الفصل الثالث والعشرون: سام

يقولون أن الغرور يجعل صاحبه أحمق! هذا ما فكر فيه أليكس وهو يتأمل مبنى كبير في حي منعزل, فالغرور جعل مادوف يتخلى عن حذره الذي امتاز به, ويتصل باستخدام هاتف ثابت على أليكس, الأمر الذي دفع الأخير إلى التحري عن رقم الهاتف, والذي قاده إلى هذا المكان. قِدم هذا المبنى ولونه الذي يكسوه التراب في هذا الحي الفقير دل أليكس على أنه ليس مكان إقامة رجل الأعمال الغني مادوف, ولكنه يمكن وببساطة أن يكون مكان عمل تاجر المخدرات القذر مادوف. بالتأكيد هو يعلم أن مادوف سيخونه, ولن يلتزم بالاتفاق, لكنه يأمل فقط أن يسبقه في الخطوة الأولى.


هنالك صدفة عجيبة نوعا ما, وهي أن هذا المبنى يقع على بعد بضعة أمتار من تلك البناية السكنية التي أحضر أصدقاءه مايا إليها لاستجوابها حيث قابلها لأول مرة, لو ظهر مادوف ذلك اليوم خارجا من مبناه واصطدم بها أثناء هروبها, حينها ستقتله وتنتهي القصة قبل أن تبدأ.
لمح رجلين يخرجان من المبنى, ويسيران باتجاه شاحنة تقبع في الجهة المقابلة, فسار خلفهما بكل خفة, مختبئا وراء أي شيء يحجبه عنهما, حتى دلفا إلى الشحنة, التي انطلقت بهما. رائع! أي حظ يمتلكه هذا! فبواسطة هذين الأحمقين, استطاع معرفة موعد استلام بضاعة مخدرات بكل سهولة.


تأففت مايا وهي تنظر لساعتها للمرة الثانية, أين هذا الأبله. لا! إنها هي البلهاء التي أتت إليه بنفسها, ولكن هل كانت تستطيع المقاومة! لقد اتصل بها, وأخبرها أن لديه معلومات مهمة, ومن الضروري أن تطلع عليها, لقد ترددت في البداية, لكنها لم تلبث أن تذكرت أنه قدم لها مرة معلومات صادقة وبالغة في الأهمية, فاستولى عليها الفضول, ولم تشعر بنفسها إلا وقد جرتها قدماها إلى غرفة الاستجواب في انتظاره.
رفعت رأسها عندما سمعت صرير الباب وهو يُفتح, ثم رأته يدخل بخطوات مترنحة, ويجلس على الكرسي أمامها تفصل بينهما الطاولة.
ابتسم سام ابتسامة صفراء قائلا "أهلا حبيبتي, لقد اشتقتُ إليك"


نظرت مايا إليه, فتراءت أمامها صورة كال ورصاصة تشوه جبهته, ثم صورة بوب وهو مستلقي على سرير المستشفى, فقالت بحقد "كيف تشعر الآن وقد قتلت رجلا؟"
رد عليه بنبرة حالمة "أشعر بالنشوة, إنه شعور رائع"
فهتفت بغيظ "حقير"


ضحك بقوة ثم قال "حسنا, أخبريني كيف هي أحوالكِ؟"
قالت بحرقة وقد راودها الشعور بالذنب "ماذا تريد؟"
سألها متجاهلا سؤالها "كيف حال صديقنا المدمن؟ أتصدقين أنه لم يأتي لزيارتي أبدا وأنا الذي كان لي الفضل بتعريفه بلذة الهيروين! ولكني مع ذلك لستُ عاتبا عليه, فأنا أعرَفُ الناس بمعدنه"
وقفت مايا قائلة "لا أعرف ما الذي دهاني كي آتي إليك؟"
لكن سام قال محاولا ثنيها عن الرحيل "حسنا, أليكساندر هو سبب طلبي لحضوركِ, لا أريدكِ أن تثقي به"
تمتمت وهي تستدير مغادرة "اذهب إلى الجحيم"
صاح سام وهو يراها تفتح الباب مغادرة "لحظة! توقفي!"


أدارت مايا رأسها إليه, فأكمل "انتظري لحظة, لم أردكِ أن تنصدمي لذا أحببت أن أمهد لكِ قليلا, لكن بما أنكِ مستعجلة فسأتكلم مباشرة"
نظرت إليه مايا بصمت, فقال بجدية "أليكساندر في صفنا, لقد أصبح الذراع الأيمن لمادوف"
طرقت بحذائها ذو الكعب العالي الأرض, ثم سألت بملل "كم تعتقد درجة ذكائي يا سام؟"
أجاب بابتسامة حزن "أنا فعلا أشعر بالشفقة عليكِ, ألم تكوني تسخرين مني سابقا في حين اتضح أنني كنتُ صادق تماما. أريدكِ أن تتأكدي من نقطة يا عزيزتي, أنا لا أكذب أبدا"


عقدت ذراعيها على صدرها, قائلة بتحدي "قلي أولا, لماذا تخبرني بذلك؟ أليس من المفترض أن أكون عدوة لكم؟"
"بالضبط, وهذا هو السبب الذي يدعوني لإخباركِ, أريد أن أحرق ورقتهم الرابحة"
رفعت حاجبيها سائلة "أيعني ذلك أنك لم تعد تابعا لمادوف؟"


"رسميا مازلت تابعا له, لكنه في الحقيقة أصبح لا يبالي بي في الآونة الأخيرة, لطالما تساءلت لماذا, ولكني عرفتُ الآن, لقد وجد بديلا لي, إنه المدمن أليكساندر. لقد غضبت فعلا وأردتُ أن انتقم منهما, انتقم من مادوف لأنه تخلى عني, وانتقم من أليكساندر لأنه أخذ مكاني, ولكن كما ترين أنا في السجن, ولن يستطيع رجالي الأغبياء الوصول إلى ذكيين مثالهما, أخيرا تذكرتكِ, فأنتِ ستنتقمين عني وعنكِ, فالنذل أليكساندر خدعكِ أيضا كما خدعني مادوف"


قال مايا متصنعة التأثر "قصة مثيرة للاهتمام, غير أن هنالك مشكلة واحدة, فأنا لا أصدق حرفا منها"
قال ببساطة "إنني أتسائل هل ستضلين متمسكة برأيكِ إن رأيتِ هذه" ثم أخرج لها صورة كانت مدسوسة في جوربه, ووضعها أمامها.
اقتربت قليلا لتطالع الصورة, غير أنها لم تتمالك نفسها من الصدمة, فاستندت بيدها بقوة على الطاولة, دون أن تدرك الابتسامة التي بدت تزحف على شفتي سام. كانت تحملق في الصورة, عندما مدت يدها إلى مسند الكرسي, وأزاحته قليلا, ثم رمت نفسها عليه, فلم تعتد قدماها تستطيعان الاحتمال. الصورة حقيقة مائة بالمائة, ليس هنالك أدنى علامة تدل على أنها صورة معدلة باستخدام أجهزة الحاسوب, ولكن كيف! كيف! كيف! أليكس حبيبها يحني رأسه بكل ذلة على يد مادوف مقبلا إياها! يقبل اليد ذاتها التي قتلت والدها! متى حدث هذا؟ ولماذا يفعل ذلك؟ ما المقابل الذي قدمه له مادوف ليجعله يحيد عن طريقه؟


اختار سام هذه اللحظة ليقول "أنا آسف, ولكن جاسوسي رأى أن هذا أفضل دليل يثبت لكِ خيانة أليكساندر. فكري معي في تصرفات أليكساندر هذه الفترة, أنا متأكد أنكِ ستجدين ما يريب فيها" رفعت مايا رأسها إليه, فأردف وهو سعيد بجذب انتباهها "تذكري, ألم يحاول أن يثنيك عن محاولاتكِ عن البحث عن مادوف؟ ألم يلمح مرة بأنه من الأفضل لكِ أن تتوقفي عن فكرة الانتقام؟ ألم يقل يوما أن مادوف خطر عليكِ؟ أنا متأكد أنه فعل ذلك"


قالت مايا بنبرة مشوشة موجهة كلامها لنفسها لا إلى سام "بلى لقد فعل ذلك. لقد طلب مني صراحة أن أتوقف عن ملاحقة مادوف" صمتت مبتلعة ريقها بصعوبة, ثم تابعت "الآن فهمت كيف عرف أني استلمت ذلك المظروف منذ تسع ساعات, لقد قال أنه أمهلني تسع ساعات لأبكي على الصور, لقد تساءلت وقتها كيف عرف أني استلمت الصور منذ تسع ساعات, لكني تجاهلت الأمر حينها. الآن فهمت كيف عرف أني كنتُ أرشو كال, الآن فهمت كيف كان يعرف كل شاردة وواردة عني, الآن فهمت لما كان لطيفا معي في آخر لقاء, لقد كان ذراع مادوف طوال الوقت"
رائع! إنها مصدومة! لكن هذه النظرة الميتة في عينيها لن تفعل شيئا, أنه يريد أن يعميها الغضب, أن تعجز عن التفكير, أن يصيبها جنون الانتقام, أن تستولي عليها الرغبة للقتل, فتفكر في مادوف وتجد نفسها عاجزة عن الوصول إليه, ثم تفكر فيه وتجد أنها لا تستطيع أذيته طالما هو في السجن, حينها بالتأكيد تركض كالممسوسة إلى أليكس وترديه قتيلا, وهذا ما يسعى إليه. 


فقال سام لها في محاولة لإشعال غضبها "أوه لا تشعري بالحزن يا عزيزتي, هيا ارسمي ابتسامة على وجهكِ, تذكري أشخاص تحبينهم, مثلا نينا, أنا متأكد أنكِ ستشعرين بالسعادة"
انتفضت فور سماعها اسم ابنتها يخرج من بين شفتيه, وتصلب جسدها, فقال سام ببساطة " هل أنتِ متفاجئة لأنني أعرفها ؟ أوه الجميع يعرف أنكِ تذوبين حبا لخالتكِ الصغيرة, والتي تعتبرينها ابنة لكِ. وفي الحقيقة لا يمكن لأحد أن يلومكِ على حبكِ لها, فمن لا يُفتن بطفلة مرحة صهباء آية في الجمال. آه صحيح, لدي سؤال, 

من أين أتت تلك الصغيرة بذلك الجمال, بدون إهانة – فأنتِ جميلة – لكنكِ لا تقارنين بها إطلاقا, إنني مغرم بها رغم كبر سني, انظري" ثم مد يده إلى جوربه مرة أخرى, وأخرج صورة التقطت لنينا وهي تبسم مع إحدى صديقاتها, ثم أكمل متنهدا "لو تعلمين كم دفعتُ من أجل تهريب هذه الصورة إلي في السجن, ومع ذلك إنها تستحق كل قرش دفعته, فقد ساعدني تأمل هذا الجمال كثيرا في وحدتي, إنني أقبل الصورة كل يوم قبل أن أنــ ..."
لم يكملها, لم يستطع أن يكمل الكلمة التي بدأ بنطق أولها, ذلك أن رصاصة مايا - التي دوى صوتها في الغرفة - حفرت جبينه, ليخر من على كرسيه صريعا على الأرض.
أرخت يدها الحاملة للمسدس على الطاولة, وتمتمت "أنت محق فأنا أشعر بالنشوة الآن".


وقف أليكس فور رؤيته ريتشارد جد مايا يدفع كرسيه المتحرك باتجاهه, أشار ريتشارد بيده, فامتثل له أليكس وجلس على الأريكة في غرفة الاستقبال بمنزل مايا.
قال أليكس بعد أن تبادلا التحية "أعتذر عن طلبي للقائك فجأة"
رد ريتشارد ببشاشة "لا عليك يا بني, ولكني أنا من يعتذر, لأنني لن أقدم لك شيئا, فلا أحد في المنزل, فمادلين لديها موعد في المستشفى, أما نينا فقد خرجت لتناول الغداء مع صديقك كريك. إذا أردت أن تشرب شيئا فخذ راحتك يا بني" ثم أشار له باتجاه المطبخ.
قال أليكس بسرعة "شكرا لك, في الحقيقة يسعدني ألا أحد في المنزل غيرك"
اعتدل ريتشارد في جلسته قائلا "لا يبدو أن كلامك سيسرني"
مط أليكس شفتيه قائلا "للأسف لا"
تنهد ريتشارد قائلا ببصيرة "ماذا فعلت مايا؟ قلي بصراحة"
"لقد قتلت قبل ساعات رجلا خطيرا نوعا ما"
"وأين هي الآن؟"
"إنها بخير, هي الآن في مركز الشرطة"
"هل يستحق الرجل الذي قتلته الموت"
"بلا أدنى ريب"
"أين المشكلة إذن؟"
أجاب أليكس ببطء "هذا الرجل يعتبر ذراع مادوف"
ضاقت عينا ريتشارد وهو يكرر "مادوف!" ثم أردف "هي في خطر إذن"
رد أليكس بهدوء "لا ليست هي, بل ابنتك نينا"
عقد حاجبيه سائلا "لماذا نينا؟"
فقال أليكس باضطراب "لأنهم يعرفون أهميتها عند مايا, لذا سينتقمون منها عن طريق إيذاء نينا"
سأل ريتشارد بترقب "ما المعنى الذي ترمي إليه بقولك إيذاء نينا؟"
أجابه أليكس بصراحة "قتلها, ولا شيء بالنسبة لهم سيغني عن قتلها"
قال ريتشارد بصوت مرعوب "ماذا إذن؟"
فرد أليكس بموضوعية "نقوم بتسفيرها من هنا"
"كيف؟"
"أبي طيار وهو حاليا في دولة أخرى, سأرسلها مع كريك إلى هنالك, حيث يبقون مع أبي إلى أن نقوم بحل هذه الأزمة"
"متى؟"
"اليوم, هنالك طائرة تحلق بعد ساعتين"
فسأل ريتشارد بشك "ماذا لو كانوا يراقبونها وعرفوا بأنها ستسافر؟"
رد أليكس بثبات "لا تقلق, في الفترة الحالية هي بأمان, ولا يوجد من يراقبها, وبالتأكيد سيكتشفون أنها رحلت, غير أنهم لن يعرفوا إلى أين, لقد اتخذت الترتيبات اللازمة, لكن كل ذلك مرهون بالسرعة التي سنتحرك بها"
قال "ماذا عنها؟ هل أخبرتها؟"
أجابه "كريك يخبرها الآن, أما مادلين فأخشى على صحتها, لذا أفضل ألا تخبرها بشيء عن مايا, فقط أخبرها أن نينا ستسافر في رحلة مدرسية أو من هذا القبيل"


أطرق ريتشارد برأسه قليلا, ثم قال "لا بأس موافق, لنبدأ" فوقف أليكس مغادرا, إلا أن ريتشارد استدرك "لحظة! ماذا عن مايا؟ هل أخبرتموها برحيل نينا"
رد أليكس بجمود "لا"
فاعترض ريتشارد "لا بد أن تخبروها, في الحقيقة إنها أحق بنينا مني"
قال أليكس بلا مبالاة "سنخبرها إذن"
فسأل ريتشارد بخوف "ماذا لو رفضتْ سفر نينا؟"
فتكلم أليكس بنبرة استعلاء "قلتُ أنني سأخبرها, ولم أقل أنني سأطلب إذنها, لا يهمني رفضها أو موافقتها, ستسافر نينا بعد ساعتين تماما مهما حصل"


لم تسمع الباب وهو يُفتح, ولم تسمع الخطوات وهي تسير باتجاهها, فقط لاحظت ظلا امتد على طاولة غرفة الاستجواب التي قيدت إليها, رفعت رأسها, فرأت آخر رجل توقعت أن يأتي لزيارتها, فريدريك!
قال فريدريك بمرح "كيف هو السجن؟"
فردت بحنق "هل أتيت لتشفي غليلك مني! آسفة إذن لتخييب ظنك, ولكني إلى الآن لم أدخل السجن, كنت في غرفة الحجز"
فقال وهو يجلس على الكرسي المقابل لها "هذا لأنني أمرتهم ألا يفعلوا ذلك, لقد هددتم بعدم دفع الضرائب إن هم أدخلوكِ السجن"
رفعت حاجبيها متسائلة "لماذا؟"
فرد عليها ببساطة "لأنني لن أسمح لابنة فآن أن تطأ قدمها السجن, حتى لو قتلت نصف أهل المدينة"
فتجاهلت إجابته, وسألته "من أخبرك؟"
قال بحماس "اتصل بي جون, آه لو تعلمين مقدار الدهشة التي استولت عليّ عندما شاهدت شريط المراقبة, مسكين سام, كان سعيدا جدا قبل أن تزين الرصاصة رأسه" ثم انفجر ضاحكا.
قالت مايا بملل "لماذا لا أجد الأمر مسليا؟"


توقف فريدريك عن الضحك, ثم حملق فيها سائلا "هل... هل تشعرين بالندم؟"
"لا"
"هذا رائع, صدقيني كان فآن ليفخر بقتلك للرجل الأعور, لقد كان يبغضه"
"نعم, ولكن هذا لن يحدث لأنك قتلت فآن"
صمت فريدريك, لكنه لم يغضب كالعادة, فبعد أن أخبر مايا وأليكس بالحقيقة, لم يعد موضوع موت فآن يؤذيه, لقد اكتشف أن شعوره بالذنب لم يكن ناتج عما فعله بفآن, بل كان بسبب كتم ما حدث عن الآخرين. لذا فقد ابتسم قائلا " لقد انضممتِ أنت أيضا إلى قائمة القتلة"
ردت عليه بثقة "أوه, سام لي أول رجل أقتله, لقد قتلتُ قبله العشرات, آخرهم رجلين قتلتهم من أجل إنقاذ ابن أختك"
فأوضح فريدريك "لا يا حبيبتي هنالك فرق, في السابق كنتِ تقتلين من أجل قضية, أي مثل أي ضابط, فقد كان هذا عملكِ. أما اليوم فقد قتلتِ لنفسك, وهكذا أصبحتِ قاتلة. بالمناسبة كيف استطعتِ الدخول بالسلاح, حسبما أعرف ممنوع حمل السلاح في غرفة الاستجواب"
ردت مايا بصراحة "لم يطلب مني ضابط الأمن أن أنزعه, لذا دخلتُ به"
تمتم فريدريك "ها قد أصبحتِ سببا في فصل رجل مسكين من وظيفته"
قالت بفتور "ما ذنبي إذا كان مهملا في تأدية مهامه"
فقال فريدريك "أما أنا فلا ألومه, لقد فتنه جمالكِ بحيث نسي ما يجب عليه فعله"
اتكأت بمرفقها على الطاولة, فريدريك الذي يجلس أمامها ويحدثها الآن, ليس فريدريك الغاضب الحزين الذي كانت تقابله مؤخرا, إنه أقرب إلى فريدريك القديم صديق والدها, والذي كانت تحب أن تحدثه, لقد شعرت بالحنين لتلك الأيام, فقالت تجاريه "لو سمعتك سونيا لقتلتك"
ابتسم برقة قائلا "إن كان هنالك أحد تريد أن تقتله سونيا فهو أنتِ" ثم نهض خالعا سترته السوداء, راميا إياه على ظهر كرسيه.
فسألته مايا بشك "ماذا تفعل؟"
نظر فريدريك إليها, ثم هتف متذكرا "أوه, ألم أقل لكِ, سوف أبقى معكِ هنا إلى الصباح, حيث ستخرجين بكفالة حتى تنتهي الإجراءات. في الحقيقة أردت أن تخرجي اليوم, لكنهم أخبروني أنه لا بد من أن تقضي الليلة عندهم لأسباب روتينية, لذا لن أترككِ وحدكِ"
قالت مايا بنبرة غريبة "فريدريك!"
"نعم"
"هل تعي أنني أنوي قتلك قريبا"
"نعم أعرف ذلك"
"لماذا تريد إخراجي من السجن إذن؟"
فتكلم فريدريك "أولا لأن مادلين ستفزع لو علمت أنكِ في السجن, ثانيا لأنني أستطيع حماية نفسي منكِ, لن تستطيعي أذيتي"
حديثه هذا ذكرها بسؤال راودها منذ البداية, لذا قالت "هل يعلم أليكس بأني قتلتُ سام؟"
رد عليها "نعم, ولقد شاهد الشريط معي"
أغمضت عينيها بحرقة, إذن لقد سمع ما قالته عنه. غمغمت بألم "لذلك لم يأتي إليّ, لقد جرحه كلامي"
أسند فريدريك ظهره إلى المقعد, وقال بكل جدية "لقد خرج بعد أن شاهد الشريط دون أن يبدي أي انفعال أو أن يقول أي كلمة. لكن الحقيقة أن كلامكِ عنه كان مؤلما, لقد جرحني أنا فما بالك به والكلام كان عنه! كيف استطعتِ أن تشُكي به ولو لثانية! كيف صدقتي سام وأنت تعرفين ألا هدف له سوى تدميرك! كيف صدقتي أن أليكس خائن, والأدهى من ذلك كيف صدقتي أنه يتعاون مع منحط كمادوف! أنا مستعد على أن أشهد أن جميع من في عالم خائن, لكنني لن أشهد على أليكس بالخيانة أبدا, إن أليكس هو النقاء والخير بحد ذاته"
قالت مايا محاولة التبرير وقد استولى عليها شعور بالذنب "بعد أن هدأت, فكرت مرة أخرى, فأدركت أنني ظلمته, وأنه ما كان لينظم لمادوف أبدا. لكن الصورة أعمتني عن التفكير في ذلك الوقت"
قال فريدريك محاولا التخفيف عنها "أعلم, لقد رأيتها ودهشتُ فعلا من أليكس"
سألت بخفوت "هل سألته لماذا قبل يد مادوف؟"


"لا. أخبرتكِ أنه غادر قبل أن يقول أي شيء, لكـ..." قطع كلامه رنين هاتف النقال, فأدخل يده في جيب بنطاله وأخرجه مجيبا "مرحبا كريك"
استمع قليلا, ثم مد الهاتف إلى مايا قائلا "كريك يريد محادثتكِ"
أخذت الهاتف قائلة "نعم"
فسمعت صوت كريك يقول "أهلا مايا! كيف حالكِ؟"
"بخير"
فقال بسرعة مضطربة "حسنا, لا وقت لدينا لذا سأدخل في الموضوع مباشرة, لقد قتلتِ سام, وهذا سيثير غضب مادوف, ونحن نعتقد أنه سيحاول الانتقام منكِ عن طريق نينا, لذا ستسافر معي إلى أن تهدأ الأوضاع"
صمت مايا محاولة استيعاب ما يقوله, ثم قالت بذهول "متى؟ إلى أين؟"
رد عليها "سنقيم عند والد أليكس في دولة ثانية, وحقيقةَ, ستقلع طائرتنا بعد نصف ساعة"
صرخت "نصف ساعة! أنت تمزح كريك, صحيح!"
رد متوترا "لا"
"كيف تجرأ على فعل أمر كهذا دون أن تخبرني؟"
"ها أنا أخبركِ الآن"


غير أنها استمرت في الصراخ "من طلب منك أن تتصرف لوحدك!"
لم يرد, بل سمعته بدلا من ذلك يقول لشخص معه "هاي! لقد فقدت أعصابها, أخبرتك أنني لا أريد أن أكلمها" غير أن عينيها اتسعت وهي تسمع صوتا أجشا يجيبه "أغلق الاتصال"
إذن أليكس هو صاحب هذه الفكرة, كيف لم تفكر بذلك, بالتأكيد ليس هنالك أحد يجرأ على فعل أمر يخصها دون إذن منها غيره. قالت لكريك "أعطني أليكساندر"
فرد كريك بعد قليل "آه, إنه مشغول قليلا" لكن الحقيقة أنها سمعته يقول بعد أن أخبره كريك أنها تريد محادثته "لستُ راغبا بسماع صوتها"
قال كريك "مايا وداعا, علينا أن نغادر الآن"
فهتفت برجاء "انتظر لحظة, أين نينا أريد محادثتها"
فسمعت كريك يقول "تريد نينا" ثم صوت أليكس يجيبه "لن تحدثها. أغلق الاتصال" ثم بدا أن كريك يحاول أن يقول شيئا, لكن الاتصال قطع فجأة فأدركت أن أليكس من أغلقه.


وقفت محدقة في الهاتف قليلا, ثم رمت به إلى حائط الغرفة صارخة "تبا لكم" ليسقط على الأرض قطعا متناثرة.
رفع فريدريك حاجبيه دهشة, وهو يهمس "يا إلهي! سوف تغضب سونيا, لقد أهدتني هذا الهاتف منذ أقل من شهر"
نظرت إليه والشرر في عينيها, وقالت "هل كنتَ تعلم بأن أليكساندر جعل نينا تسافر؟"
رد عليها بصدق "لا, ولكنني أرى أن ما فعله هو الخيار الصحيح, سيحاول مادوف الوصول إليها. اهدأِ يا مايا وفكري جيدا"
حملقت مايا فيه, ثم جلست على الكرسي بتعب, و قالت بعد صمت طويل "لقد أراد أن يؤلمني أليس كذلك؟"
"عفوا؟"
“أليكساندر! لقد كان بإمكانه أن يحمي نينا هنا لو أراد, لقد كان بإمكانه أن يمنع أياً كان من الوصول إليها دون الحاجة إلى السفر, لكنه فعل ذلك لإيلامي, فعل ذلك ليبين لي أن زمام الأمور لم تعد بيدي, أن المسألة خرجت عن سيطرتي, وأن الأحداث لم تعد تسير حسب ما أشتهي. وللأسف هو محق في ذلك”



إعدادات القراءة


لون الخلفية