الجزء 43

 أمن البوابة اتصل وبيقول أن أحمد نور الدين برة والأمن فتحله. ..

انتفض سليم من رقدته وهو يقول 
..، ايه ، أحمد ،،، هنا ، اذاى ، عرف منين ...

قام من على السرير بسرعة ووقف فى الشباك ،، كانت سيارة أحمد قد دخلت الفيلا ، ومنع الامن باقى السيارات من الدخول ،
ترجل أحمد من السيارة ، فى حين أن الجد يقف قبالته فى الشباك ،
تعلقت عين كل منهما بالآخر لوقت طويل ، ابتسم أحمد ابتسامة انتصار مع سخرية بجانب فمه ، وتوجه لباب مبنى الفيلا ، 
أما الجد فعلى وقفته ، ووضع كلتا يديه على حافة الشباك وهو لا يصدق أن أحمد بدأ يتوغل فى حياته بهذا الشكل ، معنى ذلك أنه يتابعه منذ وقت ، وما يقلق حقا أن يكون علم ما هو أكثر من ذلك .

دخل أحمد من باب الفيلا بعدما فتح له الخادم ، وقف فى الصالة الكبرى قبالة السلم المؤدى للدور الثانى ، وقف واضعا كلتا يديه فى جيبى بنطاله وانتظر نزول جده ، 
نزل جده بخطوات متثاقلة ووقف قبل ان ينتهى السلم بثلاث درجات ، وقف بمواجهة أحمد وكل منهم يتطلع للأخر بنظرة غير مفهومة ،

تقف نرمين خلف ستار المدخل المؤدى لغرفتها تتابع الموقف بين العملاقين، 

قطع أحمد خط الصمت والنظرات الذى بناه كل منهما فى لحظات ، قطعه بقوله 

... سليم باشا ، سليم باشا ، سليم باشا نورالدين ، رجل الاقتصاد الأول ، اسمه بس يهز عالم رجال الأعمال كله ، كلمته بتمشى على بلد بحالها ، 
ليه ؟ ليه ياجدى ؟ ليه سرى ؟ وليه عرفى ؟
لو قلت أنك هتتجوز ، مين كان يقدر يقولك لأ ولا عشان هى قد احفادك ....

... أنت هتحاسبنى ياأحمد ...

... لأ طبعا مقدرش ، لا انا ولا غيرى ، وهى دى الفكرة ، فليه بقى ...

رفع سليم وجهه بترفع وأكمل نزول السلم و، مر من جانب أحمد وقال ... تعالى ... 
واتجه إلى أحد الأبواب المغلقة ، وتبعه أحمد ،

كانت غرفة مكتب واسعة وراقية جدا ، 
جلس سليم على مكتبه ، اختار أحمد كرسى بعيدا نسبيا عن المكتب وجلس عليه ووضع قدم فوق الأخرى ، وهذه اول مرة يفعلها وتعمدها ليرى رد فعل جده عليها ،

لاحظها الجد ، وتعمد هو الآخر التجاهل ، وهذا ما اقلق أحمد فعلا ، فلم يتعود هذا التجاهل من جده الا اذا كان يريد تجنب الصدام معه ،

... إيه اللى جابك هنا ياأحمد ، انت عرفت وخلاص ، جاى ليه ؟

. ... بتهزر ، صح ، جاى اشوف مرات جدى ...

... أحمد. ..

... عيون أحمد ...

... الزم حدودك واتعدل فى الكلام ، متنساش أن انك اتجوزت من ورايا وغصب عنى كمان ...

... عشان كدة كنت عايز تخلص منها ...

تلجم سليم وتجمد جسده تماما ، وخلى وجهه من أى تعبير فقط عينيه متعلقة بأحمد بنظرة فارغة متفاجأة دون أن يرد ،

ولم يزد أحمد كلمة بعد سؤاله ، فقط انتظر ليرى رد الفعل ويسمع ما سيقوله ،
مجرد صدمته من السؤال وصمته بهذا الشكل الذى لم يدوم إلا لحظات و الذى بالطبع كان على غير ارادته أكد لأحمد انه متورط فى الامر ولو من بعيد حتى لو بالعلم فقط ،
تمالك الرجل نفسه وابتلع مفاجأته فى لحظات معدودة ، ورد عليه ... تقصد ايه ؟

... طول عمرك ياجدى بتحاول تخلص من اى واحدة ست تدخل حياة اى واحد فينا على غير إرادتك ، ومنكرش انك بتعرف وباحتراف كمان لكن عمرك ما فكرت فى القتل ، 
اشمعنى المرة دى ومعايا انا بالذات ....

... أنت بتخبط تقول ايه ، قتل ايه اللى انت بتتكلم عنه ؟

وقف أحمد وعيناه فاضت بعتاب قاتل لجده وقال

... ولا حاجة ، اعتبرنى هيست ، الحادثة والغيبوبة أثروا على عقلى ...

ثم اقترب منه بخطوات بطيئة ونظرة متحجرة ، وبيده اليمنى أمسك طرف ظهر الكرسى الذى يجلس عليه جده ، وأداره للخلف ليكون جده مواجه له ، ثم انحنى ليكون وجهه قريبا من وجه جده لا يفرقهما إلا سنتيمترات بسيطة ، ومازالت يده ممسكة بظهر الكرسى ، وقال بصوت منخفض نسبيا ولا يسمعه إلا جده ،

... بس اللى عايزك تتأكد منه انى مش هرحم اى مخلوق له يد فى اللى حصل ، سواء كنت أنا المقصود أو هى ، واعتقد انك عارف كدة كويس ....

ثم اعتدل و تركه وخرج دون حتى إلقاء السلام عليه ،تركه وسط حالة من الذهول والغضب ، الآن هو متأكد انه يعلم شيئا عما حدث ، أن لم يكن قد علم كل شئ ، 

خرج أحمد من باب غرفة المكتب ، وهو فى طريقه للخارج ، وجد نرمين تقف فى منتصف السلم ، عندما رأاها توقف وتطلع عليها ، كانت نظرته خالية من أى دلالة أو تعبير ، فهو لا يعرفها ولا يهتم من الأساس ،
أما نظرتها هى فقد كانت مختلفة تماما ، فقد حملت لمحة من تحدى وشماتة غير مفهوم أسبابها ، وامائت برأسها كتحية له ،

كانت مجرد حركة ونظرة منها لكنها أعطته نبذة صغيرة عن صاحبتها ، 
تركها وخرج ، وعندما وصل للسيارة ، كان جلال ينتظره بجانبها ، قال له وهو يدخل السيارة وجلال يتبعه ،
... البت دى مش سليمة ، فيها حاجة غلط ، قلب وراها كويس ، وترد عليا بسرعة ،

... حاضر يافندم ...

وبشأن ما حدث منذ قليل فقد تعمد أحمد أن يخبر جده بشكه فيه ، أراد منه أن يتوتر أو يقلق أو على الأقل يتخذ اى إجراء احتياطى ولو بسيط ضد أحمد ، كل الأماكن حوله مراقبة الآن ، حتى منزل زوجته الحالية ، تم مراقبة وزرع ميكروفونات فى كافة أنحاء المنزل إلا غرفة المكتب ، فسليم يغلقها بمفتاح وكالون محكم ولا يتم فتحها إلا وهو موجود ، وهذه المرة قد فعلها أحمد بنفسه ، فقد زرع الميكروفون فى ظهر الكرسى عندما كان يديره بجده ليواجهه ، وكانت هذه هى الطريقة الوحيدة لدخول هذه الغرفة . 
معنى ذلك أن اى رد فعل لجده سيكون على علم به فورا .

وقد كان ، ارسل سليم طالبا هاتفه من الدور العلوى واتصل من فوره بهشام ، 

... الو ، ايوة ياهشام ، انت قابلت أحمد اليومين اللى فاتوا ،، يعنى معرفش منك اى حاجة ،،
اذاى ؟ أنا متأكد انه يعرف حاجة ، ده تقريبا كدة كان بيهددنى ، كان ناقص يقولها مباشرة ،، ماشى ،، كلم الحيوان ده واتأكد منه وتكلمنى تانى تعرفنى ،، انا مستنيك ... 

وضع الهاتف على المكتب سند على المكتب بزراعيه ،واحتوى وجهه بكفى يديه ، وهو يفكر فى شيئا واحدا ، ماذا سيفعل أحمد أن علم أنه المسؤول عن إطلاق الرصاص عليه حتى وإن كان المقصود هى ، فهو مهتم بها هى أيضا ، وقد يكون انتقامه هو نفسه أن كانت هى من أصيب .

دخلت زوجته من الباب بعد أن طرقته ، ودون أن يرفع رأسه قال 
... سيبينى دلوقتى يانرمين ، مش عايز أتكلم خالص ...

عادت أدراجها مرة أخرى دون أن تفهم شيئا وتركته وحيدا يفكر فى رد فعل احمد وما سيفعل حياله . 

...........................................

بدااية الغيث قطرة ، وقد كانت هذه المكالمة هى القطرة التى ارادها أحمد ليتأكد ، لينهمر بعدها غيث ما حدث بالكامل، 
، فقد كان جالسا فى السيارة ، لم يصل للبيت بعد ، كان يستمع لمكالمة جده مع ابن عمه وهو فى قمة الغضب الممزوج بالإحباط ، 
فقد تمنى أن تكذب كل الأدلة التى جمعها وتدين جده ، والآن هشام هو الآخر ، ومن يدرى من أيضا معهم فى هذا ،
الآن أهم أفراد عائلته هم من ارادوه ميتا أو حتى أرادوا زوجته هكذا ، المهم انه سيف الخيانة ، وقد طعن به وقد فات الأوان ، وممن هم من دمه .

.........................................

كانت تجلس فى الشرفة تنتظره ، انتفضت فور رؤية ضوء السيارة من بعيد ، اقتربت من حافة السور لتراه أفضل ، فضوء الحديقة خافت جدا ، والرؤية البعيدة من خلاله مستحيلة ،

اقتربت السيارة حتى توقفت امام الباب نزل من السيارة ورفع عينه لها ، وقف لدقيقة عينيه متعلقة بها ، وهى أيضا، 
صدمها ما رأته فى عينيه ، هذه النظرة لم ترها منذ سنين ، بل الأصح انها لم ترى هذه النظرة إلا مرة واحدة فقط على مدى سنتين عاشتهم معه فى منزله و 10 شهور زواج ، يوم وفاة جدته .
لن تنساه ابدا فى هذه الليلة ، كان وجهه كما تراه الآن ، مزيج من الحزن والضياع والغضب ، وياليتها قد استطاعت التخفيف عنه رغم أنه اخبرها انها بالفعل قد فعلتها .

انتظرته حتى يصعد لها ، لكنه لم يفعل ، وكما فعل منذ سنوات وهو على نفس الحالة ، فضل الجلوس وحده و اتجه لمكتبه ، ألقى بجسده على الاريكة ، سند ظهره للخلف واغلق عينيه ، 
دخلت سارة بهدوء ، جلست بجانبه ، رفع رأسه ، وتطلع لها ، ثم عدل وضعه ونام ووضع رأسه على فخذها واخفى وجهه فى خسرها وهو يقول ،
... انا تعبان اوى ياسارة ، هدينى ، هدينى ياسارة ، ساعدينى أبطل تفكير ، قولى اى حاجة ، مع انى أشك انى اللى فى دماغى ده يطلع ..

أرادت أن تشتت عقله فعلا عما يدايقة ، فهى تكاد تكون واثقة انه يحمل فى قلبه وعقله ما تحمله الجبال ، 
... أنت بتتحدانى ...

نظر لها بجانب عينيه وابتسم ابتسامة صفراء دون معنى ، أكملت هى 

... قوللى الأول ، انت ليه شايفنى صغيرة وضعيفة ...

... أنا، بالعكس انت مش عارفة اصلا انا شايفك اذاى ، ليه بتقولى كدة ... 

... اللى جواك حابسه ومداريه عنى كأنى مش هقدر أتحمل اسمع أو اعرف ...

... ابدا والله ياسارة ، كل الحكاية انى شايف انه كفاية عليكى اللى فات ، خليلى انا اللى جاي ...

..، وأنا مش عايزة كدة ، مش عايزاك تعزلنى وتفصلنى عنك لمجرد انك خايف عليا ، انا عايزة أكون معاك فى كل حاجة ، شاركنى واحكيلى ، أمال انا مراتك وشريكة عمرك اذاى ، ولا انت اصلا ناوى تعاملنى زى ما كنت بتعاملنى زمان ، كل اللى بينا سرير وبس ...

اتسعت عيناه و انتفض معتدلا وعلا صوته وهو يقول 
.. سارة ...

... إيه ، مش دى الحقيقة ، لما كنت بشتغل عندك ومكنتش بتقوللى حاجة ، قلت ماشى ، يقولك ليه ، دا انتى مجرد واحدة بتشتغل عنده ، وبعدين بقيت مراتك ، صحيح اتفقنا أن محدش يسأل حد عن الجزء التانى من حياته ، وميطلبش منه معلومات مش عايز يقولها ، بس برده كنت بزعل اوى ، لما بتسكت متتكلمش خالص وانت مدايق أو زعلان من حاجة ، 
ناوى على المعاملة دى دلوقتى ياأحمد ...

مد يديه وجذبها لحضنه ، ضمها ليهدئها برغم انه هو من كان منذ دقائق من يحتاج لتهدئه وتخفف عنه ، رفعها واحتوى وجهها بين يديه وهو يقول بحنان 
... ياعبيطة ، انتى بقيتى عمرى كله ، مش قاصد اخبى حاجة ، انا بس خايف عليكى والله ، اللى عندى تقيل ومش سهل ابدا ، خلينى اشوف هعمل ايه الأول وبعدين هحكيلك....

رفعت كتفها كالاطفال وهى تقول 

... مليش دعوة ياسيدى ، انا عايزة اعرف كل حاجة ، مش يمكن تكون عارف واحدة عليا ولا حاجة ، الحق نفسى من الأول ...

ضحك أحمد ضحكة صافية وبقهقهة عالية جدا ، اسعدتها ضحكته حقا ، فقد ربحت التحدى ، 

قال وهو يضحك ... الستات هم الستات ...

... عندك حق ، وأن كيدهن عظيم ...

تطلع لها باستفسار ليفهم مغزى جملتها ، فابتسمت وأكملت 

... أنت اتحدتنى انى مش هقدر اخفف عنك ولا هقدر اشغلك عن اللى بتفكر فيه ، وادينى قدرت ، تنكر ...

استمر ينظر لها فى دهشة دون أن يتكلم ، هى فعلا قد فعلتها ، ببعض كلمات منها اخرجته من حالته وشتت ذهنه عما كان يفكر فيه ، بل وجعلته يضحك من قلبه ، 
ضحك ضحكة بقهقهة أعلى واطول مما سبقتها وهو يرفع المسند الجانبى للاريكة ويلقيه عليه ، 
قررت أن ترده ليكملا مزاح ، لكن صوت تنبيه الاميل على اللاب أخرجهم من حالتهم هذه ، 

قام أحمد له وتبعته سارة من قلقها بعد تغيير ملامحه فجأة ، 
فتح اللاب ليرى الاميل ، كان اللاب مغلق على آخر نافذة مفتوحة وهو الملف الذى أرسله جلال له عن جده وزوجته وفى أعلاه صورتها ،

انتفضت سارة وتبدلت ملامحها فور رؤية الصورة د وقالت برعب 

... استنى استنى ، مين دى ، وايه اللى جاب صورتها هنا ...

... أنتى تعرفيها ...

... قوللى الأول ، مين دى وايه علاقتك بيها ؟

... أنا معرفهاش ، أول مرة اشوفها انهارضة ، تبقى مرات جدى ، وأول مرة اعرف انى جدى متجوز انهارضة بس ، ...

... مرات جدك ، ازاى ، مستحيل ، وصلها ازاى دى ، ووافق يتجوزها ازاى اصلا ... 

... مين دى ياسارة ، وتعرفيها منين ؟

...ا انا أعرفها عز المعرفة ، دى نرمين ، اخت جوزى اللى مات ، تبقى أخت أشرف اللى انا كنت بحكيلك عنه انهارضة ....

يتبع



إعدادات القراءة


لون الخلفية