كانت تقف أمام مكتب أحد الضباط حيث ناولها قبل أن يخرج صندوق صغير يحوي ممتلكاتها الشخصية, فتحت الصندوق ثم أخرجت ساعة معصمها وبدأت بارتدائها عندما سمعت صوت من خلفها يقول "الحمد لله على سلامتك. كم يوم قضيتِ في السجن إلى الآن؟"
ردت ببرود دون أن تلتفت وقد ميزت أن صاحب الصوت هو جون "أربعة أيام"
اقترب جون منها وجلس على المقعد الجلدي للمكتب, ثم قال بنبرة هادئة "كيف كانت نتائج الاختبارات النفسية؟"
أجابت مايا ساخرة "للأسف. أثبتت أنني لست مجنونة"
فقال جون بجدية "لم يقل أحد أنكِ كذلك"
تناولت مسدسها وشارتها من الصندوق وهي تقول "أنت لم تأتِ لاستقبالي فقط, صحيح!"
رد عليها "أنا من أمرت بتسريع التحقيق وإجراء الاختبارات, ذلك أني أردت أن تخرجي بسرعة, فلم يبقَ لدينا سوى يوم واحد"
رفعت نظرها إليه, وقالت بترقب "ما الذي حدث؟"
فأجاب جون دون مواربة "في اليوم الثاني لكِ في السجن, خطف مادوف فريدريك"
حملقت فيه بعدم تصديق وهي تكرر هامسة "خطف فريدريك!"
"نعم"
فسألت بشك "لماذا؟ ماذا يريد منه؟"
قال بنبرة غريبة "الظاهر أنه يريدكِ أنتِ"
تراجعت خطوة إلى الوراء وهي تمتم "الظاهر أني لا أفهم ما تحاول قوله"
فقال بعد أن زفر ببطء "لقد خطف فريدريك, واتصل بأليكس ليخبره أنه إذا أراد خاله, فعليه أن يحضركِ له. على أليكس أن يختار بينكما"
صمتت دقائق طويلة, لتقول بعدها بصوت أجش "إنه يعيد الكرة, يعيد اللعبة التي راح ضحيتها أبي"
فوافقها قائلا "تماما. لقد أعطى أليكس مدة ثلاثة أيام ليقرر, وقد انقضى يومين وبقي الثالث"
فقالت بغضب "وماذا فعلتم في هذه اليومين؟ لماذا لم تبحثوا عن فريدريك؟ لماذا لم تنقذوه؟"
"نحن وحدة مخدرات يا مايا لا شأن لنا بهذه القضايا, أما بالنسبة للشرطة, فأليكس رفض أي يطلب مساعدة الشرطة, حتى أنه لم يبلغ عن اختفاء فريدريك"
"لماذا؟"
"لا أعلم, أليكس هادئ بشكل غريب. بالتأكيد أنا أثق به, ولكنني أعتقد أنه يحتاج إلى مساعدة, كريك مسافر, وبوب لم يتعافى من إصابته للآن, لا يوجد مع أليكس سوى برنارد, لذا أنهم يحتاجون إليكِ أنتِ بالذات, لقد أعدتِ لنا أليكس سالم, فأعيدي لنا فريدريك هذه المرة" ثم وقف وانصرف تاركا إياها في حيرة.
"تفضلي! لقد كنتِ تشربين القهوة ذلك اليوم, لذا فخمنتُ أنكِ تحبينها"
تناولت مايا كوب القهوة من آن – والدة أليكس- وهي تمتم شاكرة, رشفت القليل من القهوة ثم سألت "أين أليكساندر؟"
جلست آن على الأريكة المواجهة لها وهي تجيب باسمة "إنه ليس في المنزل"
رفعت مايا حاجبيها دهشة, وقالت "ماذا! لما لم تخبريني منذ البداية! لما طلبتي مني الدخول إذن!"
فردت آن ببساطة "أردت قضاء بعض الوقت معكِ"
ابتسمت مايا بحرج, ثم تمتمت بتردد "حسنا... أنا فقط ... قد أكون بحاجة للوقت"
نظرت آن إلى الساعة المعلقة على الحائط والتي أشارت ****بها إلى الثانية عشرة ظهرا, ثم قالت "بالتأكيد فبقي أقل من يوم على موت أحدكما, أقصد أنتِ أو فريدريك, صحيح!"
توقفت يد مايا الحاملة لكوب القهوة والذي كان في طريقه فمها من صدمة المفاجأة التي استمرت للحظات, لم تلبث مايا بعدها إلا أن تهمس "لم أتوقع أنه أخبركِ"
أجابت آن "ابني لم يقل شيئا, سونيا من أخبرتني, للأسف لقد كانت موجودة وقت حديث أليكس مع مادوف, وأعترف أن ذلك لم يكن سهلا عليها"
غمغمت مايا "لا أعتقد أنه سهل على أحد"
فوافقتها آن قائلة بنبرة تعاطف "بالتأكيد, تماما كما حدث لوالدكِ"
قست نظرات مايا المحملقة في المنضدة, غير أن آن تابعت كلامها "صدقيني لم أكن أملك أدنى معرفة بقصة مقتل والدكِ, لقد علمتُ عن طريق سونيا التي أخبرها أليكس. أتعرفين! بعد أن تأملتُ القصة خرجت بنقطة واحدة, وهي أن أليكس لم يكن له أي ذنب فيما حدث لوالدكِ"
ردت مايا بحدة "أنا لم ألقِ اللوم عليه أبدا"
فقالت آن بجدية "أنا أعني ... أن القضية كانت قضية والدكِ وفريدريك ضد مادوف, كانا يعلمان أن المواجهة لن تكون سهلة, كانا يعلمان خطورة عمليتهما, ويعلمان الأضرار التي قد تصيبهما, أقصد أن الاثنان كان لديهما استعداد للموت أثناء تلك المواجهة. ولكن ماذا عن أليكس؟ ما دخل أليكس بذلك كله؟ لم يخطط معهما, لم يشترك معهما, بل لم يكن يعلم بعمليتها, إذن لماذا يكون طرفا في المسألة! لماذا يموت بدلا منهما! بصراحة أنا أرى أن فريدريك كان مصيبا في اختياره, لا ذنب لأليكس في القضية, لذا لا يفترض أن يموت"
فقالت مايا بصوت مرتفع من الغضب "لا يفترض بابنكِ أن يموت, لكن يجب على أبي أن يموت"
فصاحت آن في وجهها "أبوكِ من اختار أن يخاطر بحياته, تماما كما اختار فريد ذلك, لذا كان يجب أن تقتصر الأضرار عليهما فقط, لا على أي أحد آخر سواء كان ابني أو غيره" صمتت قليلا, ثم تابعت بنبرة هادئة "بدأ يتضح لي أن سبب اختيار فريدريك ليس القرابة والدم, أعتقد أنه كان ليختار حياة أي شاب بريء حتى لو لم يكن يعرفه. لنتخيل أن فآن في ميدان خطِر في إحدى عملياته, وصادف أن شاب كان في نفس المنطقة, وكان معرض للخطًر, أنا متأكدة – وأعرف أنكِ متأكدة أكثر مني – أن فآن ما كان ليترك الشاب في تلك الأخطار, كان سيحاول إنقاذه حتى لو خسر حياته في سبيل ذلك"
ضغطت مايا على أسنانها بقوة, ثم قالت في محاولة منها للاستمرار على موقفها " فريدريك لم يفكر بهذه الطريقة التي تقولينها, لقد قال أنه لم يستطع أن يضحي بأليكساندر لأنه يعتبره ابنه"
فردت آن "لا شأن لكِ بفريدريك. المسألة ليست بأي دافعٍ اختار فريدريك, بل هل كان اختياره صائبا أم لا. وقد يكون فريدريك تصرف على أساس ما قلتُه, لكنه فقط لم يهتدي إلى الأفكار المناسبة للتعبير عنها, فشخص وضع في موقفه من الصعب عليه أن يعبر عن الأفكار التي راودته"
اتكأت مايا بمرفقيها على ركبتيها, وأسندت جبينها على يديها المقبوضتين. تأملتها آن ثم قالت بحزم "ليس خطأ فريدريك, وقطعا ليس خطأ والدكِ, إنه خطأ الحقير مادوف, الذي حول قصة بطولة وتضحية إلى قصة خيانة وغدر عن طريق لعبة قذرة"
رددت مايا بصوت مخنوق "مادوف"
قالت آن "مايا! انظري إلي"
رفعت مايا رأسها, فقالت آن وهي تنظر إلى عينيها التي اسودت نتيجة مشاعر لم تستطيع تفسيرها "الخلاصة, هي أنني لست ممتنة أبدا لفريدريك لأنه اختار أليكس, أنا فقط ممتنة وبقوة لأبوكِ لأنه ضحى بحياته من أجل ابني. أبوكِ مات بطل يا عزيزتي, فلا تدعِ أحدا يشوش عليكِ هذه الحقيقة"
طرقت الباب عدة طرقات, لقد أعطاها برنارد عنوان شقته عندما اتصلت به تسأل عن أليكس, وأخبرها أنه خارج شقته لكنها ستجد أليكس فيها, إذن لماذا لا يجيب! عادت تطرق الباب مجددا, ففُتح فجأة ليظهر لها أليكس من خلفه مصوبا سلاحه باتجاهها.
هتفت مايا بدهشة, وقد رفعت يديها ساخرة "أستسلم!"
زفر أليكس بضجر وهو يخفض مسدسه, ثم تمتم "متى خرجتِ؟"
أجابت وهي تتجاوزه لتدخل "قبل ساعات قليلة فقط. للأسف خطتك للإيقاع بي فشلت"
أغلق الباب بعد أن تأكد ألا أحد في الجوار, ثم التفت إليها سائلا ببرود "ماذا تفعلين هنا؟"
ردت ببساطة وهي تجلس على إحدى الأرائك التي تتوسط الغرفة "أتيت لرؤيتك"
اتجه إلى الأمام, وبدأ يسدل ستار النافذة, وهو يقول ببطء "في حال لم تلاحظِ سبب بقائي في منزل برنارد, فسأخبركِ به, أنا لا أرغب برؤية أي أحد"
قالت باستفزاز "أنا لستُ أي أحد"
فاستدار إليها بحدة, ثم تأملها قليلا, قبل أن يقول بصوت كالفحيح "بالتأكيد, فأي أحد لم يكن ليفكر بقتل رجل كسام"
رفعت حاجبيها وهي تقول بدهشة "لا تقل أنك غاضب من أجل موته, أنت بالذات يجب أن تكون ممتن لي لأنني قتلته"
لاح على شفتيه شبه ابتسامة وهو يهمس "ممتن! غير معقول!" ثم نظر إليها وقال بغضب "على ماذا أكون ممتن! على أبواب الجحيم التي فتحتها علي! أخبريني أي كلمة من قولي ابتعدي عن مادوف وسام لم تفهميها!"
أجابت بنبرة دفاعية "أنت السبب, لو لم تخُفِ عني أمورا مثل لقاءك بمادوف لما حدث ما حدث"
خلل شعره بأصابعه قبل أن يقول بمرارة "أنتِ محقة, أنا السبب, سبق أن كنتِ صريحة وأخبرتنِ أنكِ لا تثقين بي, لكنني لم أصدقكِ وقتها, فعلا أنا السبب"
هتفت وقد أزعجتها نظرة عينيه ونبرة صوته "هذا غير صحيح"
سألها "ما هو الغير صحيح؟"
أجابت بخفوت "أنا أثق بك"
فرد ساخرا "حقا! هذا قبل أم بعد ذلك الاعتراف الجميل عني الذي تلوتِه على مسامع سام, ماذا كان نص عبارتكِ! آه تذكرت (الآن فهمت كل شيء, لقد كان ذراع مادوف طوال الوقت) يا لها من ثقة تهز الجبال"
صمتت مايا وقد بدا أنها لا تملك ردا عليه, غير أنها قالت بصوت هادئ "هذا هو الأمر إذن, أنت غاضب لأنني اتهمتك. حسنا, أنا آسفة, ولكن يجب أن تعلم أن رؤيتك وأنت تقبل يد ذلك المسخ لم تكن سهلة"
مشى بضع خطوات, وجلس على أريكة مقابلة لها, استرخى في جلسته وأخذ ينظر إليها.
سألت مايا بضيق "ماذا؟"
فأجاب بارتياح "انتظر أن تساءلي"
عقدت حاجبيها قائلة "عن ماذا؟"
فرد مبتسما "كفى تظاهر, أعرف أنكِ تتحرقين شوقا لمعرفة السبب الذي دفعني لتقبيل يده, هيا اسألي! سيضل في قلبك شيء من الشك ما لم تعرفِ السبب"
أشاحت مايا بوجهها عنه لبعض لحظات, لتعود إليه بعد ذلك قائلة باعتراف "أنت تختبرني, صحيح! اسمعني أليكساندر, صدمة الصورة هي من دفعتني إلى قول ما قلته وقتها, لقد كنت مشوشة فقط. فور أن هدأت أدركتُ أنني مخطئة, ذلك أنني كنت مقرة في داخلي أنك بريء منذ البداية, لم تهتز ثقتي بك أبدا"
أجاب بصوت أجش "أتعلمين ما هي الثقة؟ فريدريك شاهد الصورة مثلكِ, ومع ذلك لم يرف له جفن, لم يسألني حتى ولا سؤالا واحدا, هذه هي الثقة بالضبط التي أتحدث عنها وأريدها"
اختار برنارد هذه اللحظة بالذات, ليفتح باب الشقة, ويقول بابتسامة ودودة فور رؤيته لمايا "أهلا مايا, أنتِ هنا, كيف كانت رحلة السجن!"
اكتفت مايا بإيماءة بسيطة, ليدرك بعد ذلك الجو المتوتر المحيط بالاثنين, فقال مستدركا "حسنا, يبدو أنني سأذهب قليلا لشراء قهوة" ثم أضاف بقلق وقد تذكر نتائج إحدى لقاءاتهما "بالمناسبة أريد فقط أن أقول أنّ لا داعي لاستخدام العنف أبدا وخصوصا الأسلحة, فنحن سنحتاج كل رصاصة في غارتنا على مادوف. وداعا" ثم خرج مغلقا الباب خلفه.
سألت مايا بحيرة فور خروج برنارد "ما الذي يقصده بالغارة على مادوف؟"
أجاب أليكس ببرود وهو يقف "لا علاقة بك بذلك"
فقالت مايا بحنق "أعتقد أني لي علاقة طالما أنا أحد اختياراتك"
تمتم وهو يقلب بضع أوراق تناولها من فوق التلفاز "سبق أن اخترتْ, وأخبرتُ مادوف بذلك"
فسألت بترقب "ومن سعيد الحظ الذي اخترته؟"
رد بتهكم "لنجعلها مفاجأة"
فوقفت بغضب, قائلة "لا تكن هكذا, لقد أخرجني جون لأكون معك"
أجاب بلا مبالاة "شكرا. لا أحتاجكِ"
فصاحت وقد أخرجها بروده عن طورها "كلام برنارد يوحي بأنك تخطط لأمر ما, دعني أساعدك"
أجاب دون أن يلتفت إليها "آسف, لا أثق بكِ, ماذا لو كنتِ في صف مادوف؟"
هتفت بغل "لست مضحكا"
لكنه اكتفى بقوله "لستُ أمزح, أنا أشكُ فيكِ"
أغمضت عينيها بألم, كما هو واضح, فهو لن يسامحها بسهولة, ويريد أن يذيقها من نفس الكأس الذي سقته منها. قالت في محاولة يائسة "لو كنتُ في صفه لما أنقذتك من سام"
فقال بنبرة أوحت لها أنه مازال مستمرا في تجاهلها "من يدري! قد تكونين فعلتِ ذلك لتكسبِ ثقتي التي قدمتُها لكِ بطبق من ذهب"
نظرت بألم إلى ظهره, لا وقت لديهم, بضع ساعات فقط هي المتبقية, ومع ذلك لدى السيد أليكساندر وقت ليغيظها بلعبته السخيفة هذه, المشكلة أنها لا تستطيع أن تجاريه, هي منهكة جسديا, فلا يمكن لأي كان أن يذوق طعما للراحة في السجن, كما أنها منهكة عاطفيا, بدأً بالأوضاع مع أمها والتي لم تتحسن للآن, كما أن أمها تظن أنها كانت في مهمة, وفكرة أنها مازالت تخدع والدتها للآن أصبحت تؤرقها في الآونة الأخيرة, وهناك أيضا رحيل نينا عنها الذي لم تستطع الاعتياد عليه, وأخيرا فريدريك بحد ذاته, وكلام آن الصادم الذي ما زال يرن في أذنيها إلى هذه اللحظة. والآن أليكساندر الذي كان القشة التي كسرت ظهر البعير, أنها لا تستطيع الاحتمال, لذا اكتفت بالانسحاب خارجة, لكن ليس قبل أن تقول له بحرقة "أتعلم, لو كنتُ في صف مادوف, لكان والدي حيا الآن, و لكنت أنت تحت الثرى"
نظرت إلى الساعة التي تشع في لوحة سيارتها, إنها السادسة مساءا, وبدأت الشمس تختفي, وإلى الآن لم يأتِ برنارد, لقد اتصل بها قبل ساعة, وطلب لقائها في هذا المكان. بالرغم من أن غضبها من أليكس ساعدها على النوم طوال الساعتين السابقتين, إلا أنها مازالت مرهقة, إنها تعرف أن النوم خيار غير صحيح في هذه الأوضاع,رولكن ما الذي بيدها فعله.
أجفلت عندما انفتح باب المقعد المجاور لمقعدها, ودلف منه أليكس دون أن يتفوه بكلمة. ماذا يريد الآن! ألا يكفيه ما فعله بها! قالت بغضب "في حال لم تفهم, فإن خروجي كان علامة على عدم رغبتي في رؤية أحد"
ارتسمت ابتسامة واسعة على وجهه وهو يجيبها "لستُ أي أحد"
فردت عليه بصوت مرتفع "بالتأكيد, فأنت الرجل الذي فتحتُ أبواب الجحيم عليه"
قال مصححا "لا. أنا لستُ أي أحد لأنني الرجل الذي تحبينه"
حدقت عبر زجاج السيارة الأمامي إلى الظلال التي بدأت تغطي المكان, ثم قالت بهدوء متجاهلة عبارته الأخيرة "أتعلم أنت محق, أنا بالفعل أريد أن أعرف السبب الذي جعلك تقبل يد مادوف, وإذا كانت رغبتي بمعرفة السبب تعني أنني لا أثق بك, فأنا إذا لا أثق بك, هنيئا لك"
فقال لها " لقد قلت ذلك الكلام لأغيظكِ فقط, لا علاقة بالثقة في رغبتك في المعرفة, وفريدريك لم يسألني لأنه شعر بأنني كنت غاضب في ذلك الوقت, لذا فضل أن ينتظر حتى أهدأ. حقا كنت سأشعر بأنك لا تبالين بي لو لم تسألِ, لكن يبدو أنكِ حقا تحبينني" ثم رفع إحدى حاجبيه بمكر وهو يعيدها لنفس النقطة التي تجاهلتها.
قالت مايا من بين أسنانها "اخرج من سيارتي, اخرج قبل أن ..." غير أنها قطعتْ كلامها عندما سمعته يقول بجدية "لقد أراد أن يهددكِ بنينا"
سألت لتتأكد مما سمعت "ماذا قلت؟"
فقال بنفس الصوت الجاد "مادوف, لقد كان يراقب نينا, في الحقيقة هو الذي أرسل ذلك الرجل لمراقبتها وليس أنا, وفي اليوم الذي قتل فيه كال, حضر إليّ وطلب مني أن أوقفكِ عن محاولة البحث عنه, وجعلني أطلع على الصور التي سيرسلها لكِ, والتي كان من بينها صورا لنينا, طلبتُ منه ألا يرسل صور نينا, فأخبرني أنه لن يرسلها في حال قبلتُ يده"
أكملت مايا عنه بصوت مثقل بالذنب "وهكذا استقر بك الحال مقبلا يده من أجلي. لماذا جعلتني أتوهم أنك من كان يراقب نينا"
فرد بصدق "لم تكوني بحاجة إلى مزيد من الضغوط, كنت أعلم مقدار الرعب الذي سيدخل قلبكِ إذا أخبرتكِ أني لستُ أنا الفاعل, ولا علم لي بهويته"
بدأ ضميرها يؤنبها بقوة على ظلمها له, لذا قالت في محاولة منها لتغيير الموضوع "لماذا رفضتَ أن أكلم نينا عندما كنتم في المطار؟"
ضحك بخفة قبل أن يقول موضحا "تلك الصغيرة عنيدة بمثل عنادك, أتعلمين أنها رفضتْ كل محاولات كريك لإقناعها بالسفر, ثم وافقتْ في النهاية بعد أن جعلتني أعدها بأن أشتري لها سيارة كسيارتي عند تخرجها, لقد ابتزتني بقوة. بالله عليك بعد كل هذا كنتِ تتوقعين أن أجعلكِ تحدثينها! لقد خفتُ أن تغير رأيها بعد أن تكلمكِ خصوصا أن اعتراضاتها كانت تتعلق بأنها لا تستطيع ترككِ, آسف ولكني أردتُ أن تسافر بأقصى سرعة
تمتمت مايا بابتسامة ناعمة "لم تكن تريد الانتقام مني إذن"
أسند رأسه على المقعد قائلا "أنتِ مهووسة بفكرة الانتقام, لا لم أفكر بالانتقام لا في ذلك الوقت ولا حين رفعتُ تقريرا ضدك, كنتُ أريد فقط أن تبقي في السجن مدة أطول حماية لكِ" صمت قبل أن يضيف معترفا "لأكون صادقا لقد تمنيتُ قبل يومين أن تطول فترة سجنك, لقد كنتُ ناقما عليكِ"
سألت بحيرة "لقتلي سام؟"
فرد عليها "ليذهب سام إلى الجحيم, ما أغضبني هو أن فريدريك أخبرني أنكِ شهدتِ أن سام حاول الاعتداء عليكِ"
تمتمت "وما الذي أغضبك في هذا؟"
أجاب وقد علت نبرة صوته "أغضبني أنكِ شهدتِ كذبا و زورا"
فقالت بهدوء "ومن الذي قال أنني كذبت؟
فزفر بقوة قائلا "مايا! لقد شاهدتُ الشريط, لم يكن هنالك أي محاولة للاعتداء عليكِ"
حينها قالت ببساطة "طالما أنك شاهدت الشريط, فهذا يعني أنك شاهدت كيف اعتدى بكلامه القذر على أهم شخصين في حياتي, بالنسبة لي ذلك اعتداء عليّ, لقد كنت صادقة تماما عندما شهدت"
أطلق ضحكة بعجز, ثم قال مستسلما "لا يمكن التغلبُ عليكِ صحيح! حسنا بما أن سوء الفهم قد اتضح, دعينا نذهب إلى شقة برنارد, لقد كانت خطتنا بحاجة لشخص ثالث, وها قد حضرتِ إلينا في الوقت المناسب"
لكن مايا قالت معترضة "لن نذهب قبل أن تخبرني من اخترت, أنا أو فريدريك"
سألها "ماذا تقصدين؟ من اخترتُ أن يعيش أو يموت؟"
ردت بسخرية "من يموت طبعا, الأخبار السيئة أولا"
فأجابها قائلا بصراحة “اخترتكِ أنتِ”