حرب البسوس: الزير سالم

كما قال ابن خلدون في مقدمته ” فإن فن التاريخ من الفنون التي تتداولها الأمم والأجيال ، وتشد إليه الركائب والرجال ، وتسمو إلى معرفته السوقة والأنفال ، وتتنافس فيه الملوك والأقيال ، ويتساوى في فهمه العلماء والجهال   إذ هو في ظاهره لا يزيد عن أخبار عن الأيام والدول ” فالتاريخ دراسة لحوادث سواء كانت كبيرة أو صغيرة ، لذلك فإن قراءة أيام وحروب العرب في الجاهلية والإسلام مصدر رئيس لمعرفة أيام وتاريخ العرب .


 ومن أشهر أيام العرب هي حرب البسوس ، تلك الحرب التي قامت بالعهد الجاهلي واستمرت طوال أربعين عامًا ، وقعت الحرب بين بكر وتغلب ابني وائل بن هنب بن أفصى بن جديلة بن أسد بن ربيعة بن نزار بن معد بن عدنان .
 
 سبب الحرب : كانت الحرب بسبب قتل كليب ، واسمه وائل بن ربيعة بن الحارث بن زهير بن جشم بن بكر بن حبيب بن عمرو بن غنم بن تغلب ، وسمي كليب لأنه كان إذا سار أخذ معه جرو ، فإذا مر بروضة أو موضع يعجبه ضربه ثم ألقاه في ذلك المكان وهو يصيح ويعوي ، فلا يسمع عواه أحدًا إلا تجنبه ، ولم يقربه وكان يقال له كليب وائل .
 
 مقدمات وأطراف الحرب : وكان لواء ربيعة بن نزار الأكبر ، فكان اللواء في عنزة بن أسد بن ربيعة ، وكانت من ضمن سنتهم أنهم يوفرون لحاهم ويقصون شواربهم ، ومن لا يفعل ذلك من ربيعة إلا يريد حربهم ، ثم تحول اللواء في عبد القيس وكانت في سنتهم ، إذا شتموا لطموا من شتمهم ، وإذا لطموا قتلوا من لطمهم ، ثم تحول اللواء في النمر بن قاسط بن هنب ، وكان لهم غير سنة من تقدمهم ، ثم تحول اللواء إلى بكر بن وائل ، ثم تحول اللواء إلى تغلب فوليه وائل بن ربيعة وكان سنته هي جرو الكلب .
 
 ودارت الحرب بين قبيلتين تغلب ويمثلها كل من الزير السالم ، والملك كليب بن ربيعة ، وقبيلة بكر ويمثلها جساس بن مرة ، ووقعت الحرب في منطقة الحجاز ، حسب ما تم ذكره في كتب التاريخ الجاهلي وقعت عام 494 م لعام 534 م .


 بداية الحرب : كان كليب بن ربيعة ملكًا للعرب ، وكان شخصية غير عادلة وقوية ، فكان إذا خرج إلى الحمى وجعل يتصفح الإبل ، فرأي ناقة الجرمي فرمى ضرعها فأصبها حتى بركت في فناء صاحبها ، فسمعت البسوس صراخ جارها فخرجت إليه ، فصرخت واذلاه ، وكان جساس يراها وقال لها ” اسكتى ولا تراعي ، وسكن الجرمي وقال لهما : إني سأقتل جملا أعظم من هذه الناقة ، سأقتل غلالا ( فحل إبل كليب الذي لم يرى في زمانه قط ) ، تتبعه جساس يومًا فقتله ، وكانت تلك بداية شرارة الحرب .


 وأمر جساس رجلا كان معه يدعى ، عمرو بن الحارث بن ذهل ليجعل عليه أحجارًا ، لكي لا تأكله الذئاب ، ويقول في ذلك مهلهل بن ربيعة أخو كليب : قتيل ما قتيل المرء عمرو وجساس بن مرة ذي صريم أصاب فؤاده بأصم لدن فلم يعطف هناك على حميم فإن غدا وبعد غد لرهن لأمر ما يقام لع عظيم جسيمًا ما بكيت به كليبا إذا ذكر الفعال من الجسيم سأشرب كأسها صرفًا وأسقي بكأس غير منطقة مليم .
 
 ثم ركب جساس فرسه بعد قتل كليب ركب فرسه ، لما رآه أباه قال لقد أتاكم جساس بداهية وقال لأبيه طعنت طعنة يجتمع بنو وائل غدا لها رقصًا ، قال : ومن طعنت ؟ لأمك الثكل ، قال قتلت كليبًا.


 كان همام أخو جساس ، ومهلهل أخو كليب في ذلك الوقت يجتمعان للشراب ، فأرسل له جساس جارية تخبره ، وقال همام لمهلهل اشرب فاليوم خمر وغدا أمر ، و خرج همام بعدما سكر مهلهل ، وذهبوا لكليب ودفنوه ، بعد ذلك ثارت قبيلة تغلب لمقتل كليب وبدأت في مقاتلة قبيلة بكر حتى تثأر لمقتل ملكها وقاد الحرب المهلهل بن ربيعة .
 
 المهلهل واسمه عدى وقيل : امرؤ القيس وهو خال امرئ القيس بن حجر الكندي ولقب مهلهلا ، لأنه أول من هلهل الشعر وقصد القصائد وأول من كذب في شعره وكانت للحرب أيامًا .


 أيام الحرب : يوم عنيزة : أول قتال بينهم عند فلج ، والتقوا بماء يقال له النهى كانت بنو شيبان نازلة عليه ، وكان رئيس تغلب هو المهلهل ، ورئيس شيبان هو الحارث بن مرة ، وكانت الدائرة لبنى تغلب ، والشوكة في بنى شيبان ، ولم يقتل في ذلك اليوم أحدًا من بني مرة .
 
 يوم الذنائب : التقوا بالذنائب و كانت تلك أعظم واقعة بينهم ، ظفرت بنو تغلب وقتل هذا اليوم شراحيل بن مرة بن همام بن ذهل بن شيبان ، وقتل الحارث بن مرة وقتل من بنى ذهل بن ثعلبة عمرو بن سدوس بن شيبان وغيرهم من رؤساء بكر .
 
 يوم واردات : فاقتتلوا قتالًا شديدًا ، ظفرت تغلب أيضًا ، وكثر القتال في بكر فقتل همام بن مرة و ذهل أخو جساس لأبيه وأمه .
 
 يوم عويرضات ، ويوم أنيق ، ويوم ضرية ، ويوم القصيبات وانتصرت فيه تغلب أيضًا .
 يوم تحلاق اللمم : أو يوم الفصيل انهزت قبائل تغلب وهرب المهلهل وفارق قومه ونزل في بنى جنب ، وانتهت الحرب وتفرقت بعد تلك الوقائع قبيلة تغلب وارتحلوا إلى جزيرة الفرات شمال غرب بلاد العراق وسميت بديار ربيعة 



إعدادات القراءة


لون الخلفية