عادت سارة للمنزل بعد السادسة مساء ، يكاد الإرهاق يقتلها ، وجدت المنزل هادئ على غير العادة ، بدأت تبحث عن الجميع ، وجدت ريم فى غرفتها منشغلة بصفحتها على الفيس ، سألتها
....اختك فين ونور كمان مش سامعاله صوت ؟
...رغد مع نور فى اوضته ومعاهم سهام ....
....سهام مين ؟
...أخت سناء ، جت انهارضة ، سناء قالتلى انك وافقتى تشغيلها هنا ..
...أه ، هى جابتها على طول كدة ، ونور عمل معاها ايه ؟
...دخلتله صح ، جابتله بازل على شكل طيور وحيوانات ، من وقتها وهم بيلعبوا بيها بعد ما خلص home wark بتاعه. ..
...كويس ، هغير هدومى وبعدين أنزل اشوفها. ..
...بالمناسبة ، فى واحد اتصل يسأل عليكى وقال إنه هيجيلك هنا على الساعة 8 ....
...مين ده ؟ ..
...عم حمدى ...
...عم حمدى !
...هو قال اقولك كدة وبس وانتى هتفهمى ...
...طيب ، انا طالعة ....
اتجهت لغرفتها ، ودوامة من الافكار تتيح بالاخضر واليابس فى عقلها ، ودقات قلبها تتصارع فى النبض .
خرجت من غرفتها مرتدية عباءة سوداء بها تطريز بسيط على اليد وطرحة شيفون سوداء ، سوف تستقبل الضيوف الغير مرغوب فيهم بها ...
دخلت غرفة نور ....السلام عليكم ...
...عليكم السلام ورحمة الله ...
...أنتى سهام ..
...أيوة يادكتورة ، ازى حضرتك ...
...الحمد لله ، انتى محجبة ...
...أيوة ...
...ولابسة الحجاب هنا ليه ، إحنا معندناش رجالة ، ...
...بصراحة اتكسفت اقلعه ، وبعدين انا شايفة حضرتك لابساه ..
...أنا جايلى ضيوف دلوقتى ، وكمان بقابلهم فى الصالة اللى برة ، يعنى مفيش رجالة بيدخلوا البيت ...
...حاضر هقلعه ..
..وابقى هاتيلك هدوم مريحة شوية تقعدى بيها هنا ، ولا اقولك انا عندى حاجات هنا هجيبهالك ، ماشى ، نور فين...
...فى الحمام ومعاه أنسة رغد ...
....تعرفى تعملى قهوة ..
...أيوة طبعا ...
...ممكن تعمليلى فنجان قهوة لو سمحتى. ..
...حاضر ..
خرج نور من الحمام ووجد أمه ، جرى عليها واحتضنته بشده ، فقد كان هذا الوجه الملائكى من الأسباب الأساسية التى تدعم قوتها حتى الآن .
....وحشتنى خالص ..
...وانتى كمان ياماما ، وحشتينى اوى ...
..كنت بتعمل ايه ؟
...رتب الطيور لوحدها والحيوانات لوحدها ، واللى يرتب أسرع هو اللى من حقه يحكم على التانى ، وأنا فزت كتير اوى على رغد وسهام ...
....برافو عليك ، انا مش عايزة حد منهم يفوز عليك خالص ...
التفتت لرغد ...ازيك يارغد ، عاملة ايه ...
...الحمد لله ياسارة ..
...إيه معندكوش مذاكرة ولا ايه ، دا انا جايبة سهام مخصوص عشان نور ميعطلكوش عن المذاكرة ...
...مليش نفس ، مش قادرة افتح كتاب ...
...لا بالله عليكى انتى وهى ، نس لازم نضيع ، لازم نبقى أقوى امتحاناتكوا قربت ولازم تستعدوا ، وأنا عند وعدى ، كل اللى طلبتوه لما كانت ماما موجودة هجيبهولكوا لو جبتوا تقديرات كويسة ...
...إن شاء الله. ..
دخلت سهام تحمل القهوة لسارة
...اتفضلى يادكتورة ، فى واحدة مستنية حضرتك تحت اسمها مها ...
...مها ، ومطلعتش ليه ..
...أنا رفضت اخليها تطلع ...
...ليه ؟
...ما انا معرفهاش ..
ابتسمت سارة ورغد مما فعلت سهام
قالت سارة ...غريبة ، ومها سكتتلك كدة عادى لما رفضتى...
وقالت رغد
..بصى ياسهام ، مها تبقى صاحبة سارة وزى اختنا تمام ، يعنى تعتبر من أصحاب البيت ...
...أنا آسفة ..
أجابت سارة...حصل خير ،انا نازلاها. ..
أخذت سارة قهوتها ثم نزلت للطابق الأول ، فوجدت مها فى قمة غضبها . قابلتها بابتسامة على هذا الموقف
...بتضحكى على ايه ، مين دى ؟
..دى سهام أخت سناء ، جبتها تقعد مع نور فى الوقت إللى أنا مشغولة فيه ..
...وأنا مالى انا ، انا مشوفتيش كانت بتتكلم أذاى ، عارفة لولا الظروف اللى انتوا فيها ، وربنا كنت عملتها ممسحة للبيت ..
...هههههههههههههههه ، ممسحة ، البنت متعرفكيش ، وبعدين رد فعلها ده عجبني ...
...ياسلام ، والله ، الفهولك فى ورقة ..
...ههههههههه ، مقصدش معاكى انتى تحديدا ، أقصد رد فعلها مع شخص متعرفهوش، خلاص بقى يامها ...
....تصدقى ، وحشتنى ضحكتك ، شكلك كدة احسن من امبارح شوية ...
...الحمد لله، خروجى للشغل أثر شوية ..
...والبنات ؟
...كويسين برده ، صممت انهم يروحوا الجامعة ، يغيروا جو ، الموضوع هياخد وقته برده ، تعالى ندخل المطبخ ، نعمل قهوة تانى ، البت عاملاها خفيفة اوى ، وبعدين فى حاجة عايزة احكيهالك ...
...قهوة لا ، خليها شاى ، خفى من القهوة شوية ...
...ماشى ...
بدأت سارة تقص على مها حكاية أهل والدها الذين ظهروا فجأة وكلام والدتها عنهم ، والعم الذى سيأتى بعد قليل
...ليه مقولتليش من ساعتها ...
...هتفرق ايه ؟
...تفرق كتير يابنتى ، كنت أقول لطارق ، وانتى تقولى لأحمد وهشام كمان ..
...حيلك حيلك ، هو انا هعمل حفلة ، ده مجرد كام راجل رامولى كلمتين ومشيوا ، معرفش آخرهم فين ...
...هو احنا لسة هنستنى لما نعرف آخرهم ، افرضوا طلعوا زى ما قالت والدتك واذوكى انتى واخواتك ، نعمل ايه ساعتها ، مش كدة وبس ، إحنا لازم نكلم شركة أمن ، يبعتلك body gards للبيت هنا ...
...بس بس ، ايه ، اصبرى بس اما نشوف هيعملوا ايه وبعدين نتصرف ، ولو سمحتى يامها ، متقوليش لحد على اى حاجة لحد ما أقولك ، فاهمة ..
لم تكمل كلامها حتى وجدت جرز باب الفيلا يسد الارجاء ،
...أهم جم ، خليكى هنا وخدى بالك من البنات ، مش عايزة حد يجيلى هناك ...
...هتقابليهم لوحدك ..
...أيوة طبعا ، مش عايزاهم يحسوا أنى ضعيفة ...
خرجت سارة لباب الفيلا ، ضغطت على أحد الأزرار القريبة من الباب ، فانفتح الباب اليكترونى
... دخلت سيارة جيب حديثة ووقفت أمامها ، خرج السائق وفتح الباب الخلفى للسيارة ، ظهر منه عمها حمدى فقط ،
...غريبة ! فين بقية الجيش ، جاى لوحدك ليه ؟
ابتسم لها ثم رد عليها بلهجته الصعيدية
...بتتريجى يابت دولت ...
...بنت دولت تانى ، هو ايه حكايتكوا، هو فى بلدكوا بتندهوا الناس بأسماء أمهاتهم ولا ايه ..
...مش بجولك بتتريجى ، فى ناس يندهوكى باسم أمك كأنها شتيمة ، وناس تانية يندهوكى باسم أمك لأجل يفتكروها بيكى ويزودوا حبك فى جلوبهم يابتى ...
احست سارة بالمرارة والحزن فى اخر كلماته ،وقالت
...مش فاهمة ، حضرتك تقصد ايه ؟
...متخديش فى بالك ، هفضل نتكلم على الباب اكدة ، ايه ، مش عايزة تدخلينى بيتك ولا ايه ؟
...أذاى ، انا بنت أصول برده ، وأمى ربتنى كويس ، عمرى ماأطرد حد يجيلى بيتى ، اتفضل ..
وأشارت بيدها فى اتجاه الصالة الخارجية ، دخلا للصالة وجلس على أحد الكراسى ، ظلت هى واقفة ثم سألته
...تحب تشرب ايه ؟
...دايما عامر ، اجعدى بس عايزة اتكلم معاكى كلمتين ..
...المطبخ هنا ، مش هدخل البيت ...
...يبجى جهوة لو مش هتعبك ...
...ثانية واحدة ...
دخلت للمطبخ التحضيرى البسيط بجانب الصالة ، وهى تصنع القهوة سألت نفسها ، لماذا ترتاح لهذا الرجل ، لماذا تصدقه ، هل بسبب ما قالته أمها عنه قبل وفاتها، إنه انسان جيد وشريف ، لكن أمها لم تتعامل معه من سنين تتعدى الخمسة عشر عام ، والسنين تغير الناس بالتأكيد ،
قدمت له القهوة وجلست على الكرسى المقابل له
...اتفضل حضرتك قول اللى عندك ، بس لو فى الموضوع اللى اتكلمتوا فيه قبل كدة ، يبقى مفيش داعى ، اللى عندى قلته ونهينا الكلام فيه ...
...براحة شوية يادكتورة ، واسمعينى للأخر ..
...اتفضل ..
...جولتيلى كلمة المرة اللى فاتت ، مجادرش أنساها ، لجمتنى اول ما سمعتها منك ، جولتيلى أن دولت كلمتك عنى ، بصراحة مصدجتش حتى أنها فكرانى ...
تنهد بمرارة وكأنه يحاول إخراج الحزن مع الهواء الذى يزفره ، ثم أكمل ... والدتك شفت كتير جوى يابتى ، انا مكنتش موجود وجتها ، لما رجعت لجيت كل حاجة تمت من غير علمى ، جوازها من ابوكى وميراثها اللى انا زلت عنه لجدك ، وحتى معرفتش كل ده تم ازاى غير بعد ما جدك طرد ابوكى وأمك من البيت ...
....براحة عليا شوية كدة عشان أبقى معاك على الخط ، أمى لما حكتلى عنك ، كلمتنى عنك كشخص ، مقالتليش أن كان فى حاجة بينك وبينها ...
...كنت متأكد أنها مهتحكيش عن أكده ، كنت متفج انا ودولت على الجواز من جبل ما اسافر ، وأننا هنتممه بعد ما أرجع طوالى ، لكن ابوى الله يسامحه عارف انه لو كان جوزهالى ، كنت هحميها منه ، ومش هسيبه يجرب ليها ولا لميراثها ، وطلبتها قبل ما اسافر ووافق وبعدين سفرنى، و استغل سفرى وجوزها لمحمد اخوى غصب عنها ، وفضل وراها لحد ما مضاها على أرضها كلتها ، ولما رجعت كانت كل حاجة ضاعت ، ومجدرتش أعمل حاجة يابتى ، سامحينى يابتى ، كان نفسى احميها ومجدرتش ...
سكت ونظر للارض وكأنه يحاول التماسك بعد كل ما قال
أما سارة فقد استشعرت الصدق والحزن والندم فى كل كلمة قالها ، فهى قلما ما كان يخطئ احساسها مع أحد ،
...كنت بتحبها ؟
... من أول ما وعيت عينى عليها لمارجعت مع أمها للبلد ، أبوها مخلفش غيرها بعد ساب أمها واتجوز واحدة تانية ، ولما مات رجعوها عشان هى وريثته الوحيدة ...
...لو كان فعلا كل اللى بتقوله صحيح ، وأنك ندمان انك مقدرتش تحميها ، فالاقدر بيك انك متحاولش تأذى بناتها بعد ما ماتت ،مش تيجى تساعدهم ...
انتفض هو إثر كلماتها الموجهة كالنار له
...لاه ، لاه يابتى ، انا مش جاى اأذيكوا ، انا جاى امنعهم لو حاولوا يأذوكو ، وهم ناويين يابتى ، مصممين يرجعوكوا بأى تمن ...
...عشان فلوسى، صح ...
...للأسف ، صح ...
...أنت عارف أنى عندى استعداد أى شئ عشان امنعكم ...
...مهتقدريش يابتى، فمتحاوليش اصلا ، الحل الوحيد جدامك انك تبعدى عنهم ، لازم نشوف حل وسط يبعدهم عنك نوهائى ، انى نفسى مقدرتش عليهم ، بعدت عنهم خالص ، لا بدخل فى اللة بيعملوه ، ولا هم يدخلوا فى حياتى ، حتى ولادى درسوا اهنه فى مصر ، واحد منهم رجع بعد ما خلص والتانى رافض يرجع خالص ...
...والحل ايه من وجهة نظرك ...
...تتجوزى يابتى ، تبجى فى عصمة راجل يمنعهم عنك ...
...افندم ، اتجوز ، هو ده الحل ...
...ومهتلاجبش حل غير ، مش أكده وبس ، ميكونش أى راجل ، لازم يقدر يجف جسادهم ...
...أنت بتقول ان الشر فيهم ، وأن الدم عندهم سهل ، يبقى مين اللى ممكن يقف لهم ...
...يبجى مفيش غير الحل التانى ..
...اللى هو ايه ؟
..تتجوزى واحد منهم ...
..نعم ، انت بتقول ايه ؟ ..
... اسمعينى للاخر بس ، هم مبيئذوش رجالة عيلتهم واصل ، بدهم يوسعوا ويكبروا العيلة برجالتهم. ..
...يعنى انت عايزنى عشان اهرب منهم ، أقوم اتجوز واحد منهم ، تصدق والله حل رائع ...
وقفت سارة غاضبة قائلة ...تصدق فى الاول صدقت وحسيت انك خايف عليا بجد ، جاى تشتغلنى حضرتك ، بتلبسنى فى حيطة ، فاكرنى عيلة صغيرة هتضحك عليها ..
..حلمك عليا بس ، انتى فهمتينى غلط. ..
...غلط ولا صح ، انتهينا ، وحلك مرفوض ..
..براحة يابت دولت ، عندهم استعداد يعملوا اى حاجة عشان يوصلوا لفلوسك ، وأن رفضتى ، ممكن يجتلوكى ، هيعملوها ، وخواتك وابنك يورثوكى ، وهيعرفوا يرجعوا خواتك ليهم ، ماهم صغار وميعرفوش حاجة ...
...أنت بتقول ايه ؟ ايه الجنان ؟
...اللى سمعتيه ، لو أمك عايشة كنت هجولك اسأليها عملوا معاها ايه عشان يخدوا أرضها ...
...وانت عايزنى أعيش نفس السيناريو دلوقتى ، اتجوز واحد منهم عشان يعملوا اللى هم عايزينوا فيا براحتهم ..
...لاه ، هى دى الحكاية ، اللى هتتجوزيه مهيسمحلهمش باكده. ..
...يعنى إيه ...
...يعنى الفكرة فى مين اللى هتتجوزيه. ..
...يطلع مين أن شاءالله. ..
...ولدى ، هجوزك ولدى ، جاسر ...
...إيه اللى انت بتقوله ده ...
...والله يابتى ، انا خايف عليكى ، جاسر عايش اهنه من اكتر من 15 سنة ، ملهش أى معرفة بيهم لا من جريب ولا من بعيد ، ورافض انه يرجع البلد نهائى بسببهم ، اتجوزيه يابتى ، حتى لو موجتا ، لحد ما يشيلوكى من حسابتهم ، وبعد أكده اعملى اللى انتى عايزاه ، انتى وراحتك ..
..أنت فعلا بتتكلم بجد بقى ..
..طبعا ، انا جلتلو وهو وافج يساعدك يابتى ، عنده استعداد يعمل أى حاجة يكسرهم بيها ، فكرى يابتى ، فكرى كويس ، وهتلاجى أنى عندى حج ، انا هسيبك دلوقتى ، وده الكارت بتاع ولدى ، هو مهندس معماري مشهور ، ومكتبه معروف ، اسألى عنه وفكرى ، بس بسرعة ، لأنهم هم كمان هيتصرفوا بسرعة ...
خرج بهدوء من الصالة ، وهى لم تتحرك من على الكرسى ، وكأنها ثبتت بأغلال فى الكرسى الذى تجلس عليه
...ده جنون ، مستحيل يكون فى كدة ، يااما أسلم لهم ، يااما اتقتل ، يااما اتجوز بالطريقة دى ، والله واعلم هو صادق فى نيته فى مساعدتى ، ولا هو بيساعدهم هم ،، انا هتجنن ، عقلى هينفجر ،،ساعدنى يارب ،،، ساعدنى ...