في السنة الخامسة من الهجرة جرت أحداث تلك الغزوة العظيمة التي أغار فيها الرسول الكريم على بني المصطلق ، ولمن لا يعرفهم فهو قوم سيدة النساء جويرية بنت الحارث زوجة رسول الله ، وقد كان من أسباب وقوعها أن رسول الله صلّ الله عليه وسلم ، بلغه أن الحارث بن أبي ضرار سيد بني المصطلق ووالد جويرية رضي الله عنها قد جمع قومه ، وتحالف مع العرب لمحاربة الرسول ومن معه من المسلمين .
وأنهم أعدوا العدة واشتروا السلاح والخيول ، وصاروا في موضع الاستعداد لملاقاة النبي الكريم ، فبعث صلّ الله عليه وسلم بريده بن الحصيب ليستطلع خبرهم ، فخرج متجهًا إلى حيث يقبعون ، وعندما وصل إلى حوض ماء يروون منه ، وجدهم بالفعل قد أعدوا العدة وجهزوا أنفسهم لقتال المسلمين .
فعاد إلى الرسول وأخبره بذلك فنادى رسول الله في الناس ، بأن يسرعوا بالخروج لقتال بني المصطلق ، فخرج المسلمين وكانوا 750 مقاتل و 30 فرسًا اتجهوا جميعهم للقتال في سبيل الله ، وتركوا زيد بن حارثة على المدينة ، ولما علم الحارث بن أبي ضرار سيد بني المصطلق بمسير رسول الله إليهم ارتعب وخاف هو وقومه .
فتفرق عنهم من كان معهم من العرب ، واستقر الرسول ومن معه في مكان يسمي المريسيع وهو مكان به ماء ، ومكثوا هناك استعدادًا لملاقاة بني المصطلق ، وكان على راية المهاجرين أبي بكر الصديق وراية الأنصار سعد بن عبادة .
واستعد المسلمون للقتال حتى أتت الفرصة فأغاروا على بني المصطلق عند الماء ، وسبوا ذراريهم وأموالهم ، وفي صحيح البخاري (أن النبي صلّ الله عليه وسلم أغار على بني المصطلق وهم غارّون ؛ أي غافلون وأنعامهم تسقي على الماء ، فقتل مقاتلتهم وسبى ذراريهم ، وأصاب يومئذ جويرية) .
وكانت جويرية بنت الحارث سيد قوم بني المصطلق من السبايا ، فتزوجها الرسول صلّ الله عليه وسلم ، وكان الهدف من زواج المصطفى بها هو الطمع في إسلام قومها ، وقد حدث هذا بالفعل وتحقق الهدف السامي ، فأعز الله المسلمين بإسلام بني المصطلق ، وكان لجويرية رضي الله عنها اسم أخر فكانت تدعى برة ، وغير اسمها رسول الله صلّ الله عليه وسلم إلى جويرية بنت الحارث ، وكانت رضي الله عنها ذات عبادة وصبر .
فعن ابن عباس رضي الله عنه أنه قال : (خرج رسول الله صلّ الله عليه وسلم من عند جويرية وكان اسمها برة ، فحول اسمها إلى جويرية ، فخرج وهي في مصلاها ورجع وهي في مصلاها فقال: لم تزالي في مصلاكِ هذا ، قالت: نعم ، قال : قد قلت بعدك أربع كلمات ثلاث مرات لو وزنت بما قلت لوزنتهن ، سبحان الله وبحمده عدد خلقه ورضا نفسه ، وزنة عرشه ومداد كلماته ، رواه أبو داود ولما علم المنافقين بانتصار المسلمين علي بني المصطلق ، حاولوا إثارة العصبية بين المهاجرين والأنصار ، فقال أحد المنافقين : إن أحد المهاجرين ضرب بيده أو رجله أحد الأنصار ، فقال الأنصار يا للأنصار وقال المهاجرين يا للمهاجرين .
فقال رسول الله صلّ الله عليه وسلم دعوها فإنها منتنة ، وحاول المنافقين إيذاء رسول الله في نفسه وأهل بيته فشنوا حربًا على الرسول من خلال حادثة الإفك ، تلك الحادثة التي اختلقوها من العدم ، واتهموا فيها سيدة النساء عائشة بنت أبي بكر والصحابي الجليل صفوان بن المعطل بارتكاب الفاحشة ، فبرئهما الله من فوق سبع سنوات بنزول سورة النور .
حيث قال تعالى (إِنَّ الَّذِينَ جَاءُوا بِالْإِفْكِ عُصْبَةٌ مِّنكُمْ ۚ لَا تَحْسَبُوهُ شَرًّا لَّكُم ۖ بَلْ هُوَ خَيْرٌ لَّكُمْ ۚ لِكُلِّ امْرِئٍ مِّنْهُم مَّا اكْتَسَبَ مِنَ الْإِثْمِ ۚ وَالَّذِي تَوَلَّىٰ كِبْرَهُ مِنْهُمْ لَهُ عَذَابٌ عَظِيمٌ) (سورة النور، الآية 11)، والإفك هو الكذب والبهتان والإتيان بالباطل لدحض الحق .