"من كان يتصور أنكِ السبب" صرخت نينا بعد أن فتحت باب الغرفة بقوة, وأضاءت الغرفة.
هبت مايا رافعة رأسها, وقد أيقظها صراخ نينا, وهمست بصوت مضطرب "ما الأمر؟"
هتفت نينا بمرح دون أن تلقي أي اعتبار بأن مايا كانت نائمة "أتعلمين! دائما ما كنت أتسائل عن سبب عدم زواجها إلى الآن, لقد فكرت في كل الأسباب. وفي النهاية يكون السبب الحقيقي هو أنتِ! هذا لا يعقل"
أغمضت مايا عينيها, وزفرت براحة, فابتهاج نينا يدل على أن كل شيء بخير, على الأقل هذا هو الشيء الوحيد الذي فهمته, ثم فتحت عينيها ناظرة إلى الوقت في هاتفها النقال, ثم حولت نظرها إلى نينا, وقالت بصوت ناعس "أولا, أتعلمين كم أفزعتني وأنتِ تصرخين وأنا نائمة! ثانيا, أتعلمين أن الساعة الآن هي الثانية فجرا. ثالثا,لماذا أنتِ مستيقظة إلى الآن؟ رابعا, أنا مازلت لا أفهم حرفا مما تقولين"
قفزت نينا إلى السرير, لتستقر جالسة بجوار مايا, وقالت موضحة "لقد كنت أتكلم مع كريك, الذي أخبرني أثناء الحديث, أن فريدريك ينوي الزواج قريبا. وعندما سألته من التي سيتزوجها, أخبرني أنها سونيا. لقد صدمت, لم أكن أتوقع ذلك, لكن كريك قال أنهما يحبان بعضهما منذ التقيا, وذلك منذ أكثر من سنتين. فسألته لماذا لم يتزوجان سابقا, فأجاب أنه لا يعلم, ولكنه قال أنه سمع ذات مرة مشاجرة بينهما بشأن الزواج, والذي فهمه هو أن فريدريك يرفض الزواج بسببكِ أنتِ"
رفعت مايا حاجبيها دهشة, وهي تردد "بسببي أنا!"
"لقد فوجئتُ مثلكِ, فكيف تكونين أنتِ السبب؟ هل يعقل أن فريدريك يحبكِ أنتِ؟ وإذا كان كذلك, فكيف يحبُ سونيا؟ ثم ما الذي حدث الآن ليغير رأيه ويقرر الزواج؟"
صمتت مايا مفكرة, ثم سألت نينا بهدوء "أليس لديك مدرسة تذهبين إليها غدا؟"
فهمت نينا أنها تريد توبيخها, فصاحت بخيبة أمل "ما دخل هذا في موضوعنا!"
فردت مايا بجدية "ليس هنالك ما يسمى بموضوعنا, قصص الآخرين ومشاكلهم ليست من شأننا, والآن اذهبي إلى غرفتكِ ونامي"
غير أن نينا مازلت مصممة على ألا تتزحزح قبل أن تعرف القصة, فقالت بقوة "بلى إنه من شأننا, على الأقل من شأنكِ أنتِ, لماذا لا تريدين أن تخبريني؟"
أخذت مايا نفسا عميقا, ثم قالت برقة "ماذا تريدينني أن أقول يا حبيبتي! أنا كنتُ أعيش معك في مدينة أخرى, فما الذي سيدريني بما كان يحدث بين سونيا وفريدريك! ومع ذلك فهنالك حقيقة واحدة أعرفها ومتأكدة منها, وهي أن فريدريك لا يحبني, على الأقل ليس بالطريقة التي تظنينها, إنه يحبني كابنة صديقه, كما يحبكِ أنتِ كذلك, لذا لا تقلقي لستُ أمثل أي تهديد لحبيبتكِ وقدوتكِ سونيا. والآن بما أننا سوينا المسألة, فاذهبي إلى غرفتكِ ونامي"
ابتسمت نينا متمتمة "حسنا, هذا يرضيني نوعا ما" ونهضت من السرير وسارت إلى الباب, ثم أطفئت الضوء, وهمت بالخروج, غير أن مايا نادتها " نينا!"
فالتفت إليها قائلة "نعم"
"غدا صباحا, سوف أصادر هاتفكِ لمدة أسبوع"
"لماذا"
"لأنني لا أسمح لابنتي أن تظل مستيقظة حتى الساعة الثانية تتحدث على الهاتف مع رجل"
هتفت نينا برجاء "أنتِ من قال أن كريك شاب جيد"
فردت بجدية "أجل, ولكن هذا لا يعني أن تسهري طوال الليل تحادثينه. والآن اخرجي"
خرجت نينا دون أن تعترض, فهي تعرف أن مايا إن تكلمت بتلك النبرة الجادة, فستنفذ ما تقوله.
اقتربت الساعة من الثالثة صباحا عندما اقتنعت مايا أنها لن تنام قبل أن تعرف ماذا يجري, لقد أشعلت نينا فتيل الفضول فيها, فريدريك يرفض الزواج من سونيا بسببها, هذا هو السبب إذن في نظرات الكرة التي كانت ترمقها بها سونيا في عيد ميلاد نينا, ولكن لماذا؟ فهي مهما فكرت لا يمكن أن تخمن سبب رفض فريدريك الزواج, وبالتالي لا تعرف لماذا وافق الآن.
مدت يدها إلى هاتفها, وضغطت على بضعة أزرار, ثم وضعته على أذنها, لتسمع صوت أليكس يجيب مباشرة قائلا "مرحبا"
سألته مايا بشك "أنت مستيقظ تماما, صحيح؟"
فرد أليكس بنبرة هادئة كعادته "هل كنتِ تأملين أن أكون نائما؟"
قالت باسمة "نعم, فقد بدت لي فكرة مغرية أن أزعجك وأقطع نومك. والآن لماذا أنت مستيقظ؟"
"لأنني اقرأ"
"ولماذا أنت تقرأ ولست تنام؟"
"هل هذا استجواب يا مايا؟"
ضحكت قائلة "لا ليس كذلك"
فأجاب موضحا "لقد طلب مني الطبيب النفسي ألا أحاول أن أنام, لأنه حسب قوله, إذا خلدت إلى سريري منتظرا النوم, فسأبدأ بالتفكير كعادة البشر, غير أن تفكيري سيكون بلا وعي مني بالهيروين وبنشوته, ذلك أن جسدي مازال متأثرا لأني منقطع لمدة ثلاثة أسابيع فقط, وهذه مدة قليلة. لذا فقد طلب مني الطبيب أن أظل مستيقظا حتى أصبح منهكا وبشدة, فأنام مباشرة"
قالت مايا بتسلية "يا لك من محظوظ, فأنا بالفعل أنوي أن أنهكك"
ابتسم أليكس, وهمس في الهاتف "وأنا جاهز"
قالت مايا "حسنا. لما لا تحكي لي عن خطوبة فريدريك؟"
"رائع! لماذا أخبار الزواج تنتشر بسرعة؟"
"يمكنك أن تسأل كريك"
"آه صحيح, ففريدريك أخبر كريك وبرنارد عندما جاءا لزيارتي البارحة. كان فريدريك يريد أن يخبركِ بنفسه"
"متى سيتزوجان؟"
"لا أعلم. سيعلنان خطبتهما بعد بضعة أيام, لكني لا أعتقد أن الزواج سيكون متأخرا"
"منذ متى تعرفا؟"
"قرابة السنتين"
"والآن فقط اكتشفا أنهما يحبان بعضهما؟"
صمت أليكس لثواني, ثم قال بنبرة غريبة "أنتِ أذكى من ذلك مايا, لما لا تسألين مباشرة السؤال الذي من أجله اتصلتِ بي؟"
ردت مايا بعزم "أخبرني إذن بالإجابة طالما أنك تعرف ماذا أريد"
سأل "من أخبركِ؟"
قالت بلا مبالاة "وما الفائدة؟"
للمرة الثانية صمت أليكس قليلا, قبل أن يتمتم "لم أكن أعرف أن كريك يعرف بالأمر"
قالت "إنه لا يعرف, فقط سمع بضع كلمات"
شرع أليكس قائلا "كان لدى فريدريك شرط للزواج, وهو أن تسامحيه وتقتنعي ببراءته. كان يقول أنه يشعر بالذنب لأنكِ وأمكِ كنتما تثقان به, ولذا فقد كان عليه أن يحمي والدكِ وألا يدع سوءا يصيبه من أجل هذه الثقة. ولأنه فشل في ذلك, فيجب عليه أن تسامحانه لأنه خان ثقتكما كما يرى. والدتكِ كانت في صفه, وأخبرته أن الأمر ليس خطأه, وأنها تعرف أنه لم يكن ليدع مكروها يصيب والدكِ. ولكن المشكلة كانت أنتِ, فأنتِ لست لم تسامحيه فحسب, بل إنكِ اتهمته بقتل والدكِ وخيانته. لذا فقد أخبر خالي فريدريك سونيا - كما أخبرني و أخبر والديّ- أنه لن يستطيع الزواج طالما أنكِ لن تسامحيه وتقتنعي ببراءته فهذا الأمر يشعره بالذنب, وبالتالي إذا تزوج, فسيقف شعوره بالذنب دائما حائلا بينه وبين سعادته وبالتالي لن يسعد سونيا"
همست مايا وقد ملأتها الدهشة من هذا الكلام "أي منطق غريب هذا الذي يملكه فريدريك"
قال أليكس "أنا أيضا شعرت أن الأمر غريب, لكني بعد ذلك أدركت أن خالي يحب والدكِ بحق, ويحبكِ أيضا, لذا فهو لا يريد أن يتزوج ويكون سعيدا, بينما أنتِ لم تقتنعي ببراءته والذي يعني أنكِ مازلتِ تتألمين بسبب موت والدكِ. أن يكون سعيد بينما أنتِ حزينة, مسألة غير واردة لدى فريدريك. أنتِ بالفعل تملكين والدا آخر يا مايا"
تنهدت مايا بصعوبة, أسوء حقيقة أن تكتشف أنك كنت تؤذي من يحبك, أدارت حياتها من أجل انتقامها منه, وأدار حياته من أجل رضاها, قالت لأليكس بذهول "والآن وعندما أخبرته أني أعرف أنه بريء قرر الزواج, صحيح؟"
رد عليها "أجل"
"حسنا, أعتذر عن إزعاجك, تصبح على خير"
"أنا لم أنهك بعد"
"عد للقراءة إذن"
"لقد أضعت الصفحة التي وصلت إليها"
ابتسمت بحب قائلة "أليكساندر! لا تقلق, لن تسمع غدا أني انتحرت في سريري لأني أشعر بالذنب على ما فعلته بخالك. أنا بخير, لن أنكر أن الأمر ضايقني قليلا, وشعرت بأنني حقيرة, لكنني حقا بخير"
قال أليكس وقد بدا أنه لن يدعها وشأنها حتى تنسى الأمر "أتعلمين أنكِ الشخص الوحيد الذي يناديني أليكساندر, حتى نينا التي لم أقابلها سوى بضع مرات تناديني أليكس"
سألته "هل تحب أن تنادى أليكس؟"
أجاب ببساطة "ليس الأمر كذلك, لكنني ألفت مناداتي بأليكس, كما أني أشعر بنوع من الرسمية في كل مرة تقولين فيها أليكساندر"
فأوضحت له بصدق"أنا لم أفكر بجانب الألفة أو الرسمية. كل ما في الأمر, أن أليكساندر يعجبني, ويشعرني بالقوة والرجولة اتجاهك"
قال "سأبقى أليكساندر إذن. والآن تصبحين على خير"
همست له "تصبح على خير"
أغلقت الهاتف, غير أنه اهتز في يدها قبل أن تتركه, نظرت إلى الرقم الظاهر على الشاشة بحيرة, من يتصل بها في هذا الوقت, أجابت قائلة "نعم"
فهتف صوت قائلا "أهلا. أرجو ألا أكون أزعجتك"
اتسعت عيناها دهشة, وقد ميزت الصوت, وقالت من بين أسنانها "بالله عليك, كيف تتحدث معي الآن؟"
"بالهاتف"
صرخت "وكيف سُمح لك باستخدام الهاتف؟"
فقال سام موضحا "يا عزيزتي, يبدو أنكِ نسيت أن السجناء يستطيعون استخدام الهاتف مرة في الأسبوع"
سألت بسخرية "ولماذا أكون أنا المحظية بهذا الاتصال الأسبوعي النادر؟"
أجاب ضاحكا "لأنني أحبكِ"
ردت بملل "أوه أرجوك! لقد اكتفيت من الأشخاص الذين يحبونني" ثم صمتت قليلا وقد خطر أمر ببالها فقالت "لحظة, كيف استطعت الحصول على رقم هاتفي؟"
قال مستهزئا "أوه يا حبيبتي, أن أكون في السجن, لا يعني أنني لا أستطيع القيام بتدبير أموري, مازلت أملك سلطة"
"ماذا تريد؟"
"هل عرفتِ علاقتك بأليكس؟"
"نعم. لقد اتضح أنه ولدي الضائع"
تجاهل سخريتها قائلا "دعينا نقل يا مايا إنها علاقة معقدة نوعا ما, علاقة سببية إذا صح التعبير"
قالت بغضب "حسنا, أريدك أن تفهم شيئا يا سام, أنا لست مهتمة بهذا, لذا وفر كلامك, أفهمت؟"
تابع حديثه "دعيني أخبرك ماذا سيحدث لو قررت أن تأخذي كلامي على محمل الجد. ستذهبين لفريدريك, وتسألينه عن علاقتك بأليكس, أعتقد أنه لن يفهم, حينها ستقولين له أن سام يقول أن هنالك علاقة سببيه بيني وبين أليكس, ثم تردفين قائلة أن سام هو الرجل الأعور, حينها سيرتبك ويخاف ويحاول أن يخدعك. هذا هو السيناريو الذي سيحدث تماما يا عزيزتي, لذا إن ذهبت لفريدريك, وحصل كما قلتُ لكِ تماما, حينها تعالي إلي فسأخبركِ أنا بالقصة"
قالت "أنت قلت بنفسك, هذا إن أخذتُ كلامك على محمل الجد, والذي لن يحدث أبدا"
"كما تشائين, كل ما في الأمر, أنني لا أريدكِ أن تكوني مخدوعة. والآن وداعا"
أقفل الخط, وأخذت مايا تنظر إلى هاتفها, وقد عرفت أن سام قد استطاع أن يسيطر عليها, وأنها لن تتخلص منه إلا بعد أن تذهب لفريدريك وتسأله, تماما كما طلب منها.