‎⁨سرية مؤتة⁩

أشعل عرب الشام فتيل الصراع بين المسلمين والبيزنطيين ، حيث قُتل الحارث بن عمير الأزدى وكان رسولًًا لرسول الله صلّ الله عليه وسلم ، إلى حاكم البصرة التابع لحاكم الروم ، فقد قام شرحبيل بن عمرو الغساني بضرب عنقه .

ولم تجر العادة على قتل الرسل والسفراء ، وبعد أقل من العام بعث رسول الله صلّ الله عليه وسلم بسرية بقيادة عمرو بن كعب الغفاري ليدعو الناس فيها إلى الإسلام فى مكان يقال له (ذات الأطلاح) .

ولكن لم يستجيب أهل المنطقة للإسلام ، وأحاطوا بالدعاة من كل مكان وقاتلوهم حتى قتلوهم جميعًا إلا أميرهم ، كان جريحًا فتحامل حتى وصل إلى المدينة ، وغير ذلك فقد قام نصارى الشام برعاية الإمبراطورية الرومانية بالاعتداء على كل من اعتنق الإسلام أو فكر بذلك .

كل هذه الأحداث المؤلمة كانت محركة لنفوس المسلمين وباعثًا ليضعوا حدًا لهذه التصرفات النصرانية العدوانية ، ويثأروا لإخوانهم الذين سفكت دماؤهم لأنهم يقولون ربنا الله ، وتأديبا لعرب الشام التابعين للدولة الرومانية الذين دأبوا على استفزاز المسلمين وتحديهم .

تجهيز الجيش الإسلامى : وفى في العام الثامن لهجرة الشريفة ، أمر رسول الله صلّ الله عليه وسلم المسلمين بالتجهيز للقتال ، فاستجابوا للأمر النبوي وحشدوا الحشود .

وبلغ عدد المقاتلين فى هذه السرية حوالي ثلاثة ألاف مقاتل ، وأختار النبي للقيادة ثلاثة أمراء هم على التوالي : زيد بن حارثة ثم جعفر بن أبى طالب ، ثم عبد الله بن رواحة رضي الله عنهم جميعًا .

وأمرهم رسول الله صلّ الله عليه وسلم ، بأن يأتوا المكان الذى قتل فيه الحارث ويدعو أهله للإسلام ، فإن أجابوا خيرًا ، وإن أبوا فقاتلوهم ، وزود الرسول صلّ الله عليه وسلم المجاهدين بوصايا تتضمن آداب القتال فى الإسلام ، وإخلاص النية لله تعالى .

وداع الجيش الإسلامي : لما تجهز الجيش الإسلامي وأتم استعداده ، وتوجه المسلمون يودعونهم ويرفعون أكف الضراعة لله عزوجل بنصر إخوانهم المجاهدين بهذا الدعاء : دفع الله عنكم وردكم صالحين غانمين .

وصول الجيش إلى معان واستشهاد الامراء الثلاثة : لما وصل الجيش الإسلامي إلى معان ، بلغه أن النصارى من عرب وعجم ، قد حشدوا حشودا تصل إلى مائة ألف ، وعُين قائدهم مالك بن رافلة ، وحشد هرقل مائة ألف نصراني صليبي من الروم ليصل جيشهم إلى مائتي ألف مزودين بالسلاح الكافي .

وأقام المسلمون في معان يومين يتشاورون ، في أمر التصدى لهذا الحشد الضخم ،

فقال بعضهم : نرسل لرسول الله صلّ الله عليه وسلم بالأمر ، وهو يقرر فإن شاء أمدنا بالمدد أو شاء أمرنا بالقتال وقال بعضهم : ننصرف ، ولكن عبد الله بن رواحة حسم الأمر قائلًا : مالكم تكرهون ما خرجتم تطلبون ؛ الشهادة انطلقوا إما الحسينيين إما ظهور وإما شهادة .

 
فألهبت كلماته مشاعر المجاهدين ، واندفع زيد بن حارثة واستبسل فى القتال وتوغل في صفوف الاعداء براية رسول الله صلّ الله عليه وسلم حتى استشهد .

ثم أخذ الراية جعفر وانبرى يتصدى لجموع الصليبيين ، فكثفوا حملاتهم عليه وأحاطوا به ، وأخذ اللواء بيده اليمنى فقطعوها ، فأخذه بشماله فقطعت ، فأحتضنه بعضديه وانحنى عليه حتى استشهد .

وبعد استشهاد جعفر بن أبى طالب استلم الراية عبد الله بن رواحة الأنصاري رضى الله عنهم جميعًا وامتطى جواده ،وهو يقول : أقسمت يا نفس لتنزلنه …لتنزلن أو لتكرهنه إن أجلب الناس وشدوا الرنة …مالى أراك تكرهين الجنة وتقدم وقاتل العدو حتى استشهد رضي الله عنه وكان ذلك أخر النهار  المسلمون يختارون خالد بن الوليد قائدًا : ولما استشهد عبد الله رضي الله عنه وسقطت الراية من يده فالتقطها ثابت بن أقرم وقال : يا معشر المسلمين اصطلحوا على رجل منكم ، قالوا : أنت ، قال : ما أنا بفاعل ؛ فاصطلح الناس على خالد بن الوليد 

فقدم له اللواء وقال :خذ اللواء يا أبا سليمان .

وأصبحت الخطة الأساسية لخالد في تلك الساعة العصيبة ، أن يُنقذ المسلمين من الهلاك الجماعي ، وقدر الموقف واحتمالاته المختلفة ، ودرس ظروف المعركة ، واقتنع بأن الانسحاب بأقل خسارة ممكنة هو الحل الأفضل .

خطط خالد خطة قام فيها بتضليل العدو بإيهامه أن مددًا قد ورد للجيش الاسلامي فيخفف من ضغطه حتى يتمكن المسلمون من الانسحاب ، ونجح خالد رضي الله عنه في خطته ، ويقول المؤرخون عن هذه المعركة : أنه لم يمت من المسلمين في هذا اللقاء سوى اثنى عشر قتيلًا .


الرسول صلى الله عليه وسلم يعلم الصحابة أمر السرية : فقد نعى رسول الله صل الله عليه وسلم للمسلمين ، زيدًا وجعفرًا وابن أبي رواحة قبل أن يصل إليه خبرهم ، وحزن رسول الله صلّ الله عليه وسلم ، لما أصاب السرية وذرفت عيناه بالدموع ، ثم أخبرهم بتسلم خالد الراية ، وبشرهم بالفتح على يديه ، وبعد ذلك قدمت أخبار السرية بما كان النبى قد أخبرهم .

ولما دنا الجيش من المدينة ، تلقاهم رسول الله صلّ الله عليه وسلم مقبل مع القوم على دابة فقال احملوا الصبيان وأعطوني ابن جعفر ، وكان الناس يحثون على الجيش بالتراب ويقولون يا فرار ، أفررتم في سبيل الله ويقول الرسول الكريم صلّ الله عليه وسلم : ليسوا بالفرار ولكنهم الكرار إن شاء الله تعالى .



إعدادات القراءة


لون الخلفية