الأماكن المسكونة هي أكثر الأشياء ، التي من الممكن أن تتعرض لها رعبًا ، فأنت تجلس في مكان لا تدري من سيفاجئك بظهوره ، وتواجده معك في لحظات بعينها ، وأوقات محددة ، وكيف يمكنك أن تتعامل معه ، خاصة وأنك لا تعرف من هو ، وهل هو روح شريرة علقت بين عالمي الأحياء والموتى ، أم أنها روح بريئة ظُلمت ، فعادت لتنتقم ، أن أنها كائنات مظلمة عبرت إليك من بوابات الجحيم ، ولعل هذا ما شعر به مصطفى في المنزل الجديد .
نال والدي الترقية وكان لابد لنا ، أن ننتقل إلى جوار عمله ومكتبه الجديد ، ليتلاءم مع وضع والدي الاجتماعي الجديد ، وقبل كل شيء أنا مصطفى ، طالب بالثانوية العامة ، لي شقيقة تكبرني ببضعة أعوام ، متزوجة وتعيش برفقتنا ، ريثما يعود زوجها من الخارج ، بالإضافة لأبي وأمي ، بارك الله فيهما فهما عمادنا .
كما قلت نال والدي الترقي الوظيفي ، وانتقلنا إلى شقة قريبة من عمله بنظام الاستئجار ، وكانت واسعة وفي عمارة مبنية على طراز معماري قديم ، قد لا يتصور أحد هذا ولكنني ، لم أكن مرتاحًا بمجرد أن خطوت أولى خطواتي داخلها ، كذلك سعرها الزهيد للغاية أثار شكوكي ، ولكن والدتي قالت لي ليس شرطًا أن يكون الغالي أفضل حالاً .
لم نأخذ وقتًا طويلاً حتى بدأت الأحداث ، ففي المساء بالليلة الأولى ، لمحت كيانًا مظلمًا يتجول داخل غرفتي ، نظرت في الساعة المعلقة فوجدتها قد تخطت منتصف الليل ، نهضت وقد ظننته لصًا ، إلا أنه كان يبدو شخصًا عجوز ، أو امرأة عجوز على وجه الدقة .
كانت العجوز تسير في الغرفة ، وتدور حول نفسها ، لدرجة أصابتني بالفزع الرهيب ، خاصة عندما استدارت لي وهي تبتسم ، مكشرة عن أسنان سوداء اللون ، فصرخت هلعًا حتى أتى من بالمنزل جميعًا ، فرويت لهم ما حدث ولكن طمأنتني والدتي ، وأقر والدي أن الأمر مجرد خيال ، لعدم رضائي عن المنزل .
لم يمض يومان على تواجدنا بالمنزل ، حتى أتت أمي مهرولة صوب أبي ، ونحن نشاهد فيلمًا ، وكان وجهها مصفرًا وتقول بخوف واضح ، لقد رأيتها المرأة العجوز ظهرت لي ، وكشرت عن أسنانها السوداء ، كما وصفها مصطفى .
هنا صار الأمر جديًا ، وبدأ أبي يبحث عن الرجل الذي استأجر منه المنزل ، ولكننا فشلنا في التوصل إليه ، خاصة مع إغلاقه لهاتفه طيلة الوقت ، واضطررنا للأسف للعودة إلى المنزل ، في اليوم التالي ، جاءت شقيقتي والتي لم تكن تعلم شيئًا عن الأمر ، حتى لا تهلع وهي حاملاً بطفلها الأول ، وقامت بالشكوى لوالدي ، بألا يأتي إليها أحد ، ويوقظها فهي بالكاد تستطيع النوم ، في شهورها الأخيرة ، فنظرنا لبعضنا البعض .
لقد كنا نتناول العشاء ولم يغادر الغرفة أحدنا ، فقالت شقيقتي هل هو عفريت إذًا؟ في تلك اللحظة سمعنا صرخة مدوية ، شممنا بعدها رائحة غاز قوية ، فنصحنا والدي بألا نوقد أية شعلة نيران ، وكانت شقيقتي قد فقدت وعيها بالفعل ، عقب تلك الصرخة المفزعة ، فساعدت والدتي لحمل شقيقتي إلى غرفتها ، بينما ذهب أبي لتفقد الأمر .
بعد دقائق أتى والدي ، ووجهه أصفر بشدة وقال أن عيون الموقد ، كانت كلها مفتوحة عن آخرها ، ولولا أن شممنا الرائحة لكنا موتى الآن ، غادرنا المنزل وعقب مغادرتنا ببضعة أيام ، استطاع والدي أن يلمح الرجل الذي استأجر منه المنزل ، وقبض عليه والتف حوله بعض الأشخاص ، ظنًا منهم أن الرجل لصًا ، ولكن منعهم والدي خشية أن يتعدوا عليه ضربًا ، وأجبر الرجل على الحديث .
فأجابه الرجل أن هذه الشقة كانت ملكًا لسيدة عجوز ، لديها أربعة أبناء كل منهم متزوج ، والغريب أنهم كانوا يعيشون معها بنفس الشارع ، إلا أنهم كانوا مقصرين بشدة في حقها ، فلا أحدًا منهم يأتي إليها ، حتى أنها ماتت بعدما تسرب الغاز بالشقة ، ولم يعلم عنها أحدهم شيئًا ، سوى بعد خروج رائحة الجثة المتحللة ، بسبعة أيام .
وتشكك رجال الشرطة أيضًا بالأمر ، آنذاك بأن الأمر قد يكون به شبهة جنائية ، وللأسف منذ ذلك اليوم ، كلما استأجر أحدهم الشقة ، يروي أنه شاهد السيدة العجوز ، خاصة في الغرفة المجاورة لموقد الغاز .