الجزء 8
إنطلق بها إلى أحد الفنادق الفخمة ، دخلا إليه وجلسا على إحدى الطاولات الموجودة. ظلا يتحدثان لوقت قليل ، لكن توقف حديثهم عندما سمعا صوته وهو يقول : اهلًا يا انسة نور. اتسعت أعيونها من الصدمة التي ظهرت بوضوح على معالم وجهها حاولت كثيرًا أن تنطق ولكنها لم تقدر جاهدت كثيرًا حتى أخرجت صوت ضعيف يقول : اهلًا يا احمد
احمد بجدية : ازيك عاملة اية ؟ مش تعرفينا ولا اية ؟ ونظر إلى جاسر
قال جاسر معرفًا نفسه : جاسر.
احمد بجدية : اهلًا يا استاذ جاسر ، انا احمد زميل نور.
جاسر : اهلا بحضرتك ، اتفضل اقعد مش هنتكلم وحضرتك واقف.
احمد : اقعد ، مقعدش ليه . ثم نظر الى نور وقال : ولا انتِ عندك رأي تاني ؟
نور بضعف وقلة حيلة : اقعد يا احمد ، اقعد. سحب أحد الكراسي وجلس ، نظر لجاسر و قال : حضرتك شغال اية ؟
جاسر : دكتور.
احمد : دكتور اية بقا؟
شعرت وقتها بالإختناق ، أن روحها تخرج من جسدها ببطء مميت ، و لكنها تنهدت بإرتياح عندما سمعته وهو يقول : انا شغال اي حاجة في بيتي ، دكتور قلب لوالدتي واحيانًا مدرس فرنساوي و مع صحابي دكتور نفساني واحيانًا كدا بببقى صيدلي .
احمد بسخرية : دا انت بتاع كله. جاسر بجدية : ظروفي بقى.
احمد : بس انت تعرف نور منين؟
ردت بدلًا منه قائلة : قريبي ؟
احمد بجدية : يقربلك اية يعني؟
نور بحدة : وانت مالك انت؟ جي تعمل معايا تحقيق! احمد بجدية : تحقيق اية ؟ انا بسال عادى .
نور بسخرية : عادي ! ثم أردفت بتساؤول : انت جي لوحدك؟
احمد : اه اصلي كنت معدي بالعربية ، فلقيت نفسي جعان ، قولت ادخل ودا من حظي الجميل.
نور بصوت منخفض : لا وانت الصادق من حظي الزفت.
رغم صوتها المنخفض لكن جاسر سمعها ؛ فنهض و قال بجدية : مبسوط اووي اني اتعرفت على حضرتك ، بس للأسف لازم امشي ؛ ثم نظر إليها وقال : يلا يا نور.
احمد بجدية : لا طبعا مينفعش لازم نتغدا سوا.
جاسر: انا اسف بس عندي ميعاد. احمد بجدية : والله لتقعد ونتغدا انا حلفت.
نظر إليه بنفاذ صبر لكثرة إلحاحه ، وجلس قائلًا بإبتسمة صفراء : بس ياريت بسرعة لأني مستعجل.
احمد بجدية : شكلك مش عايز تتعرف عليا؟
جاسر بابتسامة : لا ابدًا ، ده انا مبسوط اني اتعرفت عليك.
احمد : وانا كمان ، ثم نظر إلى نور وقال : تاكلي اية يا نور؟
تجاهلته ونظرت الى جاسر قائله بجدية : اطلب ليا يا جاسر لحد ما اجى ؟
جاسر بجدية : رايحة فين ؟
نور : هروح التواليت بسرعة واجى .
عندما رحلت ، أشار إلى الجرسون وأملا إليه الطلب و فعل مثله أحمد ، عندما غادر قال
احمد بجدية : تقرب اية لنور بجد؟
جاسر بهدوء: قالتلك قريبها ، فى اية ؟
احمد : مفيش ، بس يمكن تكون خطيبها ومش عايز تقول؟
جاسر / وحتى لو خطيبها فيها اية ؟ انت مفروض تفرحلها.
احمد بسخرية: اه طبعًا ،
ثم قال بجدية : بس انا مشوفتكش ساعة نادر.
جاسر : كنت مشغول شوية.
احمد : اه .. قاطع كلامه الجرسون وهو يضع الاطباق ، بينما جاسر ينظر إلى احمد بإستغراب كان يشعر أن خلفه شيء مهم له علاقة بنور ، قطع تفكيره صوت نور نظر إليها بابتسامة : يلا يانور كلي علشان نمشي
نور : حاضر
نظر كلاهما إلى الأطباق التي أمامهما . ظلت نور تلعب فى الطبق الخاص بها ، ولم تأكل شيء. لاحظ جاسر ما فعلت ولكنه تجاهل الأمر ، أما احمد فقد تقرب من أذنها وهمس قائلًا : انا سديت نفسك ولا اية؟ ولا وحشك اوووى نادر وهو بيأكلك؟ ضربت بالملعقة على الطبق بشدة حتى لفتت أنظار الجالسين من حولها ،
نظر إليها جاسر بغضب قائلًا بجدية : خير يا نور فى اية ؟
نور بتعب : يلا نمشي لأني تعبانة اووي ، نطقت بتلك الكلمات ، و أخذت حقيبتها ورحلت من المكان فورًا.
شعر جاسر بالإحراج من تصرفها ، فقال بإسلوب لبق : أنا اسف جدًا بس شكلها تعبان ، و مبسوط جدًا أني اتعرفت عليك .
اخرج بعض النقود من جيبه ، و وضعها على الطاولة ؟
فقال احمد : لا طبعًا انا الي عازم .
جاسر بابتسامة : انا وانت واحد ، بعد ازنك . خرج بين نظرات أحمد الحائرة و التي ترجمت إلى كلمات : وراكِ سر يا نور ، اخلص بس من الي ورايا و افوق لك
.................................................. .............................................
مجموعة من الفتيات في مقتبل اعمارهن يقفن عند إحدى المكتبات لتصوير بعض الأوراق يضحكن تارة ويتكلمن تارة آخرى، يأتي نحوهن شاب وسيم جدًا ، يركز نظره نحوها ويهتف قائلًا : ريم بعد ازنك ثواني
اتسعت اعيونها و الخجل قد إحتل معظم وجهها : حاضر
ابتعد عنهن قليلًا و سارت هي خلفه قالت بغضب : انت ازاي تيجي لحد هنا؟
الشاب : اهدي شوية انا كنت عايز اتكلم معاكِ
ريم بغضب : تتكلم في اية؟ انا اعرفك اصلًا ، انا لحد دلوقتي معرفش حتى اسمك.
الشاب بابتسامة : عادي ، اسمي يوسف.
ريم بحدة : ميشرفنيش اني أعرف اسمك ، ياريت يا استاذ يا محترم ، تبعد عني ومتحولش تتكلم معايا تاني
يوسف بجدية : انا عايز اتعرف عليكِ علشان لو كنا مناسبين لبعض اتقدم ليكِ
ريم بغضب : انا ولا فاضية ولا تافهة ؛ علشان اضيع وقتي معاك ، وبعدين تتقدم لمين واحد معرفش سنه أصلًا و لسه بياخد مصروفه من اهله ، ميعرفش حتى يشيل مسئولية نفسه ، هيشيل مسئوليتي .
يوسف : انا راجل واعرف اشيل مسئولية بيت كامل.
ريم بسخرية : راجل ! انت مفهوم الرجولة عندك اية؟ انك تعمل الي انت عايزه وتبقى اسمك راجل ، لو انت راجل زي ما بتقول كنت اعتبرتني زي اختك و مجتش أحرجتني قدام صحابي ، ممكن دلوقتي يكونوا بيتكلموا عليا كلام زي الزفت بسببك ، لو انت راجل كنت ركزت فى دراستك و مستقبلك.
يوسف : انتِ متعرفنيش ، صدقينى انا مش عايز العب بيكِ ، انا عايز اتعرف بس علشان متقدمش ليكِ و نطلع مش متفهمين بعض و ساعتها هنفسخ خطوبتنا.
ريم بسخرية : اولًا ، انت اصلًا فاكر اني ممكن اوافق عليك ، ثم قالت بجدية : ثانيًا انا لسا ورايا حاجات كتير اووي ، دراستي ومستقبلي اهم حاجة عندي .
يوسف : انا مش هعطلك ابدًا صدقيني .
ريم : وانا مش مستعدة اخاطر بسمعتي و أخون ثقة اهلي الي ادوهالي عشانك ، انا اصلًا قبل ما انزل من نظر الناس ، هكون نزلت من نظرى انا ، ودي حاجة انا مستحيل اقبل بيها ، ابعد عني بقى ، لاني ممكن اعمل ليك مشاكل كتير .
يوسف : هستحمل اي حاجة ، بس اعتبريني صاحبك زي اي حد في المدرسة.
ريم بجدية : انت مش بتفهم بجد!
يوسف بحدة : انا مستحمل طولة لسانك من بدري وساكت ، لكن أكتر من كدا مش هسمحلك.
ريم : انا الي مش هسمح لنفسي اني اضيع وقتي او اطول لساني على حضرتك ، انا هقولك كلمة اخيرة ، لان لو الى حصل انهارده ده اتكرر تاني ، صدقني مش هعديها ، انا مش واحده عايزه تسمع كلمتين حلوين من حد و لا واحده عايزه ادور على الاهتمام بره بيتي ، انا متربية وعارفة يعني ايه كلمة ثقة ، عارفة معناها كويس اووي ، بعد ازنك.
رحلت من أمامه ، فشعر وقتها بالغضب ولكنه شعر بالإعجاب أيضًا من شخصيتها وتربيتها. .................................................. ................................................
تقف سانده ظهرها على السيارة ، و يبدو على وجهها معالك الغضب و الحزن ؟ اشفق عليها كثيرًا ، لكن لم يظهر لها ذلك ، ولم يسألها فهي الأن في أضعف الأحوال و أقوى و أكبر أنواع الحزن ؟
قال لها : انا اسف جدًا لو قولتلك نور من غير انسة .
نور بهدوء : وانا كمان اسفة لاني قولتلك جاسر .
جاسر بابتسامة : عادي انا اصلًا مش بحب الـلقاب ، ممكن بقا تقوليلي جاسر.
نو بجدية : وانا بحب الألقاب واحب اوووى اسم الانسه نور او البشمهندسة نور؟
جاسر بحرج : اسف ، اركبي يا انسة نور علشان اوصلك؟
استقلت السيارة ولكن في المقعد الخلفي كما جاءت ، وعم الصمت على سيارة
.................................................. ...........................
كان يجلس في الغرفة وأمامه الحاسوب الخاص به يتابع أهم الأخبار المناسبة لعمله أحضرت له ما طلب وقالت : حسام اتفضل نسكافيه اهو .
حسام ببرود : حطيه في اي حته؟
فعلت ما طلب وجلست على الكرسي الموضوع أمامه وظلت تنظر إليه بتردد وخوف حاولت التغلب عليه كثيرًا لتقول : حسام عايزة اتكلم معاك
وضع اللاب بجانبه ونظر إليها ببرود قائلًا : اتفضلي
أروى بجدية : انا مبقتش استحمل العيشة دي ، بقيت بتعاملني بجفاء وبرود ، وانا طول اليوم قاعده فاضية ، انا تعبت بجد.
حسام بجدية : تصرفاتك هي الي وصلتنا لكدا.
اروى : وانا غلطت واعتزرت بيك ، انت ليه مش راضي تسامح.
حسام بحدة : لما يجيلي مزاج أسامح هبقى اسامحك.
اروى بحدة مماثلة : ومزاجك دا هيبقى امتى ان شاء الله ، بعد 100سنة
حسام بجدية : اتعدلي في الكلام يا اروى !
اروى بحدة : طب انا عايزه ارجع شغلي. حسام : الموضوع دا اتقفل ومش هتكلم فيه تاني.
اروى : وانا عايزه اتكلم.
حسام : مش هترجعي شغلك ، علشان تبطلي كلام في حاجة تافهة .
اروى بغضب : شغلي حاجة مهمة مش حاجة تافهة ، دا مستقبلي واهم شيء في حياتي.
حسام :طب يا اروى ، انتِ عايزه اية دلوقتي ؟
اروى بغضب وصوت عالٍ : عايزه ارجع شغلي.
حسام : وانا قولت لا ، ثم قال بجدية : ولو عايزه تخبطي راسك في الحيط ، اخبطى ! علشان انا اتخنقت منك
ثم وقف و ترك لها الغرفة. ضحكت بسخرية وقالت : عمرك ما هتتغير !
كل يوم فى الزواج من الممكن أن يقترب الزوجان من بعضهما ، من الممكن أن يتفاهما لكن في هذا البيت ، كل يوم يُؤكِد ، أن زواجهما لم يكن سوى غلطة اقترفاها ، فكانا يظنان أن الحب يمكنه التغلب على عيوب كلا منهما ؛ فالحب شيء جميل هوأسمى شيء في الوجود ، لكن عندما يكون حقيقي ورباط الحب هو الألفة والمحبة والتفاهم .. بالتفاهم يمكن أن نبني بيت والحب يثبته أكثر . فى هذا البيت يوجد رجل من الأصول الشرقية الأصيلة التي تفكر بطريقة رجعية ليست متحضرة ، تفكيره لا يتناسب مع العصر الحالي
.................................................. ........................................
أوصلها إلى بيتها ، و ذهب إلى بيته هو الأخر، اطمأن على والدته واخته وذهب إلى غرفته. أخذ حمامًا دافيء ، و بدل ثيابه . جلس على سريره وهو يفكر في ما حدث اليوم ، فقد تأكد أن خلف الشخص الذى قابله اليوم سرًا له علاقة بماضي نور ، و يبدو أن لنور ماضٍ مؤلم ، جعلها تُغير الكثير من عاداتها. فهو متأكد أن خلف هذا الجبروت والقسوة ، فتاة بريئة طيبة تملك حنان بالغ ، فهي تشبه الزجاج في بريقه ولمعانه ، وتشبهه في حدته عندما يقترب منه أحد ، هي تحتاج من يدفعها لكي تنكسر ، فهي تبني جدارًا عالٍ ، لكنه مبني بالزجاج ، بدفعةٍ واحدة سوف يتكسر ، فهي تحتاج لأحد ليدفعها. ظل يتذكر ابتسامتها و لعبها مع الأطفال ، لكنه طرد هذه الأفكار من عقله ، قائلًا بجدية : دي مريضة زي اي حد عندي ، بلاش الاهتمام الزايد دي ، ميرنا هي اهم حد في حياتي.
نهض واتجه نحو درج الكومودينو ، و اخرج منه ميدالية بشكل مميز ، تحتويي على مفتاح واحد أخذه و اتجه نحو الغرفة المجاورة ، لغرفته وفتحها ، ضغط على أحد مفاتيح الكهرباء ، لتضيء الغرفة بنور مميز. نجد غرفة ذات ذوق رفيع أخذ كتاب من المكتبة المخصصة له وهو يتذكر
فلاش باك
كان يجلس في حديقة منزله ، اتجهت إليه مسرعة و أمسكت يديه ، ثم ظلت تركض وهو يركض خلفها بسرعة حتى دخلت إلى إحدى الغرف .
فقال جاسر بتنهيدة : فهميني بقى انتِ جاية الاوضة دي ليه؟
نظرت إليه بابتسامة : انت ليه مخلي الاوضة دي مكركبة كدا ومش عايز حد يروقها؟
جاسر بجدية : فيها كل حاجة خاصة بيا وموجود فيها كتب كنت بحب اقرأها.
قالت بحماس شديد: وانا عجباني ألوان الأوضة اووي ، ممكن نوضبها ونخليها اوضة للكتب وللعبادة ، و لما حد يكون مضايق من حاجة ، يجي هنا يصلي فيها ويرتاح و لو كنا زعلانين من بعض ، نتعاتب فيها ؛ احنا ممكن نخليها مميزة و ممكن نحط فيها الحاجات الخاصة بينا ، انت بس قول اوك وانا هغير الاوضة خالص
ابتسم لها ابتسامة واسعة قائلا : انا منيفعش اقول غير حاضر ليكِ اصلًا ، ربنا يخليكِ ليا يا اغلى حاجة ليا في الدنيا.
باك
ظل يتأمل الصورة المعلقة على الحائط ، فتاة غاية في الجمال ، وجهها اذا رسمه فنان لن يجد بمثل هذا الجمال والذي اظهر جمالها هو براءة أعيونها ‘ سمع صوت أخته ؛ فقال بجدية : في اية يا ريم؟
ريم بحنق : فيه ضيوف تحت ؟
جاسر بتساؤل : مين؟
ريم بجدية : انزل شوف ، ورحلت من أمامه نظر إليها باستغراب ثم أغلق أنوار الغرفة ، و هبط إلى الطابق السفلي ، وذهب إلى غرفة الصالون . ليجد هذا الشخص أمامه ، فيقول بجدية واضحة : ازيك يا جمال بيه؟
يتبع