كان يا ما كان في قديم الزمان، ملك عظيم له ثلاث بنات جميلات، وكان يحبهن جميعًا، ولكن كان يخص الصغيرة بمزيد من الحنان والمحبة. وفي يوم من الأيام، قرر الملك أن يختبر حب بناته له، فجمعهن وسألهن سؤالًا بسيطًا ولكنه عميق.
قال الملك لابنته الكبرى: "أخبريني، يا ابنتي الغالية، كم يبلغ مقدار حبك لأبيك الملك؟" أجابته البنت فورًا: "أحبك يا أبي بمقدار حب السمك للبحر." فكر الملك قليلاً وقال في نفسه: "وهل يستطيع السمك الاستغناء عن البحر؟" ففرح بإجابتها وأدرك أن حبها له كبير وعظيم. فكافأها بقصر كبير ومجوهرات ثمينة.
ثم توجه الملك إلى ابنته الوسطى وسألها نفس السؤال: "أحبك يا أبي بقدر حب الطيور للسماء." فرح الملك مجددًا وأدرك أن حبها له لا يقل عن حب أختها الكبرى. فكافأها أيضًا بقصر كبير ومجوهرات ثمينة.
وأخيرًا، توجه الملك إلى ابنته الصغرى، أحب بناته إلى قلبه، وسألها نفس السؤال. أجابته الفتاة دون تردد: "أحبك يا أبي بمقدار حب الزعتر للشطة." تعجب الملك من جوابها، وغضب عليها بشدة. لم يفهم الملك المغزى وراء هذا التشبيه البسيط والمعقد في آن واحد. فقد اعتبره تقليلًا من شأنه، فثار وضربها وطردها من القصر دون أن يعطيها فرصة لتبرير جوابها.
غادرت الفتاة القصر وحيدة، تجوب الشوارع والأرصفة بلا هدف. وفي طريقها، التقت بمزارع فقير ساعدها وأحبها وتزوجها. عاشا معًا في سعادة في كوخ صغير بوسط الغابة، بعيدًا عن المملكة والقصور.
وفي أحد الأيام، خرج الملك مع مرافقيه وحراسه للصيد في الغابة. ضل الملك طريقه، وابتعد عن مرافقيه، حتى تاه في عمق الغابة. تعب الملك من السير الطويل ووجد أمامه كوخًا صغيرًا. قرر الملك أن يطلب بعض الطعام والشراب ويستريح قليلاً.
دق الملك الباب ففتح له المزارع الفقير، واستقبله وأكرمه. نادى المزارع على زوجته لتعد الطعام للضيف المهم. دخلت الزوجة وأخذت تعد الطعام، ثم قالت لزوجها: "قدم له الدقة (الزعتر) والزيت ليأكل قليلاً حتى أنتهي من إعداد الطعام."
أخذ المزارع الدقة والزيت وقدمهما للملك. تناول الملك الزعتر ولفظه من فمه قائلاً: "ما هذا؟ هل تأكلون الدقة (الزعتر) بدون شطة؟" فجأة تذكر الملك ابنته الصغرى وحديثها عن الزعتر والشطة. انهمرت دموعه وتذكر ابنته بحزن.
تعجب المزارع من بكاء الملك وسأله: "هدئ من روعك أيها الملك، كل هذا من أجل الزعتر والشطة؟" حكى له الملك قصته مع ابنته الصغرى وإجابتها التي لم يفهمها.
ظهرت الابنة الصغرى فجأة وضاحكة وقالت: "مرحباً يا أبي، هل عرفت الآن كم أحبك؟" فرح الملك بشدة وعانق ابنته. أدرك الملك أن حب ابنته له كان عميقًا ومعقدًا مثل حب الزعتر للشطة، لا يمكن فهمه بسهولة ولكن لا يمكن الاستغناء عنه.
كافأ الملك ابنته وزوجها المزارع الفقير بمنحهما قصرين والكثير من المجوهرات. وعاشت الأسرة في سعادة وهناء، وقدمت الابنة لوالدها الدقة بالشطة، ليبقى هذا الطبق رمزًا لحبها العميق له.