الفصل الخامس: ساندرا جون يريد رؤيتك

 ساندرا جون يريد رؤيتك
انتفضت ساندرا بسبب صوت برنارد الذي أخرجها من شرودها الذي لازمها منذ الصباح, نظرت إليه وقالت " متى قدم إلى هنا ؟"

ظهرت علامات الدهشة على وجه برنارد وهو يجيب " لقد أتى قبل ساعة ونصف تقريبا, ألم تريه ؟"

رددت "ساعة ونصف " ثم نظرت إلى ساعة معصمها لتجد ****بها تشير إلى العاشرة, أغمضت عينيها وهي تتمتم " هل مر كل هذا الوقت دون أن أشعر !" ثم نهضت بثقل تسير إلى مكتب جون.

راقبها برنارد بحيرة, إنه لا يعرفها حق المعرفة ومع ذلك فهو يعرف أنها على غير طبيعتها اليوم, ناداها " ساندرا هل أنت مريضة ؟"

اكتفت بإعطائه ابتسامة مطمئنة قبل أن تدخل المكتب وتغلق الباب خلفها.

عندما دخلت كان يجري مكالمة, و رأسه محني على المكتب يدون شيئا, اتجهت إلى أحد الكراسي الجلدية وجلست دون أن تنتظر منه دعوة, كم هو غريب أنها لم تنتبه لقدومه وهو بالتأكيد مر من أمامها ليدخل لمكتبه, لا ليس غريب فهي اليوم شاردة تماما لأنها تفكر في حل للمشكلة التي بينها وبين والدتها, لأنه كما بدا لها جليا اليوم الصباح أن والدتها غاضبة جدا منها, حسنا الحل حلان فقط, الأول أن تترك وحدة المخدرات, والثاني أن تقنع والدتها, وبما أن الحل الأول مستحيل - على الأقل ليس قبل أن تحقق انتقامها – فهي ستسعى إلى تطبيق الحل الثاني, وليعنها الله.

رفعت نظرها إليه فوجدته يراقبها, يبدو أنه أنهى مكالمته منذ مدة, لاحظت الاحمرار في جانب وجه الأيسر فسألت " هل تؤلمك الحروق ؟"

قال بهدوء " لم تعد الآن حروق, إنها حمرة زادتني وسامة كما قيل لي "

قالت ببرود " يا للعدل أزيدك وسامة وتُنقص مرتبي "

" لقد كنتِ مهملة "

ذكرته بصوت عالي " لقد كنت معي, فلماذا لم تعطني إحدى حلولك الرائعة التي ذكرتها بالتقرير, أم أنها لا تحضرك إلا في الانتقام "

كرر بدهشة " انتقام ! " صمت قليلا ثم أضاف " تعتقدين أنني خصمت منكِ لأنني أردت أن أنتقم. آسف لتخييب ظنكِ فأنا إن أردت الانتقام سأنتقم حقا لا أن أقوم بعبثٍ كالخصم "

ردت بمكر " نعم تنتقم حقا, تماما كما فعل كريك من أجلك. أوه بالمناسبة أنا آسفة لتخييب ظنك, ولكن كريك يقول أنه انتقم لنفسه وليس من أجلك كما ادعيت"

ضاقت عيناه قليلا ثم قال " أعرف ذلك "

" لماذا كذبت إذن؟ "

" لأنني كنت خائفا عليه "

ابتسمت نصف ابتسامة وقالت " كنت خائفا مني "

صحح لها " كنت خائفا عليه منكِ, وليس خائفا منكِ. والآن أعتقد أنه حان وقت العمل" ثم أعطاها مجموعة من الصور من على مكتبه وتابع " أريدك أن تنزلي إلى قسم تخزين ملفات القضايا, وتذهبين إلى الجزء الذي يحوي تصنيف العام الماضي, أريدك أن تبحثي عن هؤلاء الأشخاص في كل قضية تتعلق بالهروين مهما كانت صغيرة "

قلبت ساندرا الصور بين يديها وقالت "هل أنت جاد ؟ من بين الجميع تختارني أنا من أجل البحث عن حمقى ضمن الملفات القديمة !"

قال بلا مبالاة وهو يرتب مكتبه " وهل هنالك ما يدعو لهذا التكبر ؟"

صاحت " نعم بالتأكيد, وهو أنني الأعلى رتبة بين فريقك, لذا قم بإعطائي أعمال تتناسب مع مستواي"

"أوه حقا, مثل عمل سكب القهوة على رؤوس الناس"

هتفت " اذهب إلى الجحيم " ثم خرجت صافقة الباب بقوة.

" سوف نذهب لتناول الغداء الآن يا زعيم"

رفع جون رأسه بعد أن كان محشورا بين الأوراق وقال " اطرق الباب قبل أن تدخل يا كريك "

قال كريك محتجا " هاي قبل مدة دخلت ساندرا عليك دون أن تطرق الباب ولم أسمعك توبخها "

"هذا لأني كنت على الهاتف"

" هذا لأنك تخاف منها "

تنفس بفروغ صبر وقال " اذهبوا الآن, وليكن في علمكم أنكم ستكونون هنا في تمام الثانية, هل هذا واضح ؟"

" نعم سيدي " ثم هم بالخروج غير أن جون ناداه " كريك! ألم تأتي ساندرا بعد ؟"

قطب كريك ما بين حاجبيه وقال " لا"

" ألم ترها ؟"

"لم أرها منذ أن خرجت من مكتبك"

"حسنا اذهب"


خرج كريك, فأخذ جون يفكر أين عساها تكون, لقد أرسلها لتفقد ملفات سنة واحدة, شخص بخبرتها لن يستغرق منه الأمر أكثر من نصف ساعة وليس ثلاث ساعات, لقد نسي أمرها تماما, ولكنها ليست طفلة حتى يتفقدها كل بضع دقائق. تنهد بقوة ثم خرج من المكتب واتجه إلى القسم, لم يجد الموظف هناك فمكتبه كان فارغا, فاتجه إلى غرفة تخزين الملفات وفتح الباب بهدوء. إنه يكره هذه الغرفة الواسعة المظلمة التي تحوي على مئات آلاف الملفات, ذهب إلى تصنيف ملفات العام الماضي, ولكنه وللمفاجئة لم يجد ساندرا هناك.

حقا إنها بحاجة إلى حاضنة أطفال, اتجه إلى الباب الغرفة, ولكن قبل أن تلمس يده المقبض سمع صوت منخفض يئن, جمد من الدهشة لثواني, ثم بدأ يتتبع مصدر الصوت حتى وجد صاحبته خلف إحدى الخزائن الضخمة في أقصى الغرفة, كانت تجلس على الأرض وتتكئ بظهرها على الخزانة, تسند مرفقيها على أعلى ركبتيها وتضغط جبينها بقوة على راحتي يديها, وإلى جانبها يقبع ملف تناثرت أوراقه حولها, كانت تبكي بحرقة ولوعة.


اسند جون ظهره على الجهة الأخرى لنفس الخزانة التي تتكئ ساندرا عليها, إنه ليس بحاجة إلى ذكاء ليعرف الملف الذي لا يزال بجانبها, بالتأكيد هو ملف القضية التي قتل فيها والدها. يا إلهي لماذا أرسلها إلى هنا؟ لماذا لم يفكر بأنها سوف تذهب للبحث عن الملف الذي حوى آخر مهمة شارك فيها والدها والتي قضت على نحبه؟ ألم يطلب منه جون البارحة أن يبعدها قدر المستطاع عن أي موضوع يتعلق بوالدها!

زاد نحيبها وزاد ألمه, أمر مؤلم أن تشاهد أحدا يبكي وهو لا يعلم أنك تشاهده, أمر مؤلم أن تشاهد أحدا يبكي شخصا رحل إلى الأبد, أمر مؤلم أن تشاهد امرأة تبكي.

نظر إليها نظرة أخيرة, ثم اتجه خارجا فما الذي بوسعه فعله لها.
 

كانت الساعة الثانية إلا ربعا عندما رآها تدخل الغرفة مع مجموعة ملفات, ناداها قبل أن تجلس على مكتبها "ساندرا تعالي إلى هنا "

دخلت الغرفة ووقفت أمامه, نظر إليها, وجهها, عينيها, أنفها تغطيهم الحمرة, ولكن يبدو أنها توقفت عن البكاء منذ مدة فلا يوجد أثر للدموع على وجهها. أحست بالضيق من تأمله, فسألت بوقاحة " ماذا ؟"

رفع حاجبيه وقال " ماذا! يا للعجب! تختفين لمدة أربع ساعات ثم تقولين بكل براءة ماذا! "

قالت ببرود " إذا لم يعجبك الأمر ارفع تقريرا, واخصم من مرتبي, الأمر بمنتهى البساطة"

ابتسم وقال " هذه هي المشكلة, أنا لا أريد أن أجعله يمر عليكِ بمنتهى البساطة, لذا ولأنه لا يبدو أن المال يهمك, فكرت في كتابة تقرير آخر, تقرير أطلب فيه أن يتم تخفيض رتبتك "

لمعت عيناها المحمرة وهمست " لماذا أنت حقير هكذا, إلى متى ستنتقم مني ؟ "

" حقير! أنتقم! أنت مجنونة ولا شك, تتركين نوبة مراقبة دون أن تتخذي أي إجراء, بل إنك تغيبين لمدة أربع ساعات دون أن أعلم شيء, ومع ذلك أنا الحقير"

قالت بغل " أتعلم شيئا, أنا لا ألومك, وكيف باستطاعتي أن ألومك على أمر ما وأنا أعلم أن نصف دمائك هي دماء فريدريك الفاسدة "

نهض جون من على كرسيه بسرعة وقال من بين أسنانه " أيتها ... "

لكنه لم ينه عبارته لأن كريك اقتحم الغرفة وهو يصرخ " أرجوك نصف ساعة أخرى " ثم دخل بعده برنارد وبوب.

أرسل بصره سريعا إلى كريك, إنه غاضب, غاضب فعلا ولكن لا ذنب لكريك, تنفس بعمق وقال " عد إلى عملك كريك "

رجاه كريك " أرجوك جون, سأعود في تمام الثانية والنصف, أرجوك دعني أعود إلى المقهى, يا إلهي أنت لم ترى كم هي فاتنة "

التفت جون إلى برنارد وسأله " ما الذي أصابه ؟"

ضحك برنارد وأجاب " في طريق عودتنا إلى هنا, رأى في المقهى المقابل للمركز فتاة صهباء "

أضاف بوب " المشكلة أنها صغيرة عليه, أجزم أنها ما زالت في الإعدادية "

هتف كريك " إنها فاتنة, ملابسها تخطف الأنفاس, هل تصدق يا جون أنها فضية العينين, في حياتي كلها لم أرى فتاة فضية العينين "

" أوه لا يمكن " التفت الجميع إلى ساندرا التي أكملت " بسرعة أخبرني أين ذهبت ؟"

قال كريك بتلعثم " آه إنها ... إنها ما زالت في المقهى المقابل لنا "

أسرعت ساندرا بالخروج من المركز والتوجه إلى المقهى وهي تفكر كيف وصلت إلى هنا؟ بل متى وصلت؟ أليس من المفترض أن تكون رحلتهم بعد غد؟ هل يعقل أن تكون فتاة تحمل نفس صفاتها ؟ لا هذا لا يعقل, طالما أنها في المقهى المقابل للمركز فهذا يعني أنها تنتظرنها, كما أنها تستبعد أن توجد فتاة حمراء الشعر فضية العينين في سن المراهقة عداها.

دخلت إلى المقهى فوجدتها مباشرة تجلس على طاولة في منتصف المقهى, كالعادة تحب لفت الأنظار إليها, ظهرت السعادة جلية في عيني ساندرا وهي تراها جالسة أمامها تعبث بهاتفها النقال بملل, اقتربت منها بهدوء, وقالت برقة " بحق الله كيف وصلت إلى هنا ؟"

رمت الفتاة الهاتف من يدها, ثنهضت من مقعدها و ركضت إلى ساندرا, ثم قفزت إليها تحتضنها بقوة وقد لفت ذراعيها حول عنقها. بادلتها ساندرا العناق بحب ثم قبلت رأسها وسألت " كيف حالك نينا؟"

أجابت نينا بمرح " بخير, كيف أنت ماما ؟ هل اشتقتِ إلي؟"


قاطعهما صوت يهتف باستنكار "ماما ؟" فأدارت ساندرا رأسها لتجد كريك المصدوم يقف عند باب المقهى وقد بدا أنه تبعها. قالت ساندرا تغيضه " ماذا ؟ ألم تعد تعجبك الآن بعد أن علمت من هي ؟"

أجاب كريك " لحظة ... ستشرحون لي الأمر, ولكن لحظة " ثم عاد بعد أن اختفى لبضع ثواني, وقال " حسنا ساندرا يمكنكِ أن تعرفيني عليها الآن "

ابتسمت ساندرا وقالت " كما تشاء, نينا أقدم لك البطل الملازم أول كريك زميلي في العمل, هو الذي أخبرني أن هنالك فاتنة صهباء في المقهى. كريك أقدم لك طالبة السنة الأولى في المرحلة الثانوية نينا "

منحته نينا ابتسامة ساحرة وقالت " مرحبا أيها الوسيم, من الرائع أن يراني أحدهم فاتنة "

قال كريك بدهشة " أحدهم! أقسم أن كل من في العالم يراكِ فاتنة, أنتِ ... "

قاطعته ساندرا " توقف. إن كلامها هذا حيلة تستخدمها دائما حتى يستمر الناس في مدحها, لذا ... "

صمتت عندما رأت باب المقهى يفتح ويدخل منه الثلاثة, قالت تخاطب كريك " لا أصدق أنك ناديتهم! "

" لم يكونوا ليصدقوا أن لديك ابنة, كان لابد أن يروا بأنفسهم, هاي لا تقولي أي كلمة" ثم التفت مناديا إياهم

قال جون حالما وصل إليهم بحمود " والآن ما هو الموضوع الذي يعتبر مسألة حياة أو موت كريك ؟"

ضحك كريك وقال " لا تستعجل, في البداية دعوني أقدمكم إلى الآنسة نينا. آنسة نينا هؤلاء برنارد وبوب زميلي ساندرا, وهذا جون قائدنا "

هتفت نينا وهي تصافحهم " يا لكِ من محظوظة, كلهم وسيمين"

تمتمت ساندرا وهي تجلس " للأسف أنا لا أراهم كذلك "

قال كريك " حسنا يمكنكم الجلوس "

تحلق الستة حول الطاولة, فبدأ جون الذي بدا أن صبره ينفذ " مازالت أنتظر كريك "

" لماذا أصبحت عكر المزاج هكذا! حسنا لا بأس. الآن هل يمكنكم أن تخمنوا من هذه الفتاة بالنسبة لساندرا ؟"

قال بوب بشك " شقيقتها "

"لا "

قال برنارد "صديقتها "

" لا, وبما أن جون في مزاج سيء فأنا أعرف أنه لن يخمن, لذا سأخبركم, إنها ابنتها "

صمت الثلاثة لثواني, ثم انفجروا ضاحكين بقوة, صاح كريك غاضب " أيها الحمقى أنا أقول الحقيقة "

قال جون مبتسما له " أراهنك بكل ما أملك أنها ليست كذلك "

رد برنارد " لا تغضب كريك, يمكننا التأكد بطريقة سهلة, وهي معرفة عمر الفتاة" ثم خاطب نينا "كم عمرك ؟"

التهمت نينا قطعة بسكويت وقالت ضاحكة " في الخامسة عشرة "

" أرأيت لا يمكن أن تكون ابنتها "

هتفت بوب مستنتجا " في الحقيقة يمكن أن تكون كذلك, فساندرا في الثامنة والعشرين "

رفعت ساندرا حاجبيها دهشة من سذاجة بوب, وقالت باسمة " شكرا بوب لإخبار الجميع بعمري, لقد كنت xxxxxة كيف أخبرهم "

قال برنارد لساندرا محاولا لفت الانتباه عن بوب الذي بدا محرجا " هل تزوجتِ في الثانية عشر من عمرك ؟"

" نعم لرجل في السبعين من عمره وقد عشنا في كهف وكنا نحلب الأبقار لكي نحصل على الحليب, والآن انتهى التحقيق وسنذهب إلى البيت لأن هذه الفتاة وصلت اليوم من السفر " ونهضت من مقعدها

قالت نينا وقد بد أنها أُعجبت بهم وبأحاديثهم " حقيقة أنا لست متعبة "

فهتف كريك " أرأيت ساندرا! إذن يمكنكن البقاء قليلا, أو يمكنكِ أن تذهبِ أنت وأنا سأعيدها للمنزل فيما بعد "

وقفت ساندرا خلف نينا وأمسكت برأسها بكلتا يديها ووجهته باتجاه كيرك وقالت " عزيزي كريك انظر إليها جيدا, إنها ليست فضية العينين, إنها تضع عدسات لونها فضي, لذا اتركها واذهب للبحث عن فتاة فضية حقيقة " ثم اتجهت للباب وتبعتها نينا باسمة

صاح كريك " ولكنها مازالت جميلة ومازلتُ أحبها "

التفت إليه وهي تمسك مقبض الباب لتفتحه وقالت بصوت عالي ليسمعه " لذلك يقولون أن الحب عذاب " ثم خرجت ومن ورائها نينا.



إعدادات القراءة


لون الخلفية