منذ بداية الخليقة والصراع البشري لا ينضب ولا يهدأ ، والعالم بأكمله مكتظ بصنوف الحروب ؛ وذلك آما دفاعًا عن الحياة وحفاظًا على البقاء وإما تعدي ومحاولات استيلاء ؛ وتلك النزاعات البشرية موجودة منذ الميلاد حتى خلدها التاريخ بشتى أنواعها .
وكان صراع قابيل مع أخيه هابيل هو أول الجرائم على وجه الأرض ؛ وفيه قتل قابيل هابيل بالباطل ودون وجه حق لدرجة أن هابيل أخبره أنه لن يمد يده تجاهه حتى لو قُتل ، وبالفعل قتله أخاه ولم يحظى بأن يعرف معنى تكريم الميت إلا من خلال غراب كان يدفن صديقه الغراب.
تدخلت الطيور في قصة قابيل وهابيل لتثبت أن هذا العالم متكامل متناسق ؛ فيه يحتاج البشر إلى الطيور والحيوانات وكذلك هم يحتاجون إلى البشر ؛ وقد يحارب الإنسان ما يضره من تلك الحيوانات والطيور ولكنها لا تتعدى كونها صراعات فردية أو جماعية بشكل بسيط للغاية ، ولكن أغرب ما يمكن أن يذكره التاريخ هي تلك الحرب التي أقامها أحد الجيوش ضد مجموعة من الطيور التي غزت الحقول .
لقد ذكر التاريخ تلك الحرب ضد الطيور والتي عُرفت باسم حرب الإيمو ؛ وهو يُعد طائرًا من فصيلة الرواكض ويتبع جنس الدرميس ، وهو طائرًا استراليًا يُعد من أكبر الطيور حجماً ؛ كما يُعد ثاني أطول الطيور في العالم بعد النعامة ولا يستطيع الطيران ، وهو النوع الوحيد المتبقي من جنس الدرميس الذي كان يتألف من ثلاث فصائل
ينتشر الإيمو في الأماكن اليابسة في أستراليا ، ويتجنب التواجد بالأماكن المكتظة بالسكان أو الغابات الكثيفة أو المناطق الصحراوية ، ويصل طوله إلى مترين وهو ناعم الريش ويتميز باللون البني ، ويمتلك سيقانًا طويلة ونحيلة والتي تمكنه من الهجرة إلى مسافات طويلة بسرعة قد تصل إلى 50 كيلو متر في الساعة ؛ وقد يسافر مسافات طويلة جدًا من أجل الحصول على الطعام ؛ حيث يتغذى على عدة أنواع من النباتات والحشرات .
وتُعتبر حرب الإيمو هي الحرب الفريدة من نوعها في تاريخ الحروب في العالم والتي منح فيها برلمان دولة تفويضًا لجيشه لكي يتدخل لصد غزو الآلاف من تلك الطيور التي هاجمت أماكن شاسعة لحقول القمح شرقي البلاد وخاصة في كامبيون ، وقامت خلال هذا الغزو بإتلاف الآلاف من الهكتارات الزراعية من القمح الذي يُعد من المحاصيل الاقتصادية الهامة .
وكانت بداية زراعة تلك الحقول حينما سادت موجة من الكساد العظيم عام 1929م ؛ مما اضطر عدد كبير من المحاربين الإنجليز والجنود السابقين بأستراليا التوجه إلى شرق استراليا ؛ حيث كانت الحكومة تمنح الأراضي في تلك الآونة بأسعار متدنية للغاية حتى تساعد على استصلاحها وزراعتها لإنعاش الاقتصاد في البلاد ؛ خاصة أن تلك المناطق الواسعة شبه المهجورة كانت بنية مثالية لزراعة القمح وإنتاجه .
نجحت تجربة زراعة القمح بشرق أستراليا بشكل فائق النظير ، وفي غضون عقد واحد فقط أصبحت تلك المناطق المترامية الأطراف مصدرًا لإدرار مليارات الدولارات نتيجة الأرباح الباهظة من بيع محاصيل القمح .
بدأت الكارثة الكبرى تحل بتلك الحقول عام 1932م حينما بدأت هجرات طيور الإيمو إلى تلك الأماكن لتتسبب في خسائر اقتصادية فادحة ، وخاصة مع زيادة عددها فكانت تصل بموسم الهجرة إلى عدة آلاف وتزداد عامًا تلو الآخر هربًا من ارتفاع درجات الحرارة وزيادة الجفاف .
لم يتمكن المزارعون آنذاك من الوصول إلى حل مناسب لحماية محاصيلهم من تلك الطيور ؛ مما جعلهم يتوجهون إلى الحكومة الأسترالية التي عانت في البحث عن طرق مناسبة للقضاء على ذاك الطائر الغادر الذي غزا الحقول ، وجاء الاقتراح من وزير الدفاع جورج بيرس بالتدخل عن طريق إرسال قوة عسكرية من سلاح المدفعية سريعة الانتشار ، والتي يمكنها التخلص من أعداد هائلة من الطيور في وقت سريع عن طريق استخدام أسلحة الرشاشات دون إلحاق أي خسائر بالحقول .
أرسلت الحكومة الأسترالية وحدة من سلاح المدفعية الثقيلة بالجيش الملكي تحت قيادة الميجور جي دبيك ميريديث للقضاء على الغزاة من طيور الإيمو ، وبالفعل نجحت العملية خلال يومين بعد استخدام عشرة آلاف طلقة ذخيرة ، وربح الجيش الأسترالي المعركة ، وخلّد التاريخ حربًا من أغرب وأندر أنواع الحروب في العالم .