كان حصار الكوت واحدًا من أهم المعارك الكبرى التي وقعت خلال الحرب العالمية الأولى ، حيث أن الحصار وقع في مدينة الكوت العراقية الواقعة جنوب شرق بغداد ، ووُصف على أنه الحصار الأطول أثناء الحرب العالمية الأولى بين القوات البريطانية والقوات العثمانية .
بداية الحصار : قامت القوات البريطانية بالزحف ناحية بغداد عن طريق مدينة الكوت بعد دخول البصرة ، وقد واصلت زحفها حتى وصلت منطقة “سلمان بك” حيث وقعت معركة بين القوات العثمانية والبريطانية ، وقد انهزم البريطانيون فاضطروا إلى العودة إلى مدينة الكوت كي يتحصنوا بها .
قام الجنرال الألماني كولمار فون در غولتس ، وهو القائد الذي تم تعيينه بالفيلق الثاني بإصدار أوامره لقائد الجيش العثماني في العراق العقيد نور الدين باشا بأن يقوم بمحاصرة مدينة الكوت في 27 ديسمبر خلال عام 1915م ، ومن ثَم بدأ الجيش البريطاني في الهجوم من أجل إنقاذ قواتهم المحاصرة في الكوت .
اضطر البريطانيون إلى الانسحاب نتيجة خسارتهم أربعة آلاف جندي بمعركة الشيخ سعد في يناير عام 1916م ، ثم خسر فيما بعد نحو 1600 جندي في معركة الوادي ، ثم فقدوا نحو 2700 جندي في معركة أم الحنة ، وفي مطلع شهر مارس الذي تلا تلك الأحداث تمكنت القوات البريطانية من شن هجمات على الفيلق 13 العثماني بقيادة العقيد علي إحسان بك .
واندلعت فيما بعد معركة سابيس بين الطرفين ، والتي انتهت بهزيمة القوات البريطانية ، حيث قُتل منهم نحو 3500 جندي ، ثم اضطروا للانسحاب ، وقد أدى ذلك إلى عزل الجنرال أيلمر من منصبه ، حتى أصبح الحصار مريرًا على الجيش البريطاني الذي حاول أن يحصل على المؤن والطعام عن طريق الطائرات ، ولكن الطائرات الحربية العثمانية تمكنت من إسقاط الطائرات البريطانية .
حاول الجيش البريطاني فيما بعد الحصول على مؤنه ليلًا عن طريق السفن ، غير أن القوات العثمانية قامت بمصادرة تلك السفن ، وبعد فشل كل المحاولات من قِبل الجيش البريطاني ، قام خليل باشا بإرسال تلغراف إلى قيادة الجيش العثماني ليوضح من خلاله أن تاونسند قام بعرض مبلغ مليون جنيه في مقابل السماح لجيشه بأن يتوجه إلى الهند .
رد القيادة العثمانية : كان رد القيادة حازمًا واضحًا حيث أكد القائد العثماني أنهم لا حاجة لهم بالأموال ومن الممكن فقط السماح لتاونسند أن يرحل مع أسر جيشه مقابل استسلامه وعدم تعديه على الجيش العثماني ، فطلب تاونسند في برقية أخرى السماح له وبعض مساعديه الذهاب إلى إسطنبول وهو على استعداد لتسليم جنوده .
استسلام القوات البريطانية : قامت القوات البريطانية بالاستسلام أمام تلك الهزائم الفادحة التي لحقت بهم من الجيش العثماني ، وتم أسر تاونسند وجنوده المحاصرين الذين بلغوا نحو 13.100 جندي ، وفيما بعد تم ارسال تاونسند ومساعديه إلى إسطنبول كأسرى حرب ، وقام الجيش البريطاني بإطلاق اسم “الدفاع عن كوت العمارة” على حصار الكوت ، وذلك حفاظًا على ماء الوجه بعد الهزيمة
انتهى الحصار الذي دام 147 يومًا ، والذي حقق فيه العثمانيون ثاني أكبر انتصاراته بعد معركة جناق ، حيث انهزم الجيش البريطاني المكون من 13 ألف جندي آنذاك ، وقد وصفه المؤرخ البريطاني جيمس موريس بأنه الاستسلام الأكثر إذلالًا في التاريخ العسكري البريطاني