو يشاهد ما بداخلها. اشتدت يداه ضاغطة على العلبة, واسودت عيناه وهو يشاهد الرصاصة تلك التي ادخرتها مايا لخاله فريدريك. وقال بفم متصلب "ما الذي يعنيه هذا؟"
أجابت بابتسامة راجية "لماذا تريد أن تصعب عليّ الأمور! ألا تعلم كم الوقت الذي احتجته حتى أتخذ هذه الخطوة!"
قلّب نظره بينها وبين الرصاصة بوجه متجهم, ثم سأل "ما الذي يحدث وأنا لا أفهمه؟"
أخفضت نظرها إلى الأرض, وعضت على شفتها السفلى, ثم تكلمت بصوت مخنوق, دون أن ترفع بصرها إليه "لن أقتل فريدريك, أنا حتى لم أعد أتهمه بقتل والدي, لقد أيقنت أنه بريء, وأنني كنتُ أظلم رجلا كان يحب أبي, وصديقا له لثماني سنوات"
مرت لحظتين قبل أن يهتز هاتفها النقال القابع داخل حقيبتها, فأخرجته, ثم نهضت مبتعدة عن أليكس وهي تجيب.
أستسلم! هذا ما همس أليكس به وهو يراقبها, نعم أنه يستسلم من محاولته لفهم تلك المرأة التي تقف في زاوية الغرفة تتحدث بالهاتف. فمنذ أول لقاء, كان يحاول أن يفهمها بنية استجوابها, وبعد أن عرف من هي, زادت رغبته بمحاولة فهمها, خصوصا أنه كان يدرك كرهها لخاله, ثم أتت تصرفاتها الغريبة, والمجنونة غالبا, لتجعله يسعى جاهدا لسبر أغوارها, وفي النهاية, وعندما أخبرته بنيتها لقتل خاله, أقسم أنه سيجعلها تحت عينيه, وأنه سيجد الطريق لفهم ماهيتها, ليقنعها ببراءة خاله. ولكن الآن, وبعد تصريحها هذا, إنه يرفع الراية البيضاء, فمايا كُتب عليها أن تظل لغزا إلى الأبد . إنه يستسلم فهو ظن أن ما يحركها هي عاطفتها, ولكنه الآن غير متأكد, فأي عاطفة هذه التي جعلتها تفكر حتى مجرد التفكير في براءة فريدريك, فضلا عن إقرارها واقتناعها بذلك! لقد فكر في أنها تخدعه حتى تبعده عن طريقها, لكن احمرار وجهها, وصعوبة نطقها, أكد له أنها صادقة, وأكد له أنه قرار تواجه صعوبة في الاعتراف به, وهذا يدل على أنه قرارٌ اتخذته حديثا.
رآها تقترب منه بعد أن أنهت مخابرتها, وقد بدا أنها استعادت شيء من ثقتها, ففتح فمه وهو يهم بسؤالها, غير أنها رفعت يدها باتجاهه, وقالت تقاطعه بهدوء "توقف! فأنا لم أنهي كلامي بعد, بقي لدي أمر واحد, رجاءا لا تسألني أي أسئلة, فالأمر مازال صعبا عليّ, أن أتهم رجلا بريء لثلاث سنوات, اتفقنا!"
"مايا ..."
قاطعته بعجلة "ليس الآن, فأنا مضطرة للمغادرة" ثم وبحركة سريعة, مدت يدها إلى باقة نينا ذات الورود الحمراء على الطاولة, وسحبت وردة لتقدمها لأليكس قائلة بصوت أبح "حمدا لله على سلامتك, سعيدة بعودتك إلينا"
تمتم أليكس "هذه ليست ورودك"
فهمست باسمة "أنا من دفع ثمنها" ثم رمتها عليه برقة لتصطدم بصدره. وخرجت مغلقة الباب ورائها.
"هل هو موجود ؟"
أجاب رجل الأمن الذي يحرس الغرفة "نعم"
طرقت مايا الباب, ثم دخلت دون أن تعطي لسام فرصة ليأذن لها, أغلقت الباب خلفها بقوة, وسألت "ماذا تريد؟"
قال سام المستند على سريره "يا لها من طريقة لمعاملة مريض"
نظرت إليه بحدة, فهي كلما تذكرت العذاب الذي مر به أليكس, ندمت على عدم قتلها له, فالرصاصتين التي تلقاها من بوب وكريك لم تكونا كافيتين لقتله, وإنما قامتا بإدخاله إلى المستشفى نفسها التي بها أليكس, فأجريت له عملية, وقد نجحت, وهو إلى الآن مازال في المستشفى ليبقى تحت الملاحظة. وقبل قليل, اتصل بها رجل الأمن المسئول عن حراسته ليخبرها أنه يود مقابلتها, فخرجت من عند أليكس, وأتت إليه.
تكلم سام بهدوء "لو تعلمين ما هي المعلومات التي سأخبركِ بها, لما كنتِ حانقة عليّ هكذا"
سألت وقد عزمت على المغادرة "ماذا لديك؟"
قال بعدم استعجال "دعينا نرى, لقد حضر محاميّ قبل ساعة, فسألته عن الضباط الذين ألقوا القبض عليّ, فأصابتني الدهشة عندما أخبرني أن الفريق الذي قبض عليّ كان بقيادة النقيب مايا فآن, والتي هي أنتِ"
قالت وقد نفذ صبرها "ولما الدهشة؟"
فأوضح بابتسامة صفراء "كيف لا أدهش وأنا أرى الجيل الثاني يسير على خطى الجيل الأول! لقد ظننا أننا فرقنا العائلتين, ولكن وكما هو يبدوا, فنحن كنا مخطئين"
صمتت مايا قليلا, ثم قالت "إما أنك تتحدث بلغة أخرى, أو أنك مجنون"
فأكمل جملتها "أو أنكِ غبية"
ضحكت مايا رغم كرهها له, ثم تكلمت "لأنك جعلتني أضحك, سأعطيك دقيقة واحدة لتوضح ما تريد"
تنفس سام الضخم, وقال "أريد أن أعرف لماذا ابنة فآن مع ابن أخت فريدريك, بالرغم مما حصل بين فآن وفريدريك بسبب أليكساندر"
عقدت حاجبيها سائلة "ماذا تقصد؟"
غمغم "أرأيتِ أنكِ غبية"
صرخت بوجهه "ماذا تقصد؟"
نظر إليها فاحصا ملامحها, ثم قال بعد أن أطلق صفيرا "أنتِ لا تعرفين صحيح! وأنا الذي كنتُ أتسائل لماذا تنقذين أليكساندر"
"بماذا تهذي أنت؟"
"أنا لن أتكلم, اجعلي فريدريك يخبرك, فهناك علاقة فريدة من نوعها تربطك بأليكساندر"
صمتت مايا قليلا لتستوعب الأمر, ثم هتفت ساخرة وقد أدركت أن سام يريد أن يعبث بها "أوه أخشى ألا نكون إخوة"
"الأمر أكثر إثارة من ذلك"
"يا إلهي أنت تقصد أن أليكساندر هو والدي الحقيقي"
"اسخري كما تريدين, فأنا متأكد أنكِ ستأتين إليّ عما قريب عندما تعرفين الحقيقة"
قالت بثقة "بالتأكيد سآتي إليك, حتى أبشرك بصدور حكم إعدامك" ثم رحلت وهي تفكر أن على سام أن يبذل جهدا أكثر إذا أراد أن يعبث بها مرة قادمة.