تقرر في عام 18هــ ، الموافق عام 639م ، تنفيذ القرار الذي اتخذ بفتح مصر ، في مؤتمر الجابية ، وعهد عمر بن الخطاب إلى عمرو بن العاص بقيادة العملية ، ووضع بتصرفه ثلاثة آلاف وخمسمائة جندي ، وقيل أربعة آلاف ، وطلب منه أن يجعل ذلك سرًا وأن يسير بجنده سيرًا هينًا .
عمرو بن العاص وطريقه إلى الفرما : سار عمرو بن العاص بجنده مخترقًا صحراء سيناء ، ومتخذًا الطريق الساحلي حتى وصل إلى العريش ، في عيد الأضحى الموافق (10 من ذو الحجة عام 18هــ) الموافق 12ديسيمبر عام 639م ، فوجدها خالية من القوات البيزنطية ، فدخلها ، وشجعه ذلك على استئناف التقدم ، فغادر العريش سالكًا الطريق الذي يسلكه المهاجرون ، والفاتحون والتجار منذ أقدم العصور ، ثم انحرف جنوبًا تاركًا طريق الساحل ، واتخذ الطريق الذي سار فيه الفرس ،عندما استولوا على مصر ، حتى وصل إلى الفرما .
موقف المقوقس من زحف المسلمون إلى فرما : كانت أنباء زحف المسلمين قد وصلت إلى مسامع المقوقس ، فاستعد للتصدي لهم ، ولكنه آثر ألا يصطدم بهم في العريش أو الفرما ، وتحصّن وراء حصن بابليون ، ولعل مرد ذلك يعود إلى : أن العريش والفرما قريتان من الصحراء ، مع علمه بأن المسلمين أقدر الناس في حرب الصحراء ، بالإضافة إلى قربهما من فلسطين ، مما يجعل إمداد عمرو بن العاص بجنود من بيت المقدس ، وما جاورها أمرًا يسيرًا .
خطأ عسكري فادح من المقوقس : لذلك فضّل أن يدع عمرًا يمضي في زحفه ، ويتوغل في أرض مصر ، ليبعده عن قواعده ثم يهاجمه ، واعتمد على حصون الفرما القوية لعرقلة تقدمه ، دون أن يخاطر بالذهاب بنفسه إلى هناك ، أو يرسل الأرطبون كبير القادة ، وهذا خطأ عسكري كلفه غاليًا ، حيث كانت الخطة العسكرية السليمة ، تقضي بأن يرسل قواته إلى الفرما ، ليوقف زحف المسلمين ، هناك ولو فعل ذلك وهو يمتلك قوة عسكرية هائلة ، لربما كان قد تغير وجه الصراع.
المقوقس وشكّه في ولاء المصريين : أنه لم يكن مطمئن إلى ولاء المصريين ، وخشيّ أن يستغلوا الفرصة ، ويقوموا بثورة ضد الحكم البيزنطي ، كما أنه تهيب الدخول في مغامرة عسكرية مع المسلمين ، مع علمه بمقدرتهم القتالية ، وتفوقهم في ميدان القتال ، وبخاصة أنهم خارجون من انتصارات متلاحقة في بلاد الشام ، ومعنوياتهم مرتفعة .
عمرو بن العاص وحصار المدن : افتقر عمرو إلى آلات الحصار ، إذ لم يكن للمسلمين عهد بأساليب حصار المدن ، واعتمدوا في فتوحهم لمدن العراق وبلاد الشام ، على المواجهة والصبر عليها إلى أن يضطرها الجوع إلى الإستسلام.
فتح الفرما : وهكذا ضرب عمرو الحصار على الفرما ، وتحصنّت حاميتها البيزنطية وراء الأسوار ، وجرت مناوشات بين الطرفين استمرت مدة شهر ، ثم اقتحمها المسلمون في (19 محرم عام 19هـ) الموافق ( 20 يناير عام 640م) ، وقد أمّن فتح الفارما للمسلمين المركز المسيطر على خطوط مواصلاتهم مع بلاد الشام ، وضمن لهم وصول الإمدادات التي وعدهم بها عمر بن الخطاب ، بالإضافة إلى طريق الانسحاب إذا تعرضوا للهزيمة .
ولما كانت قواته قليلة العدد ، ولا يمكنه ترك حامية عسكرية لحمايتها ، فقد هدم عمرو أسوار المدينة وحصونها ، حتى لا يستفيد البيزنطيون منها فيما لو امتلكوها ثانية .